مصمّمون فلسطينيّون يعيدون إحياء التراث: جولة على 6 ماركات!
لطالما ارتبط التطريز والأعمال اليدويّة المحليّة التي تعكس تراثاً غنياً وتاريخاً عريقاً بالثقافة والحضارة العربيّة. فالجمال الموجود في التفاصيل الدقيقة التي تتزيّن بها الأزياء العربيّة التقليديّة قد نال إعجاب عالم الموضة وأصبح يُستخدم في كلّ أنحاء العالم على مرّ السنين فيمتزج الأسلوب المعاصر بالتراث بطريقة رائعة. وبرز مؤخراً بعض المصمّمين الفلسطينيّين في عالم الموضة حيث قدّموا قطعاً استثنائية تحمل في طيّاتها رسائل قويّة تجمع بين التراث الغنيّ وثقافة البلد مع طابع معاصر لابتكار ما يمكن تسميته بالأسلوب التقليديّ المعاصر.
منذ قرون مضت، ارتبط فنّ التطريز بالثقافة الفلسطينيّة. وقد تناقلت الأجيال هذا التقليد الفنيّ عبر الزمن حتّى أصبح يُستخدم اليوم في مجال الموضة في جميع أنحاء العالم. وترمز هذه الحرفة اليوم إلى بلد يتميّز بثقافته وإرثه العريق، فيعود الكثير من المصمّمين في الزمن إلى تاريخ هذا البلد لابتكار تصاميم معاصرة إنّما ترمز في الوقت نفسه إلى هذا التقليد القديم. حرفة التطريز هذه التي يمارسها حرفيّون ماهرون تتطلّب الكثير من المثابرة والدقّة في العمل. ومع بروز المصمّمين الفلسطينيّين المحليّين، ازداد التعلّق بالتراث والرغبة في المحافظة على هذه الحرفة القديمة والغنيّة. فينعكس جمال الدقّة والتراث والتاريخ في هذه الحرفة بطريقة معاصرة ومبتكرة من دون أن تفقد جوهرها الذي تشتهر به فلسطين.
Anat International
تأسّست العلامة التجاريّة عام 2020 على يد الباحثة والناشطة ورائدة الأعمال Salma Shawa، وهي تهدف إلى تقديم الملابس الجاهزة المناسبة للنساء والرجال معاً وإعادة إحياء صناعة القماش في غزة. أمّا العنصر الأبرز في تصاميم هذه العلامة فهو التطريز اليدويّ الذي ينفذّه الحرفيّون المحليّون الماهرون على القماش. وتتميّز كلّ القطع بأسلوب مناسب للمرأة والرجل معاً فتمنحهم الإحساس بالراحة بدون الشعور بالتقيّد.
أمّا الأقمشة التي تستخدمها Salma فهي مصنّعة في مصنع الدنيم الوحيد الموجود في غزة وهي تركّز على أنّ التطريز ليس مخصّصاً للملابس النسائيّة فحسب بل هو أسلوب تقليديّ من التصميم الدقيق الذي يمكن اعتماده أيضاً لملابس الرجال.
وتركّز العلامة أيضاً على منح الرجال الفرصة للمشاركة في عمليّة التطريز كوسيلة لكسر القاعدة بحيث كانت الخياطة والتطريز سابقاً حكراً على النساء. وتصنّف علامة Anat International على أنّها جزء مع توجّه الموضة البطيئة وذلك لأنّ العمل اليدويّ والحفاظ على البيئة هما من العوامل الأساسيّة بالنسبة إلى العلامة. فالإنتاج بوعي وبكميّات محدودة يجعل منها علامة مسؤولة ومستدامة. وإلى جانب علامتها التجاريّة تستخدم Salma صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي للدفاع عن فلسطين، فهذه بالنسبة إليها وسيلة لتوصل صوت الشعب الفلسطينيّ إلى العالم أجمع.
Darza
أسّست المصمّمة الفلسطينيّة Waad Hammad علامتها التجارية Darza عام 2019. وُلدت Waad في القدس وتخرّجت من أكاديميّة بتسلئيل للفنون والتصميم قبل الشروع في رحلتها لابتكار علامتها التجارية الخاصّة. وانضمت إليها شقيقتها Ahed لابتكار قطع رائعة للنساء باستخدام أجود أنواع الأقمشة وبتصاميم ناعمة وكلاسيكيّة. أمّا ما شجّعهما لتأسيس علامتهما التجارية فهو تعلّقهما الشخصيّ بالتقاليد والارتباط الثقافي بالأزياء والتطريز الفلسطيني التقليديّ الذي لم يعد ملائماً للمرأة المعاصرة في يومنا هذا. لذا هما تقدّمان اليوم عبر علامة Darza مجموعات معاصرة إنّما تبقيان رغم ذلك وفيّتين لتراثهما.
