دي جي زينة: أن أملأ حياتي بالموسيقى والإبداع هو حقاً ما أريد القيام به

هل يمكننا تخيّل حياتنا من دون موسيقى؟ فلنفكر قليلاً في هذا الاحتمال، ألن يكون من الصعب جداً العيش دون النغمات والألحان وما يرافقها أحياناً من كلمات تثير فينا مختلف أنواع الأحاسيس. هناك قول لأفلاطون يعبّر من خلاله عن أهمية الموسيقى فيقول "الموسيقى هي قانون أخلاقي يمنح الروح للكون ويمنح أجنحة للعقل، تساعد على الهروب إلى الخيال، وتمنح السحر والبهجة للحياة"، أما جبران خليل جبران فقال عنها في قصيدته المواكب "أعطني الناي وغنِّ فالغنا سر الوجود". إذاً أدرك الفلاسفة والشعراء أهمية الموسيقى منذ قديم الأزل، ما يعني أن أوائل شعوب العالم عرفتها، حيث صُنعت الأدوات الموسيقية من الخشب وعظام الحيوانات.

وفي عالمنا اليوم، الموسيقى كفيلة بتغيير مزاجنا وأحياناً حياتنا! النغم السعيد والراقص يساعد على إنتاج الدوبامين والسيرتونين، ما يحرك الفرح والنشاط والحيوية، بينما النغم الحزين يعبر بهدوء إلى دواخلنا ليثير أحاسيس الحنين والشجن والحزن، وتبقى الموسيقى مقصدنا لنهرب قليلاً من يومياتنا وقواعدنا وروتيننا.

نحتفي بهذا العدد بالموسيقى مع 7 فنانات كل منها تبرع في مجالها سواء الغناء، والتأليف الموسيقي، والعزف، والتنسيق الموسيقي، فنكتشف مواهب كبيرة وإمكانات عالية وأحاسيس صادقة، تعبّر عنها كل شابة بطريقتها، لتخاطب وتحرّك عقول وقلوب ومشاعر الجماهير.

نشأت دي جي زينة في مصر، ثم في سن السابعة عشر انتقلت للعيش في أيرلندا، وبعدها كندا والولايات المتحدة. بمجرد مغادرتها للعالم العربي، انفتحت على الكثير من الأفكار والشخصيات الإبداعية وقابلت أشخاصاً ألهموها لتفكر في خيارات جديدة ومختلفة فيما يتعلق بمستقبلها المهني، فعرفت أن الموسيقى هي شغفها الحقيقي واكتشفت روعة التنسيق وبدأت مسيرتها في هذا المجال. تقول "استغرق الأمر مني بعض الوقت للتخلص من التفكير المحدود حيث كنت أشعر أنه يتعين عليّ الاختيار بين وظيفة في شركة أو مهنة طبيب أو مهندس لأنال الرضا والقبول الاجتماعي.. أعتقد حقًا أن حياتك في النهاية هي ما تختار القيام به كل يوم، وبالنسبة لي أن أملأ أيامي بالموسيقى والإبداع، لهو ما أردت حقًا القيام به". تعرفي أكثر على أفكارها من خلال هذا اللقاء وتابعيها على إنستغرامzeina _____لتغوصي في موسيقاها الممتعة.

كيف بدأ حبك للموسيقى؟

أعتقد أننا كبشر، كنا دائمًا نتأثر بشكل غريزي بصوت الطبول وبنعمة الموسيقى، فهي تملئ المساحات وتمنح الأيام العادية لمسة من السحر... الموسيقى هي الهدية التي يمكننا جميعًا الاتفاق على أهميتها في كل دول العالم.

وفي هذا العالم المليء بالقواعد والجدية، منحتني الموسيقى والرقص أولى تجاربي غير المحسوبة أو المدروسة... أصبح الانسياق في هذا التدفق سبباً أساسياً لحبي للموسيقى ولقضاء ساعات لا حصر لها على حلبات الرقص.

 

"التنسيق الموسيقي بالنسبة لي هو بمثابة ولادة طفل مجبول بكلّ حب" قلت هذه الكلمات عبر صفحتك على Instagram، أخبرينا ماذا عنيت بها؟

بالنسبة لي فإن سرد القصة الصحيحة، القصة التي تمثلني حقًا وتعكس مشاعري لحظة قمت فيها بتقديم ميكس أو توزيع وتنسيق موسيقي جديد، لهو أمر رائع ومهم جداً، فأنا لا أقلل من قيمة كل لحظة أو أتجاهلها، بل أحتفي بها وأقدرها لأنها تأخذ مني الوقت والتركيز والمجهود، وهذا بكلّ تأكيد هو عمل مليء بالحب وولادة شيء رائع.

