ميرنا الهلباوي: كسرت الصورة النمطية للكاتبات العربيات وأعيش سني مستمتعة بحياتي

نعم تستطيعين أن تكوني كاتبة مخضرمة في الثلاثين من العمر! هذا ما أثبتته ميرنا الهلباوي وفي جعبتها ثلاث كتب هي: كونداليني، مر مثل القهوة حلو مثل الشوكولا وتنذكر ما تنعاد، حققت مبيعات قياسية في الدول العربية. شابة جميلة مفعمة بالطاقة والحياة والبساطة، حفرت لنفسها اسماً كبيراً في سماء الأدب والكتابة لتكون نموذجاً لكل فتاة موهوبة، سعت لتثبت نفسها وتحافظ في الوقت ذاته على حقيقتها وبساطتها.

هل من حدث حياتي معين دفعك إلى الكتابة؟ ما الذي تذكرينه عن تجاربك الكتابية الأولى؟

أعتقد أن وعيي برغبتي في الكتابة بشكل حقيقي تشكل مع ثورة يناير قبل 12 سنة. كنت مراهقة في ذلك الوقت وأردت التعبير عن نفسي. لكنني اكتشفت أنني لطالما منذ الطفولة كنت أعبر عن مشاعري لعائلتي وأصدقائي عن طريق كتابة الرسائل، كانت طريقتي الوحيدة في التعبير عما أشعر به. أيضًا كنت أحب القراءة جدًا. كنت أقرأ كل شئ وأي شئ، أعتقد كانت للقراءة دور كبير في اهتمامي بالكتابة لأن كل الكتاب الذين كنت أقرأ لهم كانوا في مرتبة عظيمة في نظري.

حياتك حافلة بالانجازات، هل كانت ميرنا الطفلة والمراهقة تخطط أو تحلم بأن تصير كاتبة مشهورة ومؤثرة في مجتمعها؟

أبدًا! لم أكن أتخيل كل ما يحدث الآن؛ ولكنني كنت دائمًا مختلفة قليلًا عن أقراني، كانت اهتماماتي مختلفة؛ كل أحاديثي كانت تبدأ بالكتاب الأخير الذي قرأته أو ما أقرأه في تلك اللحظة. أضحك كثيرًا كلما جلست وحدي وتمعنت في حياتي لأنني لم يكن يومًا عندي خطة لأي شئ، كنت ومازلت أترك الحياة تفاجئني والحمد لله أن مفاجآتها كلها لطيفة حتى هذه اللحظة.

كيف تختارين مواضيع كتاباتك وما هي الحالة الذهنية والنفسية التي تحتاجين اليها للبدء بكتاب جديد؟

أختار مواضيع كتاباتي وفقًا لما أشعر به ولما أهتم به في ذلك الوقت؛ دائمًا أقول أنني أكتب ما أود أن أقرأه أو ما لا أجده في المكتبات. قبل البدء في الكتابة أسافر كثيرًا، وحين أقرر ما سأكتب؛ أتحول للصورة النمطية للكاتب: عُزلة وهدوء تام وتركيز شديد وتوحد مع الحالةالخاصة بالكتاب.

ما هي الأسباب التي ساهمت بنجاح كتبك ومن أين استمديت هذا الوعي والعمق والادراك للحياة وعكستها في تعابيرك وكتبك؟

من وجهة نظري ما يميّز كتاباتي أنها لا تعبر عن الشأن العام بل الشأن الخاص بي أنا فقط. أعبّر عن حقيقتي كاملة دون تجميل، أكتب بكل صدق وبكل عنف دون التفكير في من سيقرأ لاحقًا. أعتقد أن وعيي تشكّل بشكل مختلف عن الحياة منذ كنت في الثامنة من عمري مع طلاق والديّ وتغيّر شكل الحياة منذ ذلك الوقت مع كل الصعوبات التي واجهناها أنا وأمي، بالإضافة للسفر في سن صغيرة حيث أثّر في تشكيل إدراكي لما يحدث حولي. وأيضًا القراءة؛ كنت أقرأ لشكسبير وتشارلز ديكنز وغيرهم وأنا في الثانية عشر من عمري. كل هذه العوامل شكلت شخصيتي بشكل كبير.

