الفنانة زهرة الغامدي: المرأة السعودية برزت كوجه مشرق للمملكة
لا يوجد شكل وحيد وثابت للفن، فالإبداع لا تحده لوحة وألوان بل يمكن أن يخرج من شكله التقليدي ليتجلى في أشكال تعبير أسمى وأرقى وأكثر تأثيراً في نفس المتلقي، هذه هي قناعة الفنانة والدكتورة زهرة الغامدي التي نالت الدكتوراه في التصميم والفنون البصرية وحققت الكثير من الإنجازات لنفسها ولبلدها منها تمثيل المملكة العربية السعودية في جناحها في بينالي فينيسيا عام 2019 ، وقد التقيناها لنكتشف المزيد عن رؤيتها الفنية وإبداعاتها التي تشارك بها الجمهور من خلال صفحتها عبر إنستغرام: dr.zahrah_alghamdi.
أعمالك تمس الروح، ففي عملك "لحظة" اختصرت قسوة وحدة الوجع بسهولة وبساطة وكأنك تسلسلت إلى كل نفس بشرة وعكست كل ما تشعر به. كيف تتبلور لديك رؤية وفكرة كل عمل؟
تبدأ رؤية وفكرة العمل عندما أدرس موضوع العمل الفني من كل جوانبه حيث أبدأ عادة بالقراءة والاطلاع عن الفكرة الي تدور في عقلي وعندما أحس أن القراءة عن الموضوع بدأت تكون ممتعة أبدأ في التعمق في البحث في كل التفاصيل..خلال هذه المرحلة يولد لديّ الخيال وتتجلى في ذهني كل جملة أو عبارة قرأتها فأسعى إلى تكريس معناها بشكل مختلف من خلال الخامة التي أعمل عليها....في هذه المرحلة أحاول تسجيل كل الملاحظات التي تساعدني طوال الطريق في صياغة الفكرة للوصول إلى شكلها النهائي.
كلمات الشرح تبدو بنفس تأثير العمل فتكمله، كيف تصيغينها لتبدو بهذه القوة والتأثير؟ هل تعتبرين موهبة الكتابة مكملة لإبداعك الفني أم يمكن أن تركزي عليها بمفردها مستقبلاً؟
اكتشفت نفسي في فترة لاحقة من حياتي الفنية أني أستطيع أن أعبر عن عملي الفني من خلال الكتابة ...وجدت أن الكتابة متنفس كبير عن كل ما أحس به اتجاه العمل الفني، فمن خلال الكتابة أستطيع أن أعبر عن تفاصيل ومكونات أعمالي بكل مصداقية، كما رصدت كمية التفاعل التي تلقاها كلماتي وتأثير كل ما أكتبه على قارئ الأعمال ومتلقيها. هنا أشير إلى أن الكتابة عن العمل الفني جداً صعبة فهذه السطور القليلة التي ترافق كل عمل يمكن أن تأخذ أسابيع حتى أتمكن من صياغتها بالشكل المطلوب الذي يوصل المعنى ويرضيني...ولكن عند كتابتها أحس براحة كبيرة وأنني استطعت تحويل ما يجول في خاطري إلى فكرة واضحة ليفهمها الجميع.
متى ولماذا تبدأين عمل جديد، هل تحتاجين الى حالة معينة أم يمكن أن تستوحي من أي مشهد أو شكل أو فكرة؟ وهل تكون فكرة العمل واضحة لديك منذ البداية أو تتضح مع الوقت؟
حقيقة لايوجد وقت ولا سبب ولا حالة معينة لأبدأ عمل فني جديد، فالأستوديو بالنسبة لي هو بيتي الذي أتواجد فيه دائماً إذ أبقى فيه لساعات وهو ما يجعلني أفكر وأحلم وأتخيل وأجرب وأمارس لأني ببساطة أحب الفن كثيراً. دائما تكون فكرة العمل الفني في البداية غير واضحة وأيضاً ممكن تكون غامضة ومبهمة فتحتاج مزيد من طرح الأسئلة ..تبدأ بلماذا؟ وكيف؟ ومتى ؟ وأين ؟...
هذه الاسئلة تجبرني أن افكر بعمق بفكرة العمل ..فلابد أولاً أن أجيب على هذه الأسئلة لأن الاجابات سوف تساعد للوصول إلى فكرة محددة أستطيع أن أشكلها على الخامة بكل ثقة.
هل تذكرين تجاربك الفنية الأولى، وما كان دافعك نحو الفنون؟
تجاربي الفنية الأولى هي الأساس في وجودي اليوم فقد كانت اللبنة الأساسية التي انطلقت منها لكي أبني رؤيتي لأعمالي الفنية. فالشغف وحبي للفن وتشكيل الخامات هو دافعي للإستمرارية في ابتكار الأعمال الفنية لأن اعمالي هي طريقتي في التواصل مع العالم والتحدث غير المباشر مع الناس من كل الخلفيات والثقافات والوصول إلى مشاعرهم والتأثير بها.
ما رأيك بأهمية الفن الرقمي وهل تؤمنين بضرورة دخول هذا التطور وتأثيره إلى مختلف الفنون؟
أؤمن بأهمية الفن الرقمي وأنه ضروري لمواكبة عصر التكنولوجيا فاليوم يتضح جداً تأثيرها على مختلف الفنون، ولكني شخصياً أميل دائماً للأعمال المصنوعة باليد واستخدام الخامات
بعيداً تماماً عن التكنولوجيا ولا أرغب حالياً أن أتوجه إلى هذه الأنواع الفنية الجديدة.
