
الصبّار.. الزيتون .. حنظلة: رموز خلدها فنّانون فلسطينيّون تعكس جوهر قضيّتهم

يتأثّر الفنّانون بمجريات الحياة التي يعيشونها، فالفنّ هو صورة من صور الحياة. ونظراً إلى أنّ الفنّانين الفلسطينيّين يعيشون في أرض محتلّة، فإنّ ما يقدّمونه يعكس هذا الواقع القاسي الذي اعتادوا تقبّله والتعايش معه. وبسبب تأثّرهم الكبير بعناصر حياتيّة كثيرة موجودة في محيطهم، لجأوا إلى استخدام الرموز للتعبير عن أفكارهم وإيصالها إلى جمهورهم الوطني والعالمي. من هنا اعتدنا رؤية الكثير من الرموز في اللوحات التي تحمل توقيعهم، منها الأسلاك الشائكة التي تعني غياب الحريّة وانعدام الأمان، والصبّار الذي يرمز إلى القسوة وأهميّة امتلاك القدرة الكبيرة على التحمّل، والزيتون وهو رمز هذه البلاد المعطاء، والمفاتيح التي ترمز إلى البيوت التي هجّر منها أهلها ولم يبقى معهم إلّا المفتاح ليذكّرهم بما فقدوه، والحمّام الذي يرمز إلى الحرّية والسلام، وغيرها من الرموز المعبّرة. وقد اخترنا الغوص أكثر في معاني 3 رموز ساعدت الفلسطينيّين على رفع صوت قضيّتهم ومشاركة الظلم اليومي الذي يتعرّضون له بشكل أكبر إلى العالم.
الصبّار
اعتبر الصبار رمزاً للمقاومة وللشعب الفلسطيني القويّ، فهو نبات يعيش في بيئة قاسية ومعتاد على المقاومة وتحدّي كلّ الظروف لضمان البقاء كما أنّ كلمة الصبّار في اللغة العربية تدلّ على الصبر. من الفنّانين الذي أدخلوا الصبّار في فنّهم، نذكر رنا بشارة بحيث أصبح الصبّار دليلاً على لوحاتها، فهو يرمز إلى قدرة الفلسطيني على التحمّل والصبر سواء في الوطن أو في الشتات، كما أنّ أشواك الصبّار الحادّة تحاكي منغّصات عيش الفلسطيني، التي يفرضها المحتلّ. ومن جهة أخرى، يحتضن صبّار فلسطين، رغم حدّة أشواكه، ثمرة شهيّة ما يعني وجود الأمل بالعودة للأرض والتحرّر. يبرز الصبّار أيضاً في لوحات الفنّان أحمد محمد ياسين، فهو يرسم مباشرة على نبات الصبّار وقد ابتكر صوراً مميّزة على النبات الشائك مثل صورة امرأة عجوز تصرخ، ومولود جديد يرضع من نبات الصبّار نفسه وغيرها من الصور المؤثرة.
الزيتون
الزيتون نبات قويّ ويعيش لسنوات كما أنّ أشجاره تعمر وتنتقل من جيل إلى آخر ولطالما كان رمزاً للسلام. فثمار الزيتون في الثقافة العربيّة مهمّة ومفيدة وتُستخدم في العلاج والغذاء لذلك جاء تركيز الفنّانين على شجرة الزيتون المتواجدة بكثرة في فلسطين ليعكس تعلّقهم بها ومدى شبهها بهم كشعب قويّ وصاحب جذور يصعب اقتلاعها. وقد جعل نبيل عناني هذه الشجرة بمثابة تخصّصه الفنّي بحيث تشكّل هوية له، وجذورها منذ مئات السنين شهادة إثبات على وجود الفلسطيني وتجذّره. وتتواجد في فنّه لتدلّ على ارتباط الإنسان بأرضه وهويّته وتراثه. من جهة ثانية، فإنّ التركيز على شجرة الزيتون يأتي ليذكّر بالكمّ الهائل من أشجاره التي اقتلعتها الآليات الإسرائيليّة لتأمين مساحات لمستوطناتها إضافة إلى أنّ اقتلاعها شكّل استهدافاً للتاريخ فهي شاهدة على القضية وعلى الأرض التي سُلبت من أصحابها من دون وجه حقّ.
حنظلة
صحيح أنّه رمز لا يحاكي نباتاً أو شيئاً مادّياً ملموساً، إنّما شكله معروف بصورة كبيرة في العالم العربي وهو من أشهر الشخصيّات التي رسمها ناجي العلي في كاريكاتيراته، ويمثل صبياً في العاشرة من عمره يدير ظهره للقارئ ويعقد يديه خلف ظهره. وقد أصبح حنظلة بمثابة توقيع ناجي العلي كما أصبح رمزاً للهوية الفلسطينيّة. ويقول ناجي إنّ الصبي البالغ عشرة أعوام يمثّل سنّه حين أُجبر على ترك فلسطين ولن يزيد عمره حتّى يستطيع العودة إلى وطنه. أمّا إدارة الظهر وعقد اليدين، فيرمزان إلى رفض الشخصيّة للحلول الخارجيّة، كما أنّ لباسه المرقّعة وظهوره حافي القدمين يرمزان لفقره. ظهر حنظلة فيما بعد بعض المرّات رامياً الحجارة، تجسيداً لأطفال الحجارة منذ الانتفاضة الأولى، وكاتباً على الحائط. وأصبح حنظلة إمضاءً لناجي العلي، كما ظّل رمزاً للهوية الفلسطينيّة والتّحديات التي تواجه هذا الشعب حتّى بعد موت مؤلّف الشخصيّة.
اقرئي أيضاً: فلسطين أرض الوعد التي تخفي أهمّ الكنوز الحضاريّة والتاريخيّة