مايا غزال: أعمل كل يوم لنفسي ولقضية اللجوء واللاجئين
هي ليست الصدفة بالتأكيد وليس الحظ أو القدر، إنّها رحلة طويلة تخللها الكثير من التعب والدراسة والبكاء ولحظات الشك والحزن، لينتصر في النهاية المجهود الجبّار الذي بذلته الشابة السورية اللاجئة مايا غزال، وتصير اليوم سفيرة نوايا حسنة مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وأول متدرّبة سورية لاجئة تصير قائد طائرة تجارية. فتعرّفي على رحلتها من اللجوء من بلدها سوريا، إلى ما وصلت له اليوم بعمر الـ25 عاماً، لتثبت أنّ لا شيء يقف أمام الإرادة الصلبة.
انتقلتِ من الحرب وغياب الأمان إلى الإستقرار والمستقبل المليء بالفرص، ما هي أجمل وأصعب الذكريات التي تحملينها عن هذه الرحلة؟
أصعب ما مررت به خلال تجربة النزوح، هو اللحظة التي أدركت فيها أنني فعلاً أبدأ بحياة جديدة في بريطانيا، بعيداً عن المحيط الذي تربيت فيه، وعن أهلي وأسرتي وأقاربي، أما أجمل ما عشته فهو شعور التقدير الذي حصلت عليه بعد التعب والجهد والعمل المتواصل لكي أصل إلى ما أطمح به، كما وتسعدني نظرة الفخر والتقدير التي أراها في أعين أسرتي وأجدادي بكل ما أنجزته وما أنوي تحقيقه مستقبلاً.
كيف تغيّرت شخصيتكِ بعد تجربة النزوح، وتكوّنت لديكِ الرغبة في السعي بحماس وإرادة أكبر لتحقيق ما تحلمين به؟
شخصيتي في رحلة اللجوء تغيّرت من عدة نواحي، ولكن بعد انتقالي إلى بريطانيا، انفتحت على أنماط فكرية مختلفة، وفي الوقت نفسه، فهمت معنى أن ينظر إليك الآخر على أنّك «لاجئ»، ويقيّمك على هذا الأساس، وهذا الأمر جعلني إنسانة أكثر قوة. بتّ أسأل عن حقوقي وأدرك أهميتها، ازداد وعيي وكبرت وصرت المرأة الواثقة التي أنا عليها اليوم، رُفضت عدة مرات، وأحببت الرفض أكثر من القبول والنجاح لأنّه علّمني أن أثق بنفسي وأعرف أماكن قوّتي... ولا شك أن شخصيتي تغيّرت كثيراً وأنا سعيدة وفخورة بالمرأة التي أمثّلها اليوم.
كيف تغلّبتِ على الصور النمطية التي يقولَب فيها النازحون؟
حين كنّا في سوريا، كنا نشعر بالفخر والاعتزاز بإنتمائنا وبجنسيتنا، لم نفكر يوماً أننا سنضطر للمرور بتجربة اللجوء، ولكن الظروف سارت عكس توقعاتنا، فغادرنا على أمل أننا سنعود وقتما نشاء، لأننا لم نرد أن ينظر إلينا الآخر على أننا ضعفاء، ليس لدينا بيت، ولا نعلم متى يمكن أن نعود... هذه هي الصور التي نراها عن اللاجئين، والتي تكرّسها الكثير من وسائل الإعلام، ولكنني لم أحب أن أعيش ضمن هذه الصور. وبدايةً كنت أخجل كثيراً من هذا الأمر، وما زاد من إحساسي بالألم هو أنني رُفضت من 3 مدارس بسبب كوني لاجئة، على الرغم من أنّ علاماتي كانت مرتفعة جداً، لذا قمت بتعلّم الإنكليزية بمفردي، وسعيت لإيجاد طرف ثانٍ لمساعدتي، وكان عمري وقتها 16 عاماً فقط، ولكنني تعلّمت الإصرار وعدم الاستسلام، لم أرد أن يكون اللجوء نقطة ضعفي، لأني أريد أن أعيش وأنعم بمستقبل مشرق، وهذا هو اللاجئ بنظري اليوم، هو إنسان مثابر ومكافح، مليء بالإرادة والسعي لأن يكون أفضل. وباتت كلمة أو صفة لاجئ، كلمة أعتزّ بها، فأنا لن أنكر أبداً أصولي السورية وأفتخر بها، برغم نيلي الجنسية البريطانية، وإن عنى ذلك أن أكون «لاجئة»، فليكن، لأنّ ذلك لن يحد من قوّتي أبداً.
لماذا أحببتِ مجال الطيران؟ وكيف وجدتِ فترة الدراسة؟
الصدفة هي ما أدخلني مجال الطيران، فأنا كنت أرغب في أن أدرس العلوم السياسية لأصير سفيرة لبلدي سوريا، ولكن في أحد الأيام كنت أتابع عرضاً للطائرات في مطار بجانب هيثرو مع والدتي، ووجدت نفسي مشدودة لما أراه: نظام الطيران، شكل الطائرات وهي تحلّق وتدور، فعبرت الفكرة في رأسي وحين صرت أتحدّث عن شغفي الجديد هذا أمام الناس، قوبلت أيضاً بعبارات الرفض وبأنني لن أتمكّن من إيجاد عمل أو حتى النجاح بأن أصير قائدة طائرة لكوني لائجة، وربما هذا ما دفعني للإصرار على هذا المجال، وبدأت بالعمل على شهادة الطيران، ووجدت نفسي داخل الطائرة، وكأنني فيها أصبح حرّة. فيها لست لاجئة، فالسماء لا حدود لها، ويمكنني أن أذهب أينما أشاء، ولن يسألني أحد عن وضعي أو هويتي أو جنسيتي.
