
ألفة الكعبي: عندما نبني مجتمعًا متجذرًا في الانتماء للبادل سيتغير كل شيء

تعتبر رياضة البادل من الرياضات الجديدة على المجتمع العربي، ولكنها تلقى الانتشار في الفترة الماضية، بسبب إقبال الشباب على تعلمها وممارستها. البادل هي رياضة من رياضات المضرب، تختلف عن التنس الأرضي المعروفة لأنها تُلعب بشكل زوجي في ملعب مُغلق وأصغر من حجم ملعب التنس. اليوم ندخل عالم البادل، من خلال تحقيق موسع يلقي الضوء على 9 لاعبات متمرسات في هذه الرياضة، نتعرف على قصصهن، ونكتشف المزيد عن المجتمع الذي يجمعهن وعن القيم التي بنين عليها مسيرتهن الرياضية الطموحة.
تلمع عيناي حين أكون في الملعب، بهذا الحب والشغف الكبيرين أتنقل من مباريات إلى أخرى، فأنا وقعت في غرام البادل منذ أول ضربة. أنا اللاعبة الإماراتية ألفة الكعبي أسعى لتطوير مجتمع لاعبات البادل وتشجيع بنات بلدي عبر الوصول إلى أعداد أكبر منهن لتعريفهن بهذه الرياضة.
تعرّفتُ على البادل من خلال صديق دعاني للمشاركة في مباريات غير رسمية، ومنذ اللحظة التي وطأت فيها قدماي أرض الملعب، وقع قلبي في غرامها من أول ضربة، كان شعور الكرة وهي تضرب المضرب لا مثيل له، من الصوت إلى الحركة. جذبتني على الفور سرعة وتيرة اللعبة، وطبيعتها الاستراتيجية، وطابعها الاجتماعي. أحببتُ أنها لم تكن تعتمد فقط على القوة، بل على الدقة والثبات العقلي، فهي لم تكن مجرد لعبة بدنية، بل تحتاج إلى التركيز والقوة الفكرية، وكوني فتاة تتمتع بروح تنافسية وتقدير عميق للحركة، فقد أسرتني وجذبتني إلى عالمها.
البادل فيها ديناميكية، ومتعة جعلتني مدمنة بكل معنى الكلمة. بدأتُ التدريب بجدية، وقبل أن أنتبه، كنتُ أمثل المنتخب الوطني الإماراتي، برعاية مبادلة. لقد كانت رحلة نمو مثيرة للاهتمام، وما زالت تتكشف أمامي ميزاتها فأنا مستمرة وبكل شغف باللعب.
البادل رياضة معقدة وجميلة. على المستوى البدني، تتطلب رياضة خفة الحركة والسرعة والقدرة على التحمل. يجب أن تكوني سريعة في التحرك، وقادرة على تغيير الاتجاه في جزء من الثانية، وأن تتمتعي بتنسيق قوي. تلعب قوة الجذع والتوازن وردود الفعل دورًا كبيرًا، ولكن ما يميز البادل هو الجانب النفسي: الحدة الذهنية والتحكم في المشاعر والقدرة على التكيف هي العوامل الأساسية، فلحظة شك أو تردد واحدة قد تكلفك نقطة. كما أنها تتطلب الحفاظ على الهدوء تحت الضغط، والثقة في غرائزك، والتعلم من كل مباراة، فوزًا أو خسارة. بالإضافة إلى ذلك فإن البادل تعلمك المرونة والتواضع، تشحذ تركيزك وتساعدك على البقاء حاضرة، لذا هي باختصار تجربة شاملة للجسم والعقل.
لم يكن قبول مجتمعي بهذه الهواية سهلاً، فمثل العديد من النساء اللواتي يدخلن مجالات ليست "مخصصة لنا" تقليديًا، واجهتُ الشك ليس من أسرتي، بل من أناس من الأقارب وفي محيطي ومجتمعي، فلم يفهم البعض سبب التزامي الشديد بالبادل، واعتبروها مجرد هواية.
لكنني كنت محظوظة. فمع مرور الوقت، تفهمت عائلتي ومحيطي حبي لهذه اللعبة ودعمته، فهم يرون كيف أنها تُمكّنني وتُضفي البهجة والهدف على حياتي. مع إيمان جهات راعية مثل Mubadala بمسيرتي، أشعر بالحماس لإثبات أننا، كنساء ورياضيات وصانعات تغيير، ننتمي إلى هذا المجال نؤثر وسنغيّر ونطوّر فيه، لذا ومع كل مرة أخطو فيها إلى الملعب، ألعب لأكثر من مجرد إرضاء نفسي، فهدفي الأكبر هو تشجيع بنات بلدي والوصول إلى أعداد أكبر من الشابات لتعريفهن بهذه الرياضة.
