الرقص غيّرني فاسمحي أن يغيّرك

على المسرح تبدو وكأنها تطير وتحلق عالياً في سمائها الخاصة، أدائها يأسر القلب ويحرك الحواس ويرتقي بالمشاعر، ويعكس حبها الكبير للباليه الذي بدأ وهي في سن الرابعة. إنها راقصة الباليه السعودية الشابة سميرة الخميس التي أخلصت لحبها للرقص فاستحقت النجاح والشهرة والدعم الذي لاقته في أرض بلدها التي تدعم المواهب وتؤمن بقدرات الشباب. في عدد شهر يونيو تتألق سميرة على غلافنا مع أزياء دار Dior ونلقي الضوء على موهبتها لنتعرف على شخصية شابة قوية وواثقة وجريئة، هي مثال أعلى للشابات من بنات جيلها.

إدارة فنيّة: Sima Maalouf، حوار: دينا زين الدين، تصوير: Majid Angawi، مساعدة في التصوير: Mohammad Fawzi، تنسيق: Lana Qatramiz، شعر ومكياج: Nadine Tabbara، منسقة الإنتاج: Kristine Dolor، إنتاج: Totem Productions

الإطلالات كلّها من مجموعة الأزياء الجاهزة لموسم خريف 2023 من Dior

أحببتِ الرقص منذ الطفولة فرقصتِ الباليه وتطورتِ موهبتك ووصلتِ إلى مرحلة التعليم، حدثينا عن أكثر الصور تأثيراً والتي تذكرينها من فترة البدايات؟

أكثر الذكريات التي أحبّها من طفولتي هي صفوف الرقص والمشاعر التي كانت تنتابني خلالها، فأنا كنت أحس بالرضا عن نفسي وبأني حرة وسعيدة. كنت أسعى لكي أكون ماهرة وقوية فلم يكن الأمر بمثابة نشاط أمارسه وأنساه حين أعود إلى المنزل، بل على العكس، كنت أذهب وأنا محمّلة بكل ما تلقيته من حركات وتقنيات جديدة، فأستمر بالتمرن وإجراء الأبحاث وتعلم حركات جديدة، كان هدفي واضحاً أمامي وهو أن أكون متمكنة من الرقص.

قلتِ أنّ الرقص أنقذكِ من مرحلة صعبة في المدرسة، كيف وجدت القوة لتوجّهي طاقتك صوب الرقص فلا تتأثري سلباً بكونك شخصاً واجه التنمر من زملائه، وكيف تمكّنت من التعبير بحركات جسمك عما يجول داخلك من مشاعر لتتخلصي من طاقتها السلبية وتجدي شغفك الحقيقي؟

كنت أحاول قدر الإمكان التركيز على دراستي ولكنني لم أجد نفسي في المواد الأكاديمية التي كنت أتلقاها. كان حبي للرقص كبيراً جداً، فوضعت كل طاقتي فيه. كنت حين أدخل إلى الصف أنسى كل ما حصل في الخارج، وأترك كل ما يزعجني خلفي، فأستمع جيداً إلى ما تقوله المدربة، وأنصت بكل حواسي إلى الموسيقى وأتابع بشغف الحركات، وكأنّها جلسة تأمل لتصفية الذهن وتعلّم شيء جديد وجميل يلامسني. كان وضعي النفسي يتحسن سريعاً، فأرتاح وأنسى كل ما أثّر بي سلباً في يومي.

أقراط، عقد، بلوزة وتنّورة باللون الأسود، صندل Dior Sunset أسود

هل ترين في الرقص طريقة لتحرير الروح من قيود كثيرة؟ وإلى أي مدى برأيك يفيد في التعبير عن مختلف أنواع المشاعر كالغضب، الحزن، الفرح؟

بالتأكيد الرقص يحرّرنا من المشاعر التي تزعجنا، فهو يصفّي الذهن كما قلت ويسمح لنا بالتعبير من خلال الحركات، عن كل ما يعترينا. حين أرقص أريد أحياناً أن أوصل رسالة عن حالتي للمتلقي فأعكس السعادة أو مشاعر أخرى، وفي أحيان أخرى، أحتاج فقط إلى التعبير من دون معانٍ أو رسائل مباشرة. ما يعنيني بالدرجة الأولى هو أن أمارس نشاطاً أحبه، أما كيفية تلقي الجمهور لهذا الفن، فيختلف باختلاف كل شخص.

حدّثينا عن الصعوبات التي واجهتكِ خلف الكواليس لتصيري راقصة باليه محترفة؟ وكيف تمكّنت من تخطيها؟

حين بدأت بالرقص لم أشعر أنني أقوم بأي أمر خاطئ ولم يكن هناك أي معارضة أو استغراب في محيطي حين يعرفون أنني أرقص، فأهلي دعموني بشكل كبير، ومجتمعي أيضاً كان متقبلاً للفكرة. ولكنني اليوم أواجه صعوبة في إقناع الناس أن الرقص هو مجال عمل قائم بحد ذاته، وأنّه أمر جدّي في حياتي، فأكثرهم لا يعترفون بوجود مهنة كمدربة رقص أو راقصة، يعتبرون الرقص هواية أو نشاط نقوم به في أوقات فراغنا، بينما بالنسبة لي فهو محور حياتي، أمارسه بكل جدية وأسعى للتطوّر فيه وللتعلّم، وذلك حتى أنقل خبرتي إلى الجيل الجديد. ما يساعدني في تخطّي هذه العقبة هو أنني أحب ما أقوم به كثيراً، ولا أجبر نفسي عليه، أقوم بما يحرّكني ويسعدني بغض النظر عن كل شيء.

