أول مهندسة طيران في الإمارات سعاد الشامسي تحدثنا عن حلم تحوّل إلى حقيقة

أن تكون أول مهندسة طيران في الإمارات ليس بالإنجاز السهل، ولكن المستحيل يصبح متاحاً في أرض الفرص. فالدكتورة والمهندسة سعاد الشامسي حلمت وكان لها الدعم اللازم من القيادات الإماراتية لكي تحقق الحلم وتنطلق عالياً في سماء الإنجاز. هي أحد الأعضاء المؤسسين لجمعية المرأة في الطيران فرع الشرق الأوسط وقد تبوأت مناصب مرموقة في الإمارات وتعمل حالياً كمهندسة طائرات متخصصة في معدات هبوط الطائرة وإقلاعها ومستشارة طيران. التقيناها لمناسبة اليوم الوطني الإماراتي وكان لنا حديث عن مسيرة نجاحها وأبرز إنجازاتها.

هل كان العمل في مجال هندسة الطيران ضمن طموحاتك منذ الطفولة؟

منذ صغري كنت أحب اللعب بالسيارات والطائرات، وكنت أخبر والدتي أني أريد العمل بمجال الميكانيك ولكن رغبتي هذه لم تتبلور بالشكل الكافي حتى ركبت الطائرة للمرة الأولى وذلك سنة 1990، فقد أعجبت كثيراً بهندستها وأردت معرفة المزيد عن حركتها وكيفية عملها، فأنهيت الثانوية العامة وأخبرت أهلي أني أريد دراسة هندسة الطيران، ولكن للأسف في الدول العربية لم يكن هناك تخصص من هذا النوع للبنات، من هنا بدأت الصعوبات في طريقي ولكني لم أتراجع، بل عرفت بعدها بعام ببرنامج "إعداد القادة" الذي يرعاه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم إمارة دبي، فقصدتهم بحلمي وساعدوني لكي أسعى إليه، فكان أن سافرت إلى بريطانيا ودرست، وبدأت بطريقي نحو شغفي الحقيقي.

لم تستسلمي أمام الصعوبة التي واجهتها بل ثابرت، فما الذي كان يدفعك للاستمرار؟

أحببت أن أغيّر النظرة إلى الصورة النمطية للفتاة فالشابة تقدر أن تنجح في كل المجالات حتى صناعة وتصميم الطائرات، والمجتمع الذي يستنكر أو يستغرب وحتى يعتب على الأهل الذين يوافقون بناتهم في مسعاهم للتغيير، سرعان ما سيصير الداعم الأول للشابة في حال لاحظ مدى جديتها والتزامها بتحقيق ما تصبو إليه. هذا التحدي كان دافعي الأكبر، ولليوم أحاول أن أثبت للشابات الإماراتيات أن لا شيء مستحيل أمام الإصرار والإرادة.

يخفي العمل في مجال يتطلب مجهود بدني كبير الكثير من الصعوبات، هل يمكن أن تحدثينا عنها؟

تخصص هندسة الطيران صعب حتماً وكذلك العمل على أرض الواقع في بيئة مليئة بالعمال والمتاعب الجسدية، ولكن جمالية هذه التخصصات أنها تسمح لك بالتطور والتحسن، فتشعرين بلذة التعب وأنه أتى بثماره، فالصعب يهون حين أعرف أني لن أظل في العمل الميداني طوال الوقت بل سأنتقل لما هو أفضل، وأنا بعد خبرة 10 سنوات في الهندسة، صرت منذ 6 سنوات مستشارة لأحد أكبر مشاريع الطيران في الإمارات، وأطمح بالمزيد. في كل سنة ازداد تعلقي بهذا المجال رغم صعوباته من بيئة العمل القاسية وساعات العمل الطويلة وملابس العمل المحددة، أنظر إلى نفسي تماماً كالطبيب أو الممرض، فكل تخصص لديه متطلبات ويحتاج بعض التضحيات، ولكن تحقيق النجاح ينسينا الصعاب ويجعلنا نركز أنظارنا على ما يخفيه لنا المستقبل من إنجازات جديدة.

هل واجهت بعض الانزعاج أو فلنقل الغيرة المهنية من الرجال ولا سيما أنك سيدة شابة تتبوأين مركزاً مهماً أعلى من مركز الكثير منهم؟

