كل ما يهمّك عن صورة الجسم الإيجابية وتأثيرها على الصحة النفسية

على الرغم من أنّ مواقع التواصل الاجتماعي أدخلت الكثير من التغييرات الإيجابية إلى حياتنا، عكست بعض التداعيات السلبية ولا سيّما من ناحية تقبّل الجسم والتوقّف عن مقارنة الذات مع الآخرين. غير أنّ امتلاك صورة صحّية وإيجابية عن الجسم يُعتبر مقوّماً من مقوّمات الثقة بالذات. ولذلك تحديداً، اخترنا التحدّث عن هذا الموضوع واستشرنا الأخصائيين والناشطين في هذا المجال.

عند التحدّث عن أي موضوع ومن أجل فهم مختلف جوانبه ونواحيه، لا بدّ من استشارة الأخصائيين والخبراء في المجال. ومع حلول موسم الصيف وبدء التركيز أكثر وأكثر على ما يُسمّى "صورة الجسم المثالية"، لا بدّ من توجيه الانتباه نحو أمور أكثر أهمية واستبدال كلمة "المثالية" في هذا الإطار بكلمة "صحّية". فما من وزن مثالي ولا حتّى شكل مثالي، لأنّ لكل امرأة منّا جسم خاص بنا وأسلوب حياة يميّزها عن سواها.

ولنفهم أكثر ماذا تعنيه عبارة Body Positivity وترجمتها باللغة العربية "امتلاك صورة صحّية وإيجابية عن الجسم"، تحدّثنا مع أخصائية التغذية كارين خليفة المعروفة بحسابها @healthyscoopdxb على إنستغرام وأدخلتنا أكثر في تفاصيل هذا الموضوع.

ما المقصود بالصورة الصحّية والإيجابية عن الجسم؟

قبل البدء بتعريف هذه العبارة التي نسمعها كثيراً، تقول خليفة "إنّ اتّباع نظام غذائي صحي لا يعني وضع قيود صارمة أو حرمان الذات من أكثر الأطعمة المفضّلة بالنسبة إليها أو الحفاظ على وزن منخفض غير واقعي. بل على العكس تماماً! النظام الغذائي الصحي يعني أن نشعر بالراحة والسعادة تجاه أنفسنا وأن تتعزّز الطاقة في داخلنا وأن تكون صحّتنا جيّدة ومزاجنا جيداً".

أمّا بالعودة إلى تعريف ما تعنيه عبارة Body Positivity، فهو أن تتقبّل كل منا جسمها كما هو وأن تشجّع نفسها على اتّباع خيارات صحية في أسلوب حياتها من دون أن تركّز على الوزن طوال الوقت. ففي الواقع، تحاول النساء عادةً فقدان الوزن بحثاً عن التقبّل بين الآخرين والأخريات، وها أمر سيّء بالفعل خلال خسارة الوزن. فالمرأة تفكّر أحياناً أنّ "المثالية" تعني الجسم النحيف. حتّى أنّ المعتقدات الخاطئة حول الصورة الصحّية والإيجابية عن الجسم انتشرت بشكل كبير في الآونة الأخيرة، بخاصّة بين الإعلانات والمؤثرات على مواقع التواصل الاجتماعي.

التحكّم بمشاعرنا وسلوكياتنا على الرغم من المعتقدات الخاطئة حولنا

صحيح ما أشارت إليه أخصائية التغذية عن مواقع التواصل الاجتماعي والإعلانات، فهي تُعتبر في كثير من الأحيان سبباً من الأسباب التي تجعلنا نفقد هذه الصورة الإيجابية حيال أجسامنا وتدفعنا إلى مقارنة أنفسنا بالأخريات، بخاصّة النجمات. فميف يمكن إذاً التحكّم بهذه المشاعر والسلوكيات؟

في الواقع، كثيرة هي الدراسات التي أجريت وأكّدت أنّ الأفلام والمسلسلات وبرامج التلفزيون ومواقع Pinterest وTumblr وFacebook وInstagram تساهم جميعها في دفع النساء إلى البحث عن صورة غير واقعية لأجسامهنّ لا بل إلى السعي للحصول عليها. وهذا جانب آخر من جوانب المقارنة، إذ تقارن المرأة نفسها يومياً مع النساء الأخريات اللواتي تراهنّ على مواقع التواصل الاجتماعي، فترغب في أن تكون مثلهنّ تماماً. وبما أنّنا لا نستطيع التحكّم بما يُنشر على هذه المواقع ولا حتّى تجنّب الاطّلاع على هذه المنشورات، ينبغي أن نفهم أنّ الصور التي نراها لا تعكس الأجسام "المثالية" أو الأجسام التي يهدف الجميع للحصول عليها. ومن هنا، ينبغي التأكيد على أهمية التركيز على ألّا تتزعزع الثقة بالنفس وعلى أهمية متابعة حسابات تروّج لأسلوب الحياة الصحي وتقدّم معلومات واقعية ومنطقية. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن نتجنّب التحدّث عن أجسامنا بشكل سلبي.

استبدال التفكير بالدايت باتّباع نمط صحّي

لم تكن الصحّة يوماً مربوطة بالوزن، إنّما بالتغيّرات الصحية التي ندخلها إلى أسلوب حياتنا. ويعني هذا تناول جميع الأطعمة بتوازن واعتدال (الأكل الحدسي) وتحريك الجسم بطريقة ممتعة ومجدية. ويتم التركيز في هذا الإطار على الاهتمام بالجسم مهما كان شكله وحجمه والانتباه إلى العوامل التي تحدّد فعلاً إن كان بصحة جيّدة أم لا كضغط الدم مثلاً ونسبة السكر ومستويات الفيتامينات والمعادن وغيرها... وبعيداً عن الأرقام التي تركّز عليها ثقافة الدايت، لا بدّ من نعيش بصحّة وأن نشعر بالراحة حيال أنفسنا فتكون العلاقة التي نبنيها مع الطعام صحية.

