المصممة المعمارية هنوف منجد تكشف مدى سطوة الذكاء الاصطناعي على مجال التصميم

ما يواجهه العالم اليوم أمر مثير للخوف والدهشة في آنٍ واحد، فالذكاء الاصطناعي ليس فكرة بعيدة بل هو موجود ومؤثر وتأثيره مقلق وغامض، حيث يفرض سلطته على العديد من الصناعات والمجالات الحيوية، وعالم التصميم ليس استثناءً. تُجرى اليوم محادثات مستمرة بين المصممين والمطورين حول التأثير المستقبلي للذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي والواقع الافتراضي والواقع المعزز والواقع المختلط، وكيف يمكن أن تتغير وظائف المهندس والمصمم والمبتكر في ظل كل ما يحدث من تطورات سريعة.

يتطلب الذكاء الاصطناعي إنشاء علاقات جديدة بين العميل والمنتج والجهة المصنِّعة، حيث يحمل الكثير من الإمكانات لعالم التصميم، ولكن لكي يحدث هذا، يجب تفكيك الغموض المحيط به وهذا الأمر يبدأ مع التأكيد بأن الروبوتات لن تحل أبداً محل المصممين، بل سيتركّز دورها في الغالب حول المساعدة والتحسين وتأمين السرعة في التنفيذ، حيث يمكن للمصممين الذين يعملون مع الذكاء الاصطناعي إنشاء تصاميم بشكل أسرع وبتكلفة أقل نظراً للسرعة والكفاءة المتزايدة التي يوفّرها.

الذكاء الاصطناعي يساعد المصممين على بناء عوالم الواقع الافتراضي ثلاثية الأبعاد بسرعة أكبر

سيساعد الذكاء الاصطناعي في عمليات تحليل كميات هائلة من البيانات واقتراح تعديلات مفيدة على التصميم، ولكن سيكون دور المصمم أساسي، وهو الموافقة على هذه التعديلات بعد دراسة البيانات، وملاءمتها مع طلبات العميل وإدخال لمساته الشخصية عليها لكي تخرج إلى النور بشكل جديد ومختلف ولا يشبه غيره. يعمل الذكاء الاصطناعي على تنفيذ نماذج أولية سريعة وتقوم الشركات الكبرى في مجال الهندسة حالياً بإنشاء مكونات تصميم ذات تعليمات برمجية جاهزة للإنتاج، من رسومات تخطيطية سلكية مرسومة يدوياً، وهذا الأمر يساعد المصممين الذين اعتادوا مواجهة صعوبات في تنفيذ هذه الرسوم بالطرق التقليدية. ومن هنا يمكن القول إنّ أدوات تصميم الذكاء الاصطناعي ستنتشر قريباً، فبتحليل للعوالم المعقدة والصعبة للواقع الافتراضي والواقع المعزز والواقع المختلط، والتي تتطلّب جميعها قدراً كبيراً من أعمال التصميم، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد المصممين على بناء عوالم الواقع الافتراضي ثلاثية الأبعاد بسرعة أكبر، فبمجرد إنشاء التصميم الأساسي وتوفير بعض المعلومات، يمكن لنظام الذكاء الاصطناعي إنشاء مجموعة مختارة من بدائل التصميم لتقديمها إلى المصمم، الذي سيختار بعد ذلك أفضل تصميم وفقاً لتفضيلاته.

ولنلقي الضوء بشكل أكبر على الدور الذي سيلعبه الذكاء الاصطناعي في مجال التصميم مستقبلاً، التقينا المصممة المعمارية هنوف منجد، وهي مالكة شركة Tasmeem Code وصفحتها عبر إنستغرام: tasmeemcode@، كما وتشارك إبداعاتها التصميمية عبر صفحتها الخاصة على المنصة نفسها وهي: the.h_designdiaries@.

درست هنوف التصميم في جدة في السعودية، وكانت تسافر مع والدها خلال طفولتها ومراهقتها إلى المعارض الفنية والتصميمية من حول العالم، وبهذه الطريقة أحبت هذا المجال كثيراً وتعرّفت على الأفكار والتوجهات والأنماط المتعلقة به، وحين تخرّجت عملت مباشرةً في العديد من المشاريع، وكان معظمها مع العائلة الملكية السعودية، ومن خلال هذه المشاريع الكبيرة مع الإمكانات المادية المفتوحة التي أتيحت أمامها، امتلكت الحرية الكافية لتبدع أفكاراً تصميمية جريئة ومترفة من دون قيود، لتقرر بعد ذلك دخول سوق دبي، وافتتاح شركة خاصة بها. عن دخولها إلى دبي تقول: "المنافسة كبيرة جداً في الإمارات، فهناك الكثير من الشركات الكبيرة والعريقة وتلك الجديدة والمعاصرة، ولكن الزبون أحب أفكاري وأسلوبي الجديد والمختلف، فأنا أصمم كل مشروع وكأنه خاص بي، أطبّق رؤيتي سواء تعلّق الأمر ببيت أو مطعم أو مشفى أو مقهى أو قصر أو مكتب... لديّ بصمتي البرتقالية بطريقة ما وهي تشبهني وتعكس شخصيتي القوية والبارزة، أحب المزج بين التاريخ والعراقة، من جهة والأسلوب العصري والعملي، لتكون الأماكن والمساحات التي أصممها مليئة بالروح والحياة والمعاني المتجددة لأصحابها".