حين أقدم الموسيقى أفكر في لوحة ألوان متكاملة، سواء كانت نغمة أو أي فكرة جديدة فالطريقة التي تقع بها الأشياء في مكانها مهمة بالنسبة لي. أحاول التعامل مع كل ميكس بشكل مختلف وهذا يستغرق وقتًا، لذا فهو بهذا المعنى عمل حب. أيضًا، فكرة أن يكون شيء ما خالدًا وحقيقيًا يحركانني دائمًا عند صنع أي موسيقى جديدة.

 

في تلك اللحظات التي تصفينها بكل دقة، كيف تكون حالتك المزاجية أو النفسية؟

في كل مرة أعزف موسيقى جديدة لحفل ما، أو أبتكر ميكس جديد أكون في أفضل حالاتي، في حالة تدفق وإبداع، تندمج الأغاني تقريبًا مع بعضها البعض، وهنا سأشبّه الأمر وكأنني أقود سيارة رياضية بمتعة كاملة ومن دون أي عناء. مع ذلك، في بعض الأحيان يحصل أن أعزف ولا يبدو أي شيء جيدًا مما أقوم به، وفي تلك اللحظات من الإحباط والمشاعر السلبية، أتراجع عادةً سواء لبضع ساعات أو ليوم وأعود لاحقًا وقد عادت إليّ حيويتي. يحصل أيضاً أن يمنحني الضغط أو التوتر الإلهام فأصرّ على البحث عن موسيقى جيدة، لأسمع وأتابع وأعزف وأبتكر نغمات وميكسات جديدة.

 

هل تشبه شخصيتك الحقيقية المزيج والميكسات التي تقدمينها؟

نعم، أعتقد حقًا أن الموسقى التي أقدمها هي نافذة على روحي. أحيانًا لا أعرف فنانًا، وعندما أسمعه يعزف، أشعر وكأنني ألقيت نظرة سرية على شخصيته الحقيقية، أما إذا لم أشعر بذلك فيكون الأمر غريباً. يمنحنا الفن فرصة لنكون حقيقيين وصادقين.

كيف تصفين نفسك في حياتك الطبيعية وأثناء التنسيق الموسيقي؟

أنا إمرأة حساسة، عاطفية ومتزنة، أحب النظام في أمور معينة ولكني أملك في داخلي بعضاً من الفوضوية.

 

ما هو رد فعل الشباب والشابات في العالم العربي على موسيقاك ومزيجاتك وأدائك في الحفلات؟

عندما قدمت عرضاً لأول مرة في مصر منذ حوالي 10 سنوات، تفاجأ الناس كثيراً برؤية امرأة على المسرح. ذات مرة جاء شخص إليّ وسألني، "متى سيأتي الدي جي؟" لم يستطع أن أصدق أنني في الواقع الدي جي. ومع ذلك، بعد مرور عقد من الزمان، أود أن أقول إن الناس في المنطقة أصبحوا أكثر انفتاحاً وليس أمرًا جديدًا بشكل خاص أن تكون فنانة - ما أصبح جديدًا هو العثور على فنانين لديهم النية الصحيحة والحب والرعاية والاحترام للفن.

 

من يلهمك ومن تأثرت به من الموسيقيين العرب والأجانب؟

سعيي المستمر للتعلم، هو ما يفتح لي أبواب الإلهام، إن كوني فنانة يصبح أكثر متعة وسلاسة كلما زادت لديّ المعرفة والثقافة.

 

كيف توسعت في معرفتك بمجال الموسيقى لتصبحي دي جي ناجحة ومميزة بأسلوبك الخاص؟

 

لطالما كنت فضولية. تعلمت العزف على البيانو ببطء إنما بثبات وإصرار رغم صعوبات قواعده. إن تعلم الجوانب الفنية لهذه الوظيفة، والقدرة على حل التحديات التي قد أواجهها في النوادي، هو جزء مهم للغاية من الشعور بالقدرة. وساعدني التمتع بتخصصات فنية أخرى حتى أنّ مجرد التقدم في السن ومعرفة نفسي على مستوى أعمق، سمح لي بتطوير حضور قوي واستثنائي.

 

أخبرنا المزيد عن كواليس العمل كدي جي، والصعوبات والمزايا؟

إن العمل كدي جي في مجال صناعة الموسيقى هو أمر تنافسي، كما أن القدرة على السفر والعزف في بلدان أخرى يتطلب الكثير من الخبرة والالتزام ولكني أشعر بالامتنان للفرص التي أحصل عليها، فلا أنظر كثيراً لمن حولي على الساحة، حتى لو حقق النجاح السريع، بل أركز في ذاتي وتطوير قدراتي، أحافظ على مساري الثابت وأتمتع بالصبر وهو مفتاح القيام بالأشياء بالطريقة الصحيحة.

في هذا المجال وفي أي مجال آخر، الحياة ليست عادلة دائماً، لكن حب الموسيقى والاستمتاع بها هو دائمًا خيار، وهو خياري ويمكن أي يكون خيار كل من يرغب بدخول هذا العالم.

