نسيبة حافظ: رسالتي هي الحث على الاستدامة والاستفادة من المواد المتاحة في محيطنا
الوعي بأهمية وخطورة تأثير الإنسان على البيئة لم يعد أمراً ثانوياً في حياتنا العصرية، بل بات حاجة ملحة يجب أن تكون في ذهن كل من يفكر بافتتاح مشروع جديد في أيّ من القطاعات الحيوية والاقتصادية، فكل خطوة وتصرف مهما بدا صغيراً يؤثر على البيئة بل ويترك آثاره لسنوات طويلة إلى الأمام. من هذا المنطلق كانت فكرة مشاريع خمس شابات عربيات ناجحات في مجال الاستدامة، فاستحقين أن نلقي الضوء عليهن في عدد مخصص لهذه الأرض ولكل ما يسمح لنا بحمايتها والحفاظ عليها، لتكون المكان الذي نبدأ منه ونذهب إليه. تعرفي على 5 قصص ملهمة وابدأي معها عامك الجديد.
حدث شخصي عاطفي ومؤثر هو ما دفع مصممة الأزياء السعودية المبدعة نسيبة حافظ نحو التفكير بإعادة استخدام الملابس والأقمشة والأكسسوارات القديمة بطرق جديدة وعصرية، لتدعم نساء كثيرات بحاجة إلى المساعدة، وتراعي مبادئ الاستدامة في عملها التصميمي. أطلقت نسيبة علامتها التجارية التي تحمل اسمها Nasiba Hafiz في عام 2012، بعد تخرجها من كلية لندن للأزياء حيث درست تصوير الأزياء والتصميم، وقامت على مدى سنوات بتقديم مجوعات متنوعة من البشوت والقفطانات والعباءات والأزياء الجاهزة والملابس اليومية للشابة العربية والسعودية، فماذا تقول عن نهجها الخاص والمستدام في التصميم؟
تقول "بداية عملي في إعادة التدوير تعود إلى عام 2014، حين توفي والدي وأردت تخليد ذكراه من خلال استخدام ربطات عنقه وتغييرها لتصير قطع ملابس مختلفة، فأنا لم أرد شراء المزيد من الأقمشة، وتحميل أعباء على البيئة، بل رغبت بإعادة أغراضه إلى الحياة بشكل جديد، عرفت خلالها أنه مع المعاناة يمكن العثور على طريق الخلاص، ومنذ ذلك الحين أدركت أنّ علينا الاستفادة من كلّ ما نملكه، والأمر ينطبق اليوم على مساعدتي للنساء اللواتي يتواجدن في مناطق الصراع، فهناك دائماً شيء من النور في آخر النفق، وأنا أؤمّن ولو بشكل بسيط بصيص النور لهنّ".
في المكان الصحيح ضمن المشهد التصميمي السعودي
سألناها عن دورها في المشهد التصميمي في المملكة فقالت "أشعر بأني في مكاني الصحيح لأني أعتمد على الاستدامة في الأزياء التي أقدمها، ولكن هناك ما يشدني إلى المكان الآخر، أي إلى الموضة السريعة، إنما في النهاية أعود لأؤكد لنفسي أنّ ما أقوم به هو ما يناسب أفكاري وقيمي، أريد بناء مجتمع واع من النساء اللواتي يقدرن الموضة البطيئة، حيث التقدير لكلّ قطعة على حدى، ولكني لا أنكر أني أتأثر مادياً لأني لا أراعي الصيحات السائدة، ولا أصل للشهرة التي يصل إليها غيري بشكل أسرع. أنا أؤمن بالبركة الناتجة عن دعم مجتمعي وحقيقتي، مع مساعدة من يحتاج إلى وجودي لإبرازه ولفت الأنظار إليه، لذا فما يعنيني أكثر ليس التواجد في المشهد الأكبر حيث التركيز الإعلامي والمادي مع ما يترافق من شهرة وانتشار خارجي، بل البقاء وفيّة لرؤيتي الأساسية في الموضة ودورها في المجتمع".
