أنت أقوى... بعد الصدمة
«ما يؤلمني يجعلني أقوى»، عبارة تقال للتخفيف من وطأة الصدمات التي تواجهنا خلال حياتنا، فيُختبر صبرنا وقدرتنا على تحمّل أوجاع الفراق أو الخيانة أو الموت. الصدمات تضعنا وجهاً لوجه أمام أسوأ مخاوفنا وتخرّب سلام حياتنا وتفرض تغييراً غير مستحب في العادات والمشاعر، لكنّها في المقابل جزء من نظام الحياة ويجب تقبّلها والتأقلم مع التغيير الذي يأتي بعدها.
مواضيع ذات صلة: هل للامتنان مكان في حياتكِ؟، أي نوع من العلاقات تفضلين؟، التكنولوجيا الحديثة تهدد العلاقات العاطفية.
امتياز ليس للجميع
لكنّ القدرة على النهوض بعد الصدمة ليست امتيازاً للجميع، فعدد كبير من النساء يصبن باضطرابات ومشاكل نفسيّة وصحيّة يستمر مداها أشهراً أو سنوات، فتؤثّر الصدمة على مسار حياتهنّ وبدل أن يعتبرنها درساً سيزيدهنّ خبرة وقوّة وصلابة، يسمحن لها بالسيطرة على أفكارهنّ وإضعاف ثقتهنّ بأنفسهنّ وبالآخرين. فهل هناك طريقة معيّنة للتعامل مع الصدمات، وكيف السبيل للخروج منها أقوى؟
تختلف ردة الفعل التي تخلف الصدمة باختلاف ظروف تلقّيها ونوعها، كما تؤثّر شخصيّة المرأة وطريقة تفكيرها ومقاربتها للحياة وللعلاقات على كيفيّة تقبّلها للذي حصل. في هذا الإطار، تقول فداء (26 عاماً): «خسرت خطيبي قبل نحو سنتين في حادث سير، وما زلت أعيش مأساتي حتى اليوم، فأنا لم أواجه موت شخص قريب من قبل. كنت أظن أنّ الموت بعيد جداً عنّي ولكنّني كنت مخطئة، فهو قريب وقاس وقادر بلحظة أن ينسف حياتنا ومستقبلنا».
تبعات الصدمة
تكمل فداء: «كانت الأشهر الثلاثة الأولى قاسية جداً، فلم أكن أنام ولم أسمح لأحد بأن يقترب منّي أو يواسيني، بعدها حاولت أن أنسى أوجاعي بتخصيص كل وقتي للعمل، لكنّ الألم والحزن كانا يعاودانني حين أختلي بنفسي ليلاً، وما زلت حتى اليوم غير قادرة على النسيان. فصلت نفسي عن رفاقي لأنّني شعرت بأنّ في عودتي إلى الحياة الطبيعيّة خيانة لخطيبي، فهي تعني أنّني نسيته وهو ما لا يمكن أن يحصل أبداً».
خسارة العزيز الأقسى
تعتبر خسارة شخص عزيز من أصعب أنواع الصدمات وتتطلّب الكثير من الجهد والوقت لتخطّيها، ومعنى التخطّي لا يعني النسيان، فذكرى الإنسان الذي غاب تبقى حاضرة في ذهن من أحبّه ومن خلال الذكريات واللحظات الجميلة التي قضاها معه، لكنّ الحياة يجب أن تستمر وهذا يعني أن نخصّص وقتاً معيّناً للحزن يمكن أن يطول وقد يزيد عن بضعة أشهر، لكن علينا بعده أن نستعيد السيطرة على حياتنا ونضعها على مسار جديد.
مناعة منذ الصِغر
تكون وطأة الصدمة أقسى وأشد في مرحلتَي المراهقة والشباب، لأنّ المشاعر تكون في أوجها ولا يكون الإنسان قد اكتسب القدرة على السيطرة على انفعالاته وضبطها، بالإضافة إلى أنّ خبرته وتجاربه تكون متواضعة. من جهة ثانية، إنّ حصول حدث مؤسف ومؤثّر في الصغر، يوفّر للكثيرين مناعة حيال الصدمات ويقويّهم. وعلى الرغم من أنّ فترة الصدمة تكون صعبة وقاسية، إلا أنّ مرور الزمن يكون كفيلاًَ بجعلهم يتخطّون ما حصل ويسهّل عليهم التعاطي مع تغييرات الحياة المستقبليّة والتأقلم مع الصدمات.
