المها جارالله: فنّي انعكاسٌ لقصص نساء إماراتيات قويات نقشن تأثيراً كبيراً في داخلي

مع اقتراب يوم المرأة الإماراتية، الذي يحل في 28 أغسطس، نحتفل بنساء الإمارات ونلقي الضوء على الإنجازات التي حققنها ويحققنها في مختلف المجالات، وقد سلطنا الضوء على فنّانتان تبرعان في عكس صور جديدة ومبتكرة عن العالم من حولهما، هما المها جارالله وسارة المهيري، كما تعرّفنا على رائدة الأعمال مها مبارك التي تقدّم صورة جديدة عن سيدات الأعمال الناجحات والملهمات.

في صوتها هدوءٌ واثقٌ يعكس معرفة كبيرة في مجال الفن والإبداع، فهي عاشقة للبحث عن المواضيع التي تلهمها، وتملك الشغف الكبير للتعبير عن أفكارها من خلال ريشتها، لتكون مثالاً لبنات جيلها الإماراتيات الشابات. إنّها الفنانة المها جار الله التي تتحدث إلينا عن رحلتها الفنية ومعارضها ورؤيتها الخاصة، وتوجّه رسالة خاصّة لبنات ديرتها في يوم المرأة الإماراتية.

كيف عرفتِ أنّ الفن هو المجال الذي تبرعين فيه وترغبين بالتوجه إليه للتعبير عن ذاتك؟

بدأت تجربتي الفنية في جامعة زايد حيث اخترت التعبير عن نفسي من خلال الفن، وتأثّرت كثيراً بأستاذتي الفنانة عفرا الظاهري، فهي كانت أول بروفسور إماراتية في الجامعة، وقد استفدت كثيراً من قوتها وموهبتها والمعرفة التي نقلتها لي. رصدت حبي للفن بسبب عشقي الكبير للتنقل على الأقدام، فأنا لاحظت أن من يقود السيارة لا يتسنى له رؤية ما حوله، لذا عشقت التنزه مشياً على الأقدام، وكنت أرى العمارة من حولي وأراقب كيفية تبدّلها وتغيّرها لمواكبة التطورات الحاصلة في حياة السكان وبشكل ما أردت أن أشارك ما أراه مع الجمهور العريض، فكان الفن وسيلتي لفعل ذلك.

هناك الكثير في داخلي وأريد مشاركته مع غيري، لقد بدأت دراسة الهندسة في الجامعة ولكنني بشكل ما شعرت أنني غير سعيدة أو راضية، فما أدرسه لم يكن يشبهني أبداً، لذا اخترت الفن والألوان والأشكال، ولا زلت مستمرة حتى اليوم في مسعاي لنقل مشاهداتي وأفكاري.

تركّزين على نقل صورة جميلة عن الماضي في الإمارات من خلال الأشخاص أو العمارة التي تظهر في لوحاتك. لماذا اخترتِ هذا التوجّه؟ وإلى أي مدى تحبّين هذا الحيز الذي لا يعرفه كثر عن هذه الدولة المتطورة؟

في الواقع، نشأت في التسعينات في داون تاون أبوظبي، أي أنني بنت مدينة في الأساس ولم أشهد مرحلة الانتقال من الصحراء إلى المدنية. ولكن في عام 2006، توجهت نحو الضواحي وتحديداً مدينة الشامخة وحينها فهمت الترابط الجميل بين الإنسان والصحراء. اكتشفت جمال الهدوء والعودة إلى الذات والطبيعة، وعرفت الفرق بين المدينة بكل المزايا التي تقدمها لنا، وبين الحياة في الماضي الجميل والقريب نسبياً، بتاريخه وعمارته ومدى روعة الهندسة التي كان أجدادنا يبرعون بابتكارها. واليوم أحاول أن أبرز هذا الجمال لكي يظل له وجود في ذاكرة الجيل الحالي والأجيال المقبلة.

