ياسمينا حايك: تتعلق الفخامة بالاحتفال بالقصص والآراء التي يجلبها الطعام الذي نستمتع به
تغيّر مفهوم الرفاهية عما كان عليه في السابق ولم يعد يرتبط بامتلاك المال والثراء، بل بات يتعلق بالكثير من القيم التي تتخطى بأهميتها الثروة المادية. ولأن الجيل الجديد أدرك هذه الحقيقة فهو يبدي توجهات شرائية جديدة ويفرض على السوق العالمي التكيّف مع متطلباته.
فما هي هذه السلع، وما الذي يبحث عنه الشباب من خلال امتلاكها؟ الإجابة ستأخذنا إلى عالم 4 أسماء عربية لامعة في مجالات عدة، ونطلّ على مجال الضيافة مع الشيف ياسمينا حايك.
تبرع الشيف ياسمينا حايك بتحويل الأطباق التقليدية اللبنانية إلى تجارب طعام جديدة ومختلفة ومبتكرة، تضفي عليها لمسة من الحداثة والاختلاف المستساغ والمطلوب لمراعاة احتياجات الجيل الجديد للتغيير والتنويع. هي اليوم تتولى منصب الشيف التنفيذي في مجموعة مطاعم "إم شريف" المعروفة في مجال الضيافة والمأكولات اللبنانية الأصيلة، تحدثنا عن كيفية تكييف هذا المطعم العريق لمطبخه، كي يناسب متطلبات الجيل Z. فتعرفي أكثر عليها، واكتشفي كيف تعرّف الرفاهية الحديثة في مجال المطاعم والضيافة.
المطبخ هو ذاك الجزء من البيت الذي تكثر فيه الذكريات الجميلة، مختلطة بروائح شهية تبقى في الذاكرة، أخبرينا عنها وهل كانت السبب في القرار الذي اتخذته بتوجيه حياتك المهنية نحو الطهي؟
بدأ حبي للطهي من ذاك المكان تحديداً أي المطبخ، من الروائح العطرة التي كانت تنتشر في مطبخ عائلتي: التوابل التي تغلي، والخبز الطازج الذي يُخبز، وشغف والدتي الذي كان يفيض وكأنه يملأ الهواء. كانت كل وجبة بمثابة ذكرى، منسوجة بقصص عن ثقافتنا وتقاليدنا وتراثنا. جاء قراري بدراسة فنون الطهي بدلاً من الطب عندما أدركت أن الطهي لا يتعلق بالطعام فقط؛ بل بالتواصل والحب والحفاظ على التقاليد والثقافة. لطالما شعرت أن المطبخ هو بيتي، واحتضان هذا المسار المهني سمح لي بمشاركة الدفء والألفة والسعادة التي أشعر بها مع الآخرين.
كيف صقلت معلوماتك وكونّت خبراتك في مجال الطهي؟ وإلى أي مدى أثرت والدتك: ميراي حايك، مؤسسة سلسلة مطاعم "أم شريف"، على حبك الكبير وشغفك بهذا المجال؟
أعتبر أن رحلتي في عالم الطهي قامت على مزيج من التقاليد والتعليم والابتكار. كانت والدتي معلمتي الأولى؛ لقد غرست فيّ التزامها بإتقان طريقتها في المطبخ اللبناني تقديرًا وذلك عميقًا لجذورنا الطهوية. لقد بنيت على هذا الأساس وأكملت الرحلة من خلال التدريب في مؤسسات مرموقة مثل معهد بول بوكوز، كما راكمت الخبرات العملية في مطاعم شهيرة في جميع أنحاء العالم. شكلت كل خطوة قمت بها نهجي الخاص وهي عبارة عن مزيج من تأثير والدتي وتدريبي الأكاديمي ووظائفي المهنية وحدسي الذي يظل في قلب كل ما أفعله يومياً.
