جويس عزام وتحدي القمم السبع
بخطوات بسيطة ولكن ثابتة تمكّنت اللبنانيّة جويس عزام من تحقيق حلمها وهو تسلّق أعلى سبع قمم في العالم، لتكون أوّل لبنانيّة تحقّق هذا الإنجاز، هي متسلّقة جبال، حائزة على شهادة دكتوراه في علم المحافظة على الإرث الطبيعي، ورائدة أعمال وناشطة في مجال البيئة، أمّا مشروعها المقبل الذي ينطلق خلال أيام قليلة، فهو مبادرة لتنظيف جبل إفرست بعنوان «أصوات إفرست”، تتعامل فيه مع العديد من الجمعيّات العالميّة. التقيناها كي نتعرّف على مسيرتها وطريق نجاحها.
هل كان من الصعب عليك أن تتخلّي عن الحياة المهنيّة التي تؤمّن الاستقرار المادّي والنفسي للحاق بشغفك الرياضي؟
درست الهندسة وكان طموحي أن أكمل الدراسات العليا في إيطاليا في مجال المحافظة على المدن الأثريّة، وهذا ما قمت به وبعد أن انتهيت اكتشفت أنّني شغوفة بالأبحاث، وقرّرت أن أكمل الدكتوراه في أميركا، أقول ذلك كي أؤكّد لك أنّني لم أتخلّ أبداً عن حبّي لمهنتي بل كانت سبباً وراء طموحي الرياضي فأنا قرّرت أن أسافر إلى كلّ قارة وأتسلّق سبع قمم بعد أن اكتشفت متعة السفر، وبالتالي فإنّ إنجازي الرياضي لم يبعدني عن دراساتي، لا أنكر أنّهوفي مرحلة ما كان عليّ أن أقرّر الاستمرار أو التوقّف بعد أن واجهت صعوبات ماديّة، حصل ذلك في العام2017 إذ لم أجد من يموّل مشروعي، ففي لبنان يصعبعلى امرأة رياضيّة أن تحصل على دعم مالي كبير، والرحلات تتطلّب مبالغ كبيرة جدّاً، ولكن ما جعلني أرفض عرض الوظيفة الثابتة هو طفل صغير كتب لي عبر أحد مواقع التواصل: “أنت الباحثة البطلة في نظري”، طلب منّي صوراً عن رحلاتيكي يعرضها على رفاقه في الصفّ، فما كان منّي إلّا أن زرته في مدرسته، وقد أثّر بي هذا الأمر كثيراً فهو اعتبرني مثاله الأعلى، وقرّرت أن أستمرّ لأضمن لنفسي ولغيري من النساء فرصة القيام بتغيير حقيقي في مجتمعنا، لنكون قدوة للجيل الجديد الذي يحتاج إلى وجود نساء قويّات وناجحات يفتخر بهنّ.
كيف قرّرت القيام بتحدّي القمم السبع؟ هل اعتقدت في البداية أنّك ستصلين إلى هذه المرحلة وتحقّقين إنجازاً عالميّاً؟
بدأت التسلّق مع فريق لبناني ولم أكن أحلم بالوصول إلى هذا الحدّ، ولكن في العام 2016 قرأت مقالاً عن رها محرق، أوّل سعودية تسلّقت إفرست وترغب في خوض تجربة السبع قمم، استفزّني الخبر وأردت أن أكون أوّل امرأة لبنانيّة تحقّق هذا الإنجاز، وهنا أودّ الإشارة إلى أنّ حبّي لهذا المجال كان بسبب تعلّقي الكبير بجبال لبنان بلدي الجميل، فأوّل مرّة تسلّقت فيها جبلاً كنت في بلدي واكتشفت متعة الوصول إلى القمم: ذهبت إلى جبل صنين، المزار، المكمل، موسى، أرز الشوف، وتعرّفت على روعة بلدي وأردت رؤية أجمل جبال العالم... كان لدي رؤية أكيدة وواضحة بأنّني سأحقّق الإنجاز وهذا ما حصل.