كتاباتك تعكس مشاعر المرأة وأحاسيسها، فكيف فهمت هذه المكنونات وتمكنت من التعبير عنها بهذا الصدق: هل هي تجارب حياتية أو قراءات أو انعكاس لما ترينه حولك؟

هي مزيج من كل هذه العوامل، بالإضافة إلى اعتباري أن الكتابة هي منطقتي الصادقة الخالية من أي أكاذيب أو تجميل أو تزييف، هي المنطقة الوحيدة التي لا أرتدي فيها أي أقنعة أو أحاول بها الظهور بمظهر الفيلسوفة أو المثقفة. كتاباتي تعكس كل ما أشعر به بصدق وأراه بوضوح حولي.

كسرت الصورة التقليدية للكاتبة فأغلب كاتباتنا أكبر سناً وأكثر جدية، هل واجهت أي نوع من انواع التنمر أو الانتقاص من قيمتك من المحيط، وفي حال نعم كيف واجهت هذا الجهل وأثبت لمن حولك أن الاختلاف لا ينتقص من أحد بل هو دليل عافية وقوة؟

هذا السؤال حساس وسعيدة أنكِ قمتي بطرحه. نعم، واجهت الكثير من التنمر بسبب هذه الصورة غير التقليدية لشكل الكاتبة. فأنا في النهاية فتاة عادية تسافر وتمرح وتلهو وتحب الموضة وكل من يتعرف عليّ للمرة الأولى لا يصدق أنني كاتبة.. لإنني لا أتفلسف ولا أدّعي العمق. هذا بالإضافة إلى عامل السن بالطبع؛ هناك صورة نمطية أن الكاتبة يجب أن تكون في سن معين، وأن صغر سني لا يعطيني الحق في أن أكون كاتبة واعبر عن آرائي ووجهة نظري في الحياة. كنت في البداية أتأثر بشكل سلبي بسبب هذه التعليقات ولكن مع الوقت تعلمت أن أدع من ينتقد ينتقد لأنه حر في رأيه ولكنني حرة أيضًا في تعريف نفسي بالشكل الذي أريده وفي ما أفعله في حياتي. كيف لا أكون كاتبة وأنا قمت بكتابة ثلاث كتب ومئات المقالات والتقارير والتحقيقات والحوارات الصحفية على مدار ١٠ سنوات؟

انت طبيعية بدرجة كبيرة، بعيدة عن التجميل او المبالغة في الماكياج، تقدمين صورة شفافة وصادقة عن فئة كبيرة من بنات هذا الجيل، كيف حافظت على حقيقتك في وسط هذا العالم المليء بالمغريات والضغوطات التي تؤطر المرأة وتطالبها بصفات جسدية وشكلية معينة لتكونمرغوبة او مؤثرة؟

أعتقد أن من المهم جدًا أن يكون الإنسان على قدر كبير من الوعي الذاتي وأيضًا معرفة نفسه ومبادئه وأفكاره التي ينتمي إليها وليس المفروضة عليه، أن تكون قدماه ثابتة بهذه الأفكار والمبادئ التي كونها لنفسه وليس عن طريق أفكار ومبادئ الآخرين، وأن يهتم بالمهم حقًا وهو جوهره وما يقدمه لنفسه وللآخرين. أنا تعلمت مبادئ من نشأتي وطفولتي وكوّنت مبادئي وأفكاري الخاصة في هذه الحياة. تعلمت أن أقف وأسأل نفسي في أي موقف أمر به عن حقيقتي وحقيقة رغباتي وهل هذه الرغبات من أعماق نفسي أم من مؤثر خارجي. أنا أفعل ما أريده حقًا بغض النظر عن أي تأثير خارج عني.

