لماذا تتقاضى المرأة راتباً أقلّ من الرجل؟

من الحقائق المحزنة التي تستوقفنا اليوم فجوة الأجور بين النساء والرجال في مختلف أنحاء العالم سواء كانت ناشئة أو متقدّمة. فعلى الرغم من حيازة المرأة أهمّ الشهادات التعليميّة وتولّيها مراكز مرموقة في الحكومات العالميّة وحتى العربيّة تجعلها تتفوّق على الرجل، لا تزال هذه الفجوة قائمة. فبحسب معهد البحوث في السياسات المتعلّقة بالمرأة فإنّ النساء يتقاضين أجراً يقل بنسبة 20 في المئة عن نظرائهن من الذين يؤدون الوظائف نفسها.

تتفاوت أسباب اختلاف هذه الفجوة بحسب البلدان ونوعية العمل وحتى اهتمامات المرأة وأولوياتها في الحياة. ولكن مهما كانت هذه الأسباب فإنّ هذا الموضوع كان ولا يزال مسألة شائكة وموضع جدل وقد دفع المسوؤلين لا سيّما في منطقتنا العربية إلى التفاعل لإيجاد الحلول.

وللوقوف أكثر على هذا الموضوع، كان لنا هذا اللقاء مع مؤسسة  شركة Aquitude في دبي السيدة Christina Ioannidis التي شرحت لنا تفاصيل فجوة الأجور بين النساء والرجال في دول مجلس التعاون الخليجي. فكانت هذه المقابلة:

اقرئي: الاختلاف سبيل لإنجاح العلاقة

برأيك، هل من مساواة بين النساء والرجال في العمل في دول الخليج؟

- بحسب الأرقام، التفاوت بين الجنسين لا زال قائماً في مكان العمل داخل دول مجلس التعاون الخليجي، لا سيما في الشركات الخاصة. وهذه حال الكثير من دول العالم. لقد انخرطت بعض الدول العربيّة بجدّ في هذه المسألة مثل الإمارات العربية المتحدة، إذ وضع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، مسألة المساواة بين الجنسين على جدول أعمال الدولة ورؤية الإمارات 2021.

بنظرك، ما هي أسباب هذا التفاوت؟

أولاً، ثمة مسائل اجتماعية تعرقل تقدّم المرأة في سوق العمل، إذ لا يزال المجتمع العربي يعتبر أنّ دور المرأة يكمن في إنجاب الأطفال وتربيتهم لا أنّ عمل المرأة هو من الأولويات بالرغم من أنّ الوضع الاقتصادي والمعيشة اليوم يتطلّبان عمل الشريكين على حدّ سواء.

ثانياً، ثمة تحديات تتعلق بالتحيز النظامي والقيادي. فالرجال والنساء يتصرفون بشكل مختلف جداً في مكان العمل. يتلقّى الرجال الدعم بسهولة في مكان العمل كما يتمّ تشجيعهم وترقيتهم بسهولة من قبل المسؤولين عن العمل الذين يكونون في معظم الأحيان رجالاً أيضاً. أما النساء، فيجدن بالعادة صعوبة في طلب المساعدة أو إيجاد كفيل وبالتالي لا تتسنّى لهنّ الفرص للتقدّم في العمل.

ثالثاً، ثمة تحيّز واضح للأدوار التي يمكن للمرأة أو الرجل القيام أو عدم القيام بها وهذا جليّ في طلبات العمل التي تفرض تحديد الجنس على الطلب.

أخيراً وفي ما يخص فجوة الأجور، تجد النساء صعوبة في التقدّم في مجالات العمل التي يسيطر عليها العنصر الذكوري.

ما هي أبرز المهن التي تشهد فجوة في الأجور؟

تقع هذه المشكلة بشكل كبير في مجالات العلوم والهندسة وتكنولوجيا المعلومات، فكلّ هذه المجالات هي حكراً على الرجال ولا تتقدّم لها الخريجات أيضاً.