 

تقدمين العروض خارج بلدك في دول أجنبية، هل يختلف ذوق الشباب من مكان إلى آخر، أم أن الذوق في الموسيقى والفن لغة عالمية موحدة؟

نعم بالتأكيد، البلدان المختلفة لها أصوات وأذواق مختلفة. في مصر، غالبًا ما أشعر أن صخب الحفل والصوت يعكس صخب وصوت الشارع.

وفيما يتعلق بالإنتاج الموسيقي، غالبًا يبحث المنتجون المحليون عن أصوات تشبه الجمهور وتصل إليه، وهذ الخيارات تؤثر على ما يُسمع على حلبة الرقص.

 

ما هي أسعد اللحظات التي تعيشينها أثناء وجودك على المسرح؟

أجمل شعور في العالم بالنسبة لي هو الانسجام التام مع الموسيقى، فأنا شخص شديد الوعي، وهذا الأمر نعمة ونقمة في الوقت نفسه. لذا عندما أعيش لحظة نادرة، فلا أنتبه أو أفكر أو أسمع أي شيء، ما عدا الموسيقى، أكون في أسعد حالاتي. وهذا لا يتطلب جمهورًا كبيرًا، فقد يحدث عندما أعزف أمام عدد قليل من الأصدقاء الذين يشاركونني حب الموسيقى بنفس طريقتي.

 

كيف ترى ذوق جمهور الموسيقى في العالم العربي اليوم؟

أعتقد أن الناس لديهم مستويات مختلفة من الرغبة بالتجريب والتعرض لأنماط موسيقية جديدة ولكن برأيي، إذا تمكن الناس من الوصول إلى منصات فنية مختلفة، فستكون قدرتهم على الاستمتاع بالزوايا الجديدة والبعيدة للموسيقى أوسع. ونظرًا لأن مشهد الموسيقى الإلكترونية لدينا في العالم العربي لا يزال شابًا نسبيًا، فإن الأمر يتطلب بعض الوقت.

ومع ذلك، سيكون المنسق الموسيقي الجيد قادرًا على إدخال نغمات جديدة على حلبات الرقص. بالنسبة لي، أقضي بعض الوقت في بناء الثقة مع الجمهور، وبعد أن أشعر أنني تمكنت من ذلك، أخاطر بتقديم بأشياء ربما لم يعتقدوا أنهم سيستمتعون بها.

ماذا تقولين لكل شابة تحب الموسيقى وترغب في دخول هذا المجال ولكنها تخشى المجتمع أو الصعوبات التي قد تواجهها لإثبات هويتها الموسيقية؟

من الصعب تقديم النصائح، فوضع الأسرة يختلف من شخص لآخر والضغوط المجتمعية تتفاوت أيضاً. أنا محظوظة لأن أمي وأبي كانا دائمًا منفتحين نسبيًا، وراغبين في فهم أطفالهما، وقد خلق هذا علاقة جميلة وقوية ومثمرة معهما فيما يتعلق بموسيقاي ومهنتي، وغالباً ما تأتي أمي إلى معظم حفلاتي :) هذا امتياز لا يتمتع به الجميع. ومع ذلك، أعتقد أن ممارسة الفن في حياتك في حد ذاته هو أمر مُرضٍ ومبهج: قضاء ساعات في الرسم، العزف على البيانو، تعلم كيفية العمل كدي جي، جمع الموسيقى، سواء كانت مهنتك أم لا، هناك متعة في ذلك. أما فيما يتعلق بتجاوز الجمود المجتمعي أو العائلي، أقول دائمًا، حاولي الدفع ببطء وشيئًا فشيئًا ستشعرين أننك تتقدمين.

 

يلعب المظهر دورًا أساسيًا في هذا المجال، كيف تختارين إطلالاتك، وكيف تصفين أسلوبك في الموضة والجمال؟

في الواقع، العديد من الفنانين باتوا مهووسين بالمظهر، ولكن بالنسبة لي عندما بدأت العمل كدي جي لم أكن مهتمة كثيراً بشكلي الخارجي ومدى تأثيره، فحافظت على شكلي البسيط والطبيعين أما اليوم فأعي أكثر أهمية هذا الموضوع لنفسي وللجمهور. ولكن بشكل عام، الأمر يعتمد على الحالة المزاجية، ففي العام الماضي، صبغت شعري باللون الزهري واستمتعت كثيراً بالهالة التي أعطاني إياها هذا التغيير.

ما هي مشاريعك للفترة القادمة؟

خلال الأشهر القليلة المقبلة، سأسافر إلى الشرق الأوسط وأوروبا وأنهي العام بمشاركتي في عدد من الحفلات الموسيقية في الولايات المتحدة، بينما أحاول الحفاظ على صحتي العقلية والجسدية بأفضل طريقة ممكنة، لكي أكون حاضرة وثابتة ومتواجدة بأفضل شكل.

اقرئي المزيد: ديفانيسا: العزف يدخلني في عالم مختلف حيث السعادة والإبداع لا حدود لهما

 
شارك