مهى خزامي: فعل الخير هو عمل حبّ صاف..ومستمرون عن بعد أيضاً

“البلد الذي يعطي أهله وزواره الكثير ولا يبخل عليهم بالعلم والمعرفة والثروة يستحق منّا أن نردّ له ولأبنائه الجميل” بهذه الكلمات تبدأ اللبنانيّة مهى خزامي كلامها. افتتحت قبل 18 سنة مركز “أولادنا لذوي الإعاقة” في الشارقة في الإمارات العربيّة المتّحدة، وعملت لسنوات طويلة في خدمة الأطفال الذين يعانون مشاكل ذهنيّة وخلقيّة. ولم تهدف يوماً إلى تحقيق ربح مادي أو شهرة أو ظهور تحت الأضواء، بل أرادت أن ترى الضحكة على وجوه بريئة لا ذنب لها سوى أنّها مختلفة. ورغبت أن تساعد أهل شعروا في مرحلة ما بالضياع والخوف على مستقبل أطفالهم الذين يختلفون عن أقرانهم وحتى عن إخوتهم، فكانت بالنسبة للكثيرين ذلك الضوء في آخر نفق معتم.

 

سألناها: ما الذي دفعك قبل سنوات طويلة إلى التخصّص في مجال الإعاقة العقليّة؟، فأجابت: “ورثت عن والدتي حسّها الإنسانيّ العالي وشعورها مع الآخر، فهي افتتحت جمعيّة خيرية في لبنان في الخمسينات وكانت تأخذني معها إلى الفعاليات التي تنظّمها، فكبر وفي داخلي حبّ كبير لتقديم المساعدة، وحين وصلت إلى الجامعة أراد والدي أن أكون مهندسة لكي أستلم وظيفتي معه ودخلت الكلية، إلّا أنّني لم أكن سعيدة طوال الوقت ولم أشعر أن رسالتي تقضي بأن أكون مهندسة. فقرّرت تغيير اختصاصي رغم معارضة أهلي ودرست الإعاقة العقليّة والذهنيّة وبدأت في العمل سريعاً مع الأطفال ولم أكن أهتمّ للتعب أو المجهود الذي أبذله فكل همي كان أن أضمن للصغار مستقبلاً آمناً وأساعدهم لاكتشاف طاقاتهم الكامنة. فكلّ طفل حالة خاصّة تحتاج إلى متابعة حثيثة ومتواصلة. أمّا تأسيسي لمركز أولادنا فجاء بعد الإصرار الذي تلقّيته من أهل الكثير من التلاميذ الذين تعاملت معهم والذين رغبوا بمركز مختصّ وموثوق يضعون صغارهم فيه ليكسبوا المهارات اللازمة لضمان حياة مستقبليّة ناجحة».

وعن الرسالة التي ترغب بإيصالها من خلال عملها الإنساني، تقول: «أسعى مع كلّ العاملين معي إلى تحويل الألم إلى أمل. صحيح أنّ الاختلاف صعب وقاس أحياناً ولكن لا يعني أنّ الأطفال غير قادرين على العطاء، فأيّ صغير لديه إعاقة يجب أن نتعامل معه بصبر ونعدّ له خطّة خاصّة بحالته ونتابعه على الدوام لنرصد مدى تحسن حالته. فحين يأتي الطالب إلى مركزنا، أفكّر: ما الذي سيخدمه وكيف سيكون مستقبله بعد سنوات؟ أيّ مجال سيبرع فيه أكثر من غيره؟ لدينا اليوم 70 طالباً تتراوح مدّة تواجدهم في المركز من سنتين إلى 3 سنوات ونحن نتابعهم بعد الخروج ونرصد مدى اندماجهم في المدارس كما أننا نسعى لتأمين وظائف لهم في البلديات مثلاً أو في مصارف ومؤسسات ماليّة. ولدينا في المركز موظفة كانت طالبة لدينا وباتت اليوم من كادرنا الوظيفي».

وتضيف: «نفتخر أنّنا مركز مؤهلّ لأخذ شهادات من دولة الإمارات وتعترف وزارة التربية بتقييماتنا وقد حصلنا على الكثير من الجوائز والتكريمات على عملنا والسبب تفانينا وتنظيمنا والبرامج التعليميّة المتقدّمة التي يحصل عليها طلّابنا، فالمركز يضمّ عدّة أقسام متخصّصة تتكامل في ما بينها من أجل أفضل خدمة، وهي القسم الإداري والقسم النفسي الذي يضم 3 أخصائيّات مؤهّلات، وقسم العلاج الوظيفي وقسم علاجات خاصّة وقسم لغة ونطق وقسم تربية خاصّة للياقة البدنية وقسم تأهيل مهني وفني. كما أنّنا نعدّ للطالب منذ لحطة دخوله إلى المركز خطّة تربويّة خاصّة له ونشارك مضمونها مع الأهل حتى يكونوا على دراية بما ينتظر الطفل منذ يومه الأول معنا».

