في اليوم العالمي للتوحد: رسالة إلى الأمهات من لمى جمجوم مؤسّسة مبادرة "بهجة"

في الثاني من شهر أبريل من كل عام يحتفل العالم باليوم العالمي للتوحّد، وذلك بعد اعتماد الأمم المتّحدة له بهدف زيادة اكتشاف الأطفال المصابين به ونشر التوعية اللازمة. ولأنّ أمّهات هؤلاء الأطفال هنّ البطلات الحقيقيّات، بعضهنّ يعشن في الظلّ فيخدمن صغارهنّ بتفانٍ وحبّ كبيرين، وأخريات يقرّرن القيام بأكثر من ذلك. 

وفي هذه المناسبة التقينا الأردنيّة لمى جمجوم، مؤسّسة مبادرة «بهجة» التي تقوم بإعداد نشاطات خاصّة تجمع الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصّة في أماكن ترفيهيّة مع أهلهم وتساعدهم في الاندماج الاجتماعي.

كيف تخطّيت صدمة إصابة طفلك بالتوحّد وحوّلت غضبك إلى مشاعر إيجابيّة تجلّت في التفكير بمبادرة «بهجة» وتنفيذها على أرض الواقع؟

كنت أشعر بأنّني أعيش في عجلة أدور فيها كلّ الوقت كي أكون عند حسن ظنّ ابني وألبّي كلّ احتياجاته التعليميّة والنفسيّة، كنت أحزن لأنّ المجتمع يضع على طفلي قيوداً حول ما هو مقبول ومرفوض اجتماعيّاً فيشعر طوال الوقت بأنّه تحت المجهر، وقد فكّرت في طريقة كي أغيّر هذا الواقع بالنسبة إليه وإليّ، كما أنّني بحثت عن بهجتي الخاصّة وحقّي في الخروج لشرب فنجان من القهوة أو تناول وجبة طعام من دون أن أكون تحت أنظار الجميع، فأنا مضطرّة على الدوام إلى أن أراقب تصرّفات ابني ودائماً ما أخشى أن يسيء التصرّف، فأنا أحياناً أخرج من مكان وأنا أشعر بأنّني خرجت من معركة أو حرب، إذ عليّ أن أشرح وأدافع وأقوم بجهد كبير كي يفهم الناس سبب سلوك صغيري المختلف.

من هنا، أردت أن أوجد مكاناً أو نشاطاً يجمعنا نحن أمّهات أطفال الاحتياجات الخاصّة مع أطفالنا لقضاء أوقات مسلّية، فمنها يكون الأطفال في بيئة مريحة لا تطلق الأحكام عليهم، وكذلك نحن الأمّهات نشعر بالراحة والاسترخاء من دون الاضطرار إلى الشرح.

في الواقع، لم يكن ليكتب النجاح لفكرتي لو لم أجد الدعم من مجتمعنا، فالعديد من الأماكن التي أقصدها تتفاعل بشكل إيجابي مع طلباتنا وتحترم حاجات أطفالنا، ومن هذه الطلبات مثلاً عدم وجود روائح قويّة أو إضاءة بارزة أو أصوات نافرة، فنتّفق بشكل مسبق حول هذه التفاصيل ونعرّف أصحاب هذه الأماكن بطريقة غير مباشرة على أنواع بعض الإعاقات التي يواجهها صغارنا، كما ونقوم بدعاية لهم وننشر صورة حسنة عن المطعم أو صالة السينما أو الحديقة أو غيرها من المرافق التي نقصدها. وبالتالي، فإنّ المنفعة تكون متبادلة.

​الهدف الثاني من مبادرتي هو إيجاد مكان يتفاعل فيه الإخوة مع بعضهم، أي الطفل ذو الاحتياجات الخاصّة وإخوته، فقد واجهت هذه المشكلة مع طفلي الثاني الذي كان يجد صعوبة في فهم سبب تصرّفات أخيه الكبير، فعادةً ما يقلّد الصغير الكبير ويراه قدوته، وفي حالتي لم يكن ابني يفهم سبب ذهاب أخيه إلى هذا العدد الكبير من المدارس وخضوعه للعديد من التمارين، لذلك أردت تقريب الإخوة من بعضهم وجعلهم أكثر قدرة على التعبير عمّا يشعرون به، فنحن الكبار قادرون على الفضفضة ومشاركة مشاعرنا متى أحسسنا بالضيق، أمّا الطفل الذي لا يفهم ما يجري مع أخيه، فيحتاج إلى فسحة من الوقت كي يتقرّب منه ويتعرّف أكثر على احتياجاته بعيداً عمّا هو مفروض اجتماعيّاً. 

