ميادة الحراكي: التجدّد الدائم هو سبب شغفي بمجال الإنتاج

ما يعطي المنتجة وسيّدة الأعمال الناجحة ميّادة الحراكي القوّة لتستمرّ في العمل هو أنّها حين تستيقظ لتستقبل يوماً جديداً، تعرف أنّها ستقوم بما تحبّه فعلاً، بشغفها ومحرّكها لتضمن النجاح ولا شيء غيره لأيّ عمل تضع بصمتها عليه. وقد رافقها هذا الشغف طوال 25 عاماً. التقينا ميّادة وانتقلنا معها إلى عالم النجاح والطموح والأفكار الخلّاقة التي لا تنتهي.

ما الذي جذبك نحو الإنتاج وصناعة الدراما بمختلف أنواعها؟

قضيت سنوات طويلة في هذا المجال وفي كلّ يوم أشعر أنّني أكتشف أموراً جديدة ويزداد تعلّقي وحبّي لما أفعل. وفي الحقيقة لقد كنت أدرس العلوم السياسيّة والعلاقات الدوليّة، ولكن والدي شجعني على دراسة السينما وحين جربت أول دورة أحببت المجال وانتقلت إليه وقرّرت التعمّق في دراسة السينما والإنتاج التلفزيونيّ وكلّ ما يتعلّق به. وبدأت بالعمل قبل التخرّج، فجرّبت كلّ شيء من اختيار الممثّلين والإنتاج التلفزيونيّ إلى اختيار المواقع، وذلك كي أملك فكرة شاملة عن كلّ تفاصيل العمل فأتقن كلّ نواحيه حين أصل إلى سدّة المسؤوليّة. فهذا العمل متجدّد على الدوام سواء تعلّق الأمر بإعلان أو وثائقيّ أو فيديو كليب أو فيلم طويل، ولا مجال للملل أو التكرار بل يوجد اكتشافات ومعارف جديدة كلّ يوم.

ما هي صعوبات العمل في هذا المجال حيث سيطر الرجل لسنوات طويلة؟

الصعوبة الأكبر هي فهم شخصيّات كلّ الأشخاص الذين أتعامل معهم. فأنا عليّ فهم المخرج وجعله يشعر بالراحة بالإضافة إلى الممثّلين وفريق العمل. كما عليّ الوصول إلى النتيجة النهائيّة من دون أخطاء وبلا خسارة للوقت أو للمال. وكلّ ذلك يضع المنتج المنفّذ تحت ضغط للوصول إلى خطّ النهاية بسلام. وحين تكونين امرأة فهذا يعني أن تطلبي من مجموعة كبيرة من الرجال أن يلتزموا بمسؤوليّاتهم ويتحلّوا بالانضباط وهذا ليس أمراً سهلاً على الدوام. فعليّ كسب احترامهم وثقتهم الكبيرة، كي يكونوا مستعدّين للالتزام على الدوام حتّى في ظلّ أصعب الظروف. فمثلاً في فيلم "أصحاب ولا أعزّ" الذي بدأ عرضه مؤخّراً عبر منصّة نتفليكس، كان علينا البقاء لمدّة طويلة بدون الخروج والاحتكاك بالعالم الخارجيّ. وكنت من يحرص على التزام جميع العاملين بهذه التعليمات، فالخطأ قد يكلّفنا الإصابة بكورونا وإدخال الفيروس إلى موقع التصوير. وكنت مضطرّة إلى أن أكون صارمة وحازمة. لكنّهم في النهاية تفهّموا الأمر والتزموا. فأنا مسؤولة عن مجموعة كبيرة من الناس وهم بمثابة الجيش الذي يسير معي كي نكمل الرحلة.

