قبرص...حكايات ترويها جزيرة الحبّ والجمال

تُلقّب قبرص بجزيرة الحبّ والجمال وتستحقّ لقبها هذا عن جدارة. فبعد زيارتي لهذه البقعة من العالم، أدركت أنّها تحتضن ثقافة غنيّة وطبيعة خلابة وشعباً طيّباً. لذلك، اخترت أن أشاركك تفاصيل رحلتي المميّزة لأنّني أعي تماماً أنّك لن تتردّدي في زيارة قبرص بدورك.

أذهلتني قبرص بكل ما للكلمة من معنى! فلم أعلم أنّ تفاصيل الجزيرة الصغيرة تروي حكايات تاريخيّة

ولم أدرك أنّ الشوارع التي ستطؤها قدماي تحاكي الثقافة وتتخطّى الواقع لتنقلني إلى كتاب الماضي وإلى صفحات العصور القديمة.

وطوال الأيام الأربعة التي قضيتها أتنقّل من مدينة إلى أخرى، أحسست أنّ قبرص لا تعرف الملل، بخاصّة أنّها تقدّم لزائريها وزائراتها وجهات تتنوّع بين الطبيعيّة والثقافيّة والتاريخيّة والترفيهيّة.

ولأنّني عشقت هذه الجزيرة وأعجبت بتفاصيلها جميعها، أشاركك يوميّات رحلتي وأدعوك إلى جعل قبرص وجهة رحلتك التالية.

اقرئي: لعاشقات العلامات الفاخرة لا تفوتي زيارة هذه المطاعم

يومي الأوّل...

وصلت في الصباح الباكر إلى قبرص، ولم أرغب سوى في الانطلاق لاستكشاف الجزيرة من دون أن أضيّع دقيقة واحدة. بدأ يومي الأوّل في العاصمة أي في مدينة ليفكوسيا التي تعرف أيضاً باسم نيقوسيا. ولا تنعكس فيها الحياة العصريّة وحسب، إنّما الثراء الثقافي أيضاً. لذلك، توجّهت لزيارة المتحف الأركيلوجي القبرصي أو Cyprus Archaeological Museum الذي يشهد على حقبات تاريخيّة مرّت بها هذه الجزيرة بدءاً من العصر الحجري الحديث مروراً بالعصر البرونزي والعصر الحديدي وصولاً إلى العصر اليوناني الروماني. ولا أبالغ إن أخبرتك أنّني أعجز عن وصف أكثر ما لفت انتباهي، إذ يضيع المرء من دون شكّ بين روعة المجوهرات وضخامة المنحوتات وجمال القطع الفخاريّة.

وعندما انتهيت من زيارة المتحف، تذوّقت الثروة السمكيّة في مطعم فاخر يحمل اسم Paragadi. وعلى الطاولة، امتدّت أمامي أجود المأكولات البحريّة وألذّها فاستمتعت بطعم الأطباق المختلفة، من دون أن أنسى الحصّة التي يخصّصها المطعم للحلويات كالفاكهة المجفّفة والحلويات القبرصيّة.

ولم أشأ طبعاً أن أغادر ليفكوسيا من دون جولة في الضاحية القديمة المحاطة بجدران الحصون الفينيسيّة المصنوعة من الأحجار الرمليّة. أمّا أكثر ما أفرحني في جولتي هذه، فكان طيبة أصحاب المتاجر الشعبيّة وروحهم الحلوة من خلال ضحكاتهم وابتساماتهم.

ومع مشارفة بعد ظهر اليوم الأوّل على الانتهاء، توجّهت إلى جبال ترودوس وتحديداً إلى فندق Casale Panayiotis لأبيت ليلتي الأولى.

ولا تعتقدي أنّني دخلت مبنى ضخماً وبهواً فاخراً وجلت في صالات فخمة، فالفندق هذا مميّز بكل ما للكلمة من معنى، إذ يتألّف من شاليهات منفصلة يجاور الواحد الآخر فيخيّل لك أنّك في حيّ جبلي هادئ. أمّا العشاء الذي قدّمه لي مطعم الفندق، فأكثر من رائع لا سيّما أنّه حاكى عناصر الطعم والشكل والكرم.

