دانا العلي: تسلّق القمم غيّر نظرتي للعالم ودفعني لفتح يدي لمساعدة كل من يحتاج إلى الإلهام

هي أول إماراتية تتسلق قمتين في 24 ساعة، إنّها دانا العلي التي دخلت التاريخ من أوسع أبوابه حين تسلقت قمتي إيفرست ولهوتس، ورفعت اسمها واسم بلدها عالياً في المحافل الدولية. تُعد مثالاً عن الإصرار والطموح والعناد الضروري أحياناً لدفع صاحبه إلى الاستمرار وتخطي أصعب العثرات لتحقيق ما يصبو إليه. تعرّفي إلى رحلة دانا واستلهمي منها معاني القوّة والنجاح في هذا اللقاء.

ما الذي عناه لكِ دخول التاريخ كأول إماراتية تتسلق قمتي إيفرست ولهوتس في 42 ساعة؟

حلمي وهدفي كانا أن أتسلق قمة إيفرست، أما قمة لهوتس فقد عرفت بأمرها بالصدفة قبل شهر من بدء الرحلة. لم أخبر أحداً بالموضوع قبل الذهاب إلا الشركة التي كانت تساعدني في تسهيل أمور رحلتي، فالمهمة الأولى كانت كبيرة بمفردها، ولكن حماسي تضاعف وامتلكت الرغبة والإرادة الكبيرة لتسلق القمتين. وبهذه النفسية انطلقت إلى الأعالي. لم يكن لديّ خبرة واسعة، فلم أعرف كيف سيتأقلم جسمي مع الارتفاعات وكيف سأتقبل نفسياً البقاء في تلك البيئة القاسية. لدى وصولي إلى إيفرست، أحسست بسعادة عامرة وبإنجاز كبير ولكن لم أشعر أنني انتهيت من مهمتي، بل عرفت أنّ هناك قمة ثانية بانتظاري. كان الأمر متعباً جداً صراحةً، فلم يكن لديّ أي وقت للراحة، ولكنني أردت ذلك من كل قلبي. فقد أنجزت ما فاق توقعاتي، أعطيت كل شيء عندي من وقتي ونظام طعامي وتماريني، فأنا أم ولديّ أطفال ووظيفة ثابتة، ولكن لحظة الوصول عوضت عن كل التعب والتضحيات التي قمت بها. حين وضعت العلم في أول عشر ثوان، انهمرت دموعي وشعرت بالراحة والسلام، بعدها كلمني أحدهم فبدأت ألتفت حولي لأرى السحاب والجبال، وحينها رفعت العلم والتقطت الصور معه بكل سعادة وفخر بما أنجزته.

متى اكتشفتِ حب المغامرة والتسلق؟

أحب المغامرات منذ صغري وتحديداً سن المراهقة عندما كنت أمارس بعض الرياضات الصعبة والتزلج، ولكن بداية طريقي في التسلق كان عام 2013 حين تسلقت قمة كليمنجارو. بعدها وضعت في رأسي تسلق قمة إيفرست، وقد استغرقني الأمر طويلاً وأعاقني كثيراً انتشار كورونا، ولكنني في النهاية وصلت إلى تحقيق ما كان حلماً، لأخلص نتيجة أن من أراد شيئاً وسعى بكل قوته، سيصل حتى لو تأخر به الوقت وعاندته الظروف.