عملت في صناعة الكليبات والإعلانات والأفلام فأيّ نوع يتحدّاك أكثر وأين سينصبّ تركيزك مستقبلاً؟

أنا فخورة بكلّ الأعمال التي قدّمتها سواء في مجال صناعة الكليبات أو الإعلانات أو الأفلام. فأنا أبحث عن تقديم رسالة جديدة، لا يهمّ حجمها أو وقتها، فالمهمّ عندي هو إيصال فكرة مختلفة ومؤثّرة. وحاليّاً أفضّل العمل على الأفلام. أمّا في ما يخصّ الكليبات، فأعتقد أنّني أحدثت تغيير باختيار مخرجين جدد وموهوبين . ولا أنسى البدايات وكيف تعرّفت على نادين لبكي وآمنت بموهبتها في بدايتها وأقنعتها أن تخرج فيديو كليب لباسكال مشعلاني بميزانيّة متواضعة بحيث كان أوّل عمل لي ولنادين. ولفت الأنظار بفكرته وصورته الراقية، لنحقّق بعدها الكثير من النجاحات مع النجمة نانسي عجرم. وتتالت الأعمال المصوّرة حتّى آخر كليب عملت عليه لأغنية "اعتزلت الغرام" للنجمة الكبيرة ماجدة الرومي.

ما رأيك بالبصمة النسائيّة العربيّة في مجال صناعة الدراما سواء إنتاجاً أو إخراجاً أو تسويقاً؟

المرأة العربيّة موجودة بشكل كبير في هذا المجال، فهي نجحت في الإنتاج والإخراج والكتابة. حتّى أنّ هناك مجالات فيها تخصّص نسائيّ بشكل أكبر، منها تصميم الأزياء والمكياج والشعر وتنسيق الملابس. بينما توجد أعمال ومسؤوليّات في مواقع التصوير تتطلّب قوّة الرجال. وبرأيي هناك نصوص وأفكار ستنجح برؤية مخرج رجل، بينما توجد أفكار وأنماط أخرى ستُقدّم بشكل أجمل لو حملت توقيع امرأة.

حديث الشارع هذه الأيّام هو فيلم "أصحاب ولا أعزّ"، فهل توقّعت أن يُحدث هذه الضجّة؟

خلال التحضير للفيلم حرصنا على الأخذ في الاعتبار طريقة تفكير مختلف الناس. فأدخلنا تعديلات على بعض التفاصيل إليه ليتماشى أكثر مع مجتمعنا. فمثلاً الفتاة المراهقة هي بسنّ الـ15 في الفيلم الأصليّ بينما حرصنا على أن تكون بسنّ الـ18 في النسخة العربيّة. لكن كان علينا اتّباع الأحداث الأساسيّة التي لم تشهد أيّ تغيير. توقّعنا أن يكون هناك ردّات فعل مختلفة وذلك لأنّ كلّ شخص يحكم على ما يراه بحسب خلفيّته الثقافيّة والفكريّة والاجتماعيّة. نحن سعداء بهذا النجاح وأعتقد أننا يجب أن نتراجع خطوة إلى الوراء وننظر إلى الصورة الأكبر وهي أن نجاح فيلم عربي بهذا الشكل يجعل السينما العربية جزءاً من صناعة السينما العالمية. .

شاركتِ كمنتجة منفّذة في أوّل فيلم عربيّ تنتجه نتفليكس، فكيف حصل هذا التعاون وكيف رأيتِ التجربة مع كلّ فريق العمل؟

البداية كانت باجتماع جان لوكا شقرا وماريو حداد ومحمد حفظي واتّفاقهم على تحويل الفيلم العالميّ إلى نسخة عربيّة، بعد أن رصدوا نجاحه وقوّة فكرته واختلافها. وفي ذلك الحين تواصلوا معي كي أختار طاقم العمل وكانت التجربة رائعة. ولم يكن عملنا سهلاً، وكان علينا أن نكوّن جوّاً من الألفة والصداقة بين الممثّلين مع العلم بأنّهم ينتمون إلى خلفيّات مختلفة. لذا أقمنا لفترة غير قصيرة معاً في منطقة برمّانا قبل بدء التصوير، فاجتمع كلّ فريق العمل من إنتاج وإخراج وممثّلين، حيث كنّا نرى بعضنا على مدى كلّ ساعات النهار. فنشأ نوع من الصداقة بين الجميع وبدت جلستهم على مائدة الطعام في الفيلم جلسة أشخاص يعرفون بعضهم منذ سنوات طويلة.

