
ماري جو سروجي: لا نقدم الطعام فحسب بل نساعد في سرد قصة والتعبير عن نمط حياة

عالم الإبداع النسائي واسع جداً واليوم نسلّط الضوء على أربع شابات حققن النجاح في مجال الطهي، وسطعن في عالم الاحتراف لكي يغيرن النظرة التقليدية عن هذه المهنة. تعرفي عليهن في لقاءات حصرية فربما يلهمنك لتدخلي المطبخ وتجربي تحضير بعض الأطباق المميزة للمقربين منك.
نشأت ماري جو سروجي في منزلٍ كان المطبخ فيه دائمًا ينبض بالحياة، فكانت تشاهد والدتها زينة ووالدها بيير في المطبخ وهما يُحضّران أشهى المأكولات لاستضافة حفلات عشاء، أو غداء أيام الأحد، أو لقاءات ممتعة مع الأهل والأصدقاء. تقول "مع كل لقاء تأتي وصفات جديدة ومن هنا ترسخت محبتي للطبخ وهي التي دفعتني في فترة صعبة من حياتي إلى إطلاق مطبخ M’jays وهو مشروع مخصص لتنظيم الفعاليات وتقديم الطعام للمناسبات المختلفة". تعرفي في هذا اللقاء على الشراكة التي جمعت بين هذه الشابة اللبنانية ووالدتها لتكون النتيجة مليئة بالإبداع والشغف.
المطبخ هو ذلك الجزء من المنزل الذي يحمل ذكريات جميلة، ممزوجة بروائح شهية لا تُنسى. أخبرينا عنه، وهل كان هذا هو سبب قرارك إطلاق M’jays Kitchen؟
لطالما كان المطبخ ملاذي السعيد، والمكان الذي أستطيع فيه الاسترخاء، والانفصال، وإطلاق العنان لإبداعي. وكان إطلاق مشروعي تطورًا طبيعيًا لهذا الشغف. ولكن، كما هو الحال مع العديد من الأحلام، بقي الأمر غير مكتمل العناصر حتى أعطتني الحياة الخطوة المطلوبة، فقدت وظيفتي خلال جائحة كوفيد، وفجأة وجدتُ نفسي أمام خيار التوسيع. كنتُ بحاجة إلى توفير نفقاتي، والأهم من ذلك، رأيتُ فرصةً أخيرًا للسعي وراء شيء أحبه حقًا. أحيانًا، يتطلب الأمر تغييرًا جذريًا لمساعدتك على مواءمة هدفك الأكبر مع حياتك.
أخبرينا قليلًا عن خلفيتك قبل البدء بهذا المشروع؟
عملت في مجال التسويق وتنظيم الفعاليات لعدة سنوات أولًا في لبنان، ثم في دبي. كان قطاعًا سريع التطور علمني الكثير عن بناء العلامات التجارية، ورواية القصص، وكيفية التواصل مع الناس. لكن علاقتي بالفعاليات والإبداع تعود إلى ما هو أبعد من ذلك. خلال نشأتي، كنت دائمًا جزءاً من أعمال شركة والدتي لتنظيم فعاليات الأطفال في لبنان. منذ صغري، كنت أساعدها في التحضير والتجهيز وتجسيد أفكارها سواءً كانت أعياد ميلاد ذات طابع خاص أو ديكورات مرحة. لذا، لطالما انغمست في بيئات إبداعية، سواءً من خلال تخطيط الفعاليات أو التسويق.
كيف نشأتِ شراكة بينكِ وبين والدتك لإعداد وطهي الولائم لمختلف المناسبات؟ هل كان من السهل، أم من الصعب أحيانًا، على الأم وابنتها الاتفاق على جميع الأمور المتعلقة بالإدارة، وتقسيم العمل، وتطوير الأعمال؟
خلال فترة الإغلاق بسبب جائحة كوفيد، حثّ والدي والدتي على المجيء للإقامة معي في دبي قبل إغلاق المطارات، دون أن تدري ما سيحدث لاحقًا. ولحسن الحظ، علقت هنا مع إغلاق الحدود. في نفس الوقت تقريبًا، فقدت وظيفتي، وعندها تغيرت حياتنا بين عشية وضحاها. لم نكن نخطط لبدء مشروع تجاري معًا، بل حصل الأمر كاستجابة لظروفنا.
