جمال الشمولية والتنوّع في عالم الموضة

لطالما كان عالم الموضة من أكثر القطاعات ديناميكيةً وتطوراً، إذ يشهد تغيّرات مستمرة تهدف إلى lمواكبة وتلبية احتياجات قاعدة مستهلكين متنوعة. وبما أنّ هؤلاء المستهلكين ينحدرون من خلفيات وثقافات وأعراق متعددة، تقع على عاتق هذا القطاع مسؤولية التكيّف لتقديم منتجات وخدمات تعكس هذا التنوع وتلبي احتياجات الجميع. وفي خلال السنوات الأخيرة، برزت الشمولية كواحدة من أهم القضايا المطروحة، حيث أصبحت الاختلافات العرقية والجندرية والعمرية والجسدية عناصر أساسية في تصميم المنتجات والحملات التسويقية. وهذا النهج لا يسعى إلى استقطاب شرائح جديدة من العملاء فحسب، بل يهدف أيضاً إلى تعزيز ولاء القاعدة الحالية من المستهلكين، ما يُظهر التزام قطاع الموضة بقيم التنوّع والشمولية.

Erdem SS24

Miu Miu FW24

مع هذا التحول الكبير الذي يشهده عالم الموضة، أصبحت منصات عروض الأزياء انعكاساً واضحاً للتغيرات الجارية. فبينما كانت المعايير التقليدية تفرض على عارضات الأزياء التقيّد بمواصفات محددة من حيث المقاس والمظهر، بدأت هذه الصورة النمطية تتلاشى تدريجياً، لتحل محلها رؤى جديدة تعكس التنوع الحقيقي في عالمنا. ومن بين الشخصيات البارزة التي تجسد هذا التحول، Winnie Harlow التي تحتضن حالتها الفريدة مع مرض البهاق، وتُبرز جمالها الفريد بثقة واعتزاز. واليوم، أصبحت Winnie رمزاً بارزاً للتنوع والشمولية في عالم الموضة.

كما شهدت فكرة عارضات الأزياء الممتلئات نمواً ملحوظاً في قطاع الموضة، حيث لعبت أسماء بارزة مثل Ashley Graham و Paloma Elsesser و Georgia Pratt دوراً مهماً في ترويج فكرة النظرة الإيجابية تجاه الجسم، ما فتح آفاقاً جديدة داخل القطاع، متجاوزاً المعايير التقليدية التي كانت تحصر الجمال في مقاسات صغيرة جداً. ومن جهة أخرى، سمحت هذه الفكرة للنساء بالشعور بارتباط أعمق مع العلامات التجارية، لأن هذه العلامات بدأت تعكس صورة أقرب إلى واقع الأجساد الحقيقية. ومن بين المصممين الذين لاقوا إشادة كبيرة لهذا التوجه، Christian Siriano، الذي يُعتبر من أبرز دور الأزياء الفاخرة التي دعمت جمال العارضات ذوات المقاسات الكبيرة، إلى جانب علامات مثل Chanel و Versace و Erdem، التي ضمّت عارضات بمقاسات مختلفة في عروض أزيائها لموسم ربيع وصيف 2024. بالإضافة إلى ذلك، أصبحت العلامات التجارية تصمم لمختلف أنواع الأجسام، من الطويلة إلى الصغيرة والرشيقة القوام، وليس فقط المقاسات التقليدية للعارضات، ما يسمح لها جذب شريحة أكبر من المستهلكين.

أظهرت أبحاث McKinsey أنّ الشركات التي تتبنى التنوع العرقي تتفوق بنسبة 39% على نظيراتها التي تفتقر إلى هذا التنوع وذلك اعتباراً من عام 2023

ومع تبنّي قطاع الموضة استراتيجيات متعددة لتعزيز الشمولية، بات التركيز ينصبّ على الاحتفاء بالجمال الذي يكسر القيود التقليدية القديمة التي لم تعد تتماشى مع مجتمعات اليوم والأجيال الجديدة. فقد أصبحت علامات الأزياء التي توفر مقاسات متنوعة، بدءاً من الصغيرة جداً وحتى الكبيرة، اتجاهاً بارزاً، كما تطورت الحملات التسويقية لتشمل عارضات بأشكال ومقاسات طبيعية مختلفة، ما يعكس رسالة واضحة بأن الموضة موجهة للجميع. على سبيل المثال، تبرز علامة Selkie للأزياء الجاهزة كمثال رائد في هذا المجال، إذ تشتهر بتقديمها قطعاً خالدة تتراوح مقاساتها من XXS إلى X6، وغالباً ما تضم عارضات من مختلف الأحجام، مع احتضانها للجمال الفريد للأفراد من ذوي الإعاقة الجسدية.