وأبرز الخطوات الواجب اتّخاذها في هذا الإطار:

- التأكّد من إغناء الجسم بجميع العناصر الغذائية التي يحتاج إليها من بروتينات وكربوهيدرات وسكريات ودهون وفيتامينات ومعادن، وذلك مع الحفاظ على التوازن في الوجبات

- عدم اتّباع حميات غذائية قاسية تخفض السعرات الحرارية التي يمكن تناولها إلى عدد 600-800

- عدم الامتناع عن تناول بعض الأطعمة، بل التركيز على الاعتدال في الكمية

- تقليل المشروبات السكرية والمحلّاة قدر الإمكان، لارتفاع نسبة السكر فيها والسعرات الحرارية غير النافعة

- تناول الحبوب والمأكولات الكاملة كالأرز البني والمعكرونة السمراء والخبز الأسمر

- الإكثار من تناول الفواكه والخضار

- الاستعانة باختصاصية تغذية ترشدك حول كيفية اتّباع نمط صحّي وبلوغ أهداف واقعية تفيد صحّة جسمك أولاً وقبل كل شيء

سارة بزّي

شخصية مؤثرة على إنستغرام تروّج لاكتساب صورة صحّية وإيجابية عن الجسم

من الحسابات التي ينبغي متابعتها على إنستغرام للحصول على هذا التأثير الإيجابي الذي سبق وتحدّثت عنه خليفة، حساب سارة بزّي التي تنجح في إعداد فيديوهات ومنشورات تشجّع على بناء علاقة صحّية مع الجسم بعيداً عن السلبية والانتقاد المستمرّ. وقد كان لنا معها هذا اللقاء:

  1. كيف بدأت رحلتك على مواقع التواصل الاجتماعي أي ما الذي دفعك إلى عالم الصورة الصحّية والإيجابية عن الجسم؟

بدأت حسابي منذ عامين حين كنت أمرّ بمرحلة صعبة وفوضوية من حياتي. فلم أكن على طبيعتي، وشعرت بأنّني أقوم بكل شيء من أجل الآخرين وليس من أجل ذاتي وقد كنت أولي اهتماماً كبيراً بآراء الغير. كما وكنت مهووسة بجسمي ولم أستطع التقدّم. لذلك، بدأ رحلة علاج نفسي وافتتحت حسابي لأستطيع المضي قدماً في حياتي. ومنذ ذلك الوقت، بدأت أغيّر علاقتي بجسمي وبالطعام ومختلف الأمور الأخرى.

  1. كيف نجحت في التوقّف عن التفكير في الحميات الغذائية طوال الوقت وعن مقارنة نفسك مع الأخريات؟

في الواقع، بذلت مجهوداً كبيراً لأدخل إلى حياتي عدداً من التغييرات: أمضيت أياماً وأياماً أقرأ عن الأثر الذي تخلّفه خسارة الوزن غير الصحية على العقل وعن ثقافة الحميات الغذائية وتقبّل الجسم وثقافة ممارسة الرياضة وما إلى ذلك. وكلّما اكتسب معلومات أكثر، كلّما التمست تغييراً في نفسي، حتّى وصلت إلى مرحلة لم أعد أهتمّ بالدايت. وتعلّمت أن أتقبّل نفسي وأن أحبّ جسمي، علماً أنّنا أمرّ بفترات أنظر بسلبية إلى نفسي غير أنّني بتّ أعرف كيفية التعامل مع هذه الظروف. ولا بدّ لي أن أقول إنّ قبول أجسامنا وحبّها والابتعاد عن الحميات الغذائية لا يعني عدم اتّباع نظام غذائي صحي وعدم الاعتدال في كيفية تناول الطعام.

  1. كيف ينعكس التأثير السلبي لمواقع التواصل الاجتماعي علينا من حيث الصورة الإيجابية حيال الجسم؟

تؤثر مواقع التواصل الاجتماعي على الجميع، نساءً كانوا أم رجال وكباراً كانوا أم مراهقين أم صغار. فهي أحد الأسباب التي تدفعنا إلى امتلاك صورة سلبية عن أجسامنا وإلى المعاناة من اضطرابات ذات صلة بالأكل وتناول الطعام، بخاصّة مع إعلانات أقراص تخفيض الوزن وتطبيقات التنحيف والفلترات الجمالية وتطبيق تعديل الصور. فقد أصبحت رؤيتنا إلى الجمالية غير واقية! ومن المحزن أن يعتقد البعض أنّ ما نراه على مواقع التواصل الاجتماعي حقيقي دائماً!

لذلك، على كل منّا أن تثقّف نفسها عن الأمور التي تؤثر على شكل الجسم وتفكّر دائماً بإيجابية في هذا الإطار. فلنحاول متابعة حسابات تسلّط الضوء على التنوّع وعلى أهمية تقبّل الجسم والتوقّف في المقابل عن متابعة الحسابات التي تجعلنا ننظر بسلبية إلى أنفسنا. فلنركّز على قدراتنا بدلاً من المظهر الخارجي!

اقرئي أيضاً: بودكاست: الرضاعة الطبيعية وخسارة الوزن بعد الولادة مع د. فاديا الخليل

 
شارك