نور الخضراء: ألعاب الفيديو مجال مفتوح أمام نساء المملكة والتمثيل شغفي منذ الطفولة

أن تكون الشابة Gamer لهو أمر جديد على مجتمعاتنا العربية، فالمصطلح غريب على يومياتنا ولكنه مجال يفرض نفسه بقوة في السنوات القليلة الفائتة، ونور الخضراء امرأة من السعودية أحبت الألعاب الإلكترونية منذ صغرها فسافرت لكي تدرس التصميم في الولايات المتحدة، وبدأت باللعب باحترافية، كما أنها لم تكتف بهذا المجال بل تخوض أيضاَ غمار التمثيل وتثبت يوماً بعد يوم أنها موهبة سعودية واعدة تستحق التحية والإضاءة.

تستهوي الألعاب الإلكترونية عدد كبير من الشابات العربيات، ولكنك لم تكتف بأن تكون مجرد هواية بل حوّلتها إلى مهنة، حدثينا عن كيفية حصول هذا الأمر؟

حصل هذا التطوّر على مراحل كثيرة، فأنا منذ صغري وتحديداً منذ كنت في السابعة من عمري أحب الألعاب الإلكترونية ولكني أردت المزيد، فقررت دراسة تصميم الألعاب في The academy of art university في سان فرانسيسكو، وذلك لكي أتعلم أكثر عن هذه الصناعة وما تحتويه من تشعبات، بعد ذلك انتقلت إلى لندن لكي أحصل على الماجستير وعلى الأثر فكرت بالانطلاق في شركتي الخاصة للألعاب قبل سنتين، بعدها فكرت بمشروع أوسع فكانت شركة Robonetica لتعليم الأطفال والمراهقين كيف يتعمقون في هذا العالم الذي يزداد تأثيره بشكل كبير. تراجع عملي قليلاً خلال فترة الكورونا فقررت البدء بالستريمينغ وتقديم ملخصات حول بعض الألعاب، ولليوم مستمرة في هذا المجال من خلال nourtorious_gamer.

ألم تخشي الدخول في هذا المجال الصعب والجديد بالنسبة لشابة في بداية حياتها المهنية؟

بدأت العمل الخاص بي في لندن ولم تكن الانطلاقة سهلة أبداً، فبالرغم من وجودي خارج السعودية، كان النجاح في مجال ألعاب الفيديو صعب وشائك، لأن الجميع كان يضعني في خانة الشابة الجميلة بشكل تلقائي، فكان عليّ أن أثبت لهم أني أمتلك الذكاء والفكر الجديد بالرغم من المظهر، صحيح أن هناك أشياء في الحياة الفعلية لا يمكنني القيام بها كلعب كرة القدم مع الرجل أو خوض القتال والمعارك، ولكن في الألعاب فالأمر لا يعتمد على القوى البدنية بل على القدرات الفكرية، لأننا في ذاك العالم، نكون متساويين. أنا أردت أن أثبت أني أخوض هذا المجال لأني أحبه فعلاً ليس بهدف تحقيق ربح مادي أو زيادة عدد المشاهدات على ألعابي، ولكننا للأسف نشهد توجّع العديد من الشابات إلى الألعاب لتحقيق هذه الأهداف فقط، وقد صعّب عليّ هذا الموضوع مهمتي في كسب المشاهدات الصحيحة التي أبحث عنها وفي الوصول إلى النجاح بالطريق الصحيحة التي أطمح إليها.

كيف تطورين نفسك لكي تواكبي كل ما يجري من تغييرات سريعة في عالم الألعاب؟

أعشق هذا العالم وأتابعه منذ سنوات، الأمر تماماً كما لو كنت تحبين رقص الباليه، فإنك ستتابعين الفيديوهات وأجدد الرقصات لكي تتحسني وتتقنيه بأفضل شكل، الأمر نفسه في مجال الألعاب، فهذا الشغف سيجعلك تأخذين اللعب على أنه تحد وعليك كسبه، وسيزيد حماسك حين تزداد صعوبة المراحل، وأنا بطبعي أحب المصاعب ولا أرضى بأن تعيقني عن الوصول إلى هدفي، هكذا حين أصل إلى مكان لا يرضيني البقاء في موقعي بل أبحث عن المزيد من التحديات. أعتقد أن كل لاعبة لديها أسلوبها الذي يميزها وأثق أن النجاح يكون حليف أية شابة تحب فعلاً ما تقوم به وتسعى على الدوام إلى التطور.