كان أعظم إنجاز لي هو أن أكون موجودة، فمجرد الظهور والحضور والمنافسة على المستوى الوطني شجع الآخرين على النزول إلى الملعب واستكشاف إمكاناتهم. كثيرًا ما يتواصل معي الهواة حول اللياقة البدنية والبادل، ويشاركونني كيف أن رؤية شخص مثلهم في هذا المجال حفزتهم على بدء رحلتهم الخاصة. هذا، بالنسبة لي، هو كل شيء.
لكن الأمر يتجاوز اللعبة. أسعى جاهدةً لدفع المجتمع لإطلاق العنان لإبداعاته، سواءً في رياضة البادل أو في أي مجال آخر من مجالات اللياقة البدنية. لقد عملت جاهدةً لأكون جسرًا للتواصل: أربط المواهب بالفرص، وأساعد في تنظيم البطولات، وأفتح حوارات حول ما هو ممكن للنساء في هذه الرياضة.. الأمر لا يتعلق بخلق لحظة مميزة، بل ببناء حركة شاملة.
يسمح المجتمع الشامل للنساء باللعب دون أحكام، وبتجاوز حدودهن دون الشعور بأنهن دخيلات. كما يسمح للمبتدئات بالشعور بالترحيب، وللمحترفات بالشعور بالتقدير والاحتفاء. لا يقتصر الشمول على المشاركة فحسب؛ بل يتعلق بالتمكين. إنه يتعلق بإنشاء شبكة تدعم فيها النساء بعضهن البعض، ويتعلمن من بعضهن البعض، ويرتقين بالرياضة بأكملها، فعندما نبني مجتمعًا متجذرًا في الانتماء، يتغير كل شيء.
أنا حالياً جزء من عدة مجتمعات بادل محلية، وما يربطنا معًا هو روح الزمالة والهدف المشترك. نحن لا نلعب للمتعة فحسب؛ بل نبني شيئًا ما. أُقدّر الانفتاح والتوجيه والتعاون وأؤمن بجعل البادل أكثر سهولةً وشموليةً واحتفاءً.
أتابع أنشطة مجتمعات البادل في الدول العربية الأخرى فمن المُلهم والمشجع رؤية نمو رياضة البادل في جميع الدول العربية، حيث يُقدّم كلٌّ بلد نهجه الخاص، من بناء البنية التحتية إلى الاستثمار في الشباب. هذه الجهود تُرسّخ مكانة المرأة في الرياضة وتُولّد زخمًا حقيقيًا.. إنها تدفعنا جميعًا إلى الارتقاء معًا.
من السمات التي تجمع بيني وبين لاعبات البادل المرونة، الشغف والعزيمة، فلاعبات البادل يتحدين التحديات سواءً أكان ذلك شكوكًا شخصية أم ضغطًا لتغيير الأداء. ومع ذلك، نواصل التألق، نتنافس بشراسة، وندعم بعضنا البعض، ونحلم دون تردد... هناك توازن قوي بين القوة والفرح. نحب اللعبة، ونلعب بشغف، وندعم بعضنا البعض. هذا الدافع المشترك والاحتفال باللب وخلاله، هو ما يجعل هذا المجتمع لا يُقهر.
ما يُعجبني في جيل Z هو جرأته، فهو جيل لا ينتظر تطور الأنظمة، بل يُعيد تشكيلها بنشاط. بفضل طلاقته الرقمية، وعقليته العالمية، وإحساسه القوي بالعدالة، يمتلك الأدوات والدافع لبناء مجتمعات شاملة ومُركزة على المستقبل. أرى دوري كمتعاون ومرشد في آنٍ واحد. أحمل معي الخبرة، والتفكير الاستراتيجي، والرؤية بعيدة المدى، وهي تُضفي طاقةً وابتكارًا، ورفضًا لفكرة "هكذا هي الأمور". وعندما تجتمع هذه العناصر، يحدث التغيير الحقيقي.
اقرئي المزيد: عائشة العوضي: البادل خولتني عيش أجواء المنافسة التي أحبها مع تنمية روح اللعب الثنائي