سوسن البهيتي: فخر لي أن أكون أول مغنية أوبرا سعودية تسعى لنشر هذا الفن في المملكة

في مجال جديد ومختلف تماماً عن مجتمعها السعودي المحافظ والمجتمع العربي ككل، استطاعت سوسن البهيتي أن تبرز في مجال الغناء الأوبرالي لتكون أول مغنية أوبرا في المملكة، مستفيدة من تواجدها ضمن أسرة تدعم الفن، ودولة تؤمن بقدرات أبناءها وتدعمهم لتقديم أفضل ما لديهم. فمن هي سوسن وما هي أبرز المحطات التي مرت بها في حياتها لتكون اليوم من أهم الأصوات في هذا المجال الفني العريق.

من الذي اكتشف صوتك الجميل وإلى أي مدى تأثرت بنشأتك بين والدين مهتمان بالفن؟

لاحظ أهلي ميولي الموسيقية منذ سن الست سنوات فبدأت بتعلم عزف الغيتار، كما كنت أقلد الأغاني التي أسمعها لدى مشاهدة الكرتون، ولكن قدراتي الصوتية في الغناء تعود إلى والدتي فما اكتشفته مؤخراً أن صوتها جميل جداً، لطالما كان صوت الموسيقى يصدح في منزلنا وهذا الأمر ساهم كثيراً بعشقي لهذا العالم، فالغيتار هو صديقي لذا كنت أعزف طوال الوقت أنواعاً مختلفة من الروك والبوب والطرب العربي، لأني حين أعزف أهدأ وأنعزل عن العالم وأعيش لحظات رائعة. أما صوتي فقد اكتشفته في سنواتي الجامعية وتحديداً عام 2008 وبدأت بالغناء الأوبرالي، ويعود الفضل للبروفسور جون بركنز وزوجته إميلي اللذان كانا ضمن كورال جامعتي وهي الجامعة الأميركية في الشارقة، وبدأت التدريب معهم، وخطوت خطوتي الأولى في التحول نحو الغناء الأوبرالي. حين بدأت بالتدرب كنت أعتبر الموضوع كهواية لا أكثر وكنشاط جانبي ولم أتخيل أبداً أن يصير الغناء مهنتي ولكن التغيير السريع الذي شهدناه شجعني أكثر على الاستمرار والثبات حتى اليوم.

إلى أي مدى مطلوب دعم الأهل والمحيط لتنمية موهبة الابناء وتعزيز ثقتهم بنفسهم حتى يتمكنوا من إيصالها للعالم؟

في الحقيقة استفدت كثيراً من دعم أهلي لاكتشاف وتنمية موهبتي الفنية، فأنا بطبيعتي لا أحب المجازفة والخروج عن المألوف والسائد في محيطي، وبالتالي لولا وجود أهلي لما تشجعت وتجرأت على المضي قدماً في هذا الطريق والوصول إلى ما أنا عليه اليوم، من هنا تكمن رسالتي في حث الأهل على متابعة أولادهم ومساعدتهم في معرفة شغفهم الحقيقي، وعدم التراجع قبل تحقيق أحلامهم، كما أني استفدت كثيراً من التغييرات السريعة في المجتمع السعودي، ومن التطورات في المجال الثقافي والدعم الذي تعطيه الدولة للفنانين، فاليوم يوجد وظائف كثيرة وفرص مهمة للفنانين، بحيث أن العائد المادي بات مشجعاً وواعداً، ما يحمس الشباب على الانخراط أكثر في الفنون والثقافة وتحقيق ذواتهم فيها.

كان لك وظائف مختلفة الى جانب الفن، كيف تمكنت من التوفيق بين أكثر من مهمة والنجاح فيها؟

في الفترة التي سبقت عام 2019 حين كنت أعمل في وظائف إدارية لم أكن نشطة كثيراً في مشاركاتي الأوبرالية، ولكن التدريب بالنسبة لي كان نشاطاً جميلاً أحبه تماماً كالرياضة أو العزف، بالتالي كنت في النهار متفرغة للوظيفة ومساء أستطيع التمرن أو إحياء بعض الحفلات العائلية والخاصة، أما في السنوات القليلة الفائتة فقد ازداد تركيزي على فني فازدادت أعمالي ونشاطاتي الغنائية.

الغناء الأوبرالي صعب ويتطلب مهارات بالتمثيل والإقناع، فكيف تتدربين وبمن تأثرت وما هي الحالة الشعورية التي تعيشينها خلال الأداء؟

التدريبات مكثفة وطويلة وتتم مرة في الأسبوع على الأقل وذلك لإتقان أسلوب الغناء الصعب والمعقد، فنحن نعتبر جسدنا هو آلتنا وبالتالي حالتنا النفسية مهمة جداً للنجاح على المسرح، فأنا يجب أن أكون سعيدة ومرتاحة لكي أنجح في تقديم حفلة وبالتالي أعزل نفسي قبلها عن أي أمر يمكن أن يعكر مزاجي. أحتاج أيضاً إلى مهارات في التمثيل والدراما، لكي أدخل في شخصية الأغنية وتفاصيل القصة لكي أقنع الجمهور ويزداد تفاعله معي وتقديره لما أقدمه.

كيف ترين تفاعل الجمهور السعودي والعربي مع هذا النوع من الفنون؟

قبل سنوات كان لا يكاد يكون هناك جمهور للأوبرا في المملكة ولكن اليوم يزداد إقبال الجمهور على هذا النوع الفني، ولكن علينا نحن الفنانين تقديم مضمون سهل ومعروف وذو ألحان مبهجة، كما يوجد لدينا عائق اللغة فنحن نقدم فناً بلغة غريبة وهذا أمر غير مستساغ كثيراً، فالفن المشهور لدينا نحن العرب هو الشعر وبالتالي الكلمة العربية مهمة جداً بالنسبة للمجتمع من هنا ضروري تقديم محتوى بلغتنا العربية وهذا ما أفكر بعمله قريباً، وحتى ذلك الحين أدخل في حفلاتي بعض الأغاني الطربية لفنانين معروفين كي ينال الحفل إعجاب وتقدير جميع الأذواق.