وللتأكيد على ذلك، أفاد تقريرGetting to Equal 2017  الذي قامت به شركة Accenture في شهر مارس الماضي أنّ عدد الطالبات الجامعيات في الإمارات

أقل من نظرائهن الذكور لجهة اختيار مجالات الدراسة التي قد توفر أجوراً عالية. إلا أن الدراسة أفادت أيضاً أنّ نسبة الطالبات في الإمارات اللواتي يولين اهتماماً بالمراكز القياديّة العالية ارتفعت إلى 67% مقابل 62% للطلاب في حين أّنّ الطالبات يتأخرن في اعتماد التكنولوجيات الجديدة بسرعة 58% مقابل 71% كما في أخذ دروس في البرمجة والكومبيوتر (83% مقابل 93%).

اقرئي: بعدما حطمت الإمارات رقماً قياسياً في “أكبر خاتم”، أحجار كريمة دخلت إلى غينيس

هل تشكّل المساواة بين الجنسين مصدر قلق للرجال في المنطقة؟

ينبغي أنّ تشكل المساواة قلقاً للرجال في المنطقة. فبحسب دراسة قام بها المنتدى الاقتصادي العالمي في العام 2017 على 144 دولة حول المساواة بين الجنسين، نذكر في دول مجلس التعاون الخليجي قطر التي تراجعت ثلاث مراتب في عام واحد فجاءت في المرتبة الـ119 في العام 2016 كما تراجعت الإمارات العربية المتحدة خمس مراتب فحلّت في المرتبة الـ124، وتراجعت المملكة العربية السعودية سبعة أماكن فحلّت في المرتبة الـ141.

هل ثمة استراتيجيات في المنطقة لإيجاد حلول لهذه القضية؟

بحسب التقرير الذي قامت به شركة McKinsey and Co العام الماضي والذي يحمل عنوان Women in the Workplace، فإنّ أهم نقطة لعلاج الفجوة بين الجنسين تكمن في ترقية المرأة إلى مركز مساو للرجل في العمل.

لسوء الحظ، نفتقد في المنطقة إلى المبادرات أو الحلول التي تعالج هذه المشكلة وبرأيي هذا هو التحدي الأكبر. من الضروري التركيز على إبعاد التحيز الجنسي في العمل وتعديل السياسات الداخلية التي يتم تقديم الترقيات "العمياء" فيها على أساس النس وليس على أساس الجدارة.

وقد أضاف تقريرGetting to Equal 2017  أنّه ثمة 3 نقاط تطلب فيها المرأة المساواة وأن اعتمادها من قبل الشركات والحكومات والمؤسسات الأكاديميّة سيساهم بشكل كبير في تقليص فجوة الأجور بين الجنسين:

- الطلاقة الرقمية أو مستوى إتقان التقنيات الرقمية 

- الاستراتيجيّة المهنيّة أي حاجة النساء إلى اتخاذ قرارات مدروسة وإدارة حياتهنّ المهنيّة بطريقة استباقية

-الانخراط في عالم التكنولوجيا أي خلق الفرص للتعلّم واكتساب مهارات رقميّة عالية كي تتقدّم المرأة بسرعة تماماً كالرجل.

أوافق شخصياً على أن لهذه المسائل أهمية حاسمة. ومع ذلك، يجب التركيز أيضاً على القضايا المتعلقة بالترقيات التي تحتاج إلى معالجة داخلية في الشركات في منطقة الخليج.

ماذا يقول المجتمع؟

وقال محمّد (مدير شركة استيراد وتصدير في الكويت) إنّ الأجور التي تدفع للنساء متساوية مع تلك التي تدفع للرجال في الشركة نظراً إلى تكافؤ الخبرات بين الجنسين. وبحسب رأيه، فإنّ هناك فجوة في الأجور عموماً لا سيما أن الرجل يعتبر نفسه المسؤول المباشر عن احتياجات عائلته ولذا عليه أن يتقاضى أجراً أعلى من الراتب الذي تتقاضاه زوجته العاملة. واعتبر محمد أنّه يجب تغيير هذه الطريقة في التفكير لأنّ النساء اليوم هن متساويات في الشهادات والخبرات مع الرجال وحتّى يتفوّقن عليهم في بعض الوظائف ومن الجائر ألا تتقاضى كما الرجل.

