وصال عزيز: حين أرسم أشعر بأني بتناغم مع الموسيقى فأترجمها إلى خطوط وتعابير فنية
تبرع الفنانة المغربية الشابة وصال عزيز في الدمج بين الفن التجريدي والموسيقى بكل إيقاعاتها ولا سيما المغربية منها والتي تربت وترعرعت وهي تستمع إليها في طرقات وأحياء وأزقة مراكش، وقد ساهم تنقلها بين أكثر من دولة، وانفتاحها على ثقافات متباعدة ومختلفة، في تكوين شخصية فنية وموسيقية مميزة، ساعدتها لكي تبدع العديد من الأعمال التجريدية المعبرة، فماذا تقول عن العلاقة بين الفن والموسيقى؟ وكيف تجمع بينهما في أعمالها؟ الإجابات في هذا اللقاء معها.
كيف اجتمع في شخصيتك حب الفن التجريدي والموسيقى بمختلف ايقاعاتها؟
شخصيتي تنمو وتتطور بالأساس حول التناغم بين مختلف أنواع الفنون، فالموسيقى والرسم يسمحان لي بالتعبير عن أفكاري ومشاعري وقصصي بطريقة غير محكية أو مكتوبة. يأتي حبي الكبير للفنون من طفولتي التي قضيتها في مراكش، بين أرجاء جامع الفنا التاريخي والعريق، حيث كنت أستمع لكل الأصوات والإيقاعات التي تنتشر في ساحة الجامع، كنت أشعر أني أسمع دقات قلب المدينة. من هنا بدأ تعلقي الكبير بالصوت والإيقاع، فحين أستمع إلى أي نغم جديد أنصت جيداً لأعرف مصدره، وأكتشف كيفية تولّده، وما الذي يمثله.. تركت طفولتي أثراً كبيراً في تكوين شخصيتي الحالية، ولأن أسفاري كانت كثيرة، تسنى لي اكتشاف المزيد عن العالم، والبحث عن أصوات ونغمات موسيقية مشابهة لتلك التي هذّبت ذوقي الفني منذ الصغر، ومنها "منوال غناوي" المغربي التقليدي، لأكتشف أنّ الإيقاعات متشابهة كثيراً وأن الموسيقى والفن يتكاملان ويتشابهان في كل العالم، فنحن كلنا جزء من قصة عالمية ملهمة. أدرك اليوم جيداً أن جميع الفنون تكمل أحدها الآخر، وهي طريقتنا للتعبير عن أنفسنا ومشاركة أفكارنا ومشاعرنا.
هل يمكن للرسام ترجمة اللحن والصوت والنغم من خلال الخطوط والرسم والفن التجريدي؟
بالنسبة لي فإن هذا الأمر يأتي بطريقة طبيعية، فضربات الفرشاة على اللوحة تشبه كثيراً الإيقاعات والنوتة الموسيقية، كل خط أو لون أو أثر أو على القماش أمامي، هو إيقاع يحركني ويعكس الحركة والصوت فيبيّنما بشكل مرئي. حين أرسم أشعر بأني في تناغم مع الموسيقى، منسجمة بشكل كبير مع النغمات، فأترجمها إلى خطوط وتعابير فنية على اللوحة. في اللحظة التي أبتكر فيها عملاً من دون تخطيط معتمدة على ذاكرتي وأفكاري والأصوات التي أسمعها في رأسي، فإن السحر يبدأ ولا أعرف حدوداً بعدها للإبداع.
في العادة يختار بعض الفنانين الاستماع للموسيقى اثناء عملية الرسم، هل انت منهم؟
أحياناً أحتاج للصمت التام حين أرسم، ولكني أسمع الموسيقى في رأسي، فأنا وبشكل دائم أعيش مع النغمات والأصوات التي تحركني، وحين أرى النتيجة النهائية لعملي، أحس أني رسمت ما يعكس الموسيقى التي حركتني خلال العمل. في مشاريع فنية أخرى، أستمع إلى الموسيقى وتحركني نغماتها لأعبر عنها على المادة التي اعتمدتها في هذه اللوحة بالذات.
