شروق أمين: الفن الرقمي موجود لكي يبقى وعلى الفنانين اكتشاف أهميته سريعاً لمواكبة المستقبل
المشاعر هي ما يحرّكنا، وما يجعل للحياة معنى وقيمة، والفنانون من حولنا هم القادرون على تحريك مختلف انواع المشاعر، وبث الروح في الجماد، سواء على ورقة وباستخدام مختلف أنواع التلوين، أو على أي مساحة اختاروها ليعكسوا عبرها أفكارهم مستخدمين وسائط وأدوات مختلفة، أو من خلال طين أو قماش أو أي غرض مادي يساعدهم في إيصال رسائلهم.
نرصد الفن في كل مكان من حولنا: جدارية على شارع، رسم على حائط مدرسة، لوحة منزلية وسط غرفة معيشة، رقصة تعبيرية تمر بنا أثناء تصفح وسائل التواصل وتستوقف أحاسيسنا لوهلة من الزمن... نتلقّى رسائل تغير مسار يومنا أو أفكارنا من دون أن ندري، تدفعنا للحلم ربما أو للتفكير بإمكانية التغيير، أو للغوص أكثر في دواخلنا واكتشاف نواح مجهولة من أعماقنا...
ببساطة، الفن كان ولا يزال باب عبور نحو عوالم الآخر والارتقاء بالنفس والذوق والفكر والمشاعر.
واليوم يتغير شكل الفنون بسرعة كبيرة، فنسمع ونرى تجليات الفن الرقمي ونرصد دخول TFN مختلف أنواع الفنون، فما الذي سيحمله المستقبل يا ترى، هل يخدم TFN انتشار الفن ويسهّل عمل الفنانين ويدعم رغبتهم في مشاركة افكارهم على نطاق اوسع أو يطمس معالم الفن التقليدي وخصوصية كل قطعة فنية وجمالية الاستمتاع بشكل وفرادة مختلف الفنون عن قرب... اسئلة طرحناها على أربع فنانات عربيات اخترن تجربة TFN، فكيف يرين مستقبل الفنون من خلالها؟
تسعى الفنانة التشكيلية الكويتية المعروفة شروق أمين لنشر المعرفة بالفن الرقمي وNFT عبر صفحاتها على وسائل التواصل ولا سيما إنستغرام وتويتر، لقناعتها أن المستقبل سيشهد تغييرات كبيرة علينا كعرب مواكبتها كي لا نبقى في الخلف، ولا سيما في المجالات الفنية والموسيقية والغنائية وحتى قطاعات التعليم والكتابة والإعلام. شروق التي اشتهرت بلوحاتها المثيرة للجدل تحدّثنا عن تجربتها مع الفن الرقمي ورؤيتها للمشهد الفني المستقبلي.
ما الذي دفعكِ نحو مجال الفنون وكيف استخدمتها للتعبير عن نفسكِ ولنشر أفكاركِ التي يعتبرها كثر مثيرة للجدل وجريئة؟
لم يكن قراراً أتذكر أنني اتخذته، فقد أحببت الرسم منذ سن صغيرة جداً وقد لاحظ والدي موهبتي وشجعني، وبعدها شاركت في سنّ التاسعة في معرض ضم مجموعة من الرسامين الراشدين، ولفت نظر المدرسين في مدرستي وحتى الجمهور العريض. في سن 23 قدّمت معرضي الفردي الأول وقد بيعت كل اللوحات بشكل سريع وحقق نجاحاً كبيراً. بعدها بسنوات تأثر فني وأسلوبي بما حصل معي في حياتي الشخصية حيث انفصلت عن زوجي وبت أماً عزباء مع 4 أولاد، ووجدت أن كل المجتمع كان ضد الطلاق ولا سيما إذا قامت المرأة بطلبه، أحسست بالغضب الشديد وخيبة الأمل والحزن، وما زاد من صعوبة المرحلة أنني حين قصدت المصرف لطلب قرض تم رفض طلبي لأنني مطلّقة، وحين أردت تأجير شقة أيضاً قوبلت بالرفض للسبب نفسه. فببساطة أقفلت كل الأبواب في وجهي، وشعرت بأنني خُذلت من عائلتي ومجتمعي ومحيطي، وكان غضبي شديداً وأردت أن أعكس مشاعري من خلال لوحاتي. احتجت أن أكشف نفاق البيئة التي أعيش فيها، والأذى الذي تعرضت له، وقد ظهر كل ما عشته في فني، فجاء مثيراً للجدل وقوبلت لوحاتي باعتراضات جمة، إلا أنها وبرأيي تحمل معاني رمزية اجتماعية – سياسية، وتناقش أحداثاً حياتية قاسية تختبرها المرأة، وعلى المجتمع أن يعي أهميتها وتأثيرها علينا.