 

اقرئي: قصور ملكيّة تدلّلك على عرش الفخامة

يومي الثاني...

وسط سكون آسر عمّ فندق Casale Panayiotis، استيقظت في غرفتي وأنا أشعر بنوع من السلام الداخلي. ولم يعزّز شعوري هذا سوى المنظر الذي أحاط بي، منظر الطبيعة التي اكتست بأجمل الألوان. وبعد تناول الفطور، خصّصت لنفسي حصّة من الراحة بعيداً عن ضجيج الحياة، وذلك في السبا الخاص بالفندق، حيث تتوفّر أحدث العلاجات وأبرزها غرفة الثلج والساونا، من دون أن ننسى المسبح طبعاً. وإذ حصلت على دفعة جديدة من النشاط، انطلقت إلى قرية بلاترس، وقد علمت أنّها مقصد الشخصيّات الهامّة والأمراء من منطقتنا، كالملك الفاروق مثلاً. ولأستمتع بوجبة غدائي تماماً، شاركت في جلسة طهي في فندق Semiramis الكامن وسط غابة تضمن للزائرين الراحة والاسترخاء. وفي أنحاء بلاترس، جلت بعد تناول الطعام اللذيذ، وذلك قبل أن أستعدّ للعشاء في مطعم Muse. وما يميّز هذا الأخير هو تقديمه لمختلف أنواع المطابخ. وكيف لم يحن وقت الاستراحة بعد يوم طويل مليء بالمغامرات! فكان ذلك في فندق Elysium Beach Resort المطلّ على البحر، حيث الفخامة تجتمع بالرقي لتغمر النزلاء بأجواء مميّزة لا بل فريدة من نوعها.

يومي الثالث...

فتحت عينيّ على مشهد أزرق بامتياز يلتقي فيه البحر الهادئ بالسماء الصافية، فانحبست أنفاسي لتلك الروعة وذلك الجمال الذي ينعكس على الجزيرة. فسارعت إلى تجهيز نفسي وتناول الفطور في الفندق لأخرج وأستفيد من كل دقيقة أمضيها في رحلتي. والوجهة التالية؟ بافوس حيث يغني التاريخ المدينة بآثار وأسرار تعود بنا إلى الماضي البعيد.

ها قد وصلت إلى أضرحة الملوك، وإن اعتقدت أنّها مجرّد مقابر عاديّة، فأنت مخطئة! فهذه الأضرحة التي تعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد تمثّل صخوراً صلبة دُفن فيها أرستقراطيّون وكبار الشخصيّات الهامّة. وضمّت أيضاً لوحات جداريّة وأعمدة رومانيّة فائقة الجمال. وبعد ساعة من الوقت تقريباً، توجّهت إلى منتزه بافوس الأثري أو Paphos Archaeological Park حيث دخلت ما شكّل في الماضي منزلاً لإحدى الشخصيّات الهامّة التي عاشت في قبرص واستمتعت بلوحات الفسيفساء التي خبّأت كل واحدة منها حكاية أو ملحمة تدخل شخصيّاتها قلبك من دون استئذان. واستكملت مشواري في موقع Kourion لأمتّع حواسي جميعها بمكان لا يحاكي بعناصره الضخامة وحسب، إنّما يدخلك إلى عالم حياة ماضية بما يضمّ من فسيفساء وأحجار وغيرها، بالإضافة إلى المدرّج الضخم الذي ما زال يشهد حتى اليوم حفلات موسيقيّة هامّة.