أما فاديا (موظّفة في شركة محاسبة في لبنان)، فتعتبر أيضاً أن هناك فجوة في الأجور بين النساء والرجال، فبرأيها المجتمع ينظر إلى المرأة، مهما كان مستواها العلمي وخبراتها، على أنّها دون الرجل من نواح عدّة لا سيما أنّ مجتمعنا الشرقي ذكوري، يفرّق بين الرجل والمرأة أكان في القوانين أو في تولّي الوظائف الرياديّة وغيرها من الأمور، وهذا ما نعمل عليه نحن النساء من أجل الوصول إلى تكافؤ في الفرص من حيث الوظائف التي نشغلها والأجور التي نتقاضاها كما والقوانين التي تكون في بعض الأحيان غير منصفة للمرأة.  

اقرئي: 6 نساء عربيات سيحدثن تغييراً في العام 2018

القضيّة محور اهتمام الفعاليات العالميّة

ومن أبرز المساعي لمناقشة هذه المسألة نذكر المنتدى الاقتصادي العالمي الذي انعقد في دافوس الشهر الماضي والذي ترأسته امرأة وللمرة الأولى منذ 48 عاماً، بحيث اتخذت قضية عدم المساواة في الأجور بين الجنسين حيّزاً كبيراً من المؤتمر في حين أكّد بعض المحللين الاقتصاديين أنها قضية لا يمكن حلها حتى بعد 100 عام من الآن.

وقد برز في المنتدى حضور المرأة الإماراتية من خلال وفد وزاري هو الأكبر بعد الصين في المنتدى الاقتصادي العالمي. فقد شاركت هذا العام 5 وزيرات في الوفد الرفيع المكون من 12 وزيراً، بينهن جميلة بنت سالم مصبح المهيري، وزيرة دولة لشؤون التعليم العام، وحصة بنت عيسى بوحميد، وزيرة تنمية المجتمع، وسارة بنت يوسف الأميري، وزيرة دولة مسؤولة عن ملف العلوم المتقدمة، ومريم بنت محمد سعيد حارب المهيري، وزيرة دولة مسؤولة عن ملف الأمن الغذائي المستقبلي للدولة.

وفي حديث لصحيفة  «الشرق الأوسط»، أكدت الوزيرات الإماراتيات أن نجاح المجتمع يرتكز على تمكين المرأة وتحقيق المناصفة بين الجنسين في العمل، كما أكّدن أن الإمارات اعتمدت هذه السياسة منذ حوالى 46 عاماً . وركّزت الوزيرات على تجربة الإمارات في تمكين النساء، وسعيها المستمرّ لتحقيق المساواة بين الجنسين في سوق العمل، في جهود تصب مباشرة في إطار القضايا الرئيسة التي يناقشها المشاركون في دافوس لهذا العام. وقد أكّدت الوزيرات أنّ المرأة تشكل 31% من الحكومة الإماراتية حالياً التي تقوم بالتعيينات وفقاً لكفاءة الشخص وليس الجنس، كما أشدن بسعي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم كي تصل هذه النسبة إلى 50%.

وفي المقابلة، رحّبت الوزيرات بالتغييرات التي تشهدها المملكة العربيّة السعوديّة في ما يخصّ المرأة. وقالت حصة بوحميد: "إن العلاقة الوثيقة التي تربط الإمارات بالسعودية لم تأتِ من فراغ، فنحن إخوة ونتشارك الأرض والديانة واللغة والأصل".

مطالبات نسائيّة

وفي الحديث عن السعوديّة، فقد تمّ إطلاق مبادرات كثيرة أبرزها التوصية التي تقدّمت بها مؤخراً كل من النائبتين في مجلس الشورى السعودي، لطيفة الشعلان، وموضي الخلف، طالبتا من خلالها وزارة العمل والتنمية الاجتماعية بتفعيل دورها الرقابي على مؤسسات القطاع الخاص لسد الفجوة في الأجور بين الرجال والنساء، على أمل أن تستجيب تلك المؤسسات ونحن في انتظار السياسات التي سوف يتمّ اتباعها في ما يخصّ هذا الموضوع.

 
شارك