ملك قباني: عملي في التصوير يهدف إلى توثيق تطور الموضة وتنوعها

تنطق العيون في صورها بصوت واضح، وكأنّها تحكي قصة، فهي تعشق تصوير الوجوه كما أنّها تحب الموضة وتبحر في عالمها من خلال الصور المذهلة التي تلتقطها. إنّها ملك قباني التي درست الفنون الجميلة في سنترال سانت مارتينز، وبعدها عرفت أنّ التصوير هو شغفها الحقيقي، فانطلقت في تصوير الأفلام الوثائقية والأزياء والناس في محيطها، لتوثّق اللحظات والمشاعر والبيئات المختلفة، وتصل بصورها إلى العالمية فتتعامل مع أشهر المصورين وأهم مجلّات الموضة، فتعرّفي أكثر عليها وعلى أسلوبها الفريد.

متى عرفتِ أنّ التصوير هو المجال الذي تريدين الانطلاق فيه وبناء مستقبلكِ المهني من خلاله؟

في أيام المدرسة، كنت أحب الرسم ولم يكن التصوير ضمن أولوياتي. وحين أردت دخول الجامعة اخترت التخصص في التصميم ولكن والدي شجعني على الفنون، واتبعت نصيحته، وخلال الدراسة بدأت أميل أكثر إلى التصوير وأحبه بعد أن كان مجرد هواية ثانوية لي، ولأنني عرفت أيضاً أنه يمكن بناء حياة مهنية في هذا المجال، فقبل سنوات قليلة لم نكن نرى مصورات نساء في مصر، إلا قليلات جداً اعتدن تصوير الحفلات والأعراس والإعلانات، ولكن حين بدأ هذا العرف بالتغيّر، عرفت أنني أريد أن أكون مصورة وانتقلت إلى دراسة التصوير.

قررتِ الانتقال للدراسة في لندن، فإلي أي مدى ساعدكِ السفر في توسيع رؤيتكِ والتأكد من أنكِ تريدين أن تصيري مصورة؟

التصوير هو لغة بصرية سريعة بينما الرسم يأخذ وقتاً أطول إذ نبدأ من الصفر حين يتعلق الأمر باللوحة ولدينا حرية التعبير عن إبداعنا الخاص وأفكارنا فقط، بينما الصورة فهي تعكس حقيقة الحياة في الواقع كما هي وهذا ما أحببته، وعرفت على أثره أنني أريد أن أصوّر وأكون متمرسة في هذا المجال الإبداعي الواسع.

كيف يلتقط المصوّر اللحظة الأكثر تأثيراً من خلال كاميرته؟ هل التقنيات مهمّة وأساسية أم الموهبة هي أساس فرادة صوره؟

سؤال مهم جداً، وسأجيب من وجهة نظري، فأنا أحببت أن أصوّر الناس، والوجوه وتفاصيلها هما تحديداً ما يثير اهتمامي، لذا يعتمد أسلوبي على التعرّف على الشخص أو العارضة أو أي أحد يقصدني قبل أن أصوره، فأجلس معه ونتحادث ونكسر الجليد ونكسب ثقة بعضنا البعض، وبعدها يأتي وقت الصور. هذا الوقت الذي أخصصه له أهم من وقت الجلسة لأنّه يسمح لي أن أعكس في صوري هويته وروحه وشخصيته، فتبدو صوره قوية ومؤثرة ومميزة. يوجد مصورون كثر غيري ولا سيما في مجال الموضة، يحضرون إلى الاستديو فيصورون العارضة ويغادرون، من دون أي احتكاك مباشر معها، وهنا نتكلم عن أسلوب، فلكل مصّور استراتيجيته الخاصة التي تريحه وتسمح لإبداعه أن يتجلّى من خلال الصور.

تصوير البورتريه تحديداً يتطلب بناء الثقة، فالناس الذين يقصدونكِ قد يكونوا متوترين وغير مرتاحين من فكرة تصوير وجههم عن قرب، لذا يوفر التحدث معهم فرصة لكسر الجليد وإخراج مشاعر وردود أفعال جديدة ولافتة منهم خلال التصوير. واليوم بات كل شخص بمثابة المصوّر، فهو يملك هاتفاً مع كاميرا حديثة جداً، وبالتالي فإنّ ما يميّزني كمحترفة لن يعتمد على مجرد معرفتي بأحدث القواعد والتقنيات، بل يحتاج أيضاً إلى خبرتي في التعامل مع الناس واكتشاف مفاتيحهم لإظهار حقيقتهم الجميلة في صورة.

إلى أي مدى تهتمين بتفاصيل الصورة لكي تبدو متكاملة العناصر؟

لا أخطط كثيراً لصوري بل أحب حيّز العفوية والحرية التي أملكها في أن أبدع أفكاراً جديدة وأظهر تفاصيلاً لم أكن منتبهة لها. وصحيحٌ أنّ معظم الزبائن وأصحاب جلسات التصوير التجارية يطلبون "مود بورد" لأنّهم يحتاجون إلى مرجع يعتمدون عليه لمعرفة إتجاه جلسة التصوير وجوّها العام، ولكنني أحاول قدر الإمكان تفادي هذا الأمر وابتكار صورة جديدة كلياً. أترك حتى حيزاً للأخطاء وأتقبّلها وكأنّها شيئاً جميلاً منحني فرصة لأجدّد من إبداعي، فمثلاً لو كنّا سنصور في الخارج وتساقط المطر فجأة، سأستمر بالتصوير وسألتقط لحظات جميلة لم أكن أنوي تصويرها وسيكون تأثيرها قوي أيضاً، فما يعنيني في النهاية هو أن أستمتع بهذا العمل لأنّ راحتي وسعادتي في خلاله هما ما يكسب صوري بصمة لا تشبه غيرها. أحب مهنتي، كثيراً فكل يوم يختلف عما سبقه، وأصوّر البورتريه وجلسات الموضة والأزياء كما أصور الوثائقيات، وبالتالي المهام متنوعة وتسمح لي بالتغيير وتنويع إبداعاتي.