وبعد الجولة الأثريّة، انتقلت إلى عالم آخر مجاور للبحر والشاطئ، وقد اخترت تناول الغداء على ميناء ليماسول القديم، وتحديداً في مطعم  To Kypriakon. وبالطبع، لم أغادر المكان بعد الانتهاء من الطعام مباشرة، إذ مشيت على طول الميناء والابتسامة لم تفارق ثغري. فالنسيم من حولي داعب بشرتي ولفحها بروح التجدّد والانتعاش، وأمام عينيّ انبسط البحر الشاسع بازرقاق يزرع في النفس الأمل والسلام، ومن حولي عائلات سعيدة وأناس فرحون استمتعوا بركوب الدراجة أو المشي. مضت فترة بعد الظهر وكأنّ ثوانٍ معدودة مرّت، فلم يخطئ من قال إنّ وقت المرح يمضي سريعاً. بعدها، حان وقت العشاء، وكان عشاءً من نوع آخر! ففي مطعم Vivaldi by Mavrommatis، تتقدّم لك الأطباق بطريقة ملفتة فتذهلين بالألوان والمكوّنات وطريقة التقديم، ولكن تذهلين أكثر بالطعم الذي تعجزين عن وصفه بأيّ كلمة أو عبارة. ومع حلول الليل، انتهى اليوم فما كان عليّ سوى التوجّه إلى فندق Amathus Beach Hotel حيث أمضيت ليلتي الأخيرة في قبرص وطبعت في داخلي ذكريات تختلط فيها الإطلالة على البحر مع روعة المكان مع فخامة الغرفة مع حرفيّة طاقم العمل.

اقرئي: ما هي “محمية المرموم” في دبي؟

يومي الرابع...

صدّقيني لو قلت لك إنّني بلغت اليوم الرابع من رحلتي من دون تعب أو إرهاق. فعلى الرغم من البرنامج الحافل، كانت قبرص تخبّئ لي في كل مرّة ما يأسر العين والقلب معاً. خصّصت يوم وداع الجزيرة لمدينة لارناكا التي تحظى باهتمام عالمي كبير. انطلقت إلى يفكارا، تلك القرية المشهورة بالدانتيل والفضّيات. مشيت في الأزقّة وتأمّلت البيوت ذات الطابع القديم التي نفتقدها في أيامنا هذه، لا سيّما أنّ المباني الشاهقة وناطحات السحاب وحدها تحيط بنا. وكيف أنسى وجوه أهاليها، هؤلاء الذين يغمرون السيّاح بأحرّ السلامات وأجمل الابتسامات ويقدّمون لهم تذكارات يحملونها إلى بلادهم لمنازلهم وأهلهم وأصدقائهم وهؤلاء الذين حافظوا على تقاليد آبائهم وأجدادهم وصنعوا الفضيّات وحاكوا الدانتيل بحرفيّة ودقّة. أمّا أكثر ما أحببت في قرية بافلا في لارناكا بشكل خاص، وفي رحلتي بشكل عام، فكان الغداء الذي تناولته في منزل السيّدة Donna Marie Pavlou والسيّد George وقد أطلقا على المكان اسم Our House. فهذان العجوزان لم يرغبا في أن تفلت متعة الحياة من أيديهما وقرّرا أن يحوّلا منزلهما إلى نزل يستقبلان فيه الضيوف الآتين من قبرص وخارجها. فما أجمل أن تشهدي على الحبّ الذي يجمع بينهما وأن تتذوّقي أطباقاً حضّرتها السيّدة بلطف ومحبة فائقين! تجربة لا يمكن وصفها فعلاً، فالتميّز أحاط بها من الجوانب كلّها وتبقى الذكريات وحدها سيّدة الموقف! ومسك الختام كان زيارة المسجد التاريخي، مسجد لارنكا الكبير المعروف أيضاً بمسجد أم حرام وتكية هالة سلطان أو Hala Sultan Tekkesi.

بالفعل، أثبتت لي قبرص أنّها جزيرة تستحقّ الزيارة في فصل الشتاء أيضاً، فكما يحلو فيها السهر، تليق بها السياحة الطبيعيّة والتاريخيّة والدينيّة. ولم أقل لها «وداعاً» بل صرخت في نفسي «إلى اللقاء القادم!».

 
شارك