هل تعتقدين أن لقب طاه محترف يمكن أن يعطى لأي شخص يمكنه طهي بعض الأطباق أم ترين أنه يجب عليه التخصص وتعزيز موهبته وابتكار لمسة جديدة لكي يحظى بهذا اللقب؟
يمكن لأي شخص ابتكار أطباق لذيذة، ولكن لقب طاه محترف يتطلب الالتزام بإتقان رؤيتك وتنفيذها على الدوام أي الاستمرار في الابتكار. يتعلق الأمر بفهم التقنيات والنكهات والتاريخ وراء الطعام. التخصص والفضول المستمر والتعلم، كلها أمور أساسية للنمو في هذا المجال الديناميكي الفريد. إنها رحلة تتطلب التفاني والاستعداد لتجاوز الحدود وهي الصفات التي أعتقد أن الشيف يحتاجها.
يعتمد مفهوم سلسلة مطاعم "أم شريف" على تحويل المطبخ اللبناني إلى مطبخ فاخر بنفس اللمسات التقليدية. كيف نجحت في هذا النهج؟
في "إم شريف"، نكرّم المطبخ اللبناني التقليدي ونرتقي به من خلال طريقة التقديم الجديدة والفاخرة وعبر اختيار مكوناتنا المحلية عالية الجودة. من خلال دمج التقنيات الحديثة مع وصفاتنا التقليدية المحبوبة، نخلق تجربة طعام يتردد صداها عبر دمج الحنين والابتكار في آن واحد. يسمح لنا هذا النهج بجذب جمهور أوسع مع البقاء دائمًا متجذرين ضمن هويتنا الثقافية اللبنانية.
كيف تتمكنين من تحويل الطبق التقليدي إلى طبق مختلف وبلمسات تضفي إليه بعض التغيير، ولكنها لا تؤثر في جوهره؟
يكمن مفتاح تحويل الأطباق التقليدية في فهم عناصرها الأساسية المكونة من النكهات والملمس والذكريات المرتبطة بها، بعد ذلك أبدأ بالتجربة والمحاولة بعناية وحرص على عدم تخطي روح الطبق وجوهره. أركز على تحسين الطبق دون المس بجذوره، وغالبًا ما أدمج مكونات غير متوقعة أو تقنيات حديثة تعزز عناصر الطبق. يضمن هذا التوازن الدقيق بقاء الجوهر سليمًا مع تقديم منظور "إم شريف" الجديد.
حدثينا عن فكرة مطعم "أم شريف دلي"، وقدرتك على جذب الجيل الجديد، والباحث عن كل ما هو سريع، وشهي، من خلاله؟
ولد مطعم "إم شريف ديلي" من الرغبة في جعل أسلوبنا في تناول النكهات والأطباق اللبنانية أكثر سهولة في بيئة عصرية غير رسمية. نقدم أطباقًا مفضلة جاهزة للأكل تلبي أنماط الحياة المزدحمة دون المساومة على الجودة أو الطعم المحبب. من خلال تبني اتجاهات تناول الطعام المعاصرة ودمج خيارات سريعة ولذيذة، نتمكن من جذب جيل أصغر سنًا وأكثر حرصاً على الراحة مع السرعة في التحضير والتقديم وتجربة تناول الطعام، ونحاول أيضاً أن نجذبهم نحو بتراثهم الطهوي فيتواصلوا مع شباب في مثل سنهم، ضمن مساحتنا المصممة بشكل فريد يحاكي ذوقهم.
كيف تجذبين الجيل الجديد من الشباب نحو الأطباق اللبنانية التقليدية؟
نعمل على إشراك الجيل الجديد من خلال خلق جو جذاب يحاكي أسلوب حياتهم. نسعى إلى تقديم أطباق مألوفة ومبتكرة، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لعرض تجربتنا المختلفة في مجال الطهي النابض بالحياة، وهكذا نسد الفجوة بين التقليد والحداثة. نحن نعمل أيضاً على تنظيم فعاليات وتعاونات وتجارب حسية كثيرة، ترضي هذا الجيل وتجذبه إلى مطعمنا فيكون ساحة للتواصل والتلاقي والتبادل.
