الدكتورة ديانا شعيب حوري: التوازن النفسي مفتاح للشعور بالسعادة والاستقرار

للصحة النفسية والعقلية أهمية كبيرة في حياة النساء، فمن المهم جداً إيجاد التوازن النفسي لجذب السعادة وراحة البال والاستقرار. ولنكتشف المزيد عن أكثر الاضطرابات التي تواجه المرأة شيوعاً وعن كيفية التعامل معها التقينا الدكتورة ديانا شعيب حوري المعالجة النفسية والحاصلة على دكتوراه في علم الأمراض النفسية من فرنسا، وتعمل حالياً مع Thrive Wellbeing Center في دبي.

من منطلق خبرتك الواسعة في مجال الصحة النفسية، ما هي أكثر الاضطرابات النفسية التي تواجه المرأة العربية وما هي أسبابها؟

تتشارك المرأة العربية مع غيرها من النساء بما نشهده عيادياً من أعراض الإكتئاب والقلق ونوبات الهلع. ولكن نرى تحديداً لدى المرأة العربية صراعات نفسية مختلفة تظهر نتيجة تعدد وأحياناً ازدواجية المعايير الثقافية التي تتعرض لها، منها ما هو جديد ومنها القديم والتقليدي. التعبير عن هذه الصراعات يشمل ظهور الاضطرابات النفسية المعتادة وأيضاً ما يعرف بالإضطرابات النفسية الجسدية أو السيكوسوماتية كوجع الرأس النصفي، آلام الظهر ،آلام المعدة، الدوار إلخ .

ركزت في عملك على الاضطرابات النفسية التي تواجه المرأة بسبب الصراعات الثقافية وكيفية تحديد الهوية. فما هي برأيك أسباب استمرار هذه الصراعات وكيف يمكن للمرأة أن تتحرر من كل ما يعيق تقدمها؟

المرأة العربية المعاصرة تعيش في ظروف مختلفة عن الأجيال السابقة: نسبة التعليم وتحديداً التعليم العالي ارتفعت بشكل ملحوظ ، فرص العمل وإمكانية التواجد في مجالات كانت مخصصة أكثر للرجل أصبحت متاحة أمامها. هذا التطور الذي يمكن وصفه بالايجابي يضاف إلى الادوار الاخرى المعروفة مثل الأمومة، جعل نساء اليوم في حالة جديدة لم تعشنها بنفس الشكل الأجيال السابقة.

هذه التغييرات رغم إيجابيتها جعلت الكثير من النساء يشعرن وكأنه ليس هناك مرجعية أو قدوات كافية للتماهي معها، فصرن يبتكرن كيفية التعامل بأنفسهن، ما يعني حصول بعض الضغوطات النفسية الجديدة. إضافة إلى أن كثير من نساء اليوم تطقن إلى ملئ الأدوار المختلفة بشكل مثالي مما يسبب بضغط نفسي كبير يعبر عنه أحياناً من خلال الأعراض النفسية والجسدية التي تشعر بها السيدة ولكن لا تعرها اهتماماً لكثرة انشغالها. هذا الضغط وعدم التعامل معه بشكل صحيح هو من أهم ما يعيق تقدم المرأة لأنه لا يعزز حب النفس أو الوعي لاحتياجاتها الذاتية بل يركز على تحويلها إلى ما يشبه المكنة التي تريد فقط أداء الأدوار المطلوبة منها بشكل أشبه للمثالية.

كيف يمكن أن نحقق التوازن النفسي؟

مع تعدد أدوار المرأة وضغوطات الحياة اليومية أصبح من الصعب الشعور بالتوازن النفسي من دون بذل جهد ضروري للإستماع لحاجاتنا والعناية المستمرة بذواتنا، مما يساعد على تحقيق التوازن والشعور بالرضى و يجعل المرأة فعالة أكثر في كافة المجالات ويحميها من الإنزعاج والإرهاق وباقي العوارض النفسية والجسدية التي يسببها الاضطراب الداخلي الذي نكتمه ولا نعبّر عنه.