ما الذي تعنيه لك الموسيقى كنمط فني قوي للتعبير ومشاركة الاحساس؟
حرفياً أبدأ أي مشروع جديد مع وجود الموسيقى حولي أو داخلي، هي رفيقتي الدائمة في أي عمل إبداعي، أحب الأنغام الروحية والريتمية ولاسيما "موسيقى قناوة"، وهي مزيج من موسيقى ورقصات أفريقية وعربية وبربرية مغربية تقليدية، كما أحب الموسيقى الكلاسيكية، فأنا عزفت على الكمان منذ سن السابعة وحتى الثامنة عشر من عمري. برأيي الموسيقى فعل بدائي وقوي يعود إلى أبعد من تاريخ بدء الحياة البشرية، هي وسيلتي للتعبير عن مشاعري، والتي يصعب عليّ الكشف عنها بالكلام، كما أنها تعكس ما أنا عليه: امرأة قوية، روحانية، ذكية، ملهمة، وذات أصول راسخة أخذتها من عائلتها وأمها وجدتها قبلها، وبالتالي تتحدث عن تراثي وهويتي، وطريقتي لكي أكون أنا من دون أي تزيين أو رياء أو إدعاء: أنثى في عصر امتلأ بالرياء وبالمعايير غير الصحيحة لمعنى الأنوثة، فهي لا تعني أن تكوني ناعمة وهادئة على الدوام، بل هي تتجلى في فعل المقاومة والقوة في الإصرار على العمل والسعي خلف الطموحات باجتهاد وجدية، لتوصلي للعالم صورة واضحة عن حقيقتك وأصولك وإمكاناتك.
كيف تعكسين حقيقتك التي تحدثت عنها من خلال الفن الذي تقدمينه؟
تتجلى حقيقتي وقوتي من خلال استخدامي للون الأسود بشكل كبير في لوحاتي، وقدرتي على تحويل قطعة القماش العادية إلى لوحة فنية معبّرة، مع ملمس وشكل يشبه الجلد المعروف بصلابته وبأنه من أفخم أنواع الأقمشة، بهذه الطريقة أعبّر عن حريتي، وأوجّه تحية لكل شابة ترغب بإثبات ذاتها في محيط صعب وربما غير داعم.
ما هي الأحاسيس التي تعيشينها لدى العمل على مشروع فني جديد؟
أشعر بالحماس الممزوج بالترقب والتوتر، ولكنه قلق إيجابي بشكل ما، إذ أغوص في الاحتمالات التي تفتحها هذه الرحلة الجديدة أمامي، أسمح للمادة أن تتحدث إليّ، هي عملية عاطفية تخولني فهم نفسي واكتشاف المزيد من العناصر في عالمي. لا يكون لديّ أي فكرة عن النتيجة النهائية، بل أنسجم مع العملية الإبداعية بشكل كبير، وأحب فكرة الابتكار والسماح لأفكاري ومشاعري أن تتجلى أمامي على القماش أو الورق.
الى اي مدى يهمك وصول فكرتك من العمل الفني للجمهور؟ هل تتركين له حرية تفسيرها، أم تقدمين له دلالات على معانيها؟
لا يهمني أبداً أن يفهم الجمهور فكرتي لأني أؤمن أن الفن هو حوار عميق يصل إلى الناس من دون قيود اللغة والجنسية والخلفية، يهمني أن أخلق محادثات وأترك لدى المتلقي أثراً، أو أحرك لديه إحساساً، بغض النظر عن فكرتي الأولى عن العمل. الفن التجريدي، هو مثل الموسيقى يصل بأشكال وتفسيرات مختلفة، لذا فأنا أترك تلميحات وذبذبات وأفسح المجال للجمهور، أن يفهم الرسالة بطريقته.
تحويلُ القطعِ العاديَّةِ إلى لوحاتٍ فنيَّةٍ ذات معان، ليس بالأمرِ السهل، فهل تقومين بعملِ مخططاتٍ قبل الشروعِ في الرسم، أم أنك تبدأين بالرسمِ دون تخطيطٍ؟
العملية الإبداعية لديّ عفوية ومخطط لها في آن، أحياناً أبدأ مع خطة مريحة أي قابلة للتعديل، فيكون لديّ فكرة عامة وأبدأ بالعمل وتأتي النتيجة مطابقة لما حلمت به أو خططت له، وفي أحيان أخرى أرغب باكتشاف كيفية العمل على مادة جديدة، فأبدأ من دون تصوّر واضح، وأنتهي في مكان يعكس رؤيتي بالضبط.
