زينب الحلو: أترك أعمالي وليس أقوالي تتحدث عني

تغيّرت الكثير من المفاهيم الاجتماعية والحياتية في الوقت الحالي، فلم يعد حب الذات مرتبطاً بالأنانية، واختلف إعطاء الأولوية للسعادة الشخصية، عن عدم التفكير بالآخر أو مراعاته، بل بات هذين الأمرين باباً واسعاً لتحسين جميع أنواع العلاقات والارتقاء بالنفس وبالآخر الذي نتفاعل معه، وتوجيهها في الاتجاهات الصحيحة.

بات إعطاء الأولوية لراحتك وسعادتك ورفاهك، أساس للنجاح ويشمل ذلك قبول نقاط ضعفك وقوتك، واتخاذ خيارات تصب في مصلحتك بالدرجة الأولى.

نتعرف فيما يلي على 3 شابات عربيات وصلن إلى مرحلة حب الذات، ليشاركننا كيف حققن هذا الأمر، وما الذي تعملنه من رحلاتهن في الاكشتاف والوصول إلى "أنا" أكثر تصالحاً وقوة وسلاماً.

هي امرأة شابة لا تعترف بالفشل ولا تخشى المعوقات مهما بدت كبيرة، بس تسعى نحو ما تعتبره مشروعاً ناجحاً حتى لو كانت الظروف ضدها، إنها المؤثرة في مجال الموضة وعارضة الأزياء ومؤسسة علامة Reborn، للملابس المستدامة زينب الحلو. فبعد أن عملت أكثر من 10 سنوات في صناعة الموضة، وتعاونت مع أهم العلامات التجارية العالمية، قررت أن تخوض رحلتها الخاصة وتنطلق بعلامة تعكس آرائها وتوجهاتها، فما الذي تعلمته على طول الطريق، وما هي أهم التحديات التي تخطتها؟ تعرفي عليها في هذا اللقاء.

حين تعودين بالذاكرة إلى زينب الطفلة والمراهقة، كيف كانت وما هو الشغف الذي حركها حين بدأت بالتقدم في السنوات، وما الذي بقي منها وتغيّر فيها طوال الطريق؟

كانت البدايات شاقة ولكني كنت جريئة ومقدامة، لم أكن أعرف ماذا عليّ أن أتوقع من وسائل التواصل الاجتماعي وكيف تطورت بسرعة، لكي أدخل في هذا المجال المتغيّر. اتخذت قرارات غير مدروسة وسريعة، هذا ما أراه اليوم حين أقيّم رحلتي الحياتية، فقد أخذني هذا المد في اتجاهات غير معروفة، ولكني لطالما كنت قوية ومستعدة للقفز إلى مناطق جديدة لأختبر قدراتي، حين أفكر بشكل أكثر عمقاً أعتبر أن عصر وسائل التواصل الاجتماعي الأكثر تشبعًا وثباتًا والذي ينمو بوتيرة ثابتة ولكن مستدامة ومستمرة، أخرّني عن رؤيتي وأهدافي، ولكنه في المقابل أعطاني الأدوات اللازمة لتحقيق الكثير مما أرغب به، وأريد الوصول للآخر من خلاله.

ما هي أهم الدروس الحياتية التي اكتسبتها في هذه السنوات حيث تواجدت تحت الضوء؟

لقد تعلمت أن الوقت هو جوهر هذه الحياة، لا يجب أن نضيّع لحظاتنا الثمينة في الحديث عما يعتقده الناس، بل يجب أن نشغله بالتعبير عن آرائنا، فلا مجال للخجل أو ضعف الثقة. لقد واجهت الكثير من التحديات ووقعت في الكثير من المواقف بسبب المخاطرات التي قمت بها، في العشرينات من عمري كان العديد من الناس ضدي ولم يصدقوا ما أسعى لتحقيقه، ولكن هذا جعلني أقوى وزاد رغبتي في العمل بجدية أكبر على تطوير نفسي وتحسينها وإثبات مواهبي وقدراتي، بدلاً من إقناع الآخرين أنني أستطيع القيام بذلك.. بالنسبة لي أحب العمل الذي يتحدث عن نفسه، وأترك لأعمالي وليس أقوالي أن تتحدث عني.. اليوم أقول لنفسي الأصغر سناً عليك أن تظلي وفية لأفكارك، ولا تشكي أو تتراجعي بل تركزي على مملكتك ونظام الدعم الوثيق الخاص بك، وخطوة بخطوة بالتأكيد ستصلين.