كيف تحصلين على الإلهام للبدء بعمل فنّي جديد، وهل من قضايا معيّنة تحرككِ لتعبّري عن أحاسيسكِ تجاهها من خلال الرسم؟
أتأثر بالأحداث التي تحصل معي أو حولي في مجتمعي ومحيطي، ولاسيما تلك التي تشكل ظلماً على أي فئة تحاول أن تحصّل حقها الطبيعي في التعبير والعيش بالطريقة التي ترغب بها، لذا أستلهم أفكاري منها وأعبّر عنها من خلال الرسم لأنني غير قادرة على التعبير عنها بالكلام فهو ممنوع وغير مرحب به.
ما رأيكِ في تواجد المرأة ضمن المشهد الثقافي والفني في العالم العربي؟
لدينا الكثير من النساء الموهوبات في العالم العربي ولكنهنّ لا يحصلن على الفرص للتعبير عن الذات، وفي هذا السياق، أشكر مجلة هيا لأنّها أعطتني الفرصة لإيصال صوتي، فأنا أعتبر نفسي واحدة من الأصوات المهمة في عالم الفن، لأنني أقول الحقيقة وأحارب الظلم وأحتاج إلى منبر يوصل صوتي ورأيي. أنا موجودة ولديّ مكاني في هذا العالم، مع أهدافي وقيمي وحقوقي في التعبير عن آرائي ونشرها، بشرط أن لا تكون مؤذية أو خطيرة.
للأسف لا نسمع بالكثير من الفنانات العربيات أو حتى النساء الناجحات في أي مجال آخر، واللواتي وصلن إلى العالمية والسبب ببساطة هو أننا لا نملك الفرص، فالشركات الكبرى في الدول العربية تفضل توظيف الأميركيين والأوروبيين وليس أبناء البلد، كما أنّ هناك غياب كبير لتمويل ودعم الأحداث والمعارض الفنية ولا سيما في الكويت، مع نقص في تشجيع الجيل الجديد نحو المجالات الإبداعية، فهناك فئة كبيرة من الناس لا تزال ترى أن الثقافة العربية تعني الخيم والأيل بحيث نتغنّى فقط بتاريخنا، ولا نسعى لخلق أنماط فنية وثقافية جديدة.
ما هو تعريفكِ للفن الرقمي؟ ما هي أهميته؟ هل تعتقدين أنّه يمثّل مستقبل الفن أم أنّه يكمّل ويدعم الأشكال التقليدية له؟
الفن الرقمي موجود لكي يبقى بغض النظر عن رأي الجمهور ومدى تقبله لهذه الحقيقة الجديدة. وقد دخلت هذا العالم سنة 2020 بعد أن تم منع استمرار معرضي الفردي في الكويت بسبب إثارته للجدل المجتمعي، حينها وبسبب انتشار كورونا وبقائي في المنزل لشهور طويلة، اكتشفت الفن الرقمي وnft واستمريت طوال ذاك العام بالبحث والتعلم عن هذه التقنيات، ومع بداية 2021 قدّمت أول عملnft وقمت ببيعه، تلاه أول معرض رقمي لي، وقد حقق النجاح في عالم metaverse وتم بيع المجموعة سريعاً.
برأيي ما هو رائع في الفن الرقمي، هو أنّه يكمّل الفن التقليدي وسأشرح الأمر بشكل موسّع. فالرسم سابقاً كان يعني التواجد داخل الاستديو بما يعنيه هذا الأمر من كلفة الحصول على واحد، وشراء الأدوات اللازمة للرسم والتلوين، بالتالي فهو وبرغم جمالية لمس الأدوات والاتساخ بالتلوين واستنشاق رائحة الصباغ والاستمتاع بجمالية الانعزال لخلق لوحة جديدة، فإنه يحد الفنان في حيز زماني ومكاني محدد. أما في الفن الرقمي فيمكن من خلال امتلاك الأيباد والقلم الخاص به، رسم كل ما يخطر على البال وفي أي مكان: في المطار أو غرفة الفندق أو عيادة الطبيب... يسمح هذا النمط بالاستمرار في ابتكار الفن طوال الوقت، ما يوفر الكثير من المال والجهد، لذا أنصح جميع الفنانين بتعلمه والاستفادة منه لتطوير أساليبهم وضمان استمرار تواجدهم مستقبلاً.
