ديالا نسيبة: الاستثمار في الثقافة أساسي لازدهار الإمارات وهو في قلب رسالتي الفنية

راكمت ديالا نسيبة خبرة طويلة في المجال الفني والثقافي خلال السنوات الفائتة، خولتها أن تصير مديرة فن أبو ظبي وتعمل بجهد عاماً تلو الآخر لتأمين بيئة مثالية لتطوير المشهد الثقافي في الإمارات. وبعد أن شغلت عدة مناصب إدارية في مؤسسات فنية في المملكة المتحدة وتركيا على مدى 10 سنوات، قررت أن تركز على المشهد الفني في بلدها وقد شاركتنا في هذا اللقاء رؤيتها الفنية وتوجهاتها المهنية في الفترة اللاحقة.

درست علم الاجتماع فهل كان لهذا الاختصاص دور في جعلك تدركين الاختلافات الثقافية بين الشعوب وبالتالي في رصد التوجّهات الفنيّة لشعب الإمارات؟

أظنّ ذلك فالأنثروبولوجيا علم مختصّ بدراسة ما يجعلنا بشراً، والأنثروبولوجيا الاجتماعية هي دراسة أنماط السلوك في المجتمعات والثقافات. وينقّب الفنّانون في العالم من حولهم ويجسّدون هذا العالم في فنّهم. وغالباً ما أتجاوب مع الفنّ من منظور الأنثروبولوجيا ومن خلال إيجاد السؤال الذي تطرحه الأعمال الفنيّة وكيف يرتبط ذلك بالبيئة الاجتماعية من حولها.

عملت لفترات في لندن واسطنبول. كيف أغنت هذه السنوات خبرتك الفنيّة وما الذي حملته معك من هذه التجارب؟

عملتُ في لندن لدى الجامع الفنّي الشهير Charles Saatchi الذي كان رائداً في عالم الفنّ طوال عقود من الزمن. تعلّمت أسس سوق الفنّ من خلال مراقبته وهو يدير مجموعته ومعرضه ومن التعرّف أكثر إلى الفنّانين الذين دعمهم. أمّا في اسطنبول فكان أوّل معرض فنّي عملت فيه على الإطلاق وتعلّمت الكثير من تلك التجربة حول عكس المعارض الفنيّة للموقع الذي تُقام فيه والمجتمع الفنّي حولها، وفي وضع اسطنبول، إنّهم هواة جمع الأعمال الفنيّة وأصحاب الأعمال الخيريّة الرائعين الذين فتحوا المتاحف للجمهور، والفنّانين الاستثنائيّين والقيّمين الذين يعملون هناك وبالطبع التاريخ الغنيّ في اسطنبول، وكلّ ذلك ساهم في صقل هذه المعارض. وما تعلّمته من هذه التجربة هو أنّ كلّ معرض فريد ويرتبط بموقعه ومن أجل استمراره يجب أن ينتمي إلى المدينة التي يقام فيها ويُصقل من قبل المجتمع الذي يحيط به، فيما يساهم في الوقت نفسه في تحريك سوق الفنّ المحليّ.

كيف ترين المشهد الفنّي في الإمارات في يومنا الحالي؟

المشهد الفنّي في دولة الإمارات نابض بالحياة والديناميكيّة. وتدعم المؤسّسات بعضها البعض وتتعاون كما يبتكر الفنّانون أعمالاً جديدة مذهلة وتشكّل الإمارات العربيّة المتحدة ملتقى أكثر من 200 جنسيّة يجتمعون معاً لخلق بيئة متنوّعة وسريعة الوتيرة يزدهر فيها الإبداع. وكلّ هذا تدفعه طبعاً رؤية القيادة التّي تضع الثقافة في قلب استراتيجيتها لكيفيّة تطوير الإمارات في السنوات القادمة. وهذا الاستثمار في مستقبل الإمارات العربيّة المتحدة من خلال الثقافة هو حقاً عمل رائد.

هل تعتبرين أن الفنّ العربيّ يتوجه للنخبة؟ وكيف تساهم هذه الفعاليّات في دعم الفنّ الخليجيّ والعربيّ وتقريبه أكثر من عامة الشعب؟