لقد تعرضت للعديد من الثقافات في حياتك الشخصية، كونك من أب مصري وأم تركية. هل ساهمت في تشكيل شخصيتك ونقاط قوتك؟

بالتأكيد أنا من أنا اليوم بسبب كل هذا المزيج: الثقافات والخبرات والأشخاص والجيران والرفاق الذين قابلتهم على طول الطريق. لقد تعرضت للعديد من الثقافات وأحيانًا أشعر بالانتماء تجاه جانب أو آخر منها، ولكن ما استفدته بشكل عام هو أن أكون مرنة وقابلة للتكيف في معظم البيئات. ولدت ونشأت في لندن ورأيت حياتي تتطور وتتغير، بداية من خلال كثرة السفر ورؤية الكثير من دول العالم، وتكويني لصداقات في المدن التي زرتها وعشت فيها، ورغبتي في الآن نفسه بالتواجد بين أصدقاء طفولتي وعائلتي من كلا الجانبين، لغاية وصولي إلى دبي التطور وما في هذه الإمارة من فرص، كان عليّ اغتنام كل ما يقع أمامي في طريقي، وإيجاد نفسي في هذه الرحلة، فدخلت عالم الأزياء الفاخرة وعملت مع عدة شركات، ثم قررت أن أكون مديرة نفسي، وبدأت حكاية أخرى مليئة بالمفاجآت.

الإنسان يتأثر بداية بوالديه، فما هي الصفات التي أخذتها منهما؟

لا يزال والدي يعمل ويرفض التقاعد، لقد بنى إمبراطوريته من الصفر مجازفًا بالذهاب إلى لندن في سن المراهقة حيث التقى بأمي. لقد غادرا المنزل للعثور على فرص أفضل وصنعا شيئاً لنفسيهما على الرغم من أنهما ينتميان إلى أسر مرتاحة مادياً، إلا أنهما رغبا بأن تكون الرحلة خاصة بهما فقط. ويبدو لي أني اتبعت خطاهما ولكني سرت في الاتجاه المعاكس، فعدت إلى الشرق الأوسط. جميعنا لدينا هذه الرغبة في صنع شيء من أنفسنا على الرغم من أن عائلاتنا قدمت لنا كل شيء.. والدي هو قدوتي الأكبر وبطلي، فهو لا يقبل أبدًا الرفض كإجابة ويجد طريقه للقتال حتى يتغلب على العقبات في الحياة والعمل، وهذا هو المبدأ الذي أعيش به، بينما تدعمه والدتي كعموده الفقري وتدفعه قدر استطاعتها.. وهذا بالنسبة لي درس كبير في الحياة والعلاقات الإنسانية.

حدثينا عن فترة إطلاق علامتك التجارية Reborn Society والبصمة التي أردت إحداثها من خلالها في مجال الموضة؟

Reborn society كعلامة تجارية تمثل حركة وثقافة وتطورًا في المجتمع نفسه. أطلقتها بعد انتهاء فترة فيروس كورونا، لإضفاء شعور جديد ومختلف في السوق، أردتها علامة نابضة بالحياة تنشر ثقافة إيجابية ومفعمة بالفرح والبهجة، وشعرت أنها طورت نفسها بنفسها. فولادتها كانت عسيرة في فترة مليئة بالتحديات ولكنها وجدت طريقها للاستمرار، ونمت بشكل كبير مع مرور الوقت محافظة على القيم التي قامت بداية على أساسها: الحفاظ على عقلية ثقافة الشارع، حمضها النووي، جوهرها، هويتها والمعايير المستدامة التي تراعيها، فأنا أردت إحداث تأثير إيجابي على المجتمع وتقديم شيء جديد يميزني عن البقية.

الفكرة وراء Reborn هي أن يكون لدينا علامة تجارية شاملة تلبي احتياجات مختلف أنواع الشخصيات، ولكن بشكل عام تتوجه للأشخاص الذين لا يخشون التعبير عن نفسهم بحرية وجرأة وتجربة أنماط جديدة من الملابس، على أن يحافظوا على حقيقتهم ويعكسوها، بشكل يعكس ثقافة الشارع الذي ننتمي إليه ونعيش تفاصيله وتطوراته.

ما هي الصعوبات التي تواجه تبني الاستدامة في صناعة الأزياء؟

لا يزال هذا المفهوم جديدًا إلى حد ما في المنطقة العربية، لذلك أشعر أنه لا يزال أمامنا طريق طويل جدًا. أعتقد أن الصعوبات تكمن في عدم وجود الموارد المناسبة للتطور وإنشاء وإنتاج أنماط الأقمشة المناسبة، ولكننا نستمر في مواجهة التحديات، وإيجاد المخارج الناجحة، والتعلم على طول الطريق.

