شراكات أسريّة ناجحة.. ليال وشيرين مكارم: نتعاون كي تكون علامتنا على توقّعات زبوناتنا

الأسرة هي الملاذ والأمان وهي مصدر الثقة والقوة، حيث نشعر بالسكينة والاطمئنان حين نكون مع الأم أو الأب أو الأخت، فكيف سيكون الحال حين تتحول هذه العلاقة الإنسانية الرائعة إلى مشروع عمل؟ هل يُكتب له النجاح وما هي الصعوبات التي تواجه أفراداً من أسرة واحدة قرروا الانطلاق في عمل مشترك وحاولوا بكل مجهودهم أن ينجحوا به وبل يصلوا بمنتجهم إلى أبعد من الحدود المحلية؟ نكتشف فيما يلي قصة نجاح شقيقتان شابتان ترسم العلاقة المهنية الجميلة بينهما صورة مميزة عن التوافق الفكري الذي ولّد دار أزياء تميزت بخطها الجديد منذ لحظة انطلاقها وحتى اليوم، إنهما ليال وشيرين مكارم اللتان تستمران في ابتكار تصاميم آسرة جعلت من Maison Makarem من أهم الدور العربية التي تقدم الأزياء الراقية بحس عصري، ضمن مشروع سام تعود أرباحه للمؤسسات الخيرية التي تستحق الدعم.

كيف بدأ لديكما الشغف بمجال الأزياء وبمن تأثرتما من الأهل أو الأقارب أو الرفيقات؟

ليال: تربينا في أفريقيا بعيداً عن الكثير من الخيارات الترفيهية المتاحة للفتيات الصغيرات، وكنا نحب دمية الباربي ونهتم كثيراً بإلباسها فساتين جميلة فكنا نخترع قصات جديدة، فنحوّل الكروشيه على مائدة الطعام إلى قطعة ملابس، حتى أنني أذكر حادثة مضحكة حين قامت أختي شيرين بتفكيك عقد شانيل يخص والدتي لتحوله إلى إكسسوار لدميتها، كنا نعتمد على مخيلتنا فلم يكن هناك إنترنت ووسائل تواصل مثل اليوم، حتى التلفزيون لم يكن بارزاً بشكل كبير بحيث كان التركيز على برامج الموضة قليل، لذا فقد بدأ هذا الشغف بشكل فردي وشخصي تماماً لدى كلتينا، لكننا استفدنا من كثرة سفراتنا حيث اعتدنا على زيارة أميركا كل سنة والمرور أحياناً بلندن وبعض العواصم الأوروبية، وهذا التجوّل بين الكثير من الثقافات أتاح لنا اكتشاف صيحات أكثر وتوسعت معرفتنا بالألوان والقصات والأقمشة. كنا نختزن الأفكار حتى نصل إلى اليوم الذي سنقرر فيه خوض هذا المجال بشكل أكثر مهنية.

حدثانا عن فكرة Maison Makarem. كيف اتُّخذ قرار الانطلاق ؟

ليال: الانطلاقة كانت معي وبعد ذلك انضمت أختي شيرين إلى الشركة، وقد بدأت من لبنان فهو كان وسيبقى منبع وأساس كل ما يتعلق بالموضة في الشرق الأوسط، وقد لاحظت أن معظم المصممين اللبنانيين لا يركزون على الألبسة الجاهزة أو Prêt a porter بل على الملابس الراقية، لذا أردت أن أقدم خطاً مختلفاً يبرز أهمية القطع Semicouture أي تلك التي يمكن للمرأة أن تستخدمها في يومياتها، وستتحول سريعاً وبتعديلات بسيطة على الإطلالة، إلى قطعة راقية تليق أيضاً بالسهرات، من هنا بدأت فكرة الدار حيث ركزت على محتوى راق منسوج باليد بمعظمه، ولكنه متاح فيما يخص الأسعار لفئة أكبر من الشابات، على أن تكون القطع كلاسيكية بمعنى أن تظل رائجة ولا تبطل موضتها مع تغيّر المواسم، هذا لا يعني أننا لا نواكب الصيحات على العكس فنحن نبحث عن الألوان الرائجة ولكننا نقدمها بأسلوب مختلف بحيث يمكن للمرأة أن تورثها لابنتها ولحفيدتها وستظل مميزة وكأنها جديدة.