Selkie SS24

ولا يقتصر الأمر على الشمولية والتنوع فحسب، بل أصبح الاهتمام بالتنوع الثقافي جزءاً أساسياً من المشهد، إذ بدأت العلامات التجارية بمراعاة الفروقات الثقافية، ليس فقط من خلال اختيار العارضات ذوات الخلفيات المختلفة ولكن أيضاً عبر التعاون مع فنانين ومصممين من خلفيات متنوعة. هذه الخطوة ساعدت في تقديم رؤى جديدة للأزياء تعكس جمال الثقافات المختلفة وكيف تتداخل لإنتاج شيء فريد من نوعه ومذهل.

ومع التغيرات السريعة التي يشهدها قطاع الموضة، والتي تأتي استجابةً لمطالب الأجيال الجديدة بالشفافية والأصالة، أصبحت الشمولية العمرية أيضاً محوراً هاماً. فتتجه الصناعة اليوم نحو الابتعاد عن التركيز الحصري على الشباب وتسليط الضوء على جمال وأناقة جميع الفئات العمرية. ولعبت علامات بارزة مثل Schiaparelli و Balmain و Vetements و Miu Miu دوراً رئيسياً في تضمين عارضات أزياء من الفئات العمرية الأكبر، ما ساهم في تسليط الضوء على التغييرات الكبيرة التي يشهدها القطاع. وفي الوقت الذي تركز فيه العديد من العلامات التجارية على مخاطبة الجيل زد، أصبح من الضروري أيضاً إشراك الجمهور الأكبر سناً. فإنّ رؤية عارضات ناضجات على منصات العرض وفي الحملات التسويقية باتت خطوة استراتيجية تُثري قاعدة العملاء لتشمل نساء من جميع الأعمار، ما يؤكد أن الموضة ليست محصورة بعمر معين، بل هي أبدية وخالدة.

وفقاً لأبحاث شركة Cognitive Market Research، بلغ حجم سوق الملابس التكيفية العالمي حوالي 1.4 مليار دولاراً أمريكياً في عام 2024، ومن المتوقع أن ينمو بمعدل سنوي مركب نسبته 7% من 2024 إلى 2031

Marine Serre FW24

Chanel SS24

ومع التطور السريع في مجال الرقمنة، أصبح تجاوز قيود مقاسات الملابس التقليدية أكثر سهولة من أي وقت مضى. فمن خلال استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، بات بإمكان العلامات التجارية تقديم تصاميم مخصصة تلبي احتياجات العملاء الفردية بدقة، ما يدعم فكرة الشمولية والتنوع من خلال إتاحة الفرصة للأفراد لتخصيص مواصفات الملابس لتلائم أجسامهم وأسلوبهم الشخصي. علاوة على ذلك، دخل مفهوم "الملابس التكيفية" أو ملابس الاحتياجات الخاصة أيضاً عالم الموضة، حيث تركز العلامات التجارية على تصميم ملابس مناسبة للأفراد الذين يعانون من إعاقات جسدية تحدّ من قدرتهم على الحركة، لتلبية احتياجاتهم وتوفير الراحة والسهولة في ارتداء الملابس التقليدية. على سبيل المثال، برزت فكرة الشمولية بقوة خلال عرض أزياء Louis Vuitton Cruise 2023، حيث أبهرت العارضة المبتورة الساق Lauren Wasser الحضور بإطلالتها بساق صناعية ذهبية، ما سلط الضوء على مفهوم الشمولية وأثبت أنّ الإعاقة الجسدية لا ينبغي أن تشكل عائقاً أمام الأفراد لتحقيق أحلامهم، بل يجب الاحتفاء بجمالها الفريد والمتميز.

Marine Serre FW24

وعلى الرغم من التغيرات السريعة التي يشهدها عالم الموضة، إلّا أنّ الطريق نحو تحقيق شمولية وتنوع كاملين ما زال طويلاً. ومع انتشار وسائل التواصل وصعود الأجيال الشابة وقدرتها على إيصال أصواتها عالمياً، أصبحت العلامات التجارية أكثر انفتاحاً على تلبية احتياجات جميع المستهلكين، ويشمل ذلك مراعاة العمر والأصل العرقي والإعاقات الجسدية، ما يُعيد تعريف معايير الجمال التقليدية ويحتفي بالتفرد. فالجوهر الحقيقي للموضة لطالما كان منصباً على التعبير عن الذات، واليوم باتت صناعة الموضة تسلط الضوء على أهمية احتضان التفرّد ومنح جميع الأفراد بكل اختلافاتهم مكاناً داخل هذا العالم المتنوع.

 

 

 

اقرئي المزيد : Maison Valentino تحتفي بالإرث السينمائي الإيطالي بالتعاون مع مكتب أبوظبي للاستثمار

 

 
العلامات: موضة
شارك