الصدمة العاطفيّة
تعدّ الصدمة العاطفيّة التي تنتج من فشل في علاقة خطوبة أو زواج من أكثر أنواع الصدمات شيوعاً، فالانفصال في هذه الحالات يكون أحياناً أقسى من الخسارة الناجمة عن الموت، لأنّ في حالة الموت هناك غياب نهائي للشخص العزيز، فهو لم يعد موجوداً. أما في حالة الانفصال، فالطرف المصدوم يدرك جيداً أنّ من أحبّه وسلّمه ثقته، خانه أو اختار بإرادته أن يبتعد عنه ويكمل حياته مع شخص آخر.
سلوى (23 عاماً) واجهت صدمة من هذا النوع، وهي تقول: «في الفترة الأولى التي تلت الصدمة، قرّرت أنّني سأكون قويّة ولن أسمح لشخص خانني واختار غيري بأن يخرّب حياتي ويجعلني أفقد ثقتي بالحب وبالمستقبل، لكن بعد مرور أسبوعين بدأت اشتاق إليه وأفتقد وجوده إلى جانبي».
حزن وتوتّر وفقدان شهيّة
تضيف الصبيّة العشرينيّة: «صرت حزينة طوال الوقت، أنفجر بالبكاء إذا رأيت غرضاً أهداني إيّاه، خفّت شهيّتي على الطعام وبتّ أفضّل البقاء في المنزل على الخروج ومواجهة المجتمع. أهملت شكلي الخارجي وتقلّصت ثقتي بنفسي لأنّني شعرت بأنّه فضّل عليّ امرأة أخرى».
استمرّت سلوى على هذه الحال أكثر من سنة ولكنّها استطاعت بمساعدة أصدقائها وأسرتها أن تتخطّى صدمتها، لكنّ الصدمة العاطفيّة تتفاقم أحياناً وتؤدي بصاحبتها إلى الاكتئاب أو حتى التفكير بإيذاء النفس أو تصير عدوانيّة فتتملّكها رغبة في الانتقام من كلّ الرجال كي تثبت لنفسها أنّها محبوبة وقادرة على لفت أنظارهم وكسب حبّهم، وهي بهذه الطريقة تؤذي نفسها قبل الآخرين.
انهيار بسبب الفشل الوظيفي
يمكن للفشل الوظيفي أو التعليمي أن يكون سبباً في صدمة نفسيّة، والدليل ما يتداول من حين إلى آخر عن أشخاص أقدموا على إنهاء حياتهم بسبب فشلهم في الدراسة أو انهيار عملهم أو استثماراتهم الماليّة، وفي هذا دليل على عمق الجرح والأذى الذي أحدثه حصول الأمر، بحيث وجدوا استحالة الاستمرار في الحياة ومواجهة الغموض الذي يكتنف المستقبل. ينم هذا التصرّف عن ضعف ولكن أحياناً يؤدّي تراكم المشاعر السلبيّة إلى تصرّفات خطرة وقاتلة.
وللخروج أقوى من الصدمات عليك:
تذكر إنجازاتك التفكير بما هو إيجابي وجيّد في حياتك يجعلك تشعرين بالفخر والثقة بنفسك فتقتنعين أنّك قويّة وقادرة على التغلّب على المحنة.
إحاطة نفسك بالمحبيّن أنت بحاجة إلى أشخاص يحبّونك من دون مقابل ويدعمونك ويخرجونك من حالة الحزن والاضطراب والأفضل أن يكونوا من الأهل أو الرفاق المقرّبين، فلا داعي في هذا الوقت إلى توسيع دائرة الأشخاص من حولك.
تأجيل القرارات المهمّة لا تأخذي قرارات مهمّة ومصيريّة وأنت ما زلت في حالة تأثّر بما جرى.
الابتعاد حاولي أخذ إجازة والابتعاد كي يصفى ذهنك وتفكّري بما ترينه مناسباً لنفسك في المرحلة المقبلة. حيّدي نفسك عمّا حصل وقيّمي ردود أفعالك ومشاعرك حتى تأخذي الدروس والعِبر وتستعدّي لتكوني أقوى في حال واجهت صدمة ما لاحقاً.