أمّا عن المشاكل التي يعاني منها الصغار الذين يتواجدون في المركز فتقول «نستقبل الأولاد الذين يعانون اضطراب التوحّد ومتلازمة داون والشلل الدماغي ومختلف أنواع الإعاقات الذهنيّة، كما نقدم في فترة بعد الظهر دروس خاصّة للأطفال الذين يعانون تأخراً ذهنياً وعقليّاً كمن لديهم مشاكل في النطق أو القراءة والكتابة وذلك لنساعدهم على حلّ مشاكلهم ليتمكنوا من اللحاق بمستوى رفاقهم في المدارس العاديّة. وأشدّد هنا على أهميّة مشاركة الآراء بين الفريق المتابع للطفل ليدرك الجميع مدى التقدّم المحرز وماهيّة المشاكل التي يعانيها الصغير والسبل الأفضل لتخليصه منها».

ومهى هي المحرّك الأساسيّ لخلية النحل الكبيرة التي تعمل من دون كلل لمساعدة الأطفال، فتستقبل دفعة وتودّع أخرى، فما الذي يحرّكها أو يساعدها على الاستمرار في ظل غياب الدعم الماديّ الكبير؟ تقول: «أنا شخصيّة غريبة بعض الشيء ومختلفة عن معظم الناس، لا يعنيني المال أبداً ولا أفكر أبداً بالمردود المالي للعمل. نحن نعمل ونجني المال لنعيش ولكن هل هذا يعني أنّنا سنكون سعداء؟ للأسف لا، فلا يوجد أيّ رابط بين المادّة وإحساسنا بالفرح، وبالنسبة لي ما يجلب لي الرضا والسعادة الحقيقيّة هي رؤية طفل صغير يقوم بأمر ما للمرّة الأولى، أو نظرة فخر من والديه بما بات قادراً على القيام به، أو كلمة شكراً صادقة تصدر منهم... هذه الأمور تنسيني التعب والإرهاق وكثرة العمل. كذلك، إنّ قضاء الوقت مع الصغار يعيدني إلى طفولتي ويخرج أجمل ما فيّ، ولذلك لا أندم أبداً لأنّني اخترت هذا الطريق لحياتي حتى أنّ أولادي يدعمونني لأنّهم يدركون جيّداً القيمة الإنسانيّة والأخلاقيّة العالية لما أقوم به».

وعن كيفيّة عمل المركز بعد انتشار فيروس كورونا والالتزام بالحجر المنزلي، تقول مهى: «قبل أن تزداد خطورة الأزمة جمعت فريق عملي وقرّرت حفاظاً على سلامتهم وسلامة التلاميذ البدء ببرنامج تعليم عن بعد لمختلف الأقسام وقد قمنا سريعاً بإعداد ملفات مفصلّة فيها مختلف الدروس المطلوبة من كلّ تلميذ لمدّة أسبوعين وسلمناهم للأهل. وقد جاوبنا ونجيب حتى اليوم عن كل تساؤلاتهم حول ما هو مطلوب من الطفل في المنزل. كذلك، إنّنا نجري معهم اتّصالات هاتفيّة وأخرى عبر الفيديو لنتحاور ونعرف المزيد عن وضعهم، وننسّق معهم كيفيّة تقسيم وقتهم بين أولادهم الأصحّاء وبين ذوي الاحتياجات الخاصّة. فالأم أيضاً تشعر أنّها منهكة في هذا الوقت لأنّ عليها إدارة وقتها بين أكثر من مهمة، ومن واجبنا مساعدتها خاصّة في ما يتعلق بطفلها ذي الوضع الخاصّ، لتمر هذه الفترة بسلام».

وتكمل: «مهمّتنا أن نظلّ مصدر دعم وتقوية للأهل لأنّنا اختصاصيّين، علينا أن نمدّهم بمعرفتنا وخبرتنا ونشجّعهم كي يظلوا إيجابيّين ولا يسمحوا لأيّ إحساس بالإحباط أو اليأس أن يسيطر عليهم، لأنّهم بهذه الطريقة يؤثرون سلباً على أولادهم».

وبمناسة شهر رمضان، وجّهت مهى رسالة للمجتمع الإماراتي خصوصاً وللشعب العربي عموماً، فقالت: «إنّه شهر العودة إلى الله سبحانه وتعالى والرجوع إلى الذات، فلنعزز إيماننا ونزرع المزيد من المحبة والخير، وسنحصد بالتأكيد ولو بعد حين. فلنزيد من العطاء والإحسان حتى لو تبرعنا بالقليل، فنحن بذلك نسعد أنفسنا قبل أي شخص آخر، ولنبتعد عن المشاعر السلبيّة وتمنّي الأذى للغير. لتكن مشاعرنا صافية ونوايانا سليمة ولنعد إلى القيم الأخلاقية والدينية التي من شأنها أن توصلنا إلى الرضا والسعادة. علينا أن نستفيد ممّا يحصل في العالم، رأينا كيف تمكّن فيروس صغير من تغيير كلّ حياتنا، فلنركز إذاً على ما هو مهم، على علاقاتنا الإنسانية، ونقوّيها ونعتمد عليها. ولنبتعد عمّا يؤذينا ويؤثّر سلباً علينا من التفكير الدائم بالمال والمصالح والعمل، ونسيان الأهل والأقارب والصداقات، فلنعيد ترتيب أولوياتنا لنحسن حياتنا ومستقبلنا».

اقرئي أيضاً: Net-a-Porter تطرح سلسلة بودكاست بالتعاون مع 7 نساء مؤثرات

 
شارك