هل برأيكِ باتت الصورة اليوم أقوى من الكلمة بحيث هي قادرة على إيصال المعلومة كاملة للمشاهد من دون شرح؟

تضاعف تأثير الصورة كثيراً في وقتنا الحالي، وهي لطالما لعبت تاريخياً دوراً كبيراً ولا سيما أوقات الحروب والأزمات، واليوم في عصر مواقع التواصل ازداد التأثر البصري لدى المتلقّي، وبات أكثر ميلاً نحو تلقّي المعلومة من خلال الصورة والفيديو أكثر بكثير من الكلمة، ولكن هذا الأمر قد يكون مضللاً لأنّ ليس كل ما نراه في صورة هو الحقيقة، وبالتالي يجب أن يعود الاعتبار للكلمة لكي نسترجع التوازن بين هاتين الوسيلتين في التواصل.

ما هو الفرق بين المصور الهاوي والمحترف؟

معتز العزايزة هو مثال حي في يومنا هذا على قوة المصوّر المبتدئ، الذي وجد نفسه في موقف قاسٍ جداً حوّله إلى مصوّر أقوى وأكثر احترافية من أهم مصوري العالم، وأنا أقف باحترام شديد أمامه وأشعر أنّ كل ما تعلّمته وأطبقه وأحاول تطويره في عملي التصويري لا يصل إلى جزء ضئيل مما قام به. مهمّة المصوّر هي التقاط رسائل قوية والتأكد أنّها وصلت للآخر، سواء محترف أم هاوي، فإنّ الوصول إلى هذا الهدف يعني النجاح.

ما الذي يميزّ صوركِ ويساهم في وصولها إلى أهم مواقع ومجلات التصوير العربية والعالمية؟

أحاول توثيق كل ما يحيط بي ولا سيما الناس بمختلف حالاتهم، بصدق وشغف كبير لما أقوم به، وأعتقد أنّ هذا ما يصل للآخر، أحياناً كثيرة أكره أعمالي وأخفيها ولا أحب عرضها على الجمهور، بعدها بفترة يمكن أن أنظر إليها لأكتشف أنها جميلة جداً ويجب أن تظهر.. أنا ببساطة إنسانة قد يختلف ذوقي مثلي مثل من هم حولي، وبالتالي فإن معرفة ما يميز عملي هو أمر سأتركه للمشاهد الذي يراه.

لندخل أكثر في صميم عملك كـ Fashion Photography، ما هي مزايا وصعوبات هذا المجال؟

هذا المجال ممتع ومسل وفيه مجال كبير للإبداع ولكن هناك أيضاً بعض الأنانية وحب الكمال لدى العاملين فيه، كما أن هناك قيود أكثر على شكل الأزياء التي يمكن تصويرها وقبولها اجتماعياً، هناك أيضاً منافسة من المؤثرات والفاشينيستا لأن العلامات التجارية باتت أحياناً تستغني عن المصورين وتستعين بهن في حملاتها، لأن الجمهور يفضل أن يتابعهن ويشاهد ما ينقلنه له. أحياناً أركز على الأعمال التجارية وألبي رغبات الزبون بشكل لا يرضيني بشكل كامل، ولكني أعوض عن ذلك لاحقاً من خلال مشاريع أحبها أكثر من غيرها، وهكذا أوازن بين مصلحتي من ناحية وذوقي الخاص من ناحية ثانية. كل شيء مهما كان يؤثر في نتيجة تصوير جلسات الأزياء، فإن كانت العارضة منزعجة أو غير مرتاحة فستكون النتيجة ناقصة، بالتالي أحرص على أن أنتبه لكل التفاصيل لكي يخرج العمل مميزاً ومختلفاً.

هل تشعرين أنّ الصور فقدت قيمتها حين لم تعد مطبوعة ولم نعد نحتفظ بألبومات في بيوتنا؟

بالتأكيد هو أمر محزن أن نكف عن الحفاظ على ذكرياتنا من خلال الصور، والدتي محتفظة بألبومات كثيرة في منزلنا عن أجمل المناسبات والذكريات التي جمعتنا، وأنا أطبع الصور الخاصة بي لأني أحب أن أراها حيّة أمامي، ولكن لا يمكن أن ننكر أن مجال التصوير تغيّر كثيراً وبات السوق أوسع وازدادت فرص بروز مصورين موهوبين، كما يوجد معارض تصوير رائعة في الكثير من الدول العربية، تحتفي بالمصورين المميزين وتعرض أعمالهم.

ما هي مشاريعكِ المقبلة؟

أقوم بمشاريع كثيرة لمجلّة مهمة في المنطقة، كما قمت مؤخراً بحملة لموقع matchesfashion بمناسبة شهر رمضان، ولديّ العديد من المشاريع قيد التحضير.

اقرئي المزيد: هدى بيضون: التصوير يخوّلني توثيق سرد القصص من خلال عدستي

 
شارك