نراك تستقبلين فنانين يشاركونك الرسم أو حتى الغناء والإيقاعات، هل تستوجبُ لحظاتُ الرسمِ الانعزالَ عن المحيطِ الخارجي لإبداع لوحاتٍ مميَّزةٍ، ام يمكن لفنانان تشارك الرؤية الابداعية لتقديم عمل فني مميز؟
أجد أن لكل عمل خصوصيته وظروفه، فأحياناً يحتاج مني إلى العزلة والتخلي عن كل المؤثرات الخارجية، لأعكس حقيقة ما يعتريني على المادة، وفي أحيان أخرى أحب كثيراً تبادل المعرفة مع فنانين آخرين، فنلهم بعضنا البعض، ونتبادل الطاقة وننسجم باتجاه واحد لنصل إلى نتيجة ديناميكية وغير متوقعة. أحب كثيراً التعرف على فنانين وموسيقيين وعازفين، فأكتشف عالمهم ويغوصون في عالمي، وتكون فرصة لتبادل التجارب والمعارف والآراء.
تختارين الرسم والتعبير على مواد واسطح مختلفة، ما هي المتعة التي تختبرينها في هذا الفعل اليدوي الصعب؟ ما هي المادة الاكثر تحديا او ممكن القطعة الفنية؟ وتلك الاكثر سهولة؟
يرضيني كثيراً ويتحداني أن أختبر مواد جديدة في عملي سواء القطن أو الخشب أو الجلد أو أي مادة أو عناصر أخرى مختلفة عن الألوان التقليدية مثل الحناء والإنديغو وصبغة النيلة، أرغب بكل الطرق ببث الحياة في فني، ويمكن في سبيل ذلك ان ألجأ إلى أكثر الأدوات والمواد صعوبة وتعقيداً... إنها حالة عدم القدرة على توقع ما ستكون عليه النتيجة، هي ما تغريني وتشجعني على الاستمرار في التجربة.
هل يمكن أن تلجئي إلى وسائط الفن الرقمي في عملك، أم تفضلين الفن اليدوي والمحسوس؟ وما هي المشاريع الموسيقية والفنية التي تعملين عليها مستقبلاً؟
لست ضد الفن الرقمي بل أجده مثيراً للاهتمام ولديّ العديد من الأصدقاء الفنانين الذين يبتكرون أعمالاً رائعة من خلال وسائطه، ولكني لا أفضله كثيراً في عملي لأن متعتي الحقيقية تتجلى بالخلق والابتكار باستخدام يديّ وأحاسيسي وطاقتي الجسدية والفكرية، لا أمانع أبداً في التعاون مع فنانين يلجأون إلى الفن الرقمي، فيمكن أن نقدم أفكاراً جديدة وجميلة.
كيف توصلين إلى الجمهور مدى التقارب والتلاقي بين الموسيقى والفن التجريدي، من خلال عملك الفني؟
أعمل على مشروع فني كبير قوامه صبغة النيلة المعروفة في البلدان الأفريقية ولا سيما المغرب ومالي والسنغال، وقد أخذ مني التحضير له حوالي عشر سنوات، سيجمع بين الموسيقى الروحانية لتلك الدول ولا سيما بلدي المغرب، وللنيلة وهي جزء من ثقافتنا ومخزوننا التراثي، حيث سيجتمع فنانون من كل دول العالم ليتفاعلوا مع اللوحات الفنية التي سأقدمها والتي ستحكي هذه القصة، ومن المرجح أن يكون العرض في المغرب خلال العام المقبل، وأتمنى أن يكون بداية الطريق لإيصال مدى الترابط الموجود بين الموسيقى والفنون التجريدية.
اقرئي المزيد: رالف غيّاض: ألهمني كل فنان رسمته سواء من خلال موسيقاه أو كتاباته أو فنونه