شخصية كل زبون يكتشفها فقط المصمم، وهي القادرة على مساعدته وتوجيهه وإعطائه فكرة وافية عما يبحث عنه العميل، وهذه الشخصية لن يفهمها الذكاء الاصطناعي بكل تقنياته المتطورة

تُحدّثنا هنوف عن أهمية شخصية كل زبون والتي يكتشفها فقط المصمم، وهي القادرة على مساعدته وتوجيهه وإعطائه فكرة وافية عما يبحث عنه العميل، وهذه الشخصية لن يفهمها الذكاء الاصطناعي بكل تقنياته المتطورة، وهي تقول: "اللقاء المتكرر والتواصل الدائم مع العميل هما أساس نجاح المصمم، فأنا أتعرّف عليه عن كثب، أكتشف الألوان التي يحبّها، البرامج التي يتابعها على التلفويون، أراقبه كيف يقضي أوقات فراغه، أكتشف فلسفته في الحياة: هل هو هادئ أو انفعالي، مائي أو ناري، كثير الخروج أم بيتوتي، نوع سيارته وطريقة اختياره للملابس، وكل هذه التفاصيل تساعدني لكي أقدّم له ما يبحث عنه، فيكون راضياً عن المشروع الذي أعطاني كامل ثقته لتنفيذه".

وحول التأثير المتوقّع للذكاء الاصطناعي على مجال الهندسة المعمارية والداخلية والتصميم، والعمل الإبداعي بشكل عام، ترى منجد أن "الذكاء الاصطناعي هو أداة تساعد المصمم في تقديم خيارات تصميم متنوعة وسريعة، لا تأخذ الكثير من الوقت، وبالتالي فهي تسهّل عمله وتخدمه بشكل كبير، وهذا أمر جيد ومطلوب ويجب أن يواكبه كل مصمم يرغب في الاستمرارية وبالنجاح في عمله، فالتأخر عن هذا الركب يعني مراوحة تقنيات الماضي، التي لن تظل على حالها وعلى تأثيرها في السنوات المقبلة، والتغيير سيكون سريع جداً، لذا يجب عدم الاستهانة بدورها. لكنّها من ناحية أخرى لن تحل أبداً مكان نظرة المبدع وفكره ورؤيته وذوقه وخبراته التي راكمها على مدار سنوات، كما أنّ هناك ثقافات مختلفة تتحكم بالتصميم وبتفضيلات كل شعب، فالـAI مثلاً لن يعطي الزبون خصوصية البيت البيروتي أو المجلس الخليجي بحذافيرها، لأنّ هناك أحاسيس وقطع ورؤى، لن يفهمها إلا المصمم المخضرم وسيكون هو الوحيد قادراً على تنفيذها بخصوصية وفرادة لا تشبه ما تم تقديمه قبلاً".

أنا وفريق عملي نلجأ إلى أبحاث عبر وسائط الذكاء الاصطناعي ونأخذ بيانات تفيدنا وتوجّه عملنا، ولكننا أيضاً نعتمد على المعارض لنكتشف أهم الصيحات في عالم التصميم وغيرها من طرق المساعدة

تكمّل منجد "بشكل عام، فإنّ الذكاء الاصطناعي يسهّل عملنا ولكن لا يمكن الاعتماد عليه بشكل تام، فأنا وفريق عملي نلجأ إلى أبحاث عبره ونأخذ بيانات تفيدنا وتوجه عملنا، ولكننا أيضاً نعتمد على المعارض لنكتشف أهم الصيحات في عالم التصميم، سواء الألوان والخامات وطريقة التصميم نفسها، ونتابع أعمال غيرنا في السوق، نبحث عن أفكار وأنماط جديدة، وبالتالي هو لا يكفي بمفرده، وسيظل مجهود المصمم ورغبته الدائمة في التطور والتعلم هم أساس استمراره، فلا خوف أبداً على دوره إذا ظلّ متابعاً ومتحمساً لتقديم كل ما هو جديد".

حدثتنا منجد أيضاً عن أهم الصيحات التي سنراها في الصيف الحالي، وبرأيها "تظل ألوان الباستيل مسيطرة، منها الأزرق والأخضر الفاتح والرمادي، كما أنّ البرغندي رائج بشكل كبير مع البرتقالي القوي والمشمشي، ولا سيما في أثاث البيت، أما في التصاميم فهناك سيطرة للأفكار الخارجة عن المألوف، عصرية بشكل كبير ومفاجئة بجرأتها واستخداماتها، ولكن في النهاية يظل الخيار النهائي للزبون، فهو الذي يحدد أي اتّجاه سيأخذ وكيف يريد لمساحته أن تظهر بشكلها النهائي".

تعمل منجد حالياً على العديد من المشاريع بين الإمارات والسعودية، وتقول: "أنفّذ مشاريع سكنية في دبي والشارقة وأبوظبي، ولديّ مشروع جميل جداً وجديد من نوعه أنفّذه لزبونة مميزة وأفكارها غريبة وتشبهني بعض الشيء، وأنا متحمّسة لرؤية النتيجة النهائية، وبشكل عام، كل عميل يقصدني لديه فكره الخاص الذي يميزه وينعكس على ذوقه، وهو ناتج عن ثقافته وجنسيته وخلفيته الفكرية والعلمية والشخصية، وأحب كثيراً أنّه وثق بي لكي أساعده في تحويل حلمه إلى حقيقة... هذه الثقة التي نتجت عن السمعة التي اكتسبتها على مدى سنوات من العمل والجهد والنحاح، لن يتمكن الذكاء الاصطناعي من أن يبنيها مع الجمهور، وهي ما يجب أن يسعى لاكتسابها كل مصمم، حتى يحتفظ ببصمته في مجال الهندسة الداخلية والتصميم".

اقرئي المزيد: سحر غزالي: أصمم مساحات مريحة وفخمة تبرز هوية قاطنيها

 
شارك