فاطمة البنوي: نحن بحاجة إلى الحب والاكتشاف والمجازفة نحو مخاوفنا

حكواتية معاصرة، ممثلة، مخرجة، وكاتبة سعودية قادرة على الانخراط والانسجام والتوافق والتواصل مع الآخر بسهولة. ترعرعت في كنف عائلة يناقش فيه أفرادها على طاولة الطعام نظريات علماء النفس كفرويد وكارل يونغ، ولكن الأهم من كل هذا هو أنهم يعتمدون الحوار في ما بينهم دائماً. تنتظر فاطمة البنوي عرض أول أفلامها كمخرجة، وهو فيلم "بسمة" الذي تشارك في بطولته أيضاً، كما أنها أصدرت أخيراً كتابها الجديد "القصة الأخرى"، ناهيك أنها تشارك في بطولة الفيلم الدرامي الكوميدي السعودي "الهامور ح.ع" الذي يعرض حالياً في صالات العرض العربية. تابعي معنا هذا الحوار الشيق.

حوار: Nicolas Azar، الإدارة الفنية: Sima Maalouf، إنتاج: Mustafa Alamasi، تصوير: Majid Angawi، مساعد تصوير: Mohammed Fawzi، مساعدة تنسيق: Wareef Fadul، مكياج: Safaa Ali Reza، شعر: Kasu

علم النفس، علم الاجتماع، السينما، الدراسات الإسلامية، الجندر، الكتابة، التمثيل، الإخراج، الرسم، ورواية القصص، كلها جزء لا يتجزأ من فكر وشخصية فاطمة البنوي. من أين يأتي كل هذا الشغف؟ ما الذي يثيره؟

أظن أنني إذا كنت موجودة على هذه الأرض، فإن الشغف جزء مني. وقد يكون حالة فكرية داخلية وليس بالضروري أن يتبلور بفعلٍ ما. وفيما يتعلق بالمجالات التي ذكرتها في الأعلى، فلو دققت النظر، ستلاحظ أن جزءاً منها نظري وآخر عملي. النظري أو بمعنى أصح المحتوى، هو ما يُدرس ويُطور على مدى سنين طويلة، بينما يبقى الشكل الذي تختاره لتقديم هذا المحتوى متحول، وقد يتشكل على حسب الحاجة، أو السوق، أو المتلقي، أو حالة الفنان.

لدينا جميعًا شخصيات وعواطف واحتياجات ورغبات وأهداف وقيم ومعتقدات مختلفة. ماذا يعني لك كل من الحياة، الموت، الحب، والله؟

أستمد طاقتي لعيش هذه الحياة حين أكون على وعي تام ومطّلع وفي حالة تصالح مع فكرة أنني سأموت وحدي بين التراب، ولن يستطيع أحد سواي عيش هذه التجربة عنّي. التجديد، العفوية، والمحاولة، ثم المحاولة من جديد، كلها نتاج لعلاقتي مع هذا الحيز المؤقت. كلنا سنموت! أما الحب، أحاول نسيانه اليوم. اسألني عنه في الغد.

سترة مع حزام بمشبك buckle-G وقميص من Gucci

إلى أي مدى أنت قادرة على الاتصال بسهولة بالآخر، وشرح وتفصيل تصرفاته، وتوقع سلوكه، وتحسينه للأفضل أو لصالحك إن دعت الحاجة؟

هذه نقطة قوّتي! عشت حياتي في مدينة جدة، والمدن الساحلية تثري أهلها بهذه الخصال بطبعها، ناهيك أنني نشأت بين ثقافات متعددة كلها جزء وطيد من عائلتي. مقدرتي على الانخراط والانسجام والتوافق والتواصل يستغربها بعض الاشخاص من حولي، ولكنني لا أرى فيها غرابة. وقد ذكرت هذه النقطة في كلمتي التي ألقيتها في حفل خريجين جامعة هارفرد العرب، سنة تخرجي، والتي قلت فيها إن عائلتي هي كمجلس مصغر من مجالس الأمم المتحدة. لقد تربيت في بيت نناقش فيه على طاولة الطعام نظريات علماء النفس كفرويد وكارل يونغ، ونجري فيه على بعضنا البعض اختبارات كاختبار مايرز بريغز وغيره، ولكن الأهم من كل هذا هو أننا نمارس الحوار. والدي يقول لنا دائماً إن الحوار وسيلة، ولكن في المجتمعات التي يخلو فيها الحوار، يصبح الأخير بحد ذاته هدفاً نطمح للوصول إليه.