نعيش في مجتمع يشد المرأة في عدة اتجاهات، ويضغط عليها لتكون ناجحة مهنيا او عاطفيا وحتى كاملة شكليا، هل تحررت من هذه القيود وكيف تسعين لذلك؟

عانيت حتى أتحرر من هذه القيود الضاغطة نفسيًا بشكل رهيب؛ هذا شعور قاتل كأن هناك صوت مستمر يهمس لي بأنني لست كفاية، وأنني يجب عليّ النجاح في كل أركان حياتي حتى يعطيني المجتمع ختم اعتمادي كإمرأة. والحقيقة أنني تخلصت من هذه القيود عندما قررت وبشكل حقيقي عدم الاهتمام بكل هذه المعايير المريبة.. عندما قررت تقبل حقيقتي كإنسان عادي ينجح في شئ ويخفق في آخر، تحررت عندما قررت أن أتقبل نفسي وأحبها كما هي، وإما أن يحبني ويتقبلني الآخرون كما أنا أو لا أريد هذا الحب او الاهتمام من الأساس.

أن تكوني مؤثرة في حياة الاف الشابات سواء من خلال كتبك او تواجدك عبر وسائل التواصل، هو امر يحملك مسؤولية كبيرة. كيف تختارين محتواك والرسائل التي توجهينها؟

فكرت كثيرًا في هذا الأمر ووجدت أنني - قد يبدو هذا غريبًا- لا أهتم بهذه المسئولية، لأن هذا الاهتمام قد يشكل ضغط أو عبء شخصي لتغيير بعض من حقيقتي كإنسان يخطئ ويصيب، وهذه ليست الصورة التي أحب تصويرها أو تسويقها عن نفسي. لذلك أنا أنشر حقيقتي وحياتي الحقيقية وأفكاري الشخصية بغض النظر عن هذه المسؤولية. أنا إنسانة طبيعية وأريد أن يراني الناس بهذه الصورة وألا يضعوا من يتابعونهم في مكانة أكبر من اللازم.

ما هي أكثر القضايا التي تهم المرأة العربية وتعنيك أكثر من غيرها فتسعين لتعزيز التوعية حولها؟

أهتم كثيرًا بكل ما يخص حرية المرأة في التعامل معها كإنسان فقط دون النظر لجنسها كشئ يمكن أن يقيدها من فعل أي شئ. العنف الجسدي تجاه المرأة قضية تؤثر فيّ بشكل شخصي. الضغوط المجتمعية على المرأة في الزواج والإنجاب تؤثر فيّ بشكل كبير.

كيف يمكن للمرأة ان تحسن تنظيم وقتها وتجدول مسؤولياتها وتضع أولوياتها لتعيش حياة بسيطة وسعيدة وهانئة؟

أن تضع نفسها الأولوية الأولى. أن تضع ما تريده فعلًا وليس ما يريده أهلها أو مجتمعها الأولوية الأولى. أن تدرك أن من حقها ومن الطبيعي أن تكون المتحكم الأول والأخير في حياتها وكيف تريد أن تعيشها. أن تدرك قيمتها كإنسان لديه واجبات وعليه مسئوليات تجاه نفسه وتجاه الآخرين دون أن تكون هذه الواجبات أو المسؤوليات مصدر لتقييد أحلامها وطموحاتها. لأن من يحبك حقًا سواء أهل أو أصدقاءأو شريك حياة يريد أن يراكِ حُرة وسعيدة..

للسفر دور كبير في تحقيق سعادتك، ما الذي تكسبينه من كل رحلة جديدة وكيف يساعدك السفر في اكتشاف حقيقتك والوصول لسلامك الداخلي؟

في كل رحلة اكتشف جزء جديد من نفسي خاصة وأنني معظم رحلاتي أكون بمفردي، أترك نفسي اكتشف العالم من حولي دون أحكام ودون تنظير وخوف، أحب التحدث مع الغرباء والاستماع لحكاياتهم التي معظم الوقت تكون مبهرة بحق وتلهمني كثيرًا. أتمنى أن أستمر في أن أكون أنا، دون ضغوط أو خوف أو تقييد. أتمنى أن أكون أقل حِدة في تهذيب نفسي في التعامل مع أخطائي، وأتمنى أن يكون اللطف مني للآخرين ومن الآخرين تجاهي هو الشعور السائد والمستمر في حياتي.

اقرئي المزيد: ميرنا حداد: لجأت للكتابة للتوعية بمشاكل الشابات العاملات ولأمنحهن رسالة أمل وإصرار

 
العلامات: نجمات وشهيرات
شارك