كيف يمكن برأيك نشر التوعية أكثر بأهمية الصحة النفسية في العالم العربي، حيث لا يزال الذهاب إلى طبيب نفسي يندرج ضمن إطار العيب أو الخطأ ؟

من الملاحظ أن التوعية بالصحة النفسية والعقلية تزداد في العالم العربي ولكن لا يزال هناك جهد يجب أن يبذل على مستوى الجماعات والأفراد . فهناك مثلاً بعض المؤسسات التي تؤمن لموظفيها “برنامج مساعدة” يؤمن لهم جلسات مع معالج نفسي. وهذا اعتراف بالصعوبات النفسية التي يمكن أن يمروا بها وبأهمية عدم التساهل في التعامل معها أوالتغاضي عنها على أمل أن تختفي لوحدها! أما على المستوى الفردي من المهم كسر المحرم حول الصحة النفسية من خلال التكلم عن تجربتنا مع العلاج النفسي للآخرين من دون خجل وهكذا نكون مثالاً للآخر و نساهم في التشجيع على طلب المساعدة ونشر التوعية. من الجدير بالذكر أن زيارة الأخصائي النفسي هي أيضا ضرورية لإكتشاف الذات وتطويرها وللوقاية من الاضطرابات، فهي ليست مخصصة فقط لمعالجة العوارض الذهنية والعقلية أو الأمراض النفسية.

كيف تجد الشابة الاستقرار النفسي في ظل كافة الضغوط الحياتية المتزايدة في حياتها؟ هل من خطوات بسيطة وبالمتناول يمكن اللجوء إليها؟

نرى من خلال الممارسة العيادية كمية الضغط الذي تتعرض له المرأة اليوم: فهي تريد أن تكون كفوءة في العمل، وتكون أيضاً زوجة وأم ناجحة بل أحياناً مثالية وكأنه مطلوب منها أن تثبت بأنها تستطيع أن تقوم بكل هذه المهمات . فهي غالباً ما تشعر بالتقصير والذنب في إحدى المجالات. من أهم العوامل للتوازن النفسي هو التخفيف من هذا الضغط من خلال عدم البحث عن المثالية وتوزيع الادوار وإعطاء نفسها الحق في طلب المساعدة والتفكير بالذات أو بما يسعدها هي، فسعادتها ستنعكس على الآخرين ولن تتعارض معها، وستشعر أنها حين تخفف عن نفسها وتتعلم الاستمتاع بأبسط الأمور، كيف سيتغير عالمها وتزول الكثير من مشاكلها.

وأكرر هنا أن تخصيص وقت للذات يومياً مهم جداً ولو دقائق قليلة. هذا الوقت يعزز الوعي بالحاجات لذا فلتبدأي بالرياضة، أو فلتقومي بالتواصل مع الأصدقاء، أو الاستماع إلى الموسيقى، أو القراءة، باختصار كل ما تميلي له ولكن قمت بتأجيله، عليك أن تجدي له الوقت الآن وتمارسيه وتلاحظي تأثير هذا النشاط على معنوياتك ونفسيتك.

كيف تضع المرأة حداً لتدخلات المجتمع ومعاييره البالية مثل النظرة القاسية لغير المتزوجة، لمن لم تنجب بعد، للشابة التي لا تجد عملاً، لمن تسهر لوقت متأخر،.. فلا تسمح لمن حولها بزعزعة ثقتها بنفسها أو التأثير على حالتها النفسية؟

الكثير من الذين يستشيرون المعالج النفسي يتحدثون عن الضغط الذي يشعرون به نتيجة المعايير الاجتماعية.. كأن هناك مهمات يجب على أي فتاة تحقيقها ضمن جدول زمني محدد، وكأن أيضاً هناك طريقة ونمط واحد لتحقيق السعادة. من المهم التذكير أن تحقيق الذات والشعور بالرضى على المستوى الشخصي مهم جداً قبل أي خطوة أخرى. كما أن إرضاء الجميع ليس ممكناً ولا مطلوباً فبعض الصراعات الاجتماعية لا بد منها قبل الوصول لتوازن أصح وأسلم، لذا فلتكوني أقوى من أي ضغوط ولتركزي على بناء استقرارك النفسي وتنظري إلى نماذج حولك لم تتبع النموذج الأكثر رواجاً إجتماعياً وحققت نجاحاً ورضى عن الذات. لذا توقفي عن البحث عن إرضاء الغير واسعي فقط نحو تحقيق ما يريحك ويسعدك لأن المجتمع لا يعيش معك ونظرته لا يجب أن تحدد مسار حياتك ومستقبلك.

اقرئي المزيد: خديجة سليمان: تكسر الصورة النمطيّة عن الإمارات وتكشف وجهها التاريخيّ العريق

 
شارك