دولورس الشلة: وُجد هذا العالم لكي نكتشفه ونتعرّف إلى ذواتنا الحقيقية أثناء القيام بذلك
في رحلتها الحياتية، أرادت الشابة الأردنية دولورس الشلة أكثر من مجرد وظيفة، فقد أحست أنّ بإمكانها تقديم المزيد. ولأنّها عاشقة للرياضة والمغامرة، قرّرت تسلّق الجبال، ولم ترضى إلّا بأن يُكتب اسمها في كتاب إنجازات أهم النساء لتكون أول امرأة عربية تتسلق إيفرست من الجهة الأصعب. تعرّفي عليها واكشتفي أسباب حبّها للسفر والمغامرة وشاركيها اهتمامها الجديد بمجال الجمال المستدام.
قلتِ سابقاً إنّ الإنسان يصنع الإنجاز وليس الإنجاز هو ما يصنع الإنسان، فمن هي الإنسانة التي تمكّنت من أن تكون أول عربية تتسلق قمة إيفرست من الجهة الشمالية والأصعب؟
أنا امرأة مثابرة وطموحة، تضع أهدافاً مدروسة قدر الإمكان وتستعد لإنجازها وتحدّي الصعاب المختلفة التي لابد من مواجهتها في أي شيء في الحياة من دون الاستسلام، ومع الإصرار ضمن المعقول وعدم فرض ضغط كبير على نفسها، بل مع المحافظة على الاتّزان النفسي والعقلي و العاطفي. أنا إنسانة تملك الشغف الحقيقي والرغبة القوية في التطور والتعلم المستمر، أحيط نفسي بناس لديهم أهدافاً واضحة يعملون بجد على تحقيقها ولديهم حب لرؤية نجاح الآخرين ولدعمهم، وقبل كل شيء، أنا أؤمن بنفسي وبقدراتي وأكون على الدوام أنا نفسي وليس ما يريد غيري أن أكون عليه، وأخيراً متوكلة على الله في كل خطوة.
هل تذكرين متى بدأ لديكِ حب المغامرة؟
كنت معروفة دائماً بالشخص الشجاع منذ الطفولة وأحببت التواجد في الطبيعة وفي الهواء الطلق، وغالباً كنت أذهب إلى مزرعة جدتي في صربيا، وكان ذلك الجزء المفضل لديّ من الصيف. إنّ تلك الأيام تذكّرني بمدى جمال الطبيعة الصافية والممتدة إلى ما لانهاية.
أما بالنسبة للرياضة، فقد شاركت في رياضات مختلفة طوال السنوات الأولى من حياتي مثل التايكوندو والسباحة، كما كنت ضمن الفريق الأردني للوثب الطويل. أمّا تسلق الجبال، فقد كنت في منتصف العشرينيات من عمري عندما قررت خوض هذه الرحلة الجديدة، واتبعت حدسي الذي دفعني نحو هذا المسار الجديد لأرى ما سأشعر به حيال ذلك! أود أن أقول إنني كنت دائماً متحمسة للنشاط والحركة واستكشاف مهاراتي وقدراتي، وستظل روح الاستكشاف والمغامرة دائماً جزءاً أساسياً من شخصيتي.
كنتِ موظفة قرّرت تغيير مسار حياتها لتلحق شغفاً أرادت تحقيق النجاح من خلاله، متى كانت اللحظة المفصلية في حياتكِ وكيف تغلبت على لحظات التردد؟
بدأت رحلتي في تسلق الجبال عام 2016، أول جبل لي كان جبل ميرا بيك في جبال الهيمالايا، والثاني كان جبل كليمنجارو في عام 2017. وفي عام 2018 قمت بدورة تسلق الجبال الشتوية وتسلقت جبل البروس، وكان الاستعداد الأخير قبل جبل إيفرست هو جبل ماناسلو، وهو ثامن أعلى جبل في العالم بارتفاع 8,156 متراً، وذلك لاختبار حالتي العقلية والجسدية، قبل تسلق إيفرست الذي حصل عام 2019 عندما نجحت في الوقوف على القمة التي ترتفع مقدار 8,849 متراً.
أحد الأسباب الرئيسية التي دفعتني نحو هذه الهواية هي أنني أردت حقاً البحث عن شيء جديد تماماً وبعيد عن روتيني اليومي، وبالنسبة لي لم يكن الأمر يتعلّق بتسلّق الجبل والوقوف على القمة فحسب، بل كان يتعلق أيضاً بالاستعدادات والمثابرة والانضباط والالتزام. إنّ المرور بروتين يومي مختلف تماماً قبل وأثناء التسلق وبالطبع الوصول إلى قمة الجبل يُعد إنجازاً في حد ذاته مع روعة الشعور بالفخر بالإنجاز الذي حققتهِ بعد كل العمل الشاق الذي بذلتهِ من أجل ذلك! ولكن من الضروري دائماً أن نذكّر أنفسنا أنّ لا شيء يأتي بسهولة، وأنّ أي هدف جديد سيتطلّب تحقيقه لحظات مؤلمة وصعبة وقاسية، هي التي تعطي الرحلة بأكملها طعم آخر سيظل عالقاً في الذهن إلى الأبد.
