ميرامار النيّار: أنا مفتونة بالطريقة التي أقدّم بها الفن لهذا العالم

يشكّل العمل الإبداعي والفني محور اهتمام الفنانة العراقية الشابة ميرامار النيّار، فهي بعد أن قدّمت فن الشارع بأبهى أشكاله في العاصمة الأردنية عمّان، أقامت قبل فترة معرضاً مميزاً حمل عنوان "Moving Through The Ether" في Tabari Art Space، وقد التقيناها لنتعرّف أكثر على رؤيتها الفنية وأعمالها المقبلة.

متى أحسست أنّه لديك ميلاً للتعبير عن نفسكِ من خلال الفنون؟

بدأ اهتمامي بالفن بشكل طبيعي وتلقائي، ونتج عن حاجة فطرية للتعبير عن المشاعر الشديدة والقوية التي أشعر بها كفرد حسّاس للغاية. وقد نشأت في بيئة فنية، وهذا الأمر سهّل عليّ أن أعبّر عن طريق الرسم والألوان، فكان التقاط الفرشاة لأول مرة أمراً مألوفاً جداً.

ما هي الوسائل المفضّلة لديكِ للتعبير عن أفكاركِ ولمشاركة أعمالكِ الإبداعية مع الجمهور؟

أعتقد أنني ألجأ إلى إنستغرام لتحقيق هذا التواصل، فأنا كسولة جداً لاستكشاف منصات أخرى، كما أنه منبر مفتوح للفنانين والجمهور من مختلف الخلفيات، وبالتالي هو يمنح فسحة كبيرة لحرية التعبير والمشاركة والتواصل.

كيف تصفين رؤيتكِ أو بصمتكِ الفنية التي لن نجدها لدى أي فنان آخر؟

منذ أن كنت طفلة، كانت لديّ رؤية، أبقيتها سراً في داخلي، ولم أشاركها أبداً مع أحد، وأشك في أنني سأفعلها يوماً ما، فهي قريبة جداً مني ومن شخصيتي، لكن يمكنني أن أقول إن الأمر يتعلق بخلق شعور معين. لقد كنت أطارد هذه الرؤية المستحيلة بلا هوادة، ما جعلني غير راضية دائماً عن إبداعاتي. أنا دائماً أندفع وأخوض مخاطر غير واقعية، مقتنعة بأنّها ستقرّبني من هذا المستحيل. أنا مدمنة على الإحساس بالتوسع بالعمل والعطاء، رغم الإرهاق الناتج عن السعي والاجتهاد المستمر. ومع ذلك، يوجد في داخلي نواة تولّد الطاقة، وتجبرني على الاستمرار في المضي قدماً. إنه تناقض كبير، ولكنني مفتونة بالطريقة التي تجعلني أعمل وأقدّم الفن في هذا العالم.

أخبرينا عن الحالة النفسية والشعورية التي تعيشينها عند البدء بمشروع فني جديد؟

أشعر بأنني مثقلة بالأفكار، والرغبة في الشعور بالخفة مجدداً هي ما يدفعني إلى العمل بشكل أسرع لأنقل ما أحسست به إلى أرض الواقع. وعندما أحقق تقدماً وأنتج المزيد، أبدأ بالشعور بالراحة والخفة، ويكون الأمر مبهجاً بشكل لا يصدق في النهاية.

تدمج التقنية التي طورتِها بنفسكِ مجموعة من الأساليب في الرسم، بدءاً من التزجيج الزيتي إلى الطبقات الرقيقة من الطلاء المبلل والبخاخ. هل يمكنكِ إخبارنا المزيد عنها؟

الطبيعة توجّه الأفكار والتقنيات في فنّي. وإنّ جلد الإنسان، على وجه الخصوص، يلهمني لصياغة القوام والتأثيرات. فتماماً كما يتكون الجلد من طبقات، أقوم ببناء عدة طبقات رفيعة وشبه شفافة في تسلسل متعمد من الألوان حتى أحقق المظهر النهائي المتخيّل.

تركّزين في عملكِ الثلاثي الأبعاد على التفاعل بين الطبيعة والظواهر الحركية والزمانية والمكانية، وعلى الفحص الاستبطاني للتضاريس العارية للتكوينات الصخرية الصحراوية وعلاقتها بالجسم البشري. كيف اكتشفتِ هذه العلاقة، ولماذا قررتِ استكشاف أعماقها لإيصالها للجمهور من خلال الفن؟

بدأ كل شيء بفعل بسيط: التحديق في التكوينات الصخرية. هذه العجائب الطبيعية، العضوية والمجردة في نفس الوقت، غيّرت تصوّري لجميع الأشكال العضوية، سواء كانت مصنوعة من الرمل أو اللحم. بالنسبة لي، هي تمثّل مجموعة من النسب التي تسترشد بالرمز الطبيعي الذي يشكل كل شيء في الطبيعة، بما في ذلك أنفسنا. وتحدث هذه الاختلافات التي لا نهاية لها في التكوينات عندما يرقص هذا الكود الطبيعي عبر المادة. وكبشر وجزء من الطبيعة، أصبح لدي فضول حول كيفية تناسب حركاتنا مع هذا الرمز، وذلك عندما بدأت في تسجيل حركاتي الخاصة، يدوياً ورقمياً، وإنشاء جميع أنواع التكوينات العضوية.

