
دور الأجيال الشابة في تغيير معايير صناعة الموضة

تلعب عدة عوامل دوراً في تطوّر أي صناعة، وخاصةً صناعة مثل الموضة السريعة التغيّر والمتميّزة بتنوعها. وخلال السنوات الأخيرة، كان لجيل الشباب تأثير كبير في بروز بعض صيحات الموضة واختفاء أخرى، وعدة عوامل أسهمت في إحداث هذه التغيرات الواضحة، ومن أبرزها التأثير الملحوظ لهذا الجيل في تحويل عالم الموضة إلى مساحة أكثر حيوية وشمولية، بدلاً من التمسك بالأنماط التقليدية. كما لعبت المنصات الرقمية دوراً جوهرياً في تعزيز هذا التحول، لتصبح الأجيال الشابة القوة الدافعة وراء إعادة صياغة معايير الموضة ومفاهيمها.
نرى أنّه في خلال العقود الأخيرة، تحوّلت الموضة إلى أداة للتعبير عن الهوية الشخصية وذلك من خلال خيارات الملابس وأسلوب الإطلالات. فقد دفع الشباب بتطور العديد من الاتجاهات الثقافية الفرعية مثل أنماط الـY2K والسايبر بانك والنورمكور، ما أتاح لهم فرصة للتعبير عن ذوقهم الشخصي المحدد وقيمهم من خلال أسلوبهم في اللباس. هذه الحركات أظهرت جمال التنوع وأهمية الهوية الفردية، كما ساهمت في تصاعد الطلب على التخصيص في الملابس، ما أدى إلى الابتعاد عن الموضة السريعة واتجاه الأفراد نحو العلامات الفاخرة التي توفّر منتجات تحمل طابعاً فريداً وشخصياً.
وعند التعمق في تاريخ الموضة، نرى أنّه في كل حقبة، كان الجميع يتبّعون نفس الصيحة، حتّى أنّ هذه الحقبات أصبحت مرتبطة بالصيحة التي كانت سائدة في خلالها، كمثلاً حقبة الستينيات المعروفة بالـSwinging 60s، أو حقبة السبعينيات المعروفة بالـBohemian 70s، أو صيحة الــ20s Flapper المرتبطة بالعشرينيات. ففي تلك الفترات، لم تكن هناك منصات تتيح حرية التعبير أو تساهم في تشكيل الرأي العام كما هو الحال مع وسائل التواصل الاجتماعي اليوم، التي من خلالها نجح جيل الشباب في التأثير على قطاع الموضة وتغيير مسار الصيحات، سواء من حيث تفضيلات المستهلكين أو استراتيجيات العلامات التجارية التي تسعى إلى تلبية احتياجات جمهورها. فاليوم، أصبحت الموضة تتمحور حول الراحة والحرية، والتعبير عن الذات من خلال تنسيق الملابس بأسلوب يعكس شخصيتنا. هذا التحول جاء نتيجةً للتغيرات العالمية، وخاصةً رغبة الشباب في إعادة صياغة مفهوم الموضة كوسيلة للتعبير الشخصي، وليس إبراز شعارات الماركات على الملابس واعتماد الصيحات الصاخبة. ومن هنا، برز اتجاه متزايد نحو الفخامة العفوية والبساطة الأنيقة، ما يعرف بـ"الموضة المينيمالية" أو "الفخامة الهادئة".
وفي العالم الرقمي الآخذ في التطور اليوم، تلعب وسائل التواصل الاجتماعي مثل Instagram و Tik Tok دوراً مؤثراً في صناعة الموضة، حيث تمنح الشباب منصة للتعبير عن أنفسهم. فالمؤثرون الشباب، الذين يمكن تصنيفهم اليوم كمؤثرين صغار (micro influencers)، يلعبون دوراً كبيراً في إضفاء الطابع الديمقراطي على الموضة، إذ يمكنهم بسهولة التأثير في تغيرات الصيحات من خلال مشاركة أسلوبهم الشخصي مع متابعين مهتمين ومفتونين بهم. وقبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، كان الجيل الأكبر يعتمد على عروض الأزياء الموسمية لتتبّع الصيحات، ولكن هذا قد تغير بشكل كبير في السنوات الأخيرة بسبب تأثير الشباب على الصناعة ككل. فلقد غيّرت وسائل التواصل الاجتماعي، تحت تأثير الأجيال الشابة، دورة الموضة وسرّعتها، حيث باتت الصيحات التي تقدّمها العلامات التجارية تتغيّر باستمرار وبسرعة بتأثير مباشر من الأجيال الشابة التي تقوم في كلّ مرّة تنسيق الصيحات بأساليبهم الخاصة. بالإضافة إلى ذلك، أسهمت الرقمنة في تعزيز حضور العلامات التجارية على المنصات الإلكترونية، سواء من خلال متاجرها الالكترونية الخاصة أو منصات مثل Farfetch و MyTheresa و Net-A-Porter، ما جعل عملية شراء المنتجات الفاخرة عبر الإنترنت أكثر سهولة وسلاسة. وقد لعبت الأجيال الشابة، أي جيل زد وجيل الألفية، دوراً محورياً في نمو التسوق الإلكتروني، حيث تبنوا هذا الأسلوب بسرعة وانفتاح، مقارنةً بالأجيال الأكبر سناً التي لا تزال تميل إلى التسوق التقليدي داخل المتاجر.