في البداية، ظننا الأمر مؤقتًا - شيئًا يُبقينا مشغولين حتى تعود الحياة إلى طبيعتها. لكن في غضون بضعة أشهر، بدأت الأمور تتحسن. بدأت الطلبات تتوالى، وكانت ردود الفعل رائعة، وأدركنا أن ما بدأناه كمشروع جانبي يحمل إمكانات حقيقية. عندها اتخذت والدتي قرار الانتقال إلى دبي بدوام كامل لنتمكن من تنمية المشروع معًا.
بالطبع، لم يكن العمل جنبًا إلى جنب، وخاصةً خلال فترة الإغلاق، سهلًا وممتعًا! بالتأكيد كانت لدينا بعض الخلافات. ولكن على الرغم من اختلاف آرائنا حول كيفية القيام بالأشياء، إلا أننا نتمتع بتناغم رائع. لو سألتني إن كنت سأغير شيئًا، لقلتُ: لا. لم أكن لأطلب شريكًا أفضل لأشاركه هذه الرحلة.
ما هي الخدمات التي تقدمانها وهل تفكران في التوسع خارج الإمارات؟
نقدم مجموعة واسعة من خدمات التموين المصممة خصيصًا لمختلف أنواع الفعاليات. تشمل خدماتنا تقديم الطعام على طراز البوفيه، والمقبلات، وطاولات الطعام الصغيرة، والوجبات الخفيفة. كما نتخصص في تنسيق الطاولات، وابتكار الأفكار، وتخطيط الفعاليات بالكامل لتقديم تجربة متكاملة لا تُنسى.
إلى جانب الطعام، نتولى جميع احتياجات الفعاليات من حفلات أعياد ميلاد الأطفال، مع الترفيه والرسوم المتحركة وورش العمل الإبداعية، إلى تأجير الأثاث، وتوفير الموظفين، ووسائل الترفيه عند الحاجة.
أما بالنسبة للتوسع، فهو بالتأكيد ضمن خططنا ولكن ليس الآن، حيث ينصبّ تركيزنا حاليًا على تحسين أدواتنا وتوسيع حضورنا في الإمارات.
هل واجهت صعوبات في إدارة المشروع في البداية، وكيف تغلبت عليها؟
كانت البداية صعبة بالتأكيد. من إدارة اللوجستيات وأعمال التحضير إلى الحصول على المكونات ومواد التعبئة والتغليف، كان كل شيء أشبه بمعركة. كانت إحدى أكبر العقبات هي الحصول على المكونات باستمرار. لسبب ما، كانت العديد من المواد الأساسية تنفد باستمرار.
ولن ننسى أننا أطلقنا مشروعنا في خضم جائحة كوفيد. في ذلك الوقت، كانت القيود صارمة، ولم يكن بإمكاننا مغادرة المنزل إلا مرة واحدة كل ثلاثة أيام. أجبرنا هذا القيد على تنويع مصادر الإبداع. ولأننا لم نكن نستطيع طهي وتوصيل وجبات طازجة يوميًا، بدأنا ببيع أطباق مجمدة وجاهزة للأكل. كنا نطهو على دفعات، ونجمّد الوجبات، وننسق عمليات التوصيل في الأيام التي يُسمح لنا بالخروج فيها. لم يكن الأمر مثاليًا على الإطلاق، لكنه علمنا كيفية التكيف بسرعة والعمل ضمن حدود إمكانياتنا.