مارستِ فن الشارع في عمّان في الأردن، وكان لكِ دور كبير في إثراء المشهد الفني والثقافي هناك. ما هي صعوبات ومزايا عملكِ كفنانة شارع؟

في الحقيقة، أنا حالياً أخذت استراحة من فن الشارع للتركيز أكثر على أعمال الاستوديو، على الرغم من أنني أفتقد الحجم الكبير والحماس الذي يجلبه هذا النوع من الإبداع الفني. وهناك العديد من التحديات، خاصةً في بلد لا يوجد فيه اهتمام كبير بأنظمة التأمين أو السلامة، وقد تعرضت لبعض الحوادث الخطيرة نتيجةً لذلك. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون ذلك مرهقاً مالياً، وغالباً ما يتطلب تمويلاً خارجياً، كما هو الحال مع المنظمات غير الحكومية في الأردن، بحيث تملي المواضيع والألوان. بالنسبة لي، هذه هي العيوب الرئيسية، وبخلاف ذلك، يتعلق الأمر بإيجاد توازن بين العمل في الشارع والاستوديو.

ما رأيكِ بالمشهد الثقافي النسائي في العالم العربي اليوم، وهل هناك فرص تضمن المزيد من الانتشار والتمكين للفنانات الشابات؟

لم أطرح على نفسي هذه الأسئلة قط، ولم أشعر بالفضول تجاهها. ومع ذلك، في الوقت نفسه، أشعر أنّ تأثير الإناث أصبح مهيمناً بشكل متزايد، ويعجبني ذلك لأننا نحتاج إلى المزيد من الطاقة الأنثوية في هذا العالم لخلق التوازن المطلوب في الحياة.

هل تعتبرين أنّكِ حققتِ أبرز طموحاتكِ من خلال نجاحكِ كفنانة؟ هل تعتقدين أنّ الإيمان بالنفس يوصّل للنجاح أم أنّ العمل المكثف يوصّل إلى ما نرغب فيه؟

إنها دائماً مسألة توازن مدفوعة بالنيّة وبالرغبة الحقيقية في الإنجاز والعمل المستمر للوصول. بصراحة، لا أفكّر في النجاح في معظم الأوقات، لأنّه من الممكن أن تكون ناجحاً وغير راضٍ، وهذا ليس ما أبحث عنه. لم يتبقّ لدينا سوى بضع سنوات على هذا الكوكب وأنا هنا فقط لاستكشاف إمكاناتي وما يمكنه أن يجعلني راضية وسعيدة.

حدّثينا عن أجدد معرض لكِ Moving Through The Ether الذي أقيم مؤخراً في Tabari Art Space؟

قدّمت في المعرض مجموعة من الأعمال التصويرية المجردة على القماش، التي تُدخل المشاهدين في عالم من التبادل والتحول المستمر. وتمثل كل لوحة قناة لمساعيّ الهادفة لتغليف جوهر التكوينات الطبيعية للصحراء، واستخلاص جوهر هذه الظواهر الطبيعية التي تقع أيضاً ضمن الحركة الطبيعية، مثل حركة الجسد على لوحة قماشية ذات أنسجة معقدة، فأعكس أشكال الحياة، والتضاريس المتموّجة التي تثير إحساساً بالأشكال العضوية المجرّدة. وعندما يتفاعل المشاهدون مع اللوحات، فإنّهم يشرعون في رحلة إدراكية، أشبه بفك رموز اللغة الغامضة للطبيعة نفسها. أعمالي تنبض بالطاقة الحركية، حيث أقدّم تشكيلات عضوية وغير مألوفة في نفس الوقت، وتجذب المراقبين إلى رقصة الاعتراف والوحي. بالنسبة لي، يصبح التواصل مع هذه الظواهر الطبيعية سعياً روحياً تقريباً، بحيث ينخرط في حوار عميق مع العقل الباطن من خلال الطبيعة.

ما هي مشاريعكِ خلال الفترة المقبلة؟

أنا متحمسة جداً للعودة إلى الاستوديو الخاص بي، والتعمّق أكثر في الأردن، كما لديّ رغبة في السفر لأصطحب الاستوديو الخاص بي أينما أتجول وأنقل فني إلى أبعد بقاع العالم. أهدف إلى القيام بمشاريع خارجية أقل والتركيز على مساعيّ وأهدافي الشخصية، التي تتمحور حول خلق المزيد وتعزيز اتصال أعمق.

اقرئي المزيد: مايا غزال: أعمل كل يوم لنفسي ولقضية اللجوء واللاجئين

 
شارك