هل دعمك أهلك لدخول هذا المجال الجديد ليس فقط في السعودية بل في العالم؟

عارض أهلي في البداية لأنهم لم يدركوا ماهية الدراسة التي سافرت إلى أميركا لكي أتابعها، ظنوا أني أتسلى أو ألعب، فمن الصعب للجيل القديم أن يفهم كثيراً بهذه المجالات الجديدة، ولكني عرفت أني أرغب بدخول مجال صناعة ألعاب الفيديو، وقد كان اختيار دراستها من قبل فتاة مستغرباً حتى في الولايات المتحدة، فالمجال كان جديداً وهو ليس متوفراً في السعودية، كما أني كنت ضمن الدفعة الثانية التي تتخرج من قسم تصميم الألعاب، وكان زملائي الذين يعملون فيه ينتمون إلى خلفيات مختلفة مثل IT أو فنون بصرية. الموضوع كان غريباً بالنسبة لأهلي ولكنهم بعد أن أدركوا شغفي الكبير به دعموني وشجعوني ووثقوا بي وبطموحي.

نلاحظ اليوم وجود مصادر دخل مختلفة عن الأيام السابقة، فلم نكن لنحلم أن يتسنى لنا اللعب طوال النهار والتسلية وقضاء وقت ممتع وتحقيق أموال طائلة من هذا الأمر.. بالتالي فإن استيعاب هذه الحقائق الجديدة لن يكون سهلاً، ولكنه الواقع الجديد الذي نتعايش معه يومياً وهو المستقبل الذي علينا الاستعداد له، بل والمشاركة فيه كشعوب عربية، لأنه لا ينقصنا شيء لكي نصنع التغيير ونواكب كل جديد في العالم من حولنا.

كيف يجب وضع حدود للأطفال لكي لا يسرقهم هذا العالم من واقعهم ودراستهم وعيش طفولتهم؟

على الأهل أن يعوا جيداً التغييرات الحاصلة في حياة أولادهم، فأنا ضد إدمان هذا العالم وقضاء أوقات طويلة في متابعته، كما أني أحرص جيداً على صحتي ونظامي الغذائي ولا أسمح للشاشة أن تسرقني من حياتي، وهذا ما أدعوا إليه جميع الناس الذين يتابعونني، من المهم أن نزرع العادات الحسنة في نفوس الأجيال الجديدة، كممارسة الرياضة واللعب مع الأطفال في سنهم والميل نحو الخيارات الغذائية الصحية، كما أني أشجع أن يكون وقت اللعب مشتركاً بين الأم وابنها أو الأب وأولاده، فبهذه الطريقة يتقاربون من بعضهم ويتمكن الأهل من فهم هذا العالم الذي يجذب صغارهم، كما أنهم يجمعون ذكريات جميلة ستظل محفورة داخلهم لوقت طويل. مع ضرورة وضع قواعد أساسها أن يكون المحتوى ملائم لأعمار الصغار، وأنا هنا أشيد بيوتيوب الذي خصص مضامين للصغار، بحيث يمنع عليهم مشاهدة بعض الفيديوهات العنيفة أو التي لا تتلائم مع الأخلاق والعادات الاجتماعية والقيم السائدة.

ألفت هنا إلى أني أفضل أن يلعب الطفل ويفكر بأساليب للفوز بدل أن يجلس لساعات لمشاهدة التيك توك أو إنستغرام، فالألعاب تحفّز الذكاء والقدرة على حل المشاكل والعمل ضمن فريق، ولذا نرى أن الأطفال الذين ينجذبون إلى الألعاب الإلكترونية أكثر ذكاء ومرونة نفسية من الذين يتابعون وسائل التواصل، لكن أعود وأشدد على أهمية وجود الحدود وأن يكون اللعب في أوقات محددة.

ما هو برأيك سبب الإقبال المتزايد على الألعاب الإلكترونية في العالم العربي؟

ساعدت كورونا كثيراً في زيادة أعداد الستريمرز واللاعبين، فالناس احتاجوا إلى أشكال جديدة من التواصل بعد أن صعب عليهم التواصل المباشر مع محيطهم، لذا وجدوا من الألعاب متنفساً للتسلية وقضاء وقت ممتع، كما أن نوعية الألعاب اختلفت وباتت أكثر تشعباً وتنوعاً ما سمح بإرضاء مختلف الأذواق.