بالطبع هناك الكثير من الرجال الذين رفضوا وجودي لاعتقادهم أني لن أنجز بالقدر الكافي أو أني سأؤثر سلباً على بيئتهم التي يعتبرونها قاسية ولا تليق بالمرأة. كما تواجد كثيرون حولي لم يثقوا بقدراتي أو اعتبروا أني لم أصل إلى مركزي بجدارتي، ولكن الأيام أثبتت لهم مدى جديتي وقدرتي على إتمام مهامي بإتقان يوازي قدرات الرجل وأحياناً يفوقها. كنت مسؤولة لسبع سنوات عن نحو 85 موظف بعضهم لديه خبرات تصل إلى 30 سنة، ينتمون إلى بيئات وخلفيات وجنسيات مختلفة فهناك العربي والأجنبي والأفريقي والأوروبي والآسيوي، وعليّ بالإضافة إلى إنجاز مهامي الميدانية، أن أتعرف عليهم بشكل أكبر وأفهم شخصياتهم لكي أضمن أن يقدموا للفريق أقصى ما عندهم، وهذا ما قمت به وما لم يكن سهلاً على الإطلاق، لأن المهارات الإدارية لا تقل أهمية عن معرفتي الهندسية، كنت أعمل معهم وأتناول الطعام بينهم حتى يشعروا أني مثلهم ولا أختلف عنهم بشيء لمجرد أني فتاة، من هنا استطعت أن أكسب ثقتهم ودعهمهم الكامل.

كيف استطعت امتلاك مفاتيح الإدارة وهل كان من الصعب على مهندسة أن تكون قائدة ملهمة لفريق عملها؟

أخذت دورات في إدارة الأعمال والقيادة وعملت لسنتين مع شركة رولز رويس في سنغافورة وبريطانيا وتعلمت الكثير عن الإدارة، ولطالما سعيت للتعلم من غيري والاستماع إلى نصائح من هم أكثر خبرة مني، لم يكن الأمر سهلاً لأنه كان عليّ في العديد من الأحيان اتخاذ قرارات مصيرية سريعة من دون أن يكون لديّ وقت للتفكير ولكني مع الوقت بت أكثر تمكناً من إدارة فريق عمل متكامل.

هل الخبرة أهم من المتابعة الدائمة لأجدد المستجدات في مجال هندسة الطيران؟

أرى أن الخبرة ضرورية جداً ولكنها لا تنفع في حال لم تترافق مع المتابعة الدائمة لأجدد التطورات العلمية مع القراءة المستمرة عن كل ما يحدث في صناعة الطيران والقطع التي تتطور وتدخل في تصنيعها التكنولوجيا الحديثة.

هل ترين أن إقبال الشابات ازداد على مجال هندسة الطيران؟

هناك إقبال محدود لأن البنات يخشين العمل الميداني ولذلك نرى أن بعضهن يبدأن بالدراسة ثم يحولن نحو إدارة الأعمال أو أي مجال أسهل. وهنا ألفت إلى أهيمة ما يقوم به قادتنا من دعم وتشجيع للشابات على خوض كل المجالات الجديدة، وإقامة برامج تدريبية في العديد من شركات الطيران وحث الجامعات على افتتاح فروع جديدة تقبل الشابات ضمنها، وإقامة ورش عمل ودورات توعوية لتعريف البنات على هذه التخصصات وعلى مجالات العمل الواسعة التي يمكن خوضها في حال دراستها.

إلى أي مدى تساهمين من خلال تواجدك عبر وسائل التواصل في نقل صورة إيجابية عن مجال هندسة الطيران؟

نعم وبشكل كبير، فأنا أتلقى استفسارات من شابات وأمهات وآباء وعوائل يتواصلون معي لكي يعرفوا عن المجال بشكل أكبر، وأنا أحاول إيصال صورة عن الإيجابيات والسلبيات فكل مجال فيه النوعين، ولكن علينا التغاضي عن السلبيات ورؤية الصورة المشرقة وهذا ما أسعى إليه لكي أبرز صورة مشرفة للمرأة العربية والإماراتية، هي القادرة أن تكون زوجة وأم وأخت وسيدة أعمال ناجحة ومهندسة طيران متميزة.

صرت وجهاً إماراتياً معروفاً ومحبوباً ومؤثراً فما هي رسالتك لبنات بلدك؟

يحمّلني ما وصلت إليه مسؤولية كبيرة فقد ازداد فخري بنفسي وببلدي ورسالتي الدائمة هي أن تسعى المرأة نحو حلمها وتثق بقدراتها ولا تسمع للتعليقات السلبية، بل تحاول بجدية ونشاط وشغف، وتتأكد أن الله سبحانه وتعالى لن يخذلها بل ستصل إلى ما تصبو إليه مهما تأخر الوصول.

ما الذي يعطيك شغف الاستمرار والطموح لمستقبل أفضل؟

امتناني لكل النعم الذي حباني بها الرحمن هو سر استمراري، فأنا ممتنة لزوجي ولأولادي ولمتابعيني وللطالبات اللواتي درسن معي ولكل شخص تأثر بي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فإحساسي أني أحدث فرقاً ولو بسيطاً هو ما يدفعني للاستمرار بالعطاء والعمل من كل قلبي وعقلي.

اقرئي المزيد: أندريا طايع: حلمي أن أكون مثالاً ملهماً

 
شارك