عفراء الظاهري: فنّي سعيٌ لمعرفة تأثّرنا بالوقت.. ما خسرناه وما استمر معنا وما تغيّر في حياتنا

لأنّ الإنسان هو ابن البيئة والأرض الذي نشأ فيها، فإن الفنانة الإماراتية عفراء الظاهري تعكس في أعمالها صوراً تحاكي نمو وتطور بلدها، فالمبدعة الإماراتية تستخدم مجموعة واسعة من الوسائط بما فيها النحت والتصوير والتركيب والطباعة لتعبّر عن أفكارها الرائدة والمختلفة. تعرّفي أكثر عليها واكتشفي نظرتها للفن الرقمي ومحور أجدد معرض لها سيقام خلال شهر نوفمبر المقبل.

لماذا اخترتِ الوسائط المتعددة أو المختلفة وليس فقط الرسم التقليدي للتعبير عن أفكاركِ الفنية؟

المواد المتاحة للتعبير عن الذات فنياً كثيرة جداً ولا تقتصر على الرسم، فهذا الأخير وُجد تاريخياً لغرض التوثيق، إذ كانت الشعوب تحفظ من خلاله أحداثاً تاريخية ودينية واجتماعية. وبعدها، تعرّف العالم على التصوير ودخلت الكاميرات بخصائصها المختلفة، لتكون وسيلة جديدة للتعبير. بالنسبة لي، لم يكن الرسم يوماً من هواياتي، ولكن حين كنت في الجامعة نصحني أحد المدرّسين أن أتجه نحو دراسة الفن، فضحكت مستغربة لأنني لم أتخيل نفسي أبداً كفنانة محترفة، إلا أنني قررت أن أجرّب وأخذت بعض الدروس ليتبيّن لي بعدها أنّ مفهومي للفن كان خاطئاً، فالفن أكثر بكثير من الرسم، هو حس وممارسة يومية وأسلوب حياة يتجلى في الموسيقى والشعر والمسرح والهندسة المعمارية، وفي حياتنا اليومية... حينها قررت التعمّق أكثر فيه والتعبير عن نفسي من خلاله.

هل برأيكِ تساهم وسائل التواصل اليوم في جعل مختلف أنواع الفنون أقرب إلى الجماهير العربية؟

خلقت وسائل التواصل جمهوراً جديداً ونوعاً من الوعي حول الوثائق البصرية والمحتوى المرئي، ولكن هذا لا يعني أنّ الجميع لديه المعرفة اللازمة بالأنواع الفنية المختلفة. اليوم، معظم الأشخاص قادرون على التصوير وتقديم الفيديوهات مع موسيقى وغيرها، وكل هذا وسّع الأدوات المتاحة أمام العامة، وسهّل الطريق أمام الجيل الجديد لكي يزيد تقبّله وحتى إقباله على المجالات الفنية. انعكس هذا الأمر أيضاً على عمل الفنانين وفتح الباب أمامهم لمزيد من التواصل مع أقرانهم ومع الجماهير. واليوم، بات فضول المشاهد أكبر وأصبح لديه أسئلة ورغبة في الاكتشاف، لذا يكون من واجب الفنانين تقديم ما يلفت انتباهه، وتضمين أعمالهم رسائل مختلفة تلبّي احتياجاته. الفن بات متاحاً بشكل أوسع لفئات أكبر، ولم يعد حكراً على المثقّفين أو الأثرياء أو التجّار كما كان في السابق حين اقتصر اقتناء الفن عليهم من دون غيرهم، وهذا أمر إيجابي، إذ نرى أناس عاديين يقصدون المعارض ويستمتعون بمختلف أنواع الفنون.

كيف أثّرت طفولتكِ وذكرياتكِ على شخصيتكِ الفنية الحالية؟

تربيت بين أبوظبي والعين وكنّا نزور والدي في أميركا لمدة 3 شهور في الصيف لحين بلغت من العمر 15 سنة، لذا تعايشت مع حالة المدينة بتغيّراتها المستمرة، فكان هناك دائماً بناء وهدم وعمارات جديدة، لذا فإن المواد التي أستخدمها في الاستديو اليوم أغلبها مواد بناء، حتى أنّ ألواني ترابية وباهتة. وأذكر أنني حين كنت أدرس في أميركا، كانوا يسألونني، هل أخاف من الألوان؟ لم أكن أجد الجواب الواضح لهذا السؤال، ولكن حين عدت إلى بلدي، استوعبت مدى تأثّري بالطريق الذي أمرّ أمامه يومياً وبالألوان التي تحيطني والتي صارت جزءاً من شخصيتي، سواء كانت صحراء أم مدينة على قيد البناء، وبالتالي فإنّ اللّاوعي لديّ تشبّع بهذه الصور لتنعكس في أعمالي المختلفة.

كيف تصفين أسلوبك الخاص، وما هي الرسائل التي تضمنينها لأعمالك؟

أعمالي بمعظمها تتمحور حول مفهوم الوقت، سرعته أو بطئه، فنحن نعيش حياتنا دائماً في استعجال، لذا أسعى لمعرفة كيف يمكننا تبطيء الوقت، بالنسبة لي هذا يعني قضاء أطول وقت ممكن مع عملي وإنتاج ما ينحفر في ذاكرتي، فالذاكرة أصبحت شبه فانية، واستهلاكنا اليومي لكمية كبيرة من المواد والصور والمحتوى الذي نتلقاه من كل مكان، جعل ذكرياتنا الآنية شبه معدومة، لذا نتذكر أكثر ماضينا بينما حاضرنا فسريع الزوال، نعيش في صراع مع الوقت سواء بسبب تطور البنيان أو تغير الأيدولولجيات وعادات وتقاليد المجتمع، لذا أحاول معرفة ما خسرناه وما استمر معنا، ما تغير في حياتنا، في لبسنا وفكرنا ونمط حياتنا، حتى نحدد هويتنا الحالية.