تكمل "أذكّر نفسي دائماً بقيمي وبرؤية علامتي التجارية الخاصة، لكي لا أتشتت عن الخط الخاص والمميز الذي بنيته وأحاول الاستمرار فيه، فمن الصعب جداً مواكبة الموضة العالمية والمشاركة في أسابيع الموضة في أهم العواصم، في وقت أسعى للحفاظ على تراثي، سواء من خلال التطريز وإظهار جمال العمل اليدوي والحرفي للعالم - والذي تقوم به النساء بالدرجة الأولى- وفي الوقت نفسه أظل على تماس مع كل التغييرات التي تحصل في مجال الموضة، هذه الموازنة صعبة ومقلقة بالنسبة لي، ولكني أحاول على الدوام القيام بها".
دعم للنساء والحرفيات لإبراز مواهبهن
عن دعمها للنساء من خلال عملها تقول "يبهرني تراثنا العربي ولا سيما العمل اليدوي، وحالياً نرى أن هناك الكثير من المناطق التي تحتاج مساعدتنا بسبب تعرَض النساء فيها لظروف حياتية صعبة، لذا أتعرف على شابات لاجئات في المخيمات، وأتعاون معهن لإبراز الأعمال التي يقدمنها، فأعيد استخدامها بطريقتي لأعطيها حياة جديدة ومظهر أكثر ملائمة لما يناسب الموضة في عصرنا الحالي".
وحول دور مصممي الأزياء ومدى وعيهم الأخلاقي بأهمية الحفاظ على البيئة خلال عملهم في هذا المجال، تقول "بالنسبة لي فإن رسالتي هي الحث على الاستدامة، فأنا لا أؤمن بالمنافسة لذا لا أملك دار أزياء خاص بي في المملكة، بل أعرض مجموعاتي مع غيري من المصممين لكي أتشارك وأتعاون وأتبادل المعرفة، وأؤسس لمجتمع كبير مليء بالأفكار وذلك كي نخفف من الأثر البيئي ربما. ما أقوله يتعارض مع ما هو سائد في الوسط التجاري، لأن الطبيعة البشرية ترغب بالمزيد وتحتاج إلى الإحساس بالتفوق، إلا أني كما ذكرت سابقاً أملك أهدافاً أكثر عمقاً وأهمية، ولعلّ أهمها هو أن نعيش في بيئة صحية، حيث الفرص للازدهار والتطور متاحة للجميع، وحيث لا تتعارض مصلحتنا مع مصلحة الأرض والبيئة والطبيعة التي نحتاج إليها في مستقبلنا".
صعوبات العمل بالمواد المستدامة
وتحدثت نسيبة عن صعوبات العمل بالمواد المستدامة، فقالت "أكثر صعوبة نواجهها هي عدم تقبل فئات كبيرة من الناس لفكرة إعادة التدوير، فهم ينظرون إلى القماش على أنه قديم وغير مرغوب به، ولكنّ العكس صحيح فالأشياء القديمة تزيد قيمتها مع الوقت بشرط أن نعيد تصميمها بطريقة تناسب عصرنا، أنا أقدم ملابس مختلفة ولا تتشابه فكل قطعة فريدة من نوعها ولكنها لا تشبه الصيحات السائدة في السوق، لذا أجد صعوبات في التسعير بشكل يشبه القطع الجاهزة أو Ready to wear في كل موسم".