تأثرت كثيراً بالعمارة في السعودية وبطفولتك في أحياءها، أخبرينا ما الذي تحاولين ابرازه عن تاريخ وحضارة وقيم بلادك من خلال فنك؟
أنا مقتنعة أن الأعمال الفنية هي عبارة عن توجيه رسائل وهذه الرسائل يتم تلقيها من زوايا مختلفة من قبل المشاهدين وهذا هو المطلوب، فأي عمل فني من دون رسالة، بغض النظر عن قوة أو هشاشة المضمون، لن تمس المشاهد أو تجعله يقف ليفكر قليلً، هو عمل لا يعوّل عليه. بالنسبة لي فقد تأثرت كثيراً بالبيئة التي نشأت وتربيت فيها وكان للعمارة التقليدية النصيب الاكبر فيها، لذلك كنت حريصة أن أظهر أهمية العمارة التي تميز بلادي بروح شاعرية ولغة موازية لما يشعر به أهلها ولكن برؤية معاصرة. وأنا صادقة وحقيقية بشكل كبير فيما أقدمه لذا تصل رؤيتي إلى الآخر ويتفاعل معها، لذا تخترق أعمالي الحواجز بين البلدان وتلامس كل إنسان يقدر التنوع والجمال.
أعمالك غير دائمة، أليس من الصعب على الفنان أن يشهد زوال عمل تعب كثيراً لإتمامه؟ كيف تقبلت فكرة الاحتفاظ بذكرى عن العمل فقط عبر الصور؟
هذا السؤال يطرح عليّ كثيراً ..بالعكس تماماً فالصعب عليّ هو حين يطلب مني أن يكون العمل الفني ثابت أو دائم، فالأعمال الوقتية بالنسبة إليّ هي عبارة عن تحد كبير والعيش في ضغط حتى أبلور الفكرة وأتأكد من نجاحها، وهذا أكثر وقت أستمتع فيه أثناء العمل. خلال صنع الأعمال الوقتية الغير دائمة أجد نفسي منسجمة مع كل مشاعري وحواسي، أما بالنسبة لزوال العمل فهو مجرد غيابه من مكانه ولكن مكانته في نفسي ونفس المشاهد تظل ثابتة لأن الصور توثق كل شيء، والشعور الذي راود كل من رآه أهم بكثير من استمرارية المادة على حالها.
يتطلب عملك مجهود كبير، فما هي الصعوبات اللوجستية التي تواجهينها؟ من هي الجهات التي تساعدك؟
حقيقة مع مرور الوقت وتعدد أعمالي صرت قادرة على مواجهة أي نوع من أنواع الصعوبات تبقى المشكلة الأساسية التي أواجهها هي عدم تفرغي التام للفن، فأنا لديّ مسؤولية بيتي ووجودي في حياة أولادي كأم، لذلك أبذل جهد كبير جداً في تنظيم وقتي بأفضل الطرق حتى أستطيع أن أستمر بدون خسائر. وهنا أوجه التحية لزوجي الذي يعود له فضل كبير في نجاحي، فهو دعمني وساعدني وكان من أول الناس التي شجعتني وساهمت في وصولي إلى ما وصلت عليه اليوم.
كيف ترين واقع النساء في المجالات الثقافية والفنية في المملكة؟
المرأة السعودية أثبتت نفسها في كل المجالات وخاصة الثقافية والفنية وبرزت كوجه مشرق للملكة سواء محليا او عالميا وحاليا نرى أن جميع الجهات الحكومية والأهلية اتاحت الفرصة للمرأة لكي تبرز في أي قطاع هي راغبة بخوضه ليكون عليها فقط أن تثبت أنها على قدر المسؤولية التي أعطيت لها .
الى أي مدى يرتبط الفن بالتاريخ، وكيف يمكن للفنانين والمبدعين تسليط الاضواء على مزايا المملكة والمساهمة في نشر تراثها وحضارتها العريقة؟
الفن بدون تاريخ يكون فارغاً وهزيلاً فمن خلال الفن يستطيع الفنان أن يبرز الموروث الثقافي سواء بشكله الحقيقي أو برؤية معاصرة. وبرأيي أن الفن ساهم بشكل كبير في نشر تراث وحضارة المملكة العربية السعودية وحافظ ايضا على استمراريتها، وأثق أن رؤية الفنانين الجدد قادرة على تحقيق المزيد من الإنجازات لإبراز أبهى صورة عن وطننا.
ما هي رسالتك لمناسبة اليوم الوطني السعودي؟
أقول للمملكة: عزّك يا بلادي يبدأ بنا.. بأحلامنا .. بأعمالنا .. وبهمّتنا نرفعك لتكوني في قمة الأوطان.
ما هي مشاريعك المقبلة؟
أعمل على مشروع فني أعتبره من أقرب الأعمال الى قلبي وسوف يعرض قريباً في مركز إثراء، ولدي مشاركات في الشهور القادمة في معارض في واشنطن وأخرى داخل المملكة.
اقرئي المزيد: ديالا نسيبة: الاستثمار في الثقافة أساسي لازدهار الإمارات وهو في قلب رسالتي الفنية