حدّثينا عن الاستعدادات النفسية والجسدية التي تسبق رحلة تسلق جديدة؟

أضع جدولاً واضحاً وروتيناً محدداً لكل مهامي، هكذا يسهل عليّ تطبيقها. اعتدت مثلاً على التمرن في الصباح الباكر وتحديداً عند الساعة الخامسة والنصف، ولم أسمح لشيء أن يعيقني عن قضاء هذا الوقت المخصص لصحة جسدي. بعدها وضعت نظام غذائي صحي والتزمت به، وكنت أقرأ عن تجارب أشخاص خاضوا مغامرات تسلق سابقة، لأعرف المزيد عن رحلاتهم وعما تعلموه، وأين أخطأوا وكيف يمكن تفادي هذه الأخطاء. فهذه النصائح مفيدة كثيراً لأنّها سهّلت عليّ العديد من المهام حين انطلقت في مغامرتي نحو إيفرست. عدد كبير من الذين فقدوا حياتهم على الجبل تعرّضوا لحوادث مؤسفة لأنّهم استهتروا بأمور قد تكون بسيطة، مثلاً تركوا المجموعة التي يرافقونها للاستكشاف بمفردهم ثم تاهوا، أو لم يلتزموا بالتعلميات التي أعطيت لهم بحذافيرها، أو لم يضعوا القفازات لأنهم لم يشعروا بالبرد، فخسروا أصابعهم لاحقاً. إنها تفاصيل صغيرة ولكنها مهمة جداً على القمة، فأنا مثلاً كنت حريصة على عدم التخلي عن القفازات حتى حين شعرت بالحر الشديد، لأنني أدركت مسبقاً أهمية أن تظل موجودة لتحمي أطرافي من موجات البرد المفاجئة.

صفي لنا الأحاسيس التي تنتابكِ أثناء التسلق ولحظة الوصول وتحقيق الهدف؟

بعيداً عن الإثارة والحماس والترقب، هناك أماكن وصلنا إليها في الرحلة مخيفة بالفعل. أذكر مثلاً وجود درج خطير وقطعة ثلج كبيرة وحبل صغير مع فتحة في الجبل وعليّ المرور، ولا يمكن الوصول للقمة إلا إذا مررت، فأغمضت عينيّ وهدّأت نفسي وأستمريت في الصعود. في الحقيقة هناك مواقف لا يمكن التدرب عليها أو الاستعداد لها، بل عليكِ مواجهتها في لحظتها والتغلب على خوفك للاستمرار لأنّ الرجوع غير ممكن، والاستمرار قد يعني الموت.. إنّها مجازفة حقيقية، والأمر خطير جداً ولكنّه يستحق العناء. إنّها بنظري صورة مصغرة عن مواقف يمكن أن تواجهنا في الحياة اليومية وعلينا أخذ قرار سريع ولكن مصيري للبقاء.

كيف تعامل طفليكِ مع هذه المغامرة الخطيرة التي خاضتها أمّهما؟

بدأت بالاستعداد لمغامرة إيفرست منذ 10 سنوات حين كان ولديّ صغيرين، وكنت دائماً أكرر على مسامعهما أنّ أمهما ستتسلق هذه القمة، لذا اعتادا على الفكرة منذ زمن بعيد. وحين كانا يبلغان 7 و10 سنوات، أرسلتهما إلى رحلة جبلية ليختبرا روعة الإحساس في الطبيعة، وباتا من أكبر الداعمين والمشجعين لي. بالتأكيد أخاف عليهما وهما يخافان عليّ، ولكن هذا الإحساس يحمّلني مسؤولية أكبر لكي أنتبه جيداً على نفسي وأعود إليهما بإنجازات يفتخران بها. كان تركهما للذهاب في الرحلة أمراً صعباً جداً بالنسبة لي ولكنني تركتهما مع والديّ اللذين أحسنا الاهتمام بهما، كما أنني تواصلت معهما عبر الهاتف ليشعرا أنني غير بعيدة. ما أسعدني كثيراً هو أنهما فخوران بي ويثقان اليوم بعد ما أنجزته أن لا شيء مستحيل، فوالدتهما التي هي مصدر الطاقة والإلهام لهما قد خاضت المستحيل ونجحت، وبالتالي أنا أقدّم مثالاً رائعاً لهما وهذا ما يعنيني أكثر من أي أمر آخر.

كيف غيّرت هذه الهواية في شخصيتكِ ونظرتكِ للعالم وأوصلتكِ إلى اكتشاف قدراتكِ الكامنة؟

بالفعل هذه التجربة غيرتني كثيراً. اكتشفت عالماً جديداً وجميلاً، تعرّفت على أناس من ثقافات مختلفة، تقربت من القبائل التي تعيش في الجبال واختبرت نمط حياتهم الصعب والقاسي، قدّرت النعم التي نحيى بها، عرفت معنى الصبر، اكتشفت أيضاً مدى عنادي وإصراري، تحدّيت نفسي وعشت الألم الجسدي والنفسي لكي أصل. في مراحل معينة، عشت يوماً بيوم لكي لا أفكر بمدى التعب الذي أشعر به، وساعدتني نعمة النسيان على الاستمرار، لأنني في لحظات معينة كنت على شفير الاستسلام والتراجع.