وأردت مثلاً تقديم القميص الأبيض المثالي الذي لن تتمكني من مقاومته، أو السروال الأسود الكلاسيكي الذي سيليق بشكل جسدك إلى أبعد حد، هذه القطع الكلاسيكية لم تكن موجودة بكثرة على الساحة كما اليوم، صحيح أنها تواجدت في الدول الغربية، ولكنها كانت مفقودة عندنا، وهكذا تماشت الفكرة الجديدة مع احتياجات السوق وكانت بدايتنا قوية وما زلنا نسعى لتقديم ما نراه جديداً ومفيداً للسيدة. أريد أن ألفت هنا إلى أن مشروعنا بدأ مع توجه إنساني وهو أن أرباحنا تعود إلى الجمعيات الخيرية، فنحن ندفع مستحقات العاملين معنا وباقي العائدات نخصصها لمساعدة الفئات المحتاجة في المجتمع.

أنتما لا تملكان خلفية أو معرفة بمجال الإدارة فما هي الصعوبات التي واجهتماها كي تنجحا في إطلاق الدار؟

شيرين: كان الأمر صعباً جداً في البداية فنحن نصمم ونبدع ونهتم بالحس الفني، ولا نعرف كثيراً في مجال الإدارة والتجارة والأرباح، بدا الأمر وكأننا سمكتان صغيرتان في محيط مليء بالحيتان، ولكن النية الصافية التي بدأنا بها ومسعى المساعدة الذي أردناه منذ اليوم الأول كان سبيلنا لتخطي كل المعوقات، من أشخاص وثقنا بهم وطعنونا إلى مصممين ودور أزياء كبيرة قامت بتقليد تصاميمنا ونسخها، فكان علينا البدء من جديد والتفكير بطرق أقوى لكي نحافظ على حقوقنا الفكرية بالتصاميم الجديدة التي نبتكرها، ومع مرور الوقت وازدياد عدد المجموعات التي قدمناها، صار لدينا سمعتنا الخاصة حيث باتت زبوناتنا يعرفن الفرق بين القطع التي نقدمها وتلك المقلدة، فهناك تفاصيل دقيقة لا يمكن أن تفوت الشابة التي تعرف جيداً بهذا المجال والتي تبحث عن قطعة استثنائية لا تشبه غيرها.

هل تحصل خلافات في وجهات النظر بينكما وكيف تتعاملان معها؟

شيرين: الخلافات بيننا تكون شخصية ولا تتعلق أبداً بعملنا سوياً فنحن وضعنا Guidelines نلتزم بها على الدوام ونعيها جيداً ونعمل على أساسها، فمصلحة العمل تهمنا كثيراً ولذا فقد قسمنا المهام بشكل يتلاءم مع قدراتنا، إذ تكون ليال مسؤولة عن تحديد اتجاهات الألوان والقصات بينما أنا فأقوم بتنفيذ التصاميم. بشكل عام فإن علاقتنا قوية جداً فلا مجال للإيغو أو المنافسة، بل كل واحدة منا تسعى لتطوير الثانية وليس العكس، أي أن تطور نفسها على حساب الأخرى، كما أن لدينا فريق رائع، نتعامل معه بكل حب وثقة لكي تكون نتيجة عملنا على قدر توقعاتنا.

كيف تفصلان بين علاقتكما العائلية كشقيقتان والمهنية كشريكتان؟

شيرين: لا نتحدث في العمل إلا حين نكون في الاجتماعات التي نحددها له سابقاً، فنحن في الأساس شقيقتان وعلاقتنا جداً رائعة، ندعم بعضنا ونتساعد ونقضي أوقاتاً سعيدة حين نلتقي أو نسافر، وقد كان قرارنا مشتركاً بأن نعمل معاً لأننا نحب ما نقوم به وبما أن هذا الشغف موجود فسنستمر ونسعى للتطور.

من منطلق تجربتكما، ما هي الشروط التي يجب أن تكون قائمة ليتمكن أشخاص من عائلة واحدة بإنجاح مشروع عمل معاً؟

ليال: بداية يجب التخلص من الإيغو وهذا الأمر ضروري لكي ينجح أي عمل مشترك يضم أكثر من شريك، كما يجب أن نتذكر دائماً السبب الذي انطلقنا من أجله، والشعور الذي حرّكنا لكي نبدأ هذا المشروع، ومن المحتم أيضاً أن يكون هناك قصة او إحساس مرافق لكل مجموعة نعمل عليها، فهذا الشعور ينتقل إلى المتلقي ويؤثر به ويسمح بالتالي للعلامة بالاستمرارية.

ما هي اللمسة الخاصة التي تميز كل واحدة منكما؟

ليال: أفضل القصات الكلاسيكية والهندسية مع الألوان الهادئة.

