رنا سليم: في تعاوني مع هيا أسمح للقصة بالتدفق لتتخذ كل لوحة حياة خاصة بها

كان انفجار بيروت في 4 أغسطس 2020 نقطة تحول كبيرة بالنسبة للشابة اللبنانية رنا سليم، فقد خلق الرعب الشديد الذي عاشته ما يشبه الانفجار الداخلي الذي لم تستطع تجاهله، ووجدت نفسها غارقة في دوامة من المشاعر: الحزن والغضب والارتباك والشعور العميق بالخسارة. تقول "أخذت فرشاة، دون التفكير في اللحظة كثيرًا، ولكني حين بدأت بالرسم شعرت بالهدوء والتركيز. كانت تلك هي المرة الأولى التي أرسم فيها!"، هنا كانت البداية لصعود فنانة مميزة في عالم الفن التشكيلي، استطاعت خلال 4 سنوات أن تفرض اسمها بقوة في الساحة الفنية، وقد اخترناها لنتعاون معها في عدد أبريل المخصص لمشاركة القصص، فماذا تقول عن هذا الموضوع وعن رؤيتها الفنية؟ اكتشفي المزيد عنها في هذا اللقاء.

تقولين في فقرة التعريف عنك عبر إنستغرام، أنك تأخذين الوحي من العواطف، ما هي المشاعر الأولى التي حركتك ودفعتك للتعبير عن ذاتك من خلال الفن والرسم؟

أعتقد أن الفن كان دائمًا جزءًا من حياتي، منذ طفولتي، بعدة طرق. لقد عزفت موسيقى الجاز الحديثة لمدة 10 سنوات تقريبًا، وكنت عضوا في فرقة مسرحية، وأحببت ممارسة الفنون والحرف اليدوية... لكنني لم أتلق دروسًا في الرسم مطلقًا.

في مقدمة حسابي على إنستغرام، أذكر أيضًا أني أختار "رؤية السحر في كل شيء"، وهذا المنظور هو حافز حقيقي لعملي وحياتي، إنه يكمل فكرة أني أستوحي كل شيء من عواطفي ومشاعري..الحياة مليئة بلحظات الجمال والدهشة، حتى في خضم الفوضى. أعتقد أن كيفية استجابتنا لعواطفنا هي خيار يمكننا اتخاذه بوعي، فبدلاً من السماح لنفسي بالتعب والرضوخ للضغوط، أسعى جاهدة لتسخير هذه الطاقة وتحويلها إلى شيء مبهج وملهم. لقد علمتني والدتي دائمًا أن ما نجتذبه لأنفسنا هو ما نؤمن به وأن ما نفكر فيه يصبح واقعنا والطاقة التي نحيط أنفسنا بها، وأنا أختار أن أضع نفسي على تردد السعادة!

حدثينا عن تجاربك الأولى، وكيف طورتها بعد ذلك؟

استلهمت من المشاعر المباشرة المحيطة بالانفجار والخوف والعجز، ولكن مع استمراري في الرسم، أدركت أن فني يعكس أيضًا طيفًا أوسع من المشاعر: المرونة والأمل والجمال والسعادة! اكتشفت أن ما أبدعه يتحدث إلى الآخرين، خاصة من خلال عيون زوجي! وأشكر أطفالي وعائلتي الذين يشجعونني باستمرار ويعطونني دفعة إضافية فهم يؤمنون بي، وهذا يحدث فرقًا كبيرًا! لقد لعب زوجي دورًا محوريًا في هذه الرحلة؛ فقد رأى شيئًا في فني حركه بعمق وشجعني على مشاركته مع العالم. دفعني إيمانه الراسخ بموهبتي إلى التقدم بطلب للمشاركة في مسابقة فنية في باريس، وعندما حصلت على التقدير، ازدادت ثقتي بنفسي وبقدراتي.