ما هي الظروف التي تحتاجينها للبدء بمشروع فنّي جديد؟

كل عمل له ظروفه الخاصة. أحياناً أسرح بأفكاري وأتخيّل عمل وأبدأ بتنفيذه، وفي أحيان أخرى أبحث وأقرأ وأتابع أعمال فنانين مختلفين عملوا بنفس المواد التي أرغب بالعمل بها، كما أجرّب دائماً وأقوم بمحاكاة بين مختلف المواد لكي أخلق لغة بصرية جديدة.

ما رأيكِ بالفن الرقمي، هل يخدم الفنانين وهل ستدخلينه في عملكِ؟

لا أدري حقيقة إن كان هناك استمرارية لهذا النوع الجديد من الفن وإن كانت ستزداد المعارض في عالم Metaverse، ولكنّه عالم لا يشدّني كثيراً، فما يستهويني فنياً هي التجربة المليئة بالأشياء الحسية: تماس المادة من حبل إلى صخر إلى لوحة ألوان. أحب ما يمكنني لمسه وأن أترك بصمة من ذاتي فيه، ولكن الفن الرقمي يأخذ هذه الأشياء من روح العمل، إلا أنّه في المقابل سمح باستخدام وسائط جديدة لتوثيق مواد معيّنة أو حركة في الأعمال من خلال الفيديو، فهو يفتح باب للتلاعب مع مفهومنا للفيديو. وبالمحصّلة، يمكن التعامل معه على أنّه وسيط فنّي جديد ولكنّه برأيي لن يحلّ مكان الشكل المعتاد للفن.

كونكِ أستاذة جامعية، كيف ترين أفكار الجيل الجديد من الفنانين؟

يوجد طاقة قوية وأرواح محبة للعمل الفني، فالاهتمام من قبل الدولة بهذه المجالات زاد من حماس الجيل الجديد الذي أراه واعياً وشديد الملاحظة وحتى الانتقاد لكل ما يراه. وما ساعد في ذلك هو انتشار وسائل التواصل، لأنّها سمحت بتبادل الأفكار وبالانفتاح الكبير بين الناس.

ما هي نصيحتكِ لهذا الجيل والتي يمكن اعتبارها خلاصة سنوات عملكِ في مجال الفن؟

الحرص على الاستمرارية وعدم التوقف عن المحاولة، فما يميّز الفنّان الطموح والناجح هو قدرته على العطاء الدائم، لأنّنا نعيش صراعاً حقيقياً مع الوقت ومشاغل الحياة ومسؤوليّاتها، لذا فإنّ الاستمرارية في الإنتاج هي تحدٍ كبير، إنّما مع الإصرار والتركيز وارتكاب الأخطاء والتعلّم منها وتحسين الذات، سنجد الطريق الأفضل لبناء اسم ثابت وقوي على الساحة الفنية.

مع بدء موسم الخريف، ما هي المشاريع التي تعملين على تنفيذها؟

أعمل على معرض فردي سيقام خلال شهر نوفمبر المقبل في Green Art Gallery، وسيتمحور حول كتاب فلسفة أقوم بقراءته حالياً ويتكلم عن علاقتنا مع الوقت ولماذا نشعر دائماً أنّنا لا نجد الوقت لما نرغب بتحقيقه. فهو يتطرّق إلى وجودنا في الوقت الرقمي بمقابل الوقت الحقيقي، فيصل لخلاصةً أنّنا نمضي حياتنا في العالم الرقمي، وهذا الأمر يضغط ساعاتنا الطبيعية ويجعلنا نشعر أنّ الوقت مرّ سريعاً، ولكن هذا الأمر غير صحيح، إلّا أنّنا لم نعد نعي هذه الحقيقة.

نحن اليوم في الخليج نهتم كثيراً بالمجالات الفنية وبتنظيم المعارض، ولكن لا نجد فرص للتّلاقي والتواصل كفنانين يواجهون نفس المشاكل أو الصعوبات، فنحن جميعاً مستهلكون ومرهقون جماعياً لدرجة كبيرة، لأنّنا لا نعرف كيف نستثمر وقتنا في بعضنا، إذ خسرنا التلاقي وافتقدنا جلساتنا ونقاشاتنا وحواراتنا، لأنّه تمّ استبدالها باللقاءات الرقمية. وأنا متأكدة أنّ التواصل والتبادل الفكري المباشر قادر أن يزيد من قدرتنا على الإبداع، فالأفكار الجماعية الخلّاقة تكون ذات تأثير أكبر، كما أنّ تطبيقها يكون أسهل والعمل عليها يكون مليئاً بالحماس وبالرغبة بالإنجاز. وبالتالي، يجب أن نخرج من دوامة الوحدة ونعود لتبادل معارفنا وشغفنا وأفكارنا. 

اقرئي المزيد: شباب وشابات وصلوا الى العالمية من اصول فلسطينية

 
شارك