في معارضكِ السابقة، برز تأثّركِ الكبير بنساء أسرتكِ ولا سيما جدتكِ وعمتك، حدّثينا عن السبب ولماذا اخترتِ التركيز على قوة المرأة في الثمانينات؟

لكي أتخيل أبوظبي في الثمانينات، كان عليّ أن أعود إلى طفولتي المبكرة لأتذكر قصص نساء قويات نقشن حضورهنّ القوي في داخلي. كان بإمكاني أن أسأل والدي او جدي ولكنني أردت أن أرى الأمور من منظور النساء في ذلك الوقت، فهنّ من مهدن الطريق للشابات في وقتنا الحالي لكي يكنّ متمكنات وقويات. كما أنّ جزءاً من نجاحي المهني يعود إلى أنني تأثّرت ورأيت النجاح لدى نساء أسرتي، فجدتي حاصلة على ماجستير في الكيمياء، وكانت تعمل وتعيش كما يحلو لها، لذا فهي مثالي الأعلى حتى اليوم.

أفتخر أنني نشأت في عائلة تقدّر تعليم المرأة وتحثها عليه، ورؤية ذلك زرعت فيّ القناعة بأنني قادرة على القيام بكل ما أرغب فيه، فلا شيء صعب أو مستحيل أمام إرادتي. عمّتي سهام من ناحية أخرى لم تكن متعلمة، ولكنّها كانت محور الأحداث في أسرتي، المرأة الأقوى التي كانت تحرص على استمرار اجتماعاتنا والتي كنّا نلجأ إليها عندما نواجه المتاعب. برأيي كل امرأة في ماضينا كانت مصدر قوة ودعم لعائلتها، ورغبت لأي شخص يزور معارضي أن يتذكر نساء أسرته، فيعود إلى طفولته ويقدّر السيدات الذي تربى في كنفهنّ، ويأخذ العبر والدروس من هذه الشخصيات، علّه يجد الإلهام في القصص التي يسمعها، ويبدأ بتحقيق طموحه.

إلى أي مدى يفيد الحفاظ على التاريخ والقيم التي تميّز دولة الإمارات في ضمان تميّزها وريادتها؟

أعتقد أننا شعب محظوظ بالتنوع الثقافي الذي نعيش فيه، ففيه ثراء كبير، وقد علّمني هذا الأمر تقبّل الاختلاف واحترامه، وحثني أيضاً على الحفاظ على ثقافتي وتقديرها والرغبة في نقلها والمحافظة عليها. نمتلك السماحة والكرم وقد تمكنّا أن نبرز ونتميز وسط كل هذه الجنسيات التي تحيط بنا.

حدّثينا أكثر عن سياق عملكِ الفني: كيف تبدأين بمشروع جديد وتحوّلين رؤيتكِ إلى حقيقة؟

لديّ استديو أعمل فيه بمساعدة طلّاب من جامعة زايد، فأنا بدأت بهذه الطريقة في المجال الفني أي أنني كنت مساعدة للفنانة عفة الظاهري، وتعلّمت منها الكثير وأرغب كما حصلت على مساعدة وتوجيه، أن أساعد وأوجّه الجيل الجديد من الفنانين الإماراتيين، لكي يتعلموا ويروا الفنانين عن قرب ويفهموا الأجواء الفنية بشكل أعمق. نحن بلد صغير لذا يجب التركيز على المجالات الثقافية والإبداعية، وأسعى من خلال دعمي للشباب أن أقوّي النواحي الثقافية أكثر، لنتحدى المفاهيم القديمة ونفهم ثقافتنا ونغيّر رؤيتنا للعالم ونفهم تغيّراته ونزيد سعينا لكي يكون مكاناً أفضل لنا جميعاً.

أما بالنسبة للبداية في أي مشروع جديد، فهي تكون بإجراء الأبحاث وطرح الأفكار وتشاركها وتبادل وجهات النظر، بعدها أرتّب الأفكار والأبحاث والرسائل التي أرغب بإيصالها. غالباً ما يتركز عملي على توثيق تغيّر شكل العمارة والمنازل والأشخاص الذين يسكنونها، فأنا أرصد هذه التغيّرات في حيّز زمني محدد لأستخلص وأفهم مدى التبدل الحاصل في نمط الحياة والتفكير لدى العائلة الإماراتية.