ومع ذلك، لا زلت أعتقد أن عرض فني أمام الملأ هو تحد بالنسبة لي، لأنه يبدو وكأنه يكشف عن جزء حميمي من نفسي، تصبح كل قطعة حوارًا بين الضعف والقوة، مما يسمح لي بالتواصل مع الآخرين أثناء التنقل في مشهدي العاطفي الخاص... تتعلق هذه الرحلة الفنية باستكشاف مستمر لكيفية التعبير عن وجهة نظري الفريدة ورواية قصتي من خلال الفن؛ أكثر من مجرد صقل المهارات.

كيف تحصلين على الإلهام وتبثين الورق أفكارك الجديدة؟

العواطف هي حقًا نقطة البداية لرحلتي الإبداعية. كلما شعرت بشيء عميق، سواء كان فرحًا أو حزنًا أو أي شيء بينهما، فإن ذلك يثير الحاجة للتعبير عن تلك المشاعر وتبادلها من خلال فني. هذا الدافع قوي؛ فهو يدفعني إلى ترجمة المشهد الداخلي الخاص بي إلى شيء مرئي يمكن للآخرين التواصل معه. على سبيل المثال، عندما أرسم، غالبًا ما أفكر في تعقيدات المشاعر، والطريقة التي يرقص بها الضوء على السطح أو كيف يمكن للألوان أن تثير مشاعر معينة. تساعدني هذه العدسة السحرية على الاحتفال بتعقيد التجربة الإنسانية. من خلال مشاركة هذه الرحلة من خلال فني، آمل أن أشجع الآخرين على احتضان مشاعرهم الخاصة وإيجاد السحر في حياتهم أيضًا.

إلى أي مدى يعكس فنك قصصًا أثّرت فيك في بيئتك، أو ربما قصصًا عشتها وعايشتها في مراحل مختلفة من حياتك؟ كيف ستعبّرين، من خلال أعمالك الفنية مع هيا، عن أهمية أحداث الحياة والقصص التي تُشكّل حياتنا ووجهات نظرنا؟

الفن وسيلة عميقة نتواصل من خلالها مع السرديات المعقدة التي تُشكّل هوياتنا وتجاربنا. كفنانة، تأثرت رحلتي الفنية بشدة بقصص الصمود والتمكين والتحول التي واجهتها في بيئتي وداخلي. فني نسيج نابض بالحياة منسوج من تجارب وقصص لا تُحصى شكّلتني، حيث تحمل كل لمسة من فرشاتي ثقل ذكرياتي، لحظات الفرح والألم والحب والفقد.

كل عمل فني أبدعه بمثابة دعوة للمشاهد للتواصل مع المشاعر الكامنة فيه، مما يسمح له بإيجاد قصصه الخاصة التي تنعكس في أعمالي. كل عمل يُمثّل شهادة بصرية على اللحظات المحورية في حياتي، مُجسّدًا جوهر أحداث مهمة مررت بها. أؤمن بأن كل لحظة تحمل في طياتها القدرة على تغييرنا، وأسعى جاهدة لتجسيد هذا الجوهر التحويلي.

شكّل انفجار بيروت نقطة تحول في مسيرتي الفنية. أصبحت الفوضى والأسى اللذان أعقباه حافزًا لإبداعي، مما دفعني للتأمل ليس فقط في تجاربي الشخصية، بل أيضًا في الروح الجماعية لأولئك الذين واجهوا الاضطرابات وخرجوا منها أقوى. يجسد فني هذه الثنائية، محتفيًا بالمحطات المهمة واللحظات التحويلية التي نمر بها جميعًا.

في أحدث أعمالي، أسعى إلى تجسيد جوهر أحداث الحياة المهمة؛ مثل فرحة البدايات الجديدة التي ترمز إليها الأزهار المتفتحة، أو الصمود في الأوقات الصعبة من خلال الألوان الجريئة والمتباينة. ترمز الحركة الدائرية في لوحاتي إلى اللانهاية وقصة الحياة التي لا تنتهي، مما يُلهم المشاهدين على الاستمرار وإيجاد النور حتى في الأوقات العصيبة. أختار أن أرى السحر والسعادة في كل شيء، وأهدف إلى إثارة المشاعر وتحفيز الفكر، مذكرًا المشاهدين بالجمال الكامن في كل فصل من فصول الحياة.

