موزة الحمراني: الفن يقدم رؤى وتفسيرات جديدة للتجارب الشخصية

تعاونت مجلة هيا في عدد الصيف مع نجمة الغلاف وهي رسامة وفنانة متعددة الوسائط، لكي تترك بصمتها الفنية المميزة على صفحات المجلة، في عدد مخصص لنساء الإمارات الشجاعات والمقدامات وصاحبات القصص الملهمة والمؤثرة، وتطرقنا معها إلى كيفية عكسها للتجارب والمشاعر والمختلفة من خلال الفن.

هل الفن قادر على تقديم رؤى جديدة لتجاربنا الشخصية والثقافية؟

بالتأكيد، هناك مقولة شائعة على الإنترنت تقول "لا توجد تجربة أصلية واحدة أبدًا". فكلما شعرت أنك تعيشين تجربة ما بمفردك، يُبدع أحدهم عملًا فنيًا أو قصة مصورة أو ميمًا عنها. إنه لأمر مريح ومضحك في آنٍ واحد. بالنسبة لي، هناك تجارب لم أعشها بعد، ولكن من خلال الفن، يمكن على الأقل أن أستكشف تجربة شخص آخر مرّ بها. هذا الأمر يساعدنا على أن نكون أكثر تعاطفًا وثقافة ووعيًا تجاه تجارب واهتمامات بعضنا البعض. سواءً تعلق الأمر بالمعنى الكامن وراء العمل الفني أو بالمستويات التقنية اللازمة لإبداعه، سيقدم الفن دائمًا رؤى جديدة.

كيف ترين دور الذكاء الاصطناعي في مجال الفن، وهل يمكن أن يحل فن الذكاء الاصطناعي محل البصمة البشرية في المستقبل؟

يتقدم الذكاء الاصطناعي بسرعة هائلة، بطريقة آسرة ومرعبة في آنٍ واحد، إلا أنه لن يحل محل الروح البشرية أبدًا. أحب أن أعتبره أداةً لتوفير الوقت لإنشاء مراجع وأطر عملٍ يمكن للفنان العمل عليها، لكنني لا أرحب بفكرة أن يتحول إلى "الفنان" الذي يبتكر عملاً متكاملاً. الأمر كله يتعلق بحسن استخدامه لدعم العملية الإبداعية، أنا كشخصٌ بصري؛ يساعدني لأتمكن من تصور عملٍ فنيٍّ محتمل بسرعة قبل إكمال تفاصيله. يخولني الذكاء الاصطناعي على سبيل المثال استعراض التكرارات المحتملة لعملٍ فنيٍّ في معرضٍ وهمي، بسرعة قبل الاستقرار على واحد نهائي. ولكن أشدد أن علينا كفنانين أن لا نترك كل شيء للذكاء الاصطناعي، فهناك جمالٌ في العمل الفني. هناك لمسةٌ من الروح في كل ضربة فرشاة لن يتمكن الذكاء الاصطناعي أبدًا من محاكاتها. أجد العمل الفني المُفرط في الكمال مُقللًا من التحفيز أيضًا، وهو ما يميل الذكاء الاصطناعي إلى خلقه، فالصور بدائيةٌ للغاية، وغير إنسانية، بينما هناك جمالٌ في الخطأ البشري الذي يُغفله الذكاء الاصطناعي تمامًا.

لقد كسرتَ قيود الفن المحدد ضمن لوحةٍ قماشية، واخترتَ أدواتٍ جديدةً ومترابطةً لتعبيرك الفني. لماذا فضّلتَ هذا النهج؟

أفتخر وأحب أني أمتلك مهاراتٍ بسيطة في مجالاتٍ متعددة، لكنني لستُ بارعة في مجالٍ واحد بشكل خاص، أستغلّ ذلك من خلال دمج مهاراتٍ ووسائطٍ متعددةٍ لإنتاج عملٍ فنيٍّ متكامل. من جهة، تُعدّ هذه العملية أكثر إرضاءً لي كفنانة وكفرد، ومن جهةٍ أخرى، تُنتج أعمالًا فنيةً أكثر جاذبية. أُركّز على وسيطٍ واحدٍ لفترةٍ قصيرةٍ ثم أنتقل إلى وسيطٍ آخر، حاملة تجربتي من هذا الوسيط إلى الآخر. إنها رحلةٌ ممتعة، وهناك الكثير لأتعلمه، فأنا لا أخطط للاقتصار على الرسوم التوضيحية فقط في أعمالي المقبلة.