كيف يمكنك تحويل طبق تقليدي إلى شيء مختلف، بلمسات تضيف لمسة من التغيير دون المساس بجوهره؟
بالنسبة لنا، يجب أن يظل الطبق التقليدي وفيًا لجذوره. هناك شيء مقدس في النكهات والطرق الأصلية لا ينبغي أن يضيع. نادرًا ما نُعدّل الوصفات التقليدية، وعندما نفعل ذلك، يكون ذلك عادةً لأغراض التقديم أو الجمالية، وليس لتغيير جوهر الطبق.
بدلًا من إعادة ابتكار الوصفات الكلاسيكية، نُركز إبداعنا على تطوير وصفات جديدة تُقدّم تنوعًا وتُضفي على الأطباق رونقًا خاصًا. إنها طريقتنا في الموازنة بين احترام التقاليد والحاجة إلى الابتكار.
هل تستمعين لتعليقات جمهورك المُستهدف وخبراء الطعام؟ فتلتزمين بها من خلال إجراء بعض التعديلات؟
بالتأكيد. التعليقات في غاية الأهمية بالنسبة لنا. الطعام مسألة نسبية فما يُحبه شخص ما قد لا يُحبه شخص آخر، ونحن نُدرك ذلك تمامًا ونحترمه. نُنصت دائمًا لجمهورنا ونأخذ تعليقاتهم على محمل الجد، خاصةً عندما تأتي من أشخاص يُقدّرون الطعام ويفهمونه حقًا...نبذل قصارى جهدنا لإجراء التعديلات عند الحاجة، مع الحفاظ على أسلوبنا وهويتنا. في النهاية، ما نُبدعه هو انعكاس لنا، ونريد أن يستمتع به الناس كما هو.
كيف تُبرزين تفرد وأهمية كل مناسبة عند إعداد التصميم المُناسب؟
كل مناسبة فريدة، وأُوليها أهميةً بالغة. أُكرّس وقتي لفهم عملائي، حتى أنني أُلقي نظرةً سريعةً على حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي كلما سنحت لي الفرصة! قد تبدو هذه التفاصيل صغيرة، لكنّها تُساعدني على فهم شخصياتهم وأسلوبهم وما يريدونه حقًا من المناسبة. أطرح الكثير من الأسئلة قد لا يبدو بعضها مُهمًا للوهلة الأولى لكنها تُساعدني على تكوين صورة أوضح، سواءً كنتُ أُنظّم احتفالًا شخصيًا أو أُعدّ شيئًا لعلامة تجارية.
أما بالنسبة للطعام، فقلب مطبخنا هو والدتي. لدينا فريق عمل رائع يُساعدنا في التحضير، لكنها تُضفي عليه لمسةً سحرية. لقد توليتُ مسؤولية تنفيذ الفعاليات وتجربتها، بينما تُعتبر هي جوهر الطعام، وإذا كان هناك مُكوّن سريّ لما نُقدّمه، فهو أننا نُقدّمه بحبّ وشغف.
تبتكرين أفكارًا جميلة وعصرية لتجهيز الموائد وتزيينها. كيف تختارين موضوعًا لكل مناسبة؟
يلعب المحيط دورًا كبيرًا في كيفية اختياري للموضوع، سواءً كان الموقع أو الموسم أو حتى الإضاءة الطبيعية في المكان. ولكن الأهم من ذلك كله، هو فهم العميل. أتعمق في شخصيته، وما يحبه، والأجواء التي يطمح إلى خلقها.
الإلهام يظهر في كل مكان بالنسبة لي. أقضي وقتًا طويلًا في البحث على الإنترنت، ومواكبة أحدث الصيحات العالمية، وتصفح منصات التصميم. ولكن بصراحة، تأتي بعض أفضل أفكاري من أبسط الأماكن، مثل التجول في المتاجر الكبرى ورؤية ما هو طازج وموسمي، وخاصةً الفواكه والخضراوات. كما أحب زيارة متاجر التصاميم؛ فأنا دائمًا أبحث عن قطع أو خامات جديدة تُلهمني. الأمر يتعلق بالحفاظ على فضولي وإبقاء راداري الإبداعي دائمًا في حالة تأهب.