السينما تبحث عن الأفكار الجديدة فلا نستطيع معالجة موضوع يحصل مع 90% من المجتمع

لماذا انجذبتِ إلى فكرة الفيلم وهي مأخوذة عن قصّة أجنبيّة وكيف وجدتِ التنفيذ حين شاهدت النتيجة النهائيّة؟

حين شاهدت الفيلم أحببته وشعرت بأنّ الكثير من أحداثه يمكن أن تحصل في مجتمعاتنا. فالفكرة بأن نفتح الهاتف ونجعله متاحاً أمام غيرنا وهو بمثابة عالمنا السرّيّ، هي فكرة جديدة ومستغرَبة. لكن حين وافق الموجودون أو الأصدقاء عليها، تقبّلوا أن تنكشف أسرارهم. وبرأيي هذه الفكرة هي من أهمّ أسباب نجاح الفيلم، وتُظهر لنا كم تخفي هذه الآلات الصغيرة، أي الهواتف، من أسرار عن صاحبها.

نرى انقساماً كبيراً في الآراء حول الفيلم، فهل هذا دليل عافية أم العكس، أي هل وجود قيود وأحكام مسبقة كثيرة ما زالت تعيق رسالة الفنّ؟

بالتأكيد يوجد أحكام مسبقة فالكثير من الناس سمعت عن الفيلم أو رأت مشهداً واحداً وبدأت بالهجوم والانتقاد من دون أن تراه كاملاً حتّى! من هنا أتمنّى أن نتقبّل أنّ أحد أدوار الفنّ هو إنشاء المتعة والتسلية والترفيه. بالتالي فلننظر إلى الفيلم على أنّه عمل فنّيّ متكامل. وصحيح أنّه وجّه رسائل تتعلّق بالمجتمع، لكنّه أيضاً نتيجة جهد الكثير من الأشخاص الذين آمنوا بفكرة جديدة وحاولوا إيصالها. وبالتالي يجب تقدير مجهودهم أو على الأقلّ احترامه، حتّى ولو كان مضمونه مختلفاً عن بعض قناعاتنا.

هل لكِ أن تدخلينا في كواليس العمل والتحضيرات التي سبقته، لا سيّما أنّه تمّ تصويره في لبنان وفي ظلّ ظروف صعبة يمرّ بها البلد؟

اخترنا لبنان تحديداً بسبب الأزمة التي تؤثّر عليه. فهذا الفيلم ساهم بتوفير عمل لحوالى 80 معيل أسرة، في وقت تقلّ فيه الإنتاجات الدراميّة في بيروت والعالم العربيّ ككلّ بسبب ظروف كورونا وغيرها من المؤثّرات. كما أنّ الفيلم يُعتبر إنتاجاً لبنانيّاً بتعاون مصريّ وعربيّ وتدور أحداثه في لبنان. وفي الحقيقة فإنّ كلّ الذين عملوا في الفيلم أبدعوا من حيث القيّمين على الديكور والملابس، أو المصمّمين اللبنانيّين الذين تعاونّا معهم. ولا أستطيع ذكر الجميع لكنّني فخورة بأنّ طاقم العمل كان مهنيّاً بإمتياز.

تطرّق الفيلم إلى مواضيع حسّاسة جدّاً تهمّ المرأة منها: تراخي الأم في التربية، الخيانة... برأيكِ هل هو يدقّ ناقوس الخطر حول ضرورة معالجة هذه القضايا أم ينقل ببساطة حالات فرديّة من غير المتوقّع أن تزداد أو تُعمّم؟