ما هو المشروع الذي تفخرين بإنجازه، والمشروع الذي تحلمين بتحقيقه؟

يشكل معرضي الفردي الأول "الصفحة الرئيسية"، مصدر سعادة وفخر وشعور جميل بالإنجاز بالنسبة لي، فلم أتوقع أن أحظى بشرف إقامة معرضٍ فرديٍّ قبل بلوغي الثلاثين. بفضل برنامج "تشكيل" للممارسات النقدية، أُتيحت لي هذه الفرصة. كان مقدار الحب والدعم الذي تلقيته من فريق "تشكيل" وأصدقائي وزملائي وعائلتي هائلاً، وسيبقى ذكراه معي إلى الأبد. لم يسبق لي أن ملأت قاعة كاملة بأعمالي الخاصة، لذا كان الأمر شاقًا ولكنه مُرضٍ للغاية. كان تصميم تجربة معرض كاملة مشروعًا ضخمًا، وأنا متشوقة للغاية للقادم. أما بالنسبة لمشاريع الأحلام، فأتمنى لو تتاح لي الفرصة لإنشاء منحوتة أو نصب تذكاري محلي في مكان ما في الإمارات أو خارجها. قطعة فنية دائمة يمكن للزوار تقديرها لفترة أطول من وجودي على هذه الأرض!

ما هي البصمة الفنية التي تميزك والتي تعتبرها علامتك الخاصة؟

ربما يكون استخدامي للألوان هو القاسم المشترك بين جميع الوسائط التي أستخدمها، فستجدين دائمًا ألوانًا زاهية ومشبعة ومشرقة في أعمالي. نادرًا ما أترك عملًا دون تلوين، إذ يجب أن أجعل العمل فنيًا وحيويًا لنفسي أولاً قبل أن أفكر في الجمهور، وأنا أحب الكتل الكبيرة من ألوان RGB الصلبة. هناك أيضًا قدر كبير من الفكاهة في أعمالي التي تظهر من الرسم التوضيحي إلى التثبيت، أحب أن أكون غير جادة قليلاً في عملي، فهو شكل من أشكال اللعب والهروب بالنسبة لي بعد كل شيء، ويبدو أنه يجد طريقه إلى الأخر في نفس الوقت، لذلك أعتبر أني أضرب عصفورين بحجر واحد.

كيف تنظرين إلى المشهد الفني والثقافي في الإمارات، وإلى أي مدى يزداد اهتمام الشابات بدراسة الفن والتعمق في المجالات الثقافية والإبداعية؟

يتزايد الاهتمام بالفن يومًا بعد يوم هنا في الإمارات، ليس فقط من قِبل المجتمع المعني، بل من قِبل الحكومة التي تشجع وتدعم الثقافة والفنون من خلال مبادرات متنوعة، مثل برنامج المنح الوطنية للثقافة والإبداع. كما تتوفر العديد من برامج الإقامة الفنية في مختلف إمارات الدولة، وهي مخصصة للفنانين الراغبين في التعلم والارتقاء بمهاراتهم. لقد شاركتُ في اثنتين من هذه الإقامات الفنية المحلية حتى الآن، وأتطلع إلى المشاركة في المزيد منها. كما تشرفتُ بدعوة من جامعتي الأم، جامعة زايد، لمراجعة ونقد أعمال طلاب الفنون في سنتهم الأخيرة. وقد جعلتني الطالبات (وجميعهن من الإناث) أشعر بالفخر والسعادة لرؤية هذا الشغف لا يزال حيًا ونابضًا بالحياة في هذه المؤسسات التعليمية للفنون، وأنا متحمسة جدًا لرؤية ما ينتظر المرأة في مجال الفنون في الإمارات خلال الفترة المقبلة.

ما هي الصفات التي تمتلكينها والتي تُمثل امتدادًا لثقافة وخصائص وطنكِ، الإمارات العربية المتحدة، والتي ساهمت في نجاحكِ؟

نحن في الإمارات أناسٌ مضيافون للغاية، ونسعى جاهدين لخدمة مجتمعنا، وأنا بشكل كبيرة أشبه بلدي بهذه الناحية، من الصعب أن أرفض طلب مساعدة أو خدمة، وأعتقد أن هذا ما مكّنني من الحصول على فرص العمل الحر الأولى لي، عندما كان أصدقائي أو معارفي أو أفراد عائلتي يطلبون لوحات أو عملًا في التصميم الغرافيكي، فأنا كنت أسارع للعمل دون سؤال عن مقابل. برأيي هذه السمعة الطيبة التي تنتقل من فرد يعرفني إلى معارفه ومحيطه، مهمة جداً في استمرار الفنان بالعمل والإنتاج، وربما كان قبولي لتلك الفرص الأولى هو ما ساعدني على إطلاق مسيرة مهنية أوسع في نهاية المطاف.

ما هي مشاريعك المستقبلية؟

هناك مشروعان أعمل عليهما، ومن المتوقع أن يكونا مثيرين للغاية بمجرد الإعلان عنهما إن شاء الله! آمل أن يسعد الجمهور بهما بقدر استمتاعي بالعمل على تنفيذهما حاليًا.

اقرئي المزيد: كليم بشارة: أعشق الفن العربي وفنانينه ورموزه وأختار اللوحات التي تحكي قصتها الخاصة

 
العلامات: فن تشكيلي
شارك