هل ترين أنّ هناك تغييرات في نظرة المجتمعات العربية والغربية للنازحين ودورهم في مجتمعاتهم؟
بعد كل التجارب التي مررت بها من رفض ونجاح وتكريم وتقدير وشهرة ومركز مهني مرموق، أحسست أنّه مع تقدّمي في السن، تغيّرت نظرتي لنفسي ولقدراتي، ولم تعد تعنيني نظرة الآخر لي، فالمهم هو ثقتي بنفسي وباستمراريتي. أحياناً أقول إنّ ما حصل معي هو محض صدفة، ولكنني سريعاً أبعد هذه الفكرة عن بالي، وأتذكّر كم بكيت وتعبت وعملت واجتهدت لكي أصل، وبالتالي هذا هو المهم، فحين أمتلك الثقة سأغيّر نظرة العالم لي.
ما الذي تشتاقين له في سوريا؟ وما هو أكثر ما أحببتهِ في بريطانيا؟
أشتاق للمّة الأهل والأقارب، فهذا ما نفتقده هنا في بريطانيا، لأنّه من الصعب أن نجتمع كلّنا كما كنا سابقاً. أشتاق أن أشعر أنني بين عالمي وناسي، فأنا تركت سوريا بعمر الـ15. كنت طفلة، أما اليوم وأنا شابة، فلم أعد أشعر أنني سورية بشكل كامل ولست أيضاً بريطانية، فهناك دائماً إحساس مفقود...
وبالنسبة لأكثر ما أحبّه في بريطانيا، فهو أنّ هناك نصيب لكل مجتهد، وهناك مجالات متنوعة جداً يمكن تحقيق النجاح والازدهار فيها، كما يوجد تشجيع وحث على العمل والوصول إلى تحقيق الأحلام.
ما هي رسالتكِ للعالم وللاجئين؟
أقول للاجئين: ثقوا بأنفسكم وبأنّكم قادرون على تحقيق كل ما ترغبون فيه، اسعوا خلف الفرص وامتلكوا الأمل بأن تصلوا، وتأكّدوا أنّكم ستجدون الدعم من أشخاص مثلي مرّوا بما تمرّون به وسيكونون بجانبكم على الدوام.
كيف تشجّعين الشابات السوريات النازحات على الاستمرار في السعي خلف أحلامهنّ؟
لم أفكّر أبداً حين بدأت رحلة النزوح أنني سأصل إلى ما أنا عليه اليوم، ولكن العمل المتواصل والثقة بالنفس وبالناس المحيطين بي، ومعرفتي بأنه لا ينقصني شيء، هو ما جعلني أصير أول نازحة سورية لديها شهادة طيران، لذا فإنّ نصيحتي لكل من هو راغب في تحقيق طموحاته، ولا سيما من النساء، ألّا يسمح لأحد أن يحدد له مكانه أو يقلل من قدراته، فنحن اليوم قادرون على الوصول إلى كل المجالات، ونحن قادة رغباتنا، ندرك ما هي حدودنا، وبالتالي لنكن على ثقة بأنّه حين نضع في رأسنا هدف معين فسنصل إليه، والأمر يحتاج إلى الوقت، ولن يحصل بين يوم وليلة، ولكنه سيحصل مع العمل والاستمرارية ووجود الحافز، فلنذكر النفس دائماً بالهدف النهائي وبالحافز، وسنصل بالتأكيد... هذه أشياء أحببت أن يقولها لي أحدهم حين بدأت طريقي ولكنني لم أجد من يشجّعني، لذا أسعى دائماً لتوجيه وتحفيز غيري وزيادة وعيه بقدراته وبعمله.
ما رأيكِ بالدور الذي تقوم به المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لضمان تأقلم اللاجئ في البلد المضيف؟ كيف يقومون بتوجيه الشباب نحو المجالات التي سيبرعون بها خدمةً لأنفسهم وللمجتمع؟
كسفيرة نوايا حسنة للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، تعرّفت بشكل أكبر على الدور الذي تقوم به المفوضية لحماية اللاجئين وحقوقهم وتوفير المساعدات الانسانية الضرورية لهم من خلال توفير منح للدراسة أو عمل علاقات مع شركات لتوفير العمل للاجئين، والحرص على تنظيم مخيماتهم وأماكن إقامتهم، وبالتالي أدركت كم يهتمون بتوفير كل متطلبات الحياة الكريمة لهم، لكي تستمر حياتهم بشكل طبيعي، مع الأمل بغد أفضل. أنا سعيدة وفخورة بعملي معهم، لأنني أتعلم وأكتشف أموراً متنوعة، مع وجود الكثير لتقديمه بعد، لتوفير حياة أفضل. هناك المزيد لتقديمه ولكننا نسعى بكل جهدنا لتوفير كل الفرص التي بمقدورنا.
كيف ساعدتي اللاجئين من خلال عملك مع UNHCR ؟
أعمل كل يوم لنفسي ولقضية اللجوء واللاجئين، وخاصةً أبناء بلدي السوريين، وأعمل لخدمة المرأة ولقضاياها. وصحيحٌ أنّ لا شيء سهل ويوجد تعب وجهد كبير في الرحلة، ولأنني واقعية وحقيقية، لن أكذب وأقول إن الأمور سهلة، بل كل شيء قابل للتذليل. وكوني نازحة وقائدة طائرة، أعي أنه يوجد فقط 5% من مجمل قادة الطائرات من النساء حول العالم، بالتالي أسعى أيضاً لتمكين النساء في هذا المجال، فكل شيء ممكن ومتاح أمامنا.
اقرئي المزيد: يسرى مارديني...عن رحلة العبور من اللجوء إلى الحياة