نقل الفيلم اختلافات في التفكير بين زوجين يعيشان في بيت واحد كاختلاف التعامل بين الأب والأم مع الابنة المراهقة كذلك اختلاف الآراء بين الأصدقاء، لنؤكّد من خلاله أنّ لكلّ إنسان وجهة نظر مختلفة في التعاطي مع القضايا الحياتيّة. وصحيح أنّه تمّ التطرّق إلى أمور خطيرة وحسّاسة وأنا هنا لا أتبنّى أيّ فكرة طُرحت، لكنّني أقول إنّ بعض النماذج الموجودة في الفيلم تعكس جزءاً من المجتمع العربيّ. فأيّ حدث حصل في الفيلم يمكن أن يعني شخصاً بيننا أو صديقاً أو قريباً لنا. في النهاية تبحث السينما عن الأفكار الجديدة لتطرحها، فلا نستطيع معالجة موضوع يحصل مع 90% من المجتمع لأنّنا بذلك نكرّر أنفسنا، لذا نحتاج إلى أفكار جديدة ومعالجات مختلفة كي لا نشبه ما هو سائد.

لماذا يُقابَل أيّ دور جديد تقوم به المرأة بالرفض والهجوم، وفي المقابل فإنّ الرجل تغتفر سهواته ببساطة؟

الهجوم على المرأة سهل ويحصل دائماً في مجتمعاتنا، لأنّنا معتادون على أن يخطئ الرجل ويخون ويتقبّل مجتمعه هذا الأمر من دون مساءلة أو محاسبة. لكن حين يظهر أيّ خطأ ولو بسيط على سلوك المرأة أو تصرّفاتها، تتعرّض للهجوم العنيف من كلّ الجهات. البعض أساء فهم أن الرسالة وراء الفيلم هي خطورة الهواتف المحمولة وكيف غيرت حياتنا بوجودها وأنه مهما كان عمق الصداقة ننساها عند أول غلطة بالحكم على غيرنا وعلى أنفسنا وأخطاءنا.

مع ازدياد المنصّات هل نصل إلى زمن زوال التلفزيون والسينما والمسرح؟

بالتأكيد يوجد اشتياق كبير للسينما الجميلة وللمسرح وللصوت العالي الذي كان يأسر حواسنا. لكنّ ظروف الحياة في السنوات الثلاث الفائتة بعد انتشار كورونا غيّرت من عاداتنا. فازداد اعتمادنا على الهاتف والمنصّات التي تأتينا عند الطلب. وبرأيي هناك تحوّل كبير نحو المنصّات، وستشهد طلباً أكبر مستقبلاً، ما يعني ضرورة البحث عن نصوص عربيّة قويّة مع أسماء موهوبة وموثوقة كي تنتج أعمالاً مؤثّرة وقادرة على المنافسة عالميّاً. فتنقل واقعنا كما هو وتحاول تحسين المشاكل أو على الأقلّ طرحها بجدّيّة للوصول إلى حلول.

أنت أم وسيّدة أعمال ومنتجة فكيف تجدين التوازن لتولّي هذه المهام المختلفة؟

النقطة الأهم هي التنظيم وتقسيم الوقت. فهذا برأيي هو السرّ للنجاح في أكثر من أمر. وأنا مرتاحة في حياتي المهنيّة لأنّني أحبّ ما أقوم به وأيّ نجاح أحقّقه ينعكس إيجاباً على حياتي الأسريّة وعلاقتي بزوجي وأولادي. وصحيح أنّني أضطرّ للغياب عنهم لكنّني أعوّض غيابي حين أعود. كما أني أستفيد من تشجيع زوجي ومساعدته لي بالإضافة إلى دعم والدتي وتعاونها. تنعكس سعادتي بنجاحي عليهم فيشعرون بالفخر بي ويشجّعونني على الاستمرار. كما أنّ عملي مع أشخاص محلّ ثقة يسهّل عليّ الكثير من العوائق والصعوبات والمتاعب. وهنا ألفت إلى مدى سعادتي بالعمل مع المخرج وسام سميرة الذي أعطى من قلبه خلال سنتين ونصف كي نحصل على فيلم ناجح وجديد نتمنّى أن يظلّ في ذاكرة الأعمال الدراميّة العربيّة. 

 

 

 
العلامات: ميادة الحراكي
شارك