وتبقى أهميّة التركيز على التراث والتقاليد جزءاً لا يتجزّأ من هويّة العلامة التجاريّة، فيشكّل التطريز عاملاً بارزاً في تصاميمها. وبما أنّ المصمّمتين تدعمان الاستدامة والمحافظة على الثقافة والتقاليد الفلسطينيّة، هما تبتكران تصاميم كلاسيكيّة تتعدّى المواسم لتتمكّن المرأة من ارتدائها من سنة إلى أخرى. كما أنّهما تأخذان التصاميم القديمة التي يتخلّلها التطريز، فتحافظان على التطريز وتعيدان تصميم القسم المتبقّي وتضمّانه لاحقاً إلى القطع الجديدة التي تقدّمانها. وتجسّد كلّ قطعة من تصاميم Darza جمال الأسلوب الكلاسيكيّ الأزليّ من أربعينات القرن الماضي إنّما تظهر بحلّة جديدة وعصريّة لتناسب المرأة المعاصرة التي تبحث عن التصاميم متعدّدة الاستخدامات والمبتكرة والتي تخبّئ أيضاً طابعاً تقليديّاً جميلاً.
"أرى أن مشروعي هو محاولة لإعادة هيكلة اللباس التقليدي الذي لم يعد يصلح لوقتنا الحالي، حيث أقوم بمعالجة الثوب إلى شكل جديد ليسرد خلفيّتنا وتاريخنا. وأعتبر أنّ إضافة التطريز إلى قطعنا اليوميّة يساهم في حفظ هويّتنا ويذكّرنا دائماً بتاريخنا ومسيرتنا النضاليّة، فكما هو معروف أنّ التطريز الفلسطيني، في مرحلة معينة، اتّخذ دوراً مهمّاً في نضالنا والدفاع عن قضيتنا، وأيضاً في حماية تراثنا من الاندثار. "
Natalie Tahhan
أهمّ ما تمثّله علامة Natalie Tahhan هو التطريز اليدويّ المُنفَّذ بشكل دقيق. بعد أن تخرّجت من كليّة لندن للأزياء وعملت في مجال الفنّ والتصميم، انطلقت Natalie في رحلة جديدة لتأسيس علامتها التجاريّة الخاصّة عام 2015. وبالرغم من مغامراتها في أوروبا، إلّا أنّ أسلوبها في التصميم وشغفها للابتكار يرتبطان بجذورها فيظهر تراثها وثقافتها الفلسطينيّة التقليديّة في كافّة مجموعاتها وتصاميمها.
إذ تحمل إحدى مجموعاتها مثلاً اسم Prints of Palestine أو "طبعات فلسطين" وتشكّل تحيّة للجمال الموجود في التطريز الفلسطينيّ التقليديّ. فتتضمّن هذه المجموعة الكبسولة أشكالاً مطرّزة مستوحاة من مناطق مختلفة في فلسطين. كما تبرز عناصر ثقافيّة غنيّة في تصاميم المجموعة بحيث نرى إرث موطنها في كلّ قطعة تعكس الأسلوب الفلسطينيّ المعاصر في الموضة. ويتمّ تصنيع كلّ قطعة من تصاميم Natalie Tahhan في القدس وتحمل كلّها عناصر مفصّلة تجسّد العمل اليدويّ التقليديّ من جهة والأناقة والعصريّة من جهة أخرى.
فضلاً عن ذلك، كلّ الزخرفة التي تستخدمها Natalie مأخوذة من التطريز التاريخيّ الذي يأتي من القدس والخليل وغزة ويافا ورام الله لتقديم قطع جميلة تتميّز بالطابع المعاصر الذي يتخلّله أيضاً بعض العناصر من التراث والتاريخ. تبرز تصاميم Prints of Palestine أيضاً بألوانها النابضة بالحياة كما تجسّد بعض القطع الأساليب التقليديّة إنّما بتصميم جديد وذلك للمحافظة على التطريز الفلسطينيّ التقليديّ في القرن الـ21.
Taita Leila
سُمّيت علامة Taita Leila تيمّناً بكتاب The Art of Palestinian Embroidery أو "فنّ التطريز الفلسطيني" للمؤلّفة Leila Hussein Fakhri Khalidi وهي تهدف إلى إعادة إحياء التطريز الفلسطيني القديم والغنيّ. أيقظ هذا الكتاب الشغف لابتكار قطع تتغنّى بالتطريز وما زال حتّى اليوم مصدر إلهام للكثير من الابتكارات. فقد عانت المؤلّفة نفسها التهجير القسريّ من منزلها في القدس واعتزّت طوال حياتها بهويّتها الفلسطينيّة حتّى وفاتها عام 2020. وكتحيّة تقدير لروح Leila، ابتكرت العلامة مجموعة صغيرة على شرفها تحمل اسم Roh Sitti أو "روح ستّي" وكانت مستوحاة من أسلوب Leila الخاصّ.