يشكّل الفنّانون جزءاً من المجتمع ولا ينتمون إلى فئات النخبة، لذا من المستحيل القول إن الفنّ العربيّ مخصّص فقط للنخبة. ومع ذلك، فلا بدّ من جعل الفنّ في متناول أكبر عدد ممكن من الأشخاص وليس فقط ليتمكّنوا من الوصول إليه ولكن أيضا للمشاركة. وتؤدّي المتاحف مثل Louvre أبوظبي دوراً هائلاً في تحقيق ذلك. كما أنّ دور التعليم أيضاً أساسيّ في هذا المسعى. فضلاً عن ذلك، فإنّ إدارة التعليم في دائرة الثقافة والسياحة، التي تديرها رانيا ناصر الرائعة تُشرك آلاف الأطفال من جميع أنحاء الإمارات العربية المتحدة في الفنّ من خلال ورش العمل الفنيّة والدورات والبرامج والكتب والتعاون مع المدارس وما إلى ذلك. وتؤدّي المعارض الفنيّة أيضاً مثل "فنّ أبوظبي" دوراً مهمّاً من خلال تعزيز سوق الفنّ الذي يوفّر مصدر رزق للفنّانين وعبر الانخراط بشكل هادف مع مجتمعات أوسع من خلال الأعمال التكليفيّة الفنيّة العامّة لدينا في الأماكن العامة وأيضاً من خلال التوعية التعليميّة لدينا. ونحن نرحّب بآلاف الطلّاب في المعرض (مجاناً) كلّ عام. وأخيراً تجري المعارض التي نعمل معها أيضاً بحوثاً عن الفنّانين العرب وهذا أساسيّ لفهم عملهم والصورة الأكبر في التاريخ والتي هم جزء منها. كلّ هذه الجهود التعاونيّة توصل الفنّ إلى جمهور أكبر وتساهم في دعمه.

هل تراجع اهتمام الجيل الجديد بالفنون وكيف يمكن جذبهم إليها من جديد؟

لا يمكن أن ننكر ذلك، لكنّنا جميعنا أبناء الزمن الذي نعيش فيه فنتأثّر به بعض الشيء، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الجيل الجديد الذي يعيش التواصل العالميّ الفوريّ والصور على وسائل التواصل الاجتماعي بالإضافة إلى النمو المفاجئ للميتافيرس والرموز غير القابلة للاستبدال أو NFTS والمشهد سريع التغيّر في دولة الإمارات العربيّة المتحدة. وتقوم فنّانات حملتنا المرئية لهذا العام، عائشة حاضر وشيخة الكتبي وروضة الكتبي بتجسيد هذه التغييرات في أعمالهنّ من خلال خلق عوالم يتخيّلنها في المواقع المهجورة سواء في البحر أو في الصحراء أو في المباني، ممّا يشير إلى غياب الذات ووجودها في ظلّ هذه التحوّلات الاجتماعية السريعة. ومن دون أن يتعمّدوا ذلك، قدّم الفنّانون أعمالاً ملائمة أكثر بعد عام من الوباء فاندمج فيها الجميع في العالم الرقميّ وشكّلوا روابط اجتماعية من خلال المنصات الرقميّة. فكيف يؤثر هذا الانغماس الرقميّ الذي عشناه جميعنا على تجربتنا الذاتية اليوم؟ كيف سيجد الجيل الجديد، الغارق جداً في التحوّل الرقميّ، طرقه الخاصّة للتواصل مع الفنّ بشكله الماديّ وليس مجرّد ميتافيرس؟

من يلهمك من قادة الإمارات وما الذي تطمحين إلى تحقيقه بعد من خلال عملك في المجال الفنيّ؟

أودّ التحدّث عن ثلاثة أشخاص تحديداً.

أولاً، صاحبة السمو الشيخة سلامة بنت حمدان آل نهيان الي أنشأت مؤسّسة سلامة بنت حمدان آل نهيان الخيرية والتي تقوم بعمل مذهل في مجال الفنّ والثقافة والتراث وتنمية الطفولة المبكرة والصحة. ومن منحة سلامة بنت حمدان للفنانين الناشئين إلى الجناح الوطني لدولة الإمارات في بينالي البندقية ومشروع "لئلا ننسا" الثقافي ومعرض 421، تتمثل رؤية المؤسسة في "الاستثمار في مستقبل الإمارات العربيّة المتحدة من خلال الاستثمار في شعبها". إنها قوّة ملهمة من أجل الخير ومثال يجب أن تطمح إليه كلّ مبادرة ثقافية.

صاحبة السمو الشيخة سلامة هي أيضاً رئيسة لجنة استضافة "فنّ أبوظبي".

ثانياً، صاحبة السمو الشيخة مريم بن محمد بن زايد آل نهيان رئيسة مجلس أمناء المؤسّسة التي تدير تطوّرها في مجالات الفنّ والثقافة والتراث. فلقد كانت القوة الدافعة وراء الكثير من النمو الثقافي في البلاد اليوم. ولا يمكنني حتى وصف مدى أهميّة الدور الذي لعتبه في دعم الثقافة والحفاظ على التراث الثقافيّ للأجيال القادمة.

وأخيراً، راعي معرض "فنّ أبوظبي"، سموّ الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان الذي دعم مبادرات ثقافيّة كثيرة. ولطالما كانت دولة الإمارات العربيّة المتّحدة تخطّط للمستقبل وكان سموّ الشيخ يؤمن دائماً بتمكين الشباب وكان لديه استراتيجيات وأهداف للتطوّر الإقتصاديّ والاجتماعيّ إلى جانب التنمية المستدامة بالإضافة إلى إيمانه بدعم ازدهار الثقافة. نحن محظوظون جداً في مجال الثقافة لوجود قادة بارزين يمهّدون الطريق.

اقرئي المزيد: مريم الياسي تدخل مجال المجوهرات: لديّ مشاريع أؤمن بها وأسعى إلى إنجاحها

 
شارك