فإنّ هذه الأجيال الشابة واعية وتهتم بمظهرها الخارجي، فيستعملون الملابس كوسيلة للتعبير عن شخصيتهم وأسلوبهم. وفي هذا السياق، تسعى العلامات التجارية اليوم لتلبية التغيّرات التي تحدثها هذه الأجيال الشابة على صناعة الموضة. ومن أبرز هذه التغيّرات التي شاهدناها في السنوات الأخيرة هي التركيز على الاستدامة والموضة الأخلاقية، التي أصبحت أولوية للشباب. فقد أدت المطالب المتزايدة بالشفافية والقضايا البيئية والاستدامة والاهتمام المتنامي بها إلى دفع العلامات التجارية لاعتماد ممارسات أكثر أخلاقية واستدامة. يشمل ذلك الاتجاه المتزايد نحو الملابس المستعملة الفينتدج، واستخدام المواد والأقمشة المستدامة، وضمان بيئات عمل شفافة وعادلة. ولقد فرضت الأجيال الشابة هذا التغيير بقوة، ما أجبر العلامات التجارية على التكيف مع هذه التوجهات. فمع الانتشار الكبير لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، تمكن الشباب من تعزيز الوعي بالقضايا الأخلاقية والبيئية، حيث يولي المستهلكون الشباب اليوم الأولوية للعلامات التجارية التي تتبنى هذه الممارسات وتسلط الضوء عليها عبر المنصات الرقمية.
كما يُعد تأثير الشباب واضحاً بشكل خاص في ثقافة أزياء الشارع، التي بدأت كحركة ثقافية وأصبحت الآن جزءاً لا يتجزأ من عالم الموضة الفاخرة، وهي صيحة يعتبرها الشباب واحدة من أقوى وسائل التعبير عن الذات. وتركز هذه الثقافة على مزج أسلوب الشارع مع الهوت كوتور، ما دفع العديد من دور الأزياء الكبرى إلى التعاون مع علامات تجارية متخصصة في أزياء الشارع لإطلاق مجموعات مشتركة تحدث ضجة كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي. يجمع هذا الاتجاه بين المواد عالية الجودة والحرفية والتراث التي تقدمهما العلامات الفاخرة، مع الأنماط العصرية والجاذبية المريحة التي تقدمها علامات أزياء الشارع، ما أوجد هذا المفهوم الجديد الذي يجمع بين الأناقة والأسلوب العملي في عالم الموضة.
التأثير القوي الذي يمارسه الشباب اليوم أعاد تشكيل صناعة الموضة بشكل جذري. حتى عروض الأزياء التقليدية تغيرت لتصبح مساحة تتيح للعلامات التجارية التواصل مع المستهلكين على مستوى شخصي، من خلال الشعارات والتركيز على الشمولية والتنوّع، بالإضافة إلى تقديم أسلوب عرض يحمل طابع فني. كما سمحت وسائل التواصل والمنصات الرقمية الأخرى للعلامات التجارية إمكانية التفاعل مباشرةً مع العملاء من خلال البث المباشر للعروض. فلقد شهدت صناعة الموضة تطوراً هائلًا على مدى السنوات الماضية، وذلك تحت تأثير جيل الشباب الذي غيّر مسار الموضة من الممارسات التقليدية نحو أساليب تركز على متطلباتهم. وكلّما علو صوت الأجيال الصاعدة، كلما زاد تأثيرها، ما سيؤدي إلى تغييرات جوهرية داخل الصناعة. هذه التحولات تعكس واقعاً جديداً لصناعة الموضة، حيث أصبحت أصوات الشباب قوة دافعة تغير معايير الصناعة وتفتح الباب أمام مستقبل أكثر تنوعاً وابتكاراً.
اقرئي المزيد : كيم كارداشيان تتعاون مع Nike لإطلاق علامة رياضية جديدة!