بدأت قصّة علامة Taita Leila عام 2015 من خلال التمويل الجماعي وعبر تقديم جوائز لقطع أيقونيّة تمّ اختيارها من المجموعات الأولى التي كانت مخصّصة لجمال القصّات والتفاصيل التي تبرز في الثوب الفلسطينيّ التقليديّ. ويتمّ تصميم كلّ القطع وتصنيعها في فلسطين حيث تعمل نساء من الضفّة الغربيّة على التطريز بينما يُوزّع التنفيذ والتصنيع على المناطق التاريخيّة في فلسطين. وهكذا يتمّ المحافظة على التطريز الفلسطينيّ التقليديّ من جهة وعلى الحرف اليدويّة المحليّة من جهة أخرى.
ويشكّل التطريز والحرفيّة المحليّة إذاً جوهر هذه العلامة التجاريّة التي تقدّم مجموعة أساسيّة كلّ سنة ويتمّ بيعها على أساس الطلب المسبق وذلك لتقليل النفايات والمحافظة على البيئة وعلى مجتمع العمل. أمّا مصدر الإلهام وراء تصاميم المجموعات فهو التراث الفلسطينيّ الغنيّ وأعمال Leila Khalidi فتركّز العلامة على تقديم قطع بسيطة إنّما تبرز فيها لمسة من التراث والتاريخ الفلسطينيّ العريق.
وفي كلّ قطعة تقدّمها By Al Muna، نلاحظ التصميم البسيط والناعم بالإضافة إلى الأقمشة الرقيقة والمنسدلة لتعكس الحركة الساحرة والجميلة. وتظهر التفاصيل البسيطة والبارزة في الوقت نفسه على كلّ القفاطين وهذا ما يجعلها تصاميم أزليّة وعابرة للمواسم. فيجتمع التصميم الجميل مع الطابع العمليّ والأنيق في كلّ قطعة من هذه المجموعة التي تتميّز بألوانها المتنوّعة وبأسلوبها الناعم والجذّاب المناسب لفصل الصيف.
Dar Noora
وُلدت Noora Adeen Khalifeh ونشأت في القدس وتخرّجت من جامعة FIT قبل المضيّ في رحلة جديدة نحو ابتكار علامة Noora Heritage House. تمزج تصاميمها تقنيات التطريز الفلسطينيّة التقليديّة بشكل رائع في قطع معاصرة. وتركّز Noora على أهميّة الخياطة المتقاطعة لابتكار تصاميم تعكس التقاليد من جهة إنّما تتميّز أيضاً بأسلوب معاصر يتماشى مع توجّه الموضة الحالي. تهتمّ Noora أيضاً بإعادة فنّ التطريز إلى الواجهة بعد أن مرّ بفترة كان يُعدّ خلالها تقليديّاً وغير معاصر، لكنّه عاد مع الوقت ليبرز ككنز وحرفة وطنيّة يمارسها أشخاص يتمتّعون بموهبة حقيقيّة.
فتعمل علامة Dar Noora مع مجموعة من الحرفيّات المحليّات الفلسطينيّات إذ توظّف أكثر من 100 امرأة في جميع أنحاء غزة والضفة الغربية والقدس اللواتي يحترفنَ التطريز. فيتمّ ابتكار كلّ قطعة يدويّاً وبدقّة عالية مع المحافظة دائماً على هذه الحرفة المحليّة التقليديّة. أمّا التصنيع فيتمّ بكميّات محدودة وتتضمّن المجموعات ألواناً رائعة ونابضة بالحياة تعكس الكثير من السعادة والإيجابيّة.
تتألّف مجموعات Dar Noora من تشكيلة قطع وتصاميم متنوّعة تضمّ الأثواب والعباءات والقفاطين والتنانير والسترات والقمصان. وتتجلّى تجارب Noora الشخصيّة في القدس في ابتكاراتها، إذ تتميّز كلّ قطعة بالصناعة اليدويّة الدقيقة لتعكس التقنيات والأشكال التقليديّة التي يمكن استخدامها في تصاميم معاصرة. فإحدى المجموعات التي تحمل اسم Sunbird أي تمير فلسطين أو عصفور فلسطين مستوحاة مثلاً من الجمال الموجود في طبيعة البلد. فهذا العصفور الذي لطالما شكّل رمزاً لفلسطين، يجسّد الجمال القديم بالإضافة إلى الحريّة والأمل.
وعلى مرّ السنين، اختارت الكثير من الشخصيّات البارزة تصاميم علامة Dar Noora مثل جلالة الملكة رانيا العبد الله ملكة الأردن ولينا قيشاوي، ودلال أبو آمنة. وبالإضافة إلى ابتكار قطع تقليديّة معاصرة، تدعو Noora لدعم تمكين المرأة، وقد شاركت في الكثير من المؤتمرات والندوات التي تنشر الوعي بشأن الرفاهيّة الاقتصاديّة والاجتماعيّة للمرأة بالإضافة إلى مساعدة المجتمعات المحليّة على الازدهار في فلسطين. ومن خلال أعمالها، تتشارك Noora ذكرياتها ومشاعرها أثناء نشأتها في القدس فتظهر تاريخ فلسطين الغني الذي يتجسّد بقوّة في حاضرها.
اقرئي أيضاً: الكوفية الفلسطينيّة رمز للصمود والعزيمة والتضامن