نعم، هناك العديد من الأيام التي فكّرت فيها بالانسحاب أثناء التسلق، ولكن هذه هي الطبيعة البشرية، فهناك لحظات قوة وضعف، وقد ظللت أذكّر نفسي بمدى رغبتي في ذلك وكم عملت من أجل الوصول إلى هذه اللحظة. لم يكن الاستسلام خياراً متاحاً، خاصةً أنّه لحسن الحظ لم يكن هناك شيء صحّي يمنعني أو قد يشكّل خطراً على حياتي، ولكن كان الأمر مجرد صراع الطبيعة البشرية والمرور ببعض لحظات الضعف حيث يجب مواجهة الخوف على الفور لتحويله إلى قوة بدلاً من السماح له بالتغلّب عليّ. ففي النهاية، عندما نؤمن حقاً بشيء ما ويكون لدينا الشغف والموهبة لتحقيقه، فإنّ لا شيء سيمنعنا من الوصول إليه!
ما الذي عناه لكِ أن تكوني أوّل عربية تتسلق إيفرست من الجهة الأصعب؟
كانت من أكبر لحظات الفخر بالنسبة لي أن أكون أول امرأة عربية في العشرينات من عمرها تتسلق جبل إيفرست من الحافة الشمالية الشرقية. كنت أتمنى مع كل قمة أتسلقها أن ألهم العديد من النساء الأخريات اللواتي لديهنّ الكثير من الأهداف المذهلة أن يستمررن بالسعي لتحقيقها، فكل رحلة صعبة بطريقتها الخاصة، ولكن كونها صعبة لا يعني أنّها غير قابلة للتحقق.
ولم أفكّر حقاً في أنني أتسلق القمة الأصعب، بل قررت فقط التسلق، وبعد ذلك عرفت أنني سأكون أول امرأة عربية تفعل ذلك! ومن المعروف أنّ هذا الجانب هو الطريق الأكثر انحداراً ويحتاج إلى ساعات أطول بين المعسكرات، وأعتقد أنّ هذه رسالة أخرى ومؤشّر على أنّه حتى لو كان طريقكِ أطول وأصعب من الآخرين، فأنتِ كامرأة تتمتعين بالإصرار والإيمان بالنفس والقوة، وسوف تنجحين في أي شيء وتتخطين كل الحدود.
هل يوجد دعم حقيقي للرياضيات الشابات في عالمنا العربي؟ وبالنسبة لكِ، هل واجهتِ تحديات أو قوبلتِ بالدعم والتشجيع؟
لم يكن هناك الكثير من الدعم في السنوات الفائتة، ولكن في الآونة الأخيرة أصبح هناك العديد من النساء العربيات اللواتي وصلن إلى ألقاب عالمية في الرياضة، ما يجعلني سعيدة وفخورة جداً برؤية هذه الإنجازات، وهناك جيل جديد يتطلع إلى مثل هؤلاء النساء الرائعات ويتخذهنّ مثالاً أعلى.
أما بالنسبة لتسلق الجبال، فنعم، واجهت بعض الصعوبات في العثور على الدعم والرعاية المناسبين، لكنني لم أستسلم، ولحسن الحظ كان لدي رعاة لرحلات التسلق المختلفة، كما وجدت دعماً كبيراً من المدينة المستدامة في دبي وتم تعييني حينها سفيرة للعلامة التجارية لرفع مستوى الوعي قبل وأثناء وبعد التسلق، وكانت فرصة للتحدّث عن أهداف التنمية المستدامة وأهمية الاستدامة والمساواة بين الجنسين ودعم المرأة لتحقيق أهدافها.
ما هي أجمل المشاعر التي تعيشينها في خلال الاستعداد لمغامرة جديدة؟
أحب الحماس والالتزام والانضباط، وأن أشهد التطور الذي يحدث لي جسدياً وذهنياً، كما أستمتع بالحصول على نصائح من الأشخاص الذين سبقوني للقيام بهذه المغامرات. هناك بعض الأيام التي شعرت فيها بالإحباط والقلق ولكنني تقبلتها لأنني اعتدت ألّا أضغط على نفسي كثيراً، وأعتقد أنّ التوازن هو المفتاح كي لا نحترق ونتعب حين نطلب من أنفسنا ما يفوق قدرتنا.