حدّثينا عن تجربتكِ مع TFN وعن سبب دخولكِ هذا المجال؟
فيما يتعلق بالـnft، فيمكن اعتباره كشهادة للتحقق من الأصالة والمعلومات، لذا فهو حلم كل قيّم فني، لأنّ كل المعلومات عن العمل ستتواجد عبر بلوك شين، مثل من أنشأه ومن اشتراه وكيفية انتقاله، وهو يمكن استخدامه مع الفن الرقمي والتقليدي، لذا لا يمكن التحدث عن استبداله للفن القديم، فهو مثله مثل أي وسائط أخرى أو فلنقل نوع فني جديد، فكما يوجد رسم الأكريليك ورسم الزيت والتصوير، يوجد حالياً nft. نذكر حين بدأ التصوير يأخذ طابعاً فنياً، أثير الجدل حول إمكانية اعتباره كفن قائم بذاته، وهذا ما يثار بالضبط حالياً حول NFT الذي بدأ يلجأ إليه الفنانون والمصممون وحتى دور المزادات والمتاحف. وفي هذا السياق ألفت إلى أنني كنت القيمة الفنية العام الفائت لأول عرض NFT في متحف إثراء في السعودية، تكريماً لكأس العالم في قطر وكان حدثاً تاريخياً بكل المقاييس. من جهة ثانية، فإنه يمكن طباعة نسخ NFT بالتالي نحن قادرون على تحويلها إلى قطعة فنية حقيقية والاستمتاع بها في منزلنا فلا تعود افتراضية فقط. أما إذا أردتها أصلية كما تبدو عبر بلوك شين، فيمكن إعداد شاشة في غرفة المعيشة تظهر العمل بغض النظر عن نوعه. برأيي يجب على الفنان المتابع لأحدث التطورات أن يوسّع معرفته بمنصّات NFT المختلفة ليعرف أين ينتمي عمله، فيدخل مجال الفن الرقمي ويعرف المزيد عن WEB 3، حتى يفهم جيداً الصورة المستقبلية التي سيصبح عليها الفن. وأنا أقدم دورات ودروس للمهتمين يمكن أيضاً الاستفادة منها.
هل سيقتصر TFN على المجالات الفنية برأيكِ أم أنّه يتوسع ليطال مختلف نواحي حياتنا؟
يوجد استخدامات متعددة للـNFT فيمكن استخدامه مع الكتب والموسيقى والأغاني وحتى يمكن اللجوء إليه في المدارس والجامعات فهو وسيلة مناسبة لمحاربة الغش ولا سيما حين يتعلق الأمر بشهادات الماجستير والدكتوراه، فهو يمنع الغش والفساد بكل أشكاله، وهذه بحد ذاتها ثورة رائعة بكل المقاييس.
كيف يمكن التحكم في هذه المساحة الافتراضية؟ كيف يمكن الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية وحماية خصوصية المستهلك وسرية بياناته؟
في الحقيقة لا يمكن مراقبة هذه المساحة أو التحكم بها، وهذا هو الجيد والسيء في الأمر، فمالك العمل ولا أحد غيره سيتمكن من التحكم به، ولكن لا يوجد ضمانات للخصوصية، بالتالي يجب التدقيق في كل شيء. بشكل عام، فإن المعلومات الشخصية ستختفي قريباً من حياتنا، فنحن حين نفكر بشيء أو نقوم بأي بحث صغير حوله، كل وسائل التواصل التي نستخدمها تقوم تلقائياً بعرضه أمامنا، لذا يجب أن نعتد على اختفاء الخصوصية من حياتنا، فنحن حين قررنا أن نكون "أونلاين" اخترنا مشاركة حياتنا مع هذه الآلة الصغيرة التي نحملها، وبالتالي فلنعتد على تدخلها وسيطرتها على كل ما يتعلق بأفكارنا وخياراتنا وأعمالنا.
اقرئي المزيد: علا عابد: أعمالي في التصميم تعكس خبرتي وتحمل هوية خاصة