إلى أي مدى يمكن لديكور مائدة متكامل وجذاب أن يفتح الباب أمام حوارات إبداعية خلال التجمعات، سواءً كانت عائلية أو مهنية؟
بصراحة، إلى حد كبير. تصميم طاولة الطعام بعناية يُهيئ أجواء التجمع بأكمله. فهو يخلق جوًا يُشعر الضيوف بالراحة فورًا، ويُثير فضولهم، ويدعوهم للحديث. سواءً كان غداءً عائليًا غير رسمي أو فعاليةً راقية للشركات، فإن التجربة البصرية تلعب دورًا كبيرًا في شعور الناس وتفاعلهم.
ما هو طبقك المفضل؟
طبقي المفضل هو الكبة باللبن، وهو طبق كلاسيكي يُشعرك بالراحة.
ما هو المطبخ الذي تُفضلينه، وهل يُمكنك مُشاركة تجربة طعام لا تُنسى معنا؟
سأظل دائمًا مُتحيزة للمطبخ اللبناني، فهو يعود لموطني. ولكن عليّ أن أعترف أن الطعام الياباني مميز بنفس القدر. أحب رقيّه ونكهته اللذيذة.
إحدى تجارب الطعام التي لا تُنسى التي خضتها كانت خلال رحلة عمل حديثة إلى المملكة العربية السعودية. جربت مطعمًا يابانيًا جديدًا أبهرني تمامًا، كانت النكهات من أفضل ما تذوقته في حياتي. في الواقع، عدت إليه ليلتين متتاليتين، وهو أمر جديد عليّ تمامًا لأني انتقائية جدًا في اختيار الطعام.
كيف تنظرين إلى اتجاهات الطعام لدى الجيل الجديد؟ هل تعتقدين أن خياراتهم تتجه نحو ما هو صحي ومفيد؟
أرى بالتأكيد وعيًا متزايدًا لدى الجيل الجديد فيما يتعلق بخيارات الطعام، فهناك اهتمام متزايد بالصحة والاستدامة وفهم مكونات وجباتهم. يطرح الناس أسئلة، ويقرأون الملصقات، ويميلون إلى خيارات أنظف وأكثر توازناً.
في الوقت نفسه، لا يزال هناك انجذاب قوي نحو الراحة، والصيحات السريعة، ولحظات الطعام الرائجة التي لا تكون دائمًا الأكثر صحة. لوسائل التواصل الاجتماعي تأثير كبير في ذلك، فهي أحيانًا تشجع على الأكل الواعي، وأحيانًا أخرى تمجد الأطباق التي تفتقر إلى النكهة الحقيقية.
أصبح الطعام اتجاهًا رائجًا اليوم، يفرض حضوره في مجالات مثل الجمال والموضة، ربما ملهمًا اتجاهات جديدة أو متأثرًا بجوها وتأثيراتها. أخبرينا عن تجاربك في تقديم تجارب الطعام للعلامات التجارية المعروفة.
اليوم، نرى أن الطعام والجماليات متلازمان فما تقدمه لا يقل أهمية عن المظهر وطريقة العرض. لطالما كان هذا الارتباط قائمًا إلى حد ما، ولكن الآن، وخاصةً مع تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح المظهر الجذاب بنفس قوة الذوق.
لطالما كان تقديم الطعام للعلامات التجارية الشهيرة جزءًا رائعًا من رحلتنا. غالبًا ما تأتي هذه التعاونات مصحوبة بإرشادات مفصلة للعلامة التجارية وتوقعات عالية، وهو أمر قد يكون صعبًا بالتأكيد. لكنه يدفعني أيضًا إلى التفكير خارج الصندوق والارتقاء بإبداعي، ففي النهاية نحن لا نقدم الطعام فحسب، بل نساعد في سرد قصة، والتعبير عن نمط حياة، والتوافق مع هوية العلامة التجارية.
اقرئي المزيد: ديما شاكر: المطبخ هو قلب البيت ومصدر الحنان والطاقة الجميلة والدفء