اهتماماتك متشعبة وتطال مجال التمثيل أيضاً، فكيف دخلك هذا العالم؟

أحببت التقليد منذ طفولتي فكنت أقلّد والديّ وأقوم بإضحاكهم وتسليتهم، ولطالما رغبت بالتجربة فلم أعرف إن كنت سأنجح أو هل سأحب صناعة الدراما، لذا بحثت عن الفرصة لكي أجيب عن تساؤلاتي، وأخذت صف تمثيل في لندن خلال فترة كورونا، وعشقت العملية بأكملها، استمتعت بعيش شخصيات لا تشبهني ووجدت أنه أمر قريب من اللعب لأني فيه أتقمص أيضاً شخصيات جديدة، بعد ذلك شاركت في عمل على قناة "شاهد" وكان يدور حول 3 فتيات يرغبن بالعيش باستقلالية في المملكة، وكانت سعادتي لا توصف حيث عشت عن قرب كل ما حلمت به منذ سنوات، مع كل التعب الناجم عن التصوير لساعات طويلة خلال اليوم، وانتظار النتيجة بشوق لكي تظهر على الشاشة. بعدها انتقلت إلى مصر وصورت أول فيلم لي وهو عبارة عن بطولة نسائية مطلقة، عشتها بحب كبير، وأنتظر ظهورها على الشاشة، حيث أن القصة جميلة ومؤثرة مع طاقم عمل سعودي كامل ومن إنتاج MBC ومن المنتظر طرحه أواخر العام الحالي.

ما هي الشخصيات التي تثير اهتمامك وتتمنين تقديمها على الشاشة؟

أحب تجربة أشياء مختلفة عني وعيش مشاعر لم أختبرها في الحقيقة، فهكذا أتحدى نفسي. أول شخصية قمت بها كانت قوية جداً وعصبية ومختلفة عني في نواح كثيرة، أما الشخصية الثانية التي لعبتها فهي ضعيفة جداً وهشة، وقد أحببت هذا الاختلاف لأني أدركت أني أستطيع أن أقدم صوراً مختلفة عني بشكل مقنع ومؤثر. أحب تقديم شخصية البطلة الخارقة فهذا امتداد من عشقي لألعاب الفيديو، كما أنه دور جديد لم يتم تقديمه في عالمنا العربي، وهو سيظر نواح جديدة من شخصيتي لم يتسنى للجمهور رؤيتها.

هل ساهم جمالك في النجاح أم العكس؟

لطالما سمعت كلاماً مفاده أن وصولي في مجال اللعب والتمثيل سببه جمالي، ولكني امتلكت الذكاء لكي أجيب وأثبت لكل من تعامل معي أنه يوجد عقل عميق ومتقد بالذكاء، يقف خلف هذا الشكل الجميل. أنا محبة نهمة للقراءة، أحب المعرفة في كل المجالات وأسعى لتطوير قدراتي، أتابع الأفلام الوثائقية والأبحاث العلمية لقناعتي أني حين أفهم هذا العالم الذي أعيش فيه بشكل صحيح، سأتمكن من معرفة نفسي أكثر وإيصال أفكاري إلى الجمهور الواسع. هذا الأمر ينطبق على مجال التمثيل واللعب أيضاً، فأنا أحب أن أتكلم عن معرفة ولا أسمح بأن يفوتني أي تفصيل في مجال أعمل به. أذكر أني حين كنت في مدرسة تعلّم تصميم الألعاب، كان عليّ أن أثبت أن نيلي لعلامة A لم يكن لأني جميلة بل لأني ذكية ومتمكنة بقدرالشبّان زملائي، فالعالم يميل لأن يقسو على الفتاة لكي تثبت نفسها، لذا فإن مجهودي كان مضاعفاً لكي أقول أن هذه الشابة السعودية الجميلة والقادمة من خلفية ثقافية مختلفة، قادرة على التميّز وصنع اسمها الخاص بجدارتها وليس بالاعتماد على شكلها الجذاب.

ما هي مشاريعك للفترة المقبلة؟

أفاوض على عمليين فنيين جديدين وأتمنى الاستمرار في هذا المجال، كما أني أشارك في مهرجانات سينمائية، وأسعى للاستمرار في قطاع الألعاب وتطويره في السعودية، أفكاري كثيرة ولا يحدني شيء وأؤمن أن من امتلك شيئاً ما يجب أن يحاول بشتى الطرق لتحقيق ما يصبو إليه. أوجّه هنا رسالة إلى الفتيات اللواتي يعشقن ألعاب الفيديو، وأقول لهنّ: العبن وحاولن ولا تستمعن للمجتمع الذي يمنعكن من اللعب لأنكن فتيات، فنحن قادرات وهذا المجال مشوّق ويسمح لك بتحقيق إنجازات جمّة.

اقرئي المزيد: خديجة سليمان: تكسر الصورة النمطيّة عن الإمارات وتكشف وجهها التاريخيّ العريق

 
شارك