رشا نحّاس: التحرر من المعتقدات والقيود هو شيء يومي.. ليس هدفاً بل معنى وجود
هل أنتِ حرة؟ الإجابة البديهية على هذا السؤال هي نعم، فأنتِ لست في السجن ولا أغلال تكبّل يديكِ، أنتِ قادرة على اختيار مكان سكنكِ، اختصاصكِ الجامعي، صداقاتكِ، مواقفكِ، هواياتكِ، حتى إطلالاتكِ ومظهركِ الخارجي.
ولكن إذا تعمّقنا قليلاً في حياتنا، سنجد حتماً مواقف مررنا بها لم نكن في خلالها أحراراً بالمعنى الحقيقي للكلمة، أحسسنا أنّ قيوداً خفية توقفنا، ربما هي قيود الأهل أو المجتمع أو الرجل الشريك أو العادات والتقاليد، أو حتى قيود الذات التي لم تتخلص بعد من صدمات ومواقف عاشتها وتركت فيها الحذر والخشية من تبعات العيش بحرية حقيقية.
ولكن حين تختارين الفن ليكون طريقكِ، فأنتِ تعبرين من خلاله إلى حريتكِ بمعناها الأوسع، فالفن لا يمكن مصادرته ومنعه ومعاقبته، فهو عابر للأزمنة والأمكنة، يسمح لكِ أن تعبّري عن أكثر الأفكار جرأةً وقوةً وعمقاً، والجرأة هنا ليست بمعناها السلبي، بل تعني تجريد الروح من كل الطبقات التي أعاقت انطلاقها ووضع اليد على الجراح التي خدشتها وتسببت لها بالأذى، لكي تتحرر وتسمح لمن حولها أن يصل أيضاً إلى جوهره.
ولأنّ محور العدد هو حريّة التعبير عن الذات، فقد اخترنا خمس فنّانات موهوبات ولامعات كلّ واحدة في مجالها، استطعن أن يعشن معاني الحرية من خلال أعمالهنّ الفنية المختلفة، ويوصلن رؤيتهنّ الخاصة إلى الجمهور.
في عالم الموسيقى الواسع، تحاول الفنانة الفلسطينية رشا نحّاس أن تعبّر عن نفسها وحالاتها المختلفة، فالمُغنية وكاتبة الأغاني والعازفة والموسيقية الشابة ولدت ونشأت في حيفا، واختارت أن تنتقل إلى برلين وتعيش فيها، لتصنع الفن الذي يرضيها ويوصل أفكارها إلى الآخر بحرية ومن دون قيود، كما لتشارك أفكارها المختلفة عبر وسائل التواصل من خلال صفحتها عبر إنستغرام rasha_nahas@. فماذا تقول عن الخط الموسيقي الذي اختارته؟ وما الذي تعنيه لها الحرية؟ وكيف تعبّر من خلال الفن عن مختلف الحالات التي تعيشها؟ تعرفي على الإجابات في هذا اللقاء.
متى اكتشفتِ أنّكِ مختلفة عن الشابات من حولكِ وأنّكِ قادرة على التعبير من خلال الغناء والفن والتأليف الموسيقي عن أحاسيسك وأفكارك وعن قضايا مجتمعية وحياتية وإنسانية مختلفة تعيشينها؟
كنت أكتب وألحّن وأعزف على آلات مختلفة منذ سن صغيرة جداً، وفي عمر العشر سنوات بدأت بتعلم العزف على الغيتار الكلاسيكي، ومن بعدها بدأت بالغناء والعزف على الغيتار الإلكتروني.
بدأت في إحياء حفلات في مدينتي حيفا، ومن بعدها صرت أقوم بإصدار أغاني وألبومات كاملة، وأتذكّر جيداً أغنية "مين بنت صغيرة"، وعلى الإثر تتالت الأعمال الغنائية باللغتين العربية والإنكليزية، ثم هاجرت إلى برلين ولم يتوقف تعبيري عن نفسي من خلال الكتابة والتأليف الموسيقي والغناء، فاستمريت بتقديم الأعمال الفنية.
أخبرينا عن الحالة التي تعيشينها حين تبتكرين عملاً فنياً جديداً؟
يوجد الكثير من السحر والإبداع في هذه المساحات الفنية والفكرية، فأنا أقوم بكل شيء، بدايةً من كتابة الأغاني إلى التلحين والإنتاج والتسجيل والتعبير بإحساسي الخاص عما قمت بتشكيله من فن، وبالطبع أكون في حالة انسجام وتركيز عاليين.
هل يعنيكِ الوصول للآخر من خلال فنّكِ أم يهمّكِ فقط التعبير عما يعتريكِ؟
طبعاً يهمني الوصول للآخر، ولكن ما يهمني بشكل أكبر هو التعبير عن وجودي ووجود أهلي وأصدقائي وشعبي. من المهم بالنسبة لي أن أخلق موسيقى تمثّلني وتمثّل الناس من حولي، خاصةً أنني فنانة عربية تعيش في أوروبا، أحاول أن أوصل قصّتي ومشاعري للجميع.
أثناء نشأتكِ، بمن تأثرتِ غنائياً وفنياً من الساحة الفنية العربية والغربية؟ وهل تعتبرين موسيقاكِ وفنكِ مزيج بين العالمين؟
نعم، موسيقاي وأفكاري هي مزيج من كل شي عشته واختبرته، هذه حقيقة واضحة في فني.
أحببت خلال نشأتي John Lennon وزياد الرحباني وفيروز وأم كلثوم، كما تأثرت بالموسيقى الفلسطينية المحلية، وطبعاً استمعت إلى فرق الروك الغربية المختلفة، وخاصة الفنانات Patti Smith وPJ Harvey. وجدت الكثير من الحرية والإلهام في موسيقى الروك أند رول من الستّينات والسبعينات.