كيف ترين اتجاهات الشراء في مجال الطعام الفاخر والضيافة بين جيل الألفية؟
يصبح جيل الألفية مستهلكًا قوياً ومؤثراً يوماً بعد يوم، فهو يقدّر الجودة والاستدامة والتجارب الفريدة. هو جيل يسعى إلى الأصالة في اختياره لتناول الطعام، وغالبًا ما يعطي الأولوية للمؤسسات التي تعكس قيمه. أنا أرى أنه مع تطور تجارب الطعام والضيافة، بات من الضروري تبني الشفافية والابتكار لتلبية توقعات الشباب والتنبؤ بما يريدونه ويحتاجونه لكي نواكب ذوقهم والتغيرات في أنماط حياتهم.
هل تنقل وسائل التواصل الاجتماعي لتكون على اتصال أكبر بأذواق الجيل الجديد لمعرفة تفضيلاتهم في مجال المطاعم وخيارات الطعام؟
بالتأكيد! تعمل وسائل التواصل الاجتماعي كأداة حيوية لفهم جمهورنا والتفاعل معه سواء على المستوى المحلي اللبناني أو على المستوى الدولي. فهي تسمح لنا بتقديم عروضنا وفعالياتنا وبناء مجتمع متفاعل مع العديد من العلامات التجارية الموجودة في جميع المجالات. من خلال متابعة التعليقات وردود أفعال متابعينا، نصبح منفتحين على خلق تجارب طعام جديدة تتوافق بشكل أفضل مع الأذواق المتطورة للأجيال الجديدة والقديمة.
ما هو الدور الذي تعتقد أنه تلعبه هذه الوسائط في تكييف اتجاهات شراء السلع الفاخرة، بما في ذلك خيارات الطعام لجيل Z، وكيف يتكيف السوق مع متطلباتهم؟
تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورًا كبيرا في تشكيل سلوك المستهلك، وخاصة جيل Z. فهي تؤثر على اختياراتهم من خلال خلق شعور بالارتباط والمجتمع حول العلامات التجارية التي يتعاملون معها. ونتيجة لذلك، يتحول السوق نحو تجارب أكثر تفاعلية وجاذبية، مع التركيز على الأصالة والجودة. ليس سراً أن العلامات التجارية التي تستغل قوة وسائل التواصل الاجتماعي لرواية قصصها وتعزيز الروابط الحقيقية، هي التي تستمر وتتطور في عالم اليوم.
ماذا تعني لك الفخامة والرفاهية الحديثة في عالمنا الحالي؟
تتجاوز الفخامة الحديثة مفهوم المال أو الثراء؛ فهي تتعلق بتقديم تجربة موثوقة ومتسقة ومتكاملة. إنها الاهتمام المدروس بالتفاصيل والذي يعزز كل جانب من جوانب تناول الطعام: من المكونات التي نحصل عليها، إلى الأجواء التي نخلقها... تتعلق الفخامة اليوم بالاستمتاع بلحظات فريدة والاحتفال بالقصص والآراء التي يجلبها لنا الطعام الذي نستمتع به - وهو جوهر ما نقوم به في Em Sherif.
كيف تضمنين أن تظل علامة "إم شريف" التجارية فاخرة وفريدة من نوعها في عالم سريع التغير؟
نحن ملتزمون بقيمنا الأساسية المتمثلة في الجودة والثقافة والإبداع. من خلال تطوير قائمتنا وتجارب تناول الطعام باستمرار مع البقاء على وفائنا لقصة "إم شريف" وجذورها، نريد أن نضمن أن تظل علامة "إم شريف" التجارية ذات صلة بالتراث اللبناني، كما أننا نستمع باستمرار إلى ضيوفنا ونتكيف مع احتياجاتهم مما يسمح لنا بالحفاظ على هويتنا الفريدة في عالم سريع التغيّر.
ما الذي تعملين عليه في الفترة القادمة؟
أنا متحمسة لتوسيع مفهوم "إم شريف ديلي" بشكل أكبر، واستكشاف مواقع جغرافية جديدة، وتقديم أطباق موسمية تحتفي بالأطباق اللبنانية بشكل أكبر. بالإضافة إلى ذلك، أنا سعيدة جداً لمواصلة العمل مع مصممين لبنانيين في مشاريع تخدم سردنا النابض بالحياة وتعكس مفهومنا الجديد والفريد.
اقرئي المزيد: نور فارس: الرفاهية الحقيقية تكمن في الحرفية التي يتطلبها تقديم مجوهرات فريدة