من خلال تحدّي بعض المفاهيم الخاطئة لدينا حول كيف ولماذا يتصرف الناس كما يفعلون، نستطيع تقديم إجابات قد تساعد في حل بعض مشاكل العالم الحقيقي. ماذا يحتاج عالمنا في الوقت الحالي وما هو الحل بنظرك؟

هناك من ظنّ أن كورونا ستفي بتغيير راديكالي يحتاجه العالم، ولكن ما إن تركتنا كورونا وشأننا، عدنا إلى العادات التي كنا عليها قبلها. هناك من يظن أننا في حاجة إلى ما هو أكثر راديكالية من ذلك، ولكنني لا أتفق معهم. أظن أننا بحاجة إلى الحب والاكتشاف والتبحر في العالم بشكل جذري غير مسبوق وكأننا نكتشفه للمرة الأولى، وأننا بحاجة للخوض في المساحات غير المريحة التي يتفاداها غالبيتنا، والمجازفة نحو مخاوفنا وكسر رتابة كل متوقع قد اعتدنا عليه. أتمنى أن أكون قد حللت مشكلة الكوكب بهذه الإجابة!

شاركت في عدة مهرجانات سينمائية دولية، ومثلت بلدك بأبهى صورة. متى أدركت أنك امرأة لن تكون يوماً نسخة باهتة لنساء العالم؟

ومن يعرف... ربما أكون أقرب إلى البهتان من الوضوح؟ لازلت أحاول تلوين وتشكيل وتوضيح هذه الصورة التي أبلورها للجمهور ولنفسي أولاً.. ولكن على العموم شكراً لهذا التقدير.

سترة، قميص، تنورة، حزام بمشبك buckle-G ،جزمة بكعب متوسط الطول، كلها من Gucci

تشاركين في بطولة الفيلم الدرامي الكوميدي السعودي "الهامور ح.ع" الذي احتل المرتبة الأولى حين عرضه في الصالات السينمائية السعودية. ما الذي دفع هذا العمل إلى أن يتصدر قائمة الأكثر مشاهدة علماً أنه الفيلم السعودي الأول الذي يعرض تجارياً بدور العرض المصرية حالياً؟

العفوية والتلقائية والشجاعة في طرح محتوى صادق وقريب هي من الأسباب الرئيسية خلف نجاحه. الشخصيات فيه ليست مثالية وكاملة ولها أبعادها المختلفة التي بطبعها تكون أقرب للمشاهد، فليس منا من هو كامل. الفيلم صنع ضجة معينة وحنين خاصةً للجمهور الذي شهد الحقبة الزمنية المطروحة، وهي بداية الألفية بجميع تفاصيلها، وهذا يؤكد على أن النجاح المحلّي يصنع العالمية.

تم تصنيف الفيلم +81 لكن هذا الأمر لم يؤثر على نجاحه جماهيرياً أيضاً. لقد اختلفت السينما السعودية بشكل كبير، اختلاف يلمسه الجميع. هناك متعة أكثر! ألا توافقيني الرأي؟ ماذا تخبرينا عن دورك فيه؟

جيهان أو جيجي هي أيقونة اجتماعية في حقبة زمنيّة عرفها الجميع هنا وآلفها، وهناك مشاعر ورأي واضح وصريح حول الشخصيات التي تشبه هذه الأيقونة من الجمهور المحلي، فهناك من استفزه فكرها وهناك من فهمها وأضحكته، وهذا خلق تياراً واسعاً من الآراء التي استمتعت بها وأنا أستمع إليها. جيجي هي منتج حالة اجتماعية واقتصادية ونفسية تشربت كل حالات الضّد الاجتماعي، بين رغبة ورفض وقرب وبعد، وقد سعدت بتمثيلها على الشاشة السعودية أولاً قبل تمثيلها على الشاشات العالمية.