كيف غيّر التواجد في برلين من أفكاركِ الفنية، وهل أثر على اختياراتكِ الغنائية والموسيقية؟
وجودي في برلين كان ولا يزال يترك أثره على أفكاري وتطوّري كفنانة. لقد أعطاني الكثير من المساحة لأعبّر وأكون ببساطة كما أريد، سمح لي بالتعامل مع مع فنانين وعازفين وموسيقيين من مختلف أنحاء العالم، ما راكم خبراتي ووسع من آفاقي ومعارفي الموسيقية.
حدّثينا عن ألبوم "أمرات"؟ ما هي الأفكار والمواضيع التي طرحتِها ووصلتِ من خلالها إلى مشاعر المستمع؟
ألبوم "أمرات" يعني لي الكثير على الصعيد الشخصي، إذ بدأت بكتابة الأغاني خلال فترة انتشار كورونا حين كنت بعيدة عن أرضي وعن الناس الذين أحبهم، لذا تطرقت في الألبوم إلى مواضيع مثل البعد، المنفى، الذكريات، النوستالجيا... أحاسيس قوية وعميقة اعترتني وعكستها من خلال أغاني الألبوم، والذي كان أيضاً أول إصداراتي باللغة العربية بعد انتقالي إلى برلين.
ما الذي تعنيهِ لكِ الحرية؟ هل وصلتِ إلى الشعور التام فيها كونكِ شابة فلسطينية اختارت الابتعاد عن أرضها؟
سؤال صعب وجميل، خاصةً لفلسطينية، فالحرية بنظري هي الكثير من الأشياء التي لا يمكن اختصارها.. أحياناً أجدها في اللحظة التي أعيشها وفي أحيان أخرى تكون فكرة أكبر بكثير، ولكنها يجب أن تكون متاحة للجميع.
هل رغبتِ بالشهرة حين بدأتِ بمشواركِ الفني؟ وهل أحسستِ أنّها تعيق حريتكِ بأي شكل من الأشكال؟
لم أفكّر يوماً بالشهرة ولم تكن هدفاً من أهدافي حين بدأت مشواري الفني. ولكنني بالتأكيد لا أشعر أنّها تعيق حرّيتي أو تؤثّر عليها، بل على العكس، فهو إحساس جميل أن يعرفني الناس ويقتربون للتحدث معي وتبادل الأفكار حول فني، ولا سيما حين يخبرونني أنّ فني أثّرّ فيهم بشكل ما، لأنني حينها أدرك أن ما أقوم به صحيح وله تأثير ودور في محيطي.
متى تحررتِ من كل المعتقدات والأفكار التي تكبّل الشابات في عصرنا الحالي؟ سواء حين اخترتِ مظهركِ أو محتواكِ الفني المختلف؟
التحرر من المعتقدات والقيود والقمع هو شيء يومي، هو ليس هدف، بل معنى وجود.
أنا لا أسعى أبداً أن أكون شخصاً مختلفاً، بل أجرّب أن أكون أنا نفسي، ومن المهم جداً بالنسبة لي أن أتمكن من ابتكار موسيقاي لأكون من خلالها أنا الحقيقية، فمن خلال هذه المساحة أصنع التغيير الذي أريد رؤيته.
هل وصلتِ إلى مرحلة التصالح مع الذات؟ ما الذي احتجته لتتحرري من الصور المسبقة للفن والجمال وغيرها من المعايير القديمة التي ترهق شابات عصرنا؟
التصالح مع الذات ضروري جداً لكي نعرف الرضا، وقد احتجت وما زلت أحتاج للكثير من الوقت والمساحة للتعامل مع الحرب التي تدور بداخلي لفهمها وتقبّلها واكتشاف المزيد عن هويتي.
من المهم بالنسبة لي أن أذكّر نفسي والنساء من حولي أننا أجمل مما نعتقد ولا نحتاج إلى الـ OK من أي أحد كي نكون مميزات وجديرات وقادرات، ومن المهم كثيراً أن ندعم بعضنا البعض خاصةً كشابات فلسطينيات.
كيف يمكن للفن أن يساهم في رفع صوتنا عالياً في وجه الظلم وفي مساعدة الشعوب على تحصيل حريتهم؟
أحس أنني غير قادرة على الإجابة عن هذا السؤال، ولكننا نمر اليوم في فترة صعبة جداً تحتاج إلى تظافر كل الجهود للمساعدة في رفع الظلم، سواء من خلال الفن أو أي مجال فاعل ومؤثر.
ما الذي نحتاجه في مجتمعاتنا العربية لكي نتصالح أكثر مع هويتنا وفرادتنا ونتحرر من أي قيود وأفكار مسبقة لا تزال تكبّلنا وتمنعنا من الانطلاق لتحقيق ذاتنا؟
برأيي نحتاج إلى دعم بعضنا البعض، في كل المجالات ومن كل النواحي، وتقوية بعضنا ودفع الآخر على الدوام لاكتشاف مجالات وأفكار جديدة. وبالرغم من كل القمع، يجب خلق بيئة تسمح بالوجود والنمو والتغيير.
ما هي مشاريعكِ الفنية للعام الجديد؟
أقوم حالياً بتسجيل أغاني جديدة كما أخطط للقيام بجولة عروضات في أوروبا خلال الشهور القادمة، أتأمل خيراً من الأيام الآتية وأن تكون سنة مثمرة وإيجابية للجميع.
اقرئي المزيد: خلود حسني: أؤمن بأنني كامرأة عربية تحررت من اللجام