أن تكوني أول مغنية أوبرا سعودية لمسؤولية كبيرة، كيف تتعاملين مع هذا الواقع من خلال اختياراتك لفنية لحفلاتك ومقطوعاتك؟

شرف لي أن أكون الأولى ومسؤولية كبيرة وجميلة، لذا أسعى لتقديم هذا الفن بأفضل صورة ممكنة، أولاً بأن أتقنه من الناحية الأدائية لذا أسعى دائماً للتدرب وتحسين قدراتي، وثانياً من خلال الصورة التي أظهر فيها، فالمعروف أن الأوبرا هو فن الفخامة والثراء والرقي، لذا أحاول عكس هذه الصورة من خلال اختيار الملابس والشعر والماكياج والمسارح التي أعتلي خشبتها، لذا أتفادى الغناء في المطاعم أو خلال حفلة عشاء.. فلأني الأولى أحرص كثيراً على هذا الفن فأسعى لأبقيه في مرتبة عالية، وفي حفلات برعاية وزارة الثقافة أو جهات رسمية مختلفة. صحيح أني شابة وصغيرة وأرغب أحياناً ببعض التنويع في إطلالاتي ولكني أحترم كثيراً موقعي الحالي وهويتي السعودية التي تساعدني في فرض احترامي وتقديري على الجمهور الذي يثق فيّ، لذا فما سأقوم به مستقبلاً هو طرح أفكار أغان عصرية أكثر تعكس شخصيتي وتحاكي جيلي وتحافظ في الوقت نفسه على جمالية الفن الأوبرالي.

تدريب المواهب الجديدة له جماليته وخصوصيته فكيف تنظرين إليه وما رأيك بالمواهب التي تقابلينها؟

أحب التعليم بطبيعتي وأسعى لنقل خبرتي ومعرفتي لمغن ناشئ من أهم أهدافي المهنية، فأنا أدرب كل أنواع الغناء وقد انبهرت بكمية المواهب في السعودية، ولكن البعض منهم لديه تحفظات وخوف من الظهور بسبب الخشية من ردة فعل المجتمع لذا يفضل الحفاظ على الوظيفة الثابتة، وعدم المخاطرة بالظهور مع احتمال الفشل. ولهؤلاء أقول: الموهبة عطية من الله سبحانه وتعالى، وعلينا نشرها لكي يستمتع بها من حولنا، فآمن بنفسك وتشجع وثق بقدراتك وضع هدفاً لفنك وموهبتك بعيداً عن تحقيق الشهرة أو جني المال، وهذا بالضبط هو هدفي وهو أن أكون مثالاً يحتذى به في الإرادة والرغبة بتحقيق النجاح.

انت عازفة غيتار ممتازة، ما الذي يختلف به العزف عن الغناء هل هناك مواهب خفية أخرى؟

بدأت مؤخراً تعلّم عزف التشللو لأني أحب كثيراً نغماته، ولكن الغيتار هو صديقي منذ الصغر، فالعزف عليه يعكس شخصيتي وطبيعتي بشكل كبير، يسمح لي بالتعبير عن مشاعري بطريقة أكثر عمقاً. برأيي كل شخص لديه موهبة أو ميزة معينة، عليه اكتشافها والعمل في مجال يعكسها لأنه بهذه الطريق سيجد سعادته، ولو طلب إليه العمل 24 ساعة متواصلة، لن يعترض لأنه يقوم بنشاط يرضي شغفه الحقيقي وسيحقق النجاح بالتأكيد.

ما هي مشاريعك المقبلة؟

شاركت مؤخراً بمهرجان الأوبرا الدولي الأول في الرياض، كما قدمت أغنية لمناسبة اليوم الوطني السعودي، وأعمل على ثلاث أغان أوبرالية جديدة باللغة العربية.

ما هي أجمل ذكرياتك في السعودية وأكثر أمر حققته وهو مدعاة فخر لك؟

أجمل شيء حصل معي يوم دعوتي من قبل وزارة الثقافة لافتتاح حفل "ألاسكالا" وهو من أهم مسارح الأوبرا الإيطالية في العالم، لغناء النشيد الوطني، وقد كان الحفل الانطلاقة الفنية الحقيقية لي، ومدعاة فخر كبير جداً بحيث كنت أول سيدة سعودية تلقي النشيد الوطني على العلن أمام الجماهير في أهم المحافل العالمية.

كيف تنظرين إلى التطورات الحاصلة في المملكة ودور المرأة المتزايد في كل المجالات؟

ضاحكة: برأيي بات الرجل يشعر بالاضطهاد بسبب الدعم المتزايد للمرأة في مختلف المجالات، وهذا أمر إيجابي بالنسبة لنا وعلينا الاستفادة منه، لكي نواكب العالم من حولنا، هذا التغير في العقليات وطرق الإنتاج يساهم في أن تكون المشاريع الاقتصادية المقبلة أهم بالنسبة لنا وللعالم وعلى أعلى المستويات، وبالنسبة لي أشعر أني محظوظة وسعيدة جداً لأني سعودية وابنة هذه الأرض الكريمة.

اقرئي المزيد: نجلا زيني وابنتها غالية محمودي: معاً نرسم أجمل الذكريات

 
شارك