بعد أن خضت التحدّي وحقّقت الإنجاز وصرت أوّل لبنانيّة تتسلّق جبل إفرست، كيف كان شعورك؟
كنت سعيدة جدّاً وأكثر ما عنى لي أنّني شجعت غيري من النساء اللبنانيّات والعربيّات على دخول مجال تسلّق الجبال، طريقي كانت أصعب لأنّني كنت الرائدة، ولكن لا بأس بذلك، وأنا فخورة بأنّني أوّل لبنانيّة أتسلّق أعلى قمّة في كلّ قارّة، أخذ منّي الأمر 7 سنوات من حياتي ولكنّه علمني الكثير وغيّرني وزاد من قوّتي وعزمي، أنا ضمن 50 امرأة قامت بالأمر نفسه من حول العالم، وأشجّع أيّ شابة ترغب في هذه المغامرة بأن تتشجّع وتقوم بكلّ ما تحلم به. ولدت في عائلة متواضعة ولم يكن لديّ الكثير من الأمور ووجدت صعوبة دائمة في الحصول على التمويل ولكنّني عملت بشغف وتعبت جدّاً والتزمت بشكل كبير وتفانيت ووصلت ورفعت علم بلدي على أعلى قمم العالم.
ماذا تقولين للشابّات العربيّات عن أهميّة عدم الاستسلام والتمسّك بالحلم حتّى تحقيقه؟
يحاول المجتمع وضعنا داخل علب ويطلب منّا أن نظلّ فيها ولكن علينا الخروج فنحن قادرات على امتهان أيّ مهنة والقيام بأيّ نشاط، لذلك أطلب من الشابّات ألّا يخفن من الحلم ويسعين بجهد لتحقيقه، وأنا فخورة بأن أكون مصدر دعم لكلّ فتاة تجد الإلهام في قصّتي وتعطيها الأمل بأنّ لا شيء مستحيل.
كيف تستعدّين جسديّاً ونفسيّاً لكلّ رحلة؟
شقيقي الذي درس العلوم الرياضيّة يساعدني كثيراً فهو بمثابة مدرّبي، أعاني من مشكلة صحيّة في مفصلي وقد احتجت إلى خبير في مجال التدريب كي أصير مستعدّة وهو علّمني كيف أتمرّن وأقوّي عضلاتي، كما أنّه يرافقني في كافّة التمريناتويساعدني في السيطرة على خوفي وتخطّي التحدّيات التي أواجهها أثناء التسلّق ومنها مواجهة أعلى درجات الصقيع وما يعنيه ذلك من إمكانيّة خسارة أعضائي أو أصابعي. الجبل خطير جدّاً وأنا لم أبدأ بقمم عالية، أشبّه نفسي بالسلحفاة التي تمشي بهدوء ولكنّها تصل في النهاية، وأريد القول إنّني أتخطّى القمم العالية %70 نتيجة الاستعداد النفسي والذهني و%30 من خلال الاستعداد الجسدي، من هنا على كلّ من ترغب في مزاولة هذه المغامرة أن تعرف أنّها ستخضع للعديد من الضغوط النفسيّة وتستعدّ لها مسبقاً.
حدّثينا عن الإحساس الذي ينتابك كل مرّة تصلين فيها إلى القمّة.
ينتابني شعور جميل جدّاً، مزيج من الحماس والسعادة والفخر... لا أنكر أبداً أنّني أفكّر أحياناً بالحوادث وبإمكانيّة الموت، فما أقوم به خطير جدّاً وفيه مجازفة عالية، ولكنّني أترك هذه الأفكار حين أبدأ بالتسلّق وطوال الفترة التي تمتدّ أحياناً لأشهر، في الأعلى وحين أضعف قليلاً أقوم بالصلاة وأعتمد على الله الذي لا يخذلني أبداً ويمدّني بالقوّة في أكثر أوقات الضعف.
ما هو الخوف الذي تخلّصت منه كي تحقّقي النجاح؟
كنت أظنّ أنّه من المستحيل أن أصير متسلّقة جبال، كان لديّ شكّ بنفسي وعدم ثقة بقدراتي ولكن مع الوقت وبخطوات بسيطة إنّما ثابتة، ازدادت ثقتي بنفسي وصرت أرى ما بإمكاني فعله بالمثابرة، وأنا اليوم فخورة بنفسي وبما حقّقته خلال مسيرتي.
ما هي رسالتك للمرأة العربيّة المحبّة للمغامرة؟
أقول لها: كوني مخلصة لحلمك ولا تدعي مصلحة أحد تأتي قبل مصلحتك، حتّى ولو كان المعنيّون أولادك، أعطي لنفسك وكافئيها وأحبّيها وثقي بهاكي تحقّقي كلّ ما ترغبين فيه.
اقرئي أيضاً: ريهانا تزفّ خبراً ساراً ننتظره جميعنا ونحن في الحجر المنزلي