ما هي العادات والقيم التي نشأت عليها في الإمارات وتفتخرين بها وتعسين لنقلها للأجيال الجديدة؟

أكثر القيم التي تميزنا هي قربنا من العائلة ومحافظتنا على وحدتنا داخلها، فقد وصلت إلى قناعة أنّ لا أحد سيهتم بي أو يفكر في مصلحتي كما سيفعل أهلي وإخوتي. أنا الكبيرة بين إخوتي وأشعر بمسؤولية تجاههم، ويسعدني كثيراً أن أقدّم لهم كل ما يحتاجون إليه من دعم وعاطفة وتواجد واهتمام حقيقي. ومن المهم جداً أن نحيط أنفسنا بمحيط صحّي ولا أحد سيوفّر لنا هذا الأمر سوى أسرتنا، فهناك ثقة كبيرة تجمعنا ما ينقل إلينا الإحساس بالأمان لكي نعطي ونجازف ونخرج من منطقة الراحة ونحن على ثقة أنّ هناك من يدعمنا من دون أي قيود أو شروط.

منحني والداي مكاناً واسعاً في منزلنا لكي يكون بمثابة استديو صغير خاص بي لأنّهم وثقوا بي وأرادوا مساعدتي، وقدّرت ذلك كثيراً واستطعت أن أنجح لاحقاً وأثبت لهم أنني أستحقيت الدعم، فبات لديّ استديو أكبر يلائم توسّع أعمالي. هذه الثقة لا تقدّر بثمن وهي ضرورية من ناحية الأهل تجاه الأبناء لكي يبدعوا ويحققوا ذاتهم.

يحل يوم المرأة الاماراتية في 28 أغسطس المقبل، فما هي رسالتكِ للفنانات الشابات من أبناء بلدكِ بهذه المناسبة؟

أقول لهنّ: لطالما كان علينا كنساء العمل بشكل مضاعف لنثبت أنفسنا وأننا مميزات وقادرات على النجاح في المجالات الإبداعية، ولكن أنا أؤكد أنّه حينما تملكين الإصرار، فستصلين مهما تأخر الأمر أو بدت العثرات كثيرة في طريقك. وتأكدي أنّ لديكِ كل الدعم الرسمي من جامعات واستديوهات وورشات تدريبية، المهم هو أن تركّزي وتقرّري السعي خلف ما يحفّزك. في حياتي الكثير من النماذج النسائية الرائعة التي أثبتت لي مدى قوة المرأة، سواء أكانت والدة لأكثر من طفل، أم عاملة، أم فنّانة.

ما الذي تسعين إليه مستقبلاً وما هي أجدد مشاريعكِ للعام الحالي؟

أحضّر حالياً لمشاركتي في Beyond Emerging Artists مع فن أبوظبي في شهر نوفمبر المقبل، وأعمل على مشروع يتمحور حول منطقة الرويس وسيتطرق إلى عمارة وهندسة البيوت التي بنيت للعوائل التي عاشت في المنطقة، حيث عمل سكانها مع شركة أدنوك للبترول، وسأرصد تغيّرها منذ الثمانينات وحتى اليوم حيث سنشهد هدمها لأنها لم تعد مناسبة لمتطلبات الحياة العصرية. لقد ذهبت إلى هناك وصورت الأماكن الفارغة، وذُهلت بمدى جمال التصميم والهندسة، وأريد أن يكون عملي بمثابة التحية والذكرى الخالدة لكل من مرّوا من هناك منذ الثمانينات وحتى اليوم.

اقرئي المزيد: سارة أبو غيدا مؤسِّسة MOODAHUB :التميّز يتحقق عندما تتبلور الرؤية لتلتقي مع الهدف المنشود

 
شارك