وأكدت مصممة الأزياء السعودية أن رحلاتها وسفراتها الكثيرة تسمح لها باكتشاف المزيد من الأقمشة والأدوات الخام التي تساعدها في ابتكار أزيائها، "أقصد الأسواق الشعبية حيث أتعرف على روح كل شعب، وآخذ فكرة عن تراثه والحرف المشهورة فيه، كما أسعى لمعرفة ما هي أكبر نسب للمرميات من الأقمشة والمواد الخام، فما يتخلص منه الناس هو ما أبحث عنه لكي أحوله إلى قطع ملابس جميلة ومرغوبة ومختلفة تماماً، فما يقال: “.someone rubish is another one treasor
سألناها كيف يأتيك الإلهام للأفكار الجديدة "ما يلهمني هو الهدوء والتأني والابتعاد عن الحياة السريعة، فهناك وقت خاص أحتاجه لكي أفكر وأبتكر، وما يساعدني هو النظر إلى صور أهلي القديمة، ملابسهم وسياراتهم، كيف كانت موديلات الشعر والماكياج، اليوم يزعجني الإحساس بأني قادرة على الحصول على أي شيء أريده في ثانية واحدة، إذ إنه يعني غياب القيمة الحقيقية لأشياء كثيرة في حياتنا، في الماضي كنت أنتظر والدتي لكي تسافر إلى إنكلترا وتعود لكي تحضر لي نوع الشوكولا الذي أحبه، فكنت أحلم بطعمه لأيام وشهور طويلة، وكنت أعرف قيمته حين أحصل عليه، وهذا ما نحتاجه اليوم في حياتنا، القليل من التقدير للأمور التي تسعدنا، بعد أن نتعب وننتظر وقتاً طويلاً للحصول عليها".
أهمية التوعية بأمور البيئة
تطرقت المصممة الموهوبة إلى أهمية التوعية بأمور البيئة في المملكة فقالت "هناك اهتمام متزايد بالبيئة، فلدينا جزيرة محمية في البحر الأحمر حيث يتم الاهتمام بالسلاحف البحرية والمزروعات، ولكني أظن أننا نعيش وقتاً محيراً لأنه ينقصنا التوجيه الملائم نحو ما هو صحيح وما هو مؤذي أو غير مجدي، والسبب انبهارنا الزائد بالعلامات التجارية الكبيرة ورغبتنا بلفت الأنظار من خلال مقتنياتنا المادية وليس جوهرنا وأصالتنا، لذا أشعر أني أقوم بدور إيجابي، فأساعد قدر استطاعتي، النساء في بيئتي وفي أماكن عربية مختلفة، لكي يعبّرن عن أنفسهن بشكل ملائم، ويظهرن قدراتهن لكي تصل إلى الآخر".
وشددت نسيبة على أهمية مواقع التواصل الاجتماعي في التعريف بعمل المصممين وهي منهن، وتقول "تمكّنني هذه الوسائل من شرح عملي ورؤيتي التصميمية، والوصول إلى الجيل الشاب القادر والراغب بالتغيير، وأنا أحب تواجدي خلالها وأنشر أجدد تصاميمي ومشاركاتي وورش العمل التي أقيمها، وأتمنى جذب المزيد من الشابات نحو أفكاري ليتواصلن أكثر مع جانبهن الإنساني، ويعبرن عن حبهن للموضة والأزياء الفريدة".
وعن أجدد مشاريعها، قالت نسيبة "كنت مؤخراً في مصر حيث اكتشفت المزيد عن صناعة الفخار، وعشت لحظات مميزة مع المرأة التي علمتني هذه الحرفة، واستلهمت منها بالتأكيد الكثير من الأفكار، فما يثريني حقيقة هي هذه التجارب التي تقربني من الآخرين، وتفتح لي المجال لكي أتعلم منهم وأكتشف المزيد عن نواحي الحياة التي نعيشها. بالتأكيد مستقبلاً سأستمر بالعمل الإنساني، لذا أصمم مجموعة لشهر رمضان مع جمعية الأولى الخيرية، كما أستمر بعملي مع نساء فلسطينيات لاجئات، حيث أساعدهن في شراء منتجاتهن وتحويلها إلى أزياء عصرية، ومن جهة ثانية، أصمم شمعتين جديدتين لمجموعة الديكور لديّ، وأطمح بالمزيد من التعاون مع جمعيات خيرية تحتاج إلى الدعم والمساعدة".
اقرئي المزيد: ريم عسيران: أعمالي مع مجلة هيا عكست ارتباطي العميق بالأرض والطبيعة والجذور