كيف تشجعين الشابات على تبني الموضة البطيئة من خلال اختياراتك ومظهرك والمحتوى الذي تقدمينه عبر على وسائل التواصل الاجتماعي؟

لطالما أحببت العديد من قطع الملابس، وكان من الصعب جدًا عليّ التخلي عنها فهي لها ذكرى خاصة في حياتي.. ولكن أعتقد أننا نحتاج أحياناً إلى تقليل القطع في خزانتنا، وهذه على الأرجح أفضل طريقة للمضي قدمًا في الاتجاه الصحيح، بدلاً من شراء ملابس جديدة من أجل مواكبة اتجاهات الموضة لأنه بحلول الوقت الذي سنستمتع فيه بها، سيظهر أسلوب آخر، وسنخسر المال ولن نستفيد مما اشتريناه. الأمر كله يتعلق ببناء أسلوبنا الخاص، بقطع أساسية تناسب ذوقنا وأسلوب حياتنا، وهذا هو المستقبل: يتجلى في القدرة على إظهار ثقتنا بأنفسنا من خلال ما نختارنه من اتجاهات الموضة. 

نجحت بالوصول علامتك التجارية المحلية إلى العالمية، كيف قمت بهذا التحول؟

ما زال أمامي طريق طويل لأقطعه ولكنني أحب التجربة والتعلم واكتشاف أشياء جديدة.. أعتقد أن الشراكة مع علامات تجارية أخرى لديها نفس الرؤية مهم جدًا، بالإضافة إلى خوض تجارب غير مسبوقة، على سبيل المثال المشاركة في أسبوع الموضة في كوبنهاجن وأن أكون جزءًا من ثقافة كانت ملهمة بالنسبة لي، وعيشر تفاصيل التجربة وما تتطلبه من إجراء تغييرات لمواكبتها.

ما هي الصفات المطلوبة في الفتاة لتنجح في خلق محتوى مختلف وجديد يصل للآخرين بسبب أصالته؟

البقاء أصيلة، على طبيعتك، عدم الخوف من المخاطرة، عدم الخوف من تجربة أشياء جديدة، عدم الاستماع إلى أي شخص، عدم البقاء في المنطقة الآمنة التي أعتقد أننا جميعًا نخشى الخروج منها.

ما هي عاداتك التي تعتبرينها أساسية في سعيك للحفاظ على سلامك واستقرارك النفسي ونجاحك المهني؟

السفر واكتشاف أشياء جديدة، أن أكون على طبيعتي وحريتي بعيداً عن الضغوط فأجرب وأخوض مغامرات لم أعتد القيام بها. كما أني أمارس الرياضة باستمرار واليوغا للمحافظة على قدراتي الجسدية والنفسية، وأستمر بالسعي خلف أهدافي، فبهذه الطريقة أحدد سياق أيامي وأسابيعي المقبلة.

أسلوبك في الموضة والجمال ونمط الحياة ملهم ومميز، أخبرينا عنه اليوم وكيف اختلف عن الماضي؟

أحب التجربة ولكنني أحب أيضًا أن أكون مرتاحة. عندما كنت أصغر كنت أقوم بقص الملابس واعتماد الكثير من الأساليب المتداخلة، بما يتناسب مع ذوقي الخاص. لقد نشأت مع ولدين يرتديان دائمًا السراويل الفضفاضة والمريحة، وعندما كبرت كنت أستمع دائمًا إلى موسيقى الـ R&B والهيب هوب، لذا تأثرت بثقافة وأزياء الشارع فكانت ملاذي ومنطقتي الآمنة فيما يتعلق بالإطلالات. عندما انتقلت لأول مرة إلى دبي، كان كل شيء براقًا للغاية ولم يكن أسلوب الشارع موجودًا: حتى في المكتب كان عليّ ارتداء أحذية بكعب عالٍ، وسراويل أنيقة، ولم يكن هناك مكان للجينز أو الأحذية الرياضية، ولكن الآن تغيّر كل شيء في الموضة، وأنا أتأثر بهذه التحولات وأتبع ما يلائمني منها.

ما هي نصيحتك للشابات حتى يعشن حياة مريحة تناسبهن ولا يتأثرن بما يسيء إلى حالتهن النفسية والمعنوية؟

لا يوجد صواب أو خطأ في هذه الحياة، فالتجربة كفيلة أن تجعلنا نكتشف ونتعلم، أقول للشابات: اخلقي أسلوبك الخاص واتباعي مزاجك وضعي حدودك واعملي على الالتزام بها، حددي رؤيتك واتجاهك والتزمي بالطريق الكفيل بأيصالك إليها، نحن نعيش في مجتمع نتبع فيه الكثير من العادات، فلا تخشي إن رأيت الحاجة إلى كسرها، وكوني قائدة لنفسك من دون البحث عمن يكون لك العون أو السند على الدوام.

اقرئي المزيد: ليلى عبدالله: التجارب علّمتني أنّ الضعف ليس عيباً بل هو أول خطوة نحو القوة

 

 
شارك