ما الذي تعنيه لكِ حرية السفر والتنقل واكتشاف المدن الجديدة من هذا العالم؟
وُجد هذا العالم لكي نستكشفه، وصحيح أنّه يمكن تعلم الكثير من خلال قراءة كتاب، لكن بالنسبة لي، فإن السفر إلى وجهات جديدة واستكشاف المناطق النائية والانغماس تمامًا في الثقافات المختلفة ولقاء ومشاركة تلك اللحظات مع أشخاص جدد ومراقبة المناطق المختلف، له طعم مختلف ومثري ورائع في كل مرة.
هناك دائماً شيء جديد لتعلّمه من كل تجربة نمر بها أو مكان تزوره، ويتم سؤالي كثيراً عن الجبل المفضل لديّ أو أي بلد أو مدينة أعجبتني أكثر من غيرها، لكن إجابتي دائماً هي: جميعها، لأنّ كل لحظة عشتها في خلال تلك الرحلات لها سحرها الخاص الكيف تحررتِ من كل الأفكار السلبية والأصوات التي حاولت ثنيك عن طموحاتكِ في التسلق التي قد تبدو مستحيلة لكثر؟ذي لن يتكرر.
في الحقيقة، حصلت على دعم دائم من المحيطين بي، وكنت دائماً المبادرة للحصول على الأشياء التي أريدها حتى لو استغرق الأمر وقتاً أو جهداً طويلاً.
وبالطبع يوجد أشخاصاً لم يؤمنوا بقدراتي خاصةً عندما قررت تسلق جبل إيفرست، وتوقعوا أنني لن أجد طريقة يمكنني من خلالها القيام بذلك، لكن هذا لم يؤثّر عليّ سلباً بل أعطاني المزيد من القوة والإرادة لمواصلة السعي لتحقيق ما أريد.
ما زلت أعتقد أنّه ينبغي منح النساء المزيد من الدعم لتحقيق أهدافهنّ سواء في التعليم أو الرياضة أو الأعمال التجارية وغيرها. والأهم من ذلك هو ألّا ننسى أهمية دعم النساء لبعضها في كل خطوة، وأؤمن أنّ ذلك يحدث فرقاً كبيراً.
هل غيرتكِ المغامرات وكيف تطورت شخصيتكِ بعد كثرة الأسفار والتجارب التي خضتها؟
لقد اكتسبت المزيد من المعرفة حول العالم والثقافات المختلفة ومستويات الحياة المتباينة بين الناس. وأود أن أقول إنني أدركت مدى أهمية العيش ببساطة وأن نكون أقرب إلى الطبيعة. لقد جعلتني المناطق الجبلية أعيد التواصل أكثر مع جانبي الحقيقي، ما زادني شجاعة وثقة بقدراتي.
تكرسين وقتكِ حالياً لإلهام الشابات العربيات، فماذا تقولين لهنّ؟
أطلب منهنّ أن يكنّ على طبيعتهنّ وأن يجدن موهبتهنّ وشغفهنّ ويعملن بجد ومثابرة. أقول للشابة: كوني لطيفة مع نفسكِ ومع الآخرين من حولكِ، واتبعي نهجاً إيجابياً وحقيقياً في أي شيء تريدين الوصول إليه وضعي جدولاً زمنياً واقعياً، والأهم من ذلك هو ألا تنسي أبداً أن تكوني متواضعة ولينة.
تعملين أيضاً على رفع الوعي بأهمية المناخ والعيش المستدام، حدثينا عن نشاطاتكِ في هذا الإطار؟
ينصب تركيزي على الاستدامة الاجتماعية والحفاظ على نمط حياة صحي ينطوي على الاهتمام بالعافية وتناول طعام صحي، وأهتم بالجانب البيئي من خلال تقليل استهلاك الطعام واستخدام مواد صديقة للبيئة، كما أنّ إعادة التدوير هي أمر مهم جداً بالنسبة لي. أنا أيضاً أقود سيارة كهربائية ما يجعلني سعيدة بمعرفة أنني أساهم في تقليل تلوث الهواء! وبالنسبة لخطواتي الحالية،أعمل على مشروع علامة جمالية جديدة تحاول مراعاة معايير الاستدامة الاجتماعية والبيئية والاقتصادية، وسأكون سعيدة جداً برؤيتها تزدهر وتحقق نجاح في الفترة المقبلة.
اقرئي المزيد: هيا زعاترة: لا أعرف معنى الحريّة.. أعيش حريّات ضئيلة وبمساحات مقلّصة