شيرين: أحب الأقمشة المنسدلة والحالمة مع الألوان القوية.

بشكل عام كل واحدة منا لديها ذوق خاص بها وهذا يظهر في القطع التي تضع بصمتها عليها، وأصدقاؤنا المقربون يستطيعون مباشرة معرفة إن كنت أنا أم ليال، من ابتكر هذا التصميم، وهذا برأيي أمر جميل ويميزنا بحيث يمكن للشابات من مختلف الأذواق، إيجاد ما يبحثن عنه في مجموعاتنا.

ما هي مصارد الإلهام التي تستمدان منها الأفكار؟

ليال: للطبيعة دور كبير في إعطائنا الإلهام كما أننا نهدي المجوعات إلى أشخاص قريبين على قلبنا، ويمكن لقصيدة أن توحي لنا بفكرة، كل ما نعمل عليه يتمحور حول المشاعر والأحاسيس التي تحركنا. وأعتقد أننا بحاجة إلى أن نعيد عنصر الدهشة والابهار فالهاتف قضى على مخيلتا، من هنا نوسع مصادر الوحي كي نتميز وذلك من خلال القراءة التي تقوم بتحريك العقل والأفكار، أو زيارة المعارض الفنية أو التنزه في الطبيعة لمراقبة الزهور والأشجار. فبرأيي إن العقل هو أهم هدية نملكها فأنا حين أغمض عيني أنتقل بأحلامي إلى عالم آخر لا يعرفه أحد غيري كما أنه يعطينا القدرة على التخيل ويبعدنا قليلاً عن النطاق البصري الذي تشبعنا منه من خلال وسائل التواصل.

من هي السيدة التي تتوجهان إليها بتصاميمكما؟

شيرين: نتوجه إلى السيدة القوية التي تعرف ماذا تريد، تخلق أسلوبها الخاص وتضيف وهجها الطبيعي على ملابسها، بحيث لا يمكن أن تمر بدون ترك أثر، هي أم أو سيدة أعمال أو فنانة، أو هي كل ما ذكرته سابقاً ولكنها لا تضعف بل تحتفل على الدوام بإنجازاتها وتسعى لإيجاد ذاتها كي تحقق النجاح فتظهر بشكل مميز في مجتمعها.

حدثانا عن توجهكم نحو الأزياء المستدامة؟

ليال: من أكثر ما يميزنا منذ انطلاقتنا هو تركيزنا على هذا الموضوع، فالحفاظ على البيئة هو في صميم عملنا، لذا لا نمانع تقليل الإنتاج لمراعاة المعايير العالية التي يتطلبها اللجوء إلى مواد صديقة للبيئة في عمليات التصنيع، ونعيد استخدام بعض الأقمشة والخامات لكي نحمي البيئة ونحافظ على حياة أفراد بلدنا، فازدياد حالات السرطان ولا سيما لدى الأطفال يعود إلى ارتفاع معدلات التلوث للأسف، من هنا سنظل ننادي بأهمية حفظ الأرض وحماية مواردها والتفكير بالإنسان قبل أي شيء.

من هي الأقوى في الإدارة، وتلك البارعة في التسويق والمبدعة في التصميم؟

ليال: في الحقيقة فقد تركنا مهام الإدارة والتسويق لفريقنا الذي نثق به بشكل كبير، لكي نتفرغ لما نحب القيام به وهو التصميم والإبداع، وقد تطلب الأمر وقتاً طويلاً حتى نعثر على الأعضاء الذين يتكاملون لكي يؤدوا أدوارهم بأفضل شكل، نحن نؤمن بأهمية الفريق وبإعطائهم المجال كي يبدعوا ويبرزوا، كما أن وجودهم يعطينا الراحة لنتفرغ للتصميم. ويشبه الأمر أن يكون لديك طفل صغير فلن تثقي بتسليمه إلا لأحد تثقين به كي يرعاه في غيابك.

ما هي المشاريع المقبلة وأين تتمنيان الوصول بمشروعكما؟

شيرين: أعدنا إطلاق موقعنا الإلكتروني مطلع العام الحالي، ونعمل حالياً مع شركة PR مهمة في لندن نثق بها وبما ستقدمه لنا من مزايا ومنافع، وخلال هذا الصيف نحتفل في بيروت مرة ثانية من خلال افتتاح متجرنا الجديد في منطقة الصيفي.

اقرئي المزيد: شراكات أسريّة ناجحة.. لمى الصباح: اكتسبت من والدي الصبر وفي المقابل أدخلت إلى شركته حسّي الشبابي

 

 
شارك