في نهاية المطاف، يُذكّرنا كل عمل فني بقدرة الفن على الشفاء والإلهام وإلقاء الضوء على سحر تجاربنا اليومية. آمل أن ألهم الآخرين للتأمل في رحلاتهم الخاصة، وإدراك قوة سرد القصص في تشكيل وجهات نظرنا وتعزيز التواصل. فني ليس مجرد انعكاس لتجاربي؛ بل هو دعوة للآخرين لاستكشاف النسيج الغني لحياتهم والقصص التي تُعرّفهم.

في جوهرها، تدور رحلتي كفنانة حول الاحتفاء بسحر الحياة، واحتضان التنوع، ورعاية إنسانيتنا الجماعية من خلال القوة التحويلية للفن.. فأهلًا بكم في عالمي، عسى أن يلهمكم لرؤية سحر قصتكم الخاصة.

كيف يمكن لامرأة شابة أن تحب نفسها وتتطور دون أن تتأثر بكل شيء حولها؟

في عصر وسائل التواصل الاجتماعي اليوم، قد يكون من الصعب للغاية على الشابة أن تنحت هويتها الخاصة وسط التدفق المستمر للصور المنسقة والحياة المفلترة. لتنمية حب الذات والنمو الشخصي، من الضروري تطوير الوعي النقدي، وفهم أن ما نراه عبر الإنترنت غالبًا ما يمثل نسخة مثالية من الواقع، وليس الصورة الكاملة. وينطبق نفس الشيء على المواقف في "الحياة الواقعية" مع الأشخاص الذين يمكن أن يكونوا سامين.

يمكن لهذا الوعي تمكينها من خلق مساحة للتواصل مع ذاتها الحقيقية. يعد احتضان عيوبها وانتصاراتها أمرًا حيويًا؛ على سبيل المثال، يمكن أن يساعد الاحتفاظ بـ "مذكرات النجاح" حيث تحتفل بالإنجازات الصغيرة وتذكر نفسها بها. ومن خلال إعطاء الأولوية لقبول الذات وإحاطة نفسها بالتأثيرات الإيجابية وحب الأفراد الذين يرفعون من شأنها ويحتفلون بإنجازاتها، يمكنها أن تغذي بثقة حبًا حقيقيًا لنفسها.

من المهم بنفس القدر تخصيص وقت خاص لنفسها وتعلم كيفية وضع حدود واضحة في علاقاتها. يساعد هذا في حماية مساحتها العاطفية ويضمن أنها تعطي الأولوية لرفاهتها. أجد أيضاً أن التعاطف مع الذات أمر بالغ الأهمية؛ الانخراط في حديث إيجابي مع الذات ومسامحة النفس على الأخطاء يسمح لها برؤية أن النمو هو رحلة وليس وجهة.

كيف تنوين توسيع نطاق فنك للوصول إلى شريحة أكبر من الجمهور؟

أخطط للمشاركة في العديد من المعارض في جميع أنحاء العالم، والتي لن تعرض عملي فحسب، بل ستساعدني أيضًا على التواصل مع العديد من المعارض والفنانين من خلفيات متنوعة. إلى جانب هذه المعارض، سأستمر في إنشاء قطع جديدة والاستفادة من وسائل التواصل للتلاقي مع عشاق الفن خارج مجتمعي المباشر. يسمح لي هذا النهج بمشاركة القصص وراء إبداعاتي وإشراك جمهور أوسع فيها.

اقرئي المزيد: الإعلان عن الفيلم الافتتاحي لمهرجان كان السينمائي الدولي

 
العلامات: فن تشكيلي
شارك