هل أعطتكِ هذه الهواية توازن في حياتكِ بين دوركِ كأم وامرأة عاملة؟

طبعاً، فهي فرصة رائعة لرؤية العالم من منظور مختلف والخروج من الروتين لبعض الوقت والابتعاد عن المسؤوليات، بهذه الطريقة تسنى لي التفكير ملياً في حياتي وتعلم دروس كثيرة وعيش تفاصيل بسيطة لا يمكن الانتباه لها في ظل كثرة انشغالاتنا اليومية.

هل تلقّيت الدعم من محيطك ودولتك وأهلك في مسعاك نحو القمة؟

لا أنكر أن التحدي كان كبيراً ولكنني تلقيت الدعم من محيطي وأسرتي وأصدقائي. أمّا ما أخّرني 10 سنوات فهو صعوبة إيجاد شركاء ورعاة لمساعدتي كامرأة في الوصول إلى هدفي. وهنا أشكر منظمة Top of her Game التي آمنت بي وشجعتني ووقفت بجانبي لكي أحقق هدفي، ولذا أرى من واجبي اليوم أن أساعد نساء مثلي في تحقيق أهدافهنّ مهما بدت صعبة، فالمرأة لا تحصل على الكثير من الدعم المادي وحتى المعنوي لتستمر في طموحها الرياضي، وهي تحتاج بجد لأشخاص حولها يكونوا رعاة رسميين لها ويشجعونها ويساعدونها في تحقيق ما تصبو إليه. غياب الدعم يسبب الإحباط وقد يؤدي بالشابة إلى التخلي عن طموحها وهذا أمر أسعى إلى تغييره بكل إصرار.

ما هي الرسالة التي تريدين إيصالها لكل شابة تنظر إليكِ على أنّكِ مثالاً عن الإرادة والإصرار والقوة؟

أقول لها: آمني بحلمكِ ولا تستسلمي وابحثي عمّن هو قادر على مساعدتك، واطرقي كل الأبواب لكي تجدي من مؤمن بك ويستطيع توجيهك في الاتجاه الصحيح، وستتفاجئين بكم النساء الراغبات بالمساعدة... اقصديني أنا شخصياً عبر صفحتي im_dana_with_a_h على إنستغرام أو صفحة Top of her Game وستجدين منّا كل الدعم والحب.

كيف رأيتِ ردود الأفعال في المجتمع الإماراتي على الإنجاز الكبير الذي حققته؟

ردود الأفعال كانت جميلة، فقد تلقيت الكثير من الرسائل المهنئة عبر وسائل التواصل، الجميع يبارك لي ويؤكد أنّ الحماس انتابهم لتحقيق أحلامهم الرياضية، كما أنني ألهمتهم للبدء بممارسة الرياضة، لذا أريد الاستمرار بنشر الوعي حول أهمية الرياضة في حياة الجميع ولا سيما الشابات، وذلك لتحسين الصحة النفسية والجسدية. قريباً سأفتتح نادي رياضي وأنوي تنظيم جلسات حوار وتدريب للشابات الراغبات ببدء مسيرتهنّ الرياضية.

هل ساعدكِ قيامكِ بما تحبين في إيجاد هويتكِ والوصول للسعادة والراحة مع الذات؟

بالتأكيد أنا اليوم سعيدة وفخورة بنفسي وطريقي طويل ومستمر في اكتشاف المزيد عن ذاتي وفي مساعدة غيري بهذا الاتجاه أيضاً. أنوي الاستمرار بممارسة الرياضة إلى جانب مسؤولياتي الوظيفية ودوري كأم، كما سأستمر بتشجيع الشابات الإماراتيات على اختيار أي نشاط يستهويهنّ للاستفادة من حسنات الرياضة وانعكاساتها الإيجابية على مختلف نواحي الحياة.

اقرئي المزيد:  ​​​​​​​رائدة الأعمال السعودية لجين أبو الفرج: هذه هي القيم التي ساهمت بتكوين هويتي الراسخة والقوية

 
شارك