سترة، قميص أزرق، قبعة Felt، كلها من Gucci

هل تشعرين أن ما تقدمه السينما السعودية يعتبر صناعة، أم هي لا تزال تجارب فنية مع دعم متزايد؟

سأكون متصالحة مع مسمى صناعة حين تتيح لي مردودات صناعة فيلم ما وصناعة الفيلم الذي يليه. إلى اليوم، يعتمد صنّاع السينما على الدعم والشراكات، ولكن هذا ليس بغريب على الصناعة المحلية في أي بلد كان. صنّاع السينما السعودية يكسرون التوقعات ويرفعون المعايير مع كل فيلم في فترة وجيزة، ويستغرب الكثير من قصرها. هذا الضغط وهذه الأنظار وهذا الترقب لا شكّ في أنه في مصلحتنا. لا زلنا في حاجة إلى المزيد من الدعم للاستدامة والاستمرار والتجربة. وكما عرفنا الإيمان في مناهج التعليم المدرسي بأنه التصديق بالقلب والعمل بالجوارح، فإنني في غاية السعادة اليوم أنني آمنت وكنت شاهدة على هذا التحول والتطور، ومدركة له من قبل حتى أن يكون.

فستان باللون الفضي والحذاء من Gucci

تنتظرين عرض أول أفلامك كمخرجة، وهو فيلم "بسمة" الذي تشاركين في بطولته أيضاً. ماذا تخبرينا عنه؟

لم أظن أنّ باستطاعة شخص أن يصغر خمسة عشر عاماً من السعادة وأن يكبر خمسة عشر عاماً من الخبرة خلال أشهر قليلة كهذه، وهذا بالضبط ما شعرت به مع صناعة فيلم "بسمة". لطالما عرّفت نفسي بأنني حكواتية معاصرة، ومن خلال كتابة وإخراج هذا العمل تبلور هذا المسمى بالنسبة لي وجاءت كل المعالم في وئام ووفاق. أن تترجم كتاباتك إلى الشاشة وتبحث عن أفضل الأساليب لعرضها والرمز إليها وحكيها، هي رحلة تبدأ من لحظة تبني رؤية ما والمحاربة من أجلها بكل لباقة وديمقراطية ممكنة حتى تتمكني من الحفاظ على فرصة العمل على فيلمك القادم. فالفيلم الأول ما هو إلا تجربة وتمهيد للثاني.

 

احتفلت أخيراً بتوقيع كتابك الجديد "القصة الأخرى" في القاهرة بعد أيام من طرحه وتوقيعه في السعودية. ماذا يعني لك هذا الكتاب؟

كنت في غاية السعادة لحظة مشاركة البعض بعد قراءتهم الكتاب أنني لو اخترت التفرغ للكتابة فقط لاكتفيت ولأتممت غايتي. وهكذا إذاً أطلعك على مهنتي في حال اختفيت يوماً ما من على الشاشات! كتاب "القصة الأخرى" يعرض فاطمة البنوي كما عرفها الكثيرون وعرفتها أنا قبل دخولها إلى الساحة السينمائية، ففيه أعرض نظرتي للعالم وللقوالب الاجتماعية وللحالات النفسية التي نشأتُ فيها ونشأَت فيّ عبر السنين. أسعى وأطمح بكل صدق وبقلب واسع أن أستقبل آراء الجمهور من القراء، فإن العمل الفني أو الأدبي لا يكتمل إلا بمشاركته مع الجمهور، فتكون آراءهم تمهيداً لكتابي الثاني.

سترة لاميه، تنورة باللون الأرجواني والحذاء كلها من Gucci

فبراير هو شهر الحب. كيف أنت مع الحب؟ وهل ينبض قلبك؟

يقول الشاعر إيليا أبو ماضي: "إن نفساً لم يشرق الحب فيها، هي نفس لم تدر ما معناها." ليت القلب ينبض لا لنقع في الحب فحسب، بل لنقف تجليلاً للمحبوب، وفي هذا المحور بالذات كتبت فصل "الحب والعلاقات" في كتابي "القصة الأخرى".

ماذا تقولين للمرأة العربية الحالمة والطموحة؟

استمري!

فستان aquamarine، قناع وجه معدني، كلها من Gucci

في الختام، ماذا ينتظرنا منك؟ هل من أعمال أخرى في قيد التحضير؟

أصوّر عملين حالياً ومتشوقة لنتائجهما، ولكن أحب أن تركزي على فيلم "بسمة" قريباً وكتاب "القصة الأخرى" الذي يمكن أن تجديه في المكتبات وفي معارض الكتب. 

رسم: Layal Idriss

 

 
شارك