ابني لم يأخذ وقته كي يندمج مع الأطفال في سنّه في المدارس العاديّة، فهو اندمج فترة ثمّ صار يصدر أصواتاً ويشعر بالضيق من وجوده في الصفّ لوقت طويل، فيعود في المساء حزيناً ومنزعجاً وشديد العصبيّة مع بكاء شديد وكأنّه يكتم في قلبه طوال اليوم ويأتي مساء ليفرغ طاقته، هكذا ترك المدرسة وصار يتابع دراسته مع أستاذ خاصّ، وفي فترة بعد الظهر ومن خلال هذه النشاطات بات يجد نفسه أكثر مع أطفال يتصرّفون على سجيّتهم مثله.

الجوّ في اللقاءات يكون رائعاً والجميل أنّ عدد الأمّهات يتزايد وكذلك الأطفال، كما أنّ النشاطات التي نقيمها تناسب مختلف الحالات. لا أخفي عنك أنّني كنت أواجه في البداية بعض الصعوبات في إقناع عدد من أصحاب المحال التي نقصدها فهم لا يعرفون شيئاً عن التوحّد أو عن غيره من الحالات الخاصّة، يشعرون بأنّنا ناتي من الفضاء فيطرحون الكثير من الأسئلة وبعد أن يعرفوا أهمّ النقاط يرحّبون بنا، البعض منهم كان يعتبرها فرصة للدعاية بعد أن يسمع بنشاطنا فيرغبون في الاستفادة منّا، وهذا الأمر يزعجني كثيراً لأنّ هدفي بالدرجة الأولى ليس تحقيق الأرباح لأيّ جهة من الجهات بل نشر السعادة بين الأمّهات اللواتي يعانين الكثير في حياتهنّ اليوميّة والأولاد الذين يحتاجون إلى فسحة من الحريّة.

ما الذي غيّره فيك ابنك فارس؟
لقد جعلني امرأة أفضل وأمّاً أقوى، بتّ أنتبه إلى كلّ التفاصيل في حياته وحياة أخيه وأعطي كلّ شيء حقّه من الاهتمام مهما كان صغيراً وبسيطاً، لم أكن يوماً ما أعتقد أنّني سأصل إلى ما أنا عليه اليوم، كنت أفكّر فقط في مصلحة ابني ولكن بعد فترة أردت إيجاد شيء يفيدني ويفيده ويخدم من يعشن نفس حالتنا، كما أنّ فضولي الكبير ساعدني، فأنا أسأل وأستكشف ومع الوقت تبلورت فكرتي وحقّقت النجاح.

في وقت الضعف، ممّن تستمدّين القوّة؟
من المجتمع المحيط بي ومن صديقاتي المقرّبات اللواتي يفهمنني من كلمة... عبارة "أنا أشعر بك" كفيلة لوحدها بأن تمدّني بالدعم، من الطبيعي أن أكون أحياناً متعبة وبحاجة إلى المساعدة، وثمّة فعلاً أشخاص يشعرون بنا وهم لا يشفقون علينا، لذلك لا داعي لأن نكون هجوميّين طوال الوقت، يجب أن نعطيهم فرصة ومثلما وقفوا معنا في ضعفنا سنقف معهم، فهذه هي الحياة. وهنا لا بدّ أن أشير إلى الدعم الكبير الذي يقدّمه لي زوجي فهو أيضاً كان سنداً لي وقد قدّمنا المساعدة للكثير من الأهل الذين واجهوا حالات مشابهة مع أطفالهم، في النهاية يجب أن نصل إلى مرحلة التقبّل وأن نقوم بكلّ ما يلزم كي نضمن مستقبلاً آمناً لأطفالنا.

ما هي رسالتك لأمّهات مرضى التوحّد؟
ثمّة ردود أفعال مستفزّة لدرجة كبيرة، في السابق كنت أنزعج وأحتدّ ولكنّني مع الوقت طوّرت ثقتي بنفسي حتى أواجه كلّ أنواع الناس: الذين لا يعرفون حالة ابني ويرغبون في الفهم فصرت أمتلك الصبر لأشرح لهم، والذين يفهمون ويصرّون على المواقف السلبيّة، وهؤلاء أهملهم ولا أضيّع طاقتي عليهم.

 
شارك