هل ترصدين تغييرات في المجتمع السعودي فيما يتعلق بتقبل الرقص كفن قائم بذاته؟

بالتأكيد يوجد تغييرات كبيرة وانفتاح في مختلف المجالات، كما يوجد حشرية لدى البعض لاكتشاف مختلف أنواع الرقص. وبتنا نرى إقبالاً من الشابات على التعلم، ولكن لا نزال في البدايات ونحتاج إلى الكثير من المجهود لنواكب غيرنا، وأرى أنه من دوري أن أقوم بالتوعية بجمال وفائدة الرقص وتأثيره الإيجابي على مختلف نواحي حياتنا.

أقراط، عقد، قميص أبيض، تنّورة Dioriviera زهريّة.

كيف تطورين أسلوبكِ وتبتكرين رقصات وحركات جديدة؟

أتابع العديد من الراقصات العالميات وأشاهد فيديوهات جديدة. أحاول أن أغذّي عيوني ومشاعري، كما آخذ صفوف أونلاين وأخرى مباشرة حيث أسافر للتعلم، وأسعى لاكتشاف ما يمكن لجسدي القيام به وكيف يمكنه تطوير حركاته للوصول إلى مستويات أعلى.

هل تشعرين في بعض الأحيان أنّ احتراف الرقص يحد من حريتك، وأنّكِ تريدين التصرّف كأي شابة عادية: تتناولي مثلاً وجبة دسمة من دون التفكير بأنّك قد تكسبين الوزن؟

أعيش حياتي بشكل طبيعي، فأنا تعودت منذ زمن أن أحقق التوازن بين رغباتي وبين كوني راقصة. لا يهمني كثيراً الأكل ولا أفكّر به ولكنني لا أحرم نفسي من شيء، بل أكسر روتيني حين أحس بالحاجة لذلك، وأقوم بكل ما يسعد شابة في العشرينات.


أقراط، خاتم، فستان أبيض، حذاء Dway بكعب زهريّ

هل غيّر الرقص في شخصيّتك ومن أي نواح؟

الرقص منحني المزيد من الثقة بالنفس والجرأة وساعدني لكي أكون اجتماعية أكثر، وقادرة على التعبير عن نفسي وفهمها ومعرفة احتياجاتها. سمح لي بالتأثير إيجاباً بغيري من الشابات، وأن أوصل رسالتي لهن وهي: حين تحبين أمراً بشكل كبير وتشعرين أّنكِ ستنجحين به، لا تترددي أو تخشي من نظرة المجتمع أو مدى تقبله لكِ، بل حاولي بكل جهدكِ أن تتبعي شغفكِ لأنّكِ ستنجحين، وتذكري أننا نعيش هذه الحياة مرة واحدة فلا تسمحي لشيء أو لأحد أن يعيقكِ من تحقيق حلمك.

أقراط، سوار، سترة وسروال متعدّدة الألوان،
كعب La Parisienne Dior باللون الأسود والفضّي.

بعض الشابات لا يجدن في داخلهن دافعاً للنشاط أو الحركة، ماذا تقولين لتلك الفئة؟

على كل شابة أن تجد ما تحب القيام به، وهناك الكثير من النشاطات الجسدية التي يمكن تجربتها، كالرقص أو الرياضة أو المشي أو التمارين، المهم أن تبحث وتجد ما يعجبها وتركز عليه، حينها ستشعر بالسعادة الكبيرة لأنها تقوم بشيء يخصها ويعود بالمنفعة عليها، وستلاحظ كم أنها باتت راضية جسدياً ونفسياً. أنا أرقص وأتدرب لأنني أريد هذا التأثير الرائع للرقص والحركة على حياتي، سواء صحتي أو معنوياتي ونفسيتي، وأريد من أكبر عدد ممكن من الشابات أن يستفدن مثلي تماماً، ولا سيما هنا في المملكة، حيث تحتاج المرأة إلى هذا المتنفس للتعبير عن نفسها وتخصيص وقت لذاتها ولتصفية ذهنها.

تحديت قيود كثيرة وافتتحت مدرسة للرقص في المملكة السعودية هي Performing Arts Pulse. حدثينا عنها.

افتتحت Pulse Performing Arts عام 2019 وذلك لكي أفيد مجتمعي بشكل جديد ومختلف. أردت مكاناً آمناً تجتمع فيه محبّات الفن والرقص لتبادل المعرفة والاستفادة والتعبير عن النفس. حققنا النجاح والحمدلله لاقت الصفوف إقبالاً من الفتيات الصغيرات بداية واليوم نستقبل الشابات الأكبر سناً، وأحب كثيراً كيف أمنح الفرصة لنساء لم يعتقدن يوماً أن بإمكانهنّ الرقص باكتشاف هذا العالم وتجربة الإحساس الرائع بالحرية والسعادة الذي يمنحه الرقص.

كيف ترين إقبال الشابات الصغيرات في المملكة على تعلم الرقص؟

يوجد عدد كبير من الفتيات الشغوفات بالرقص والملتزمات بالصفوف، يملكن الحشرية والرغبة الحقيقية بالتعلم ويطرحن الأسئلة والاستفسارات، وهذا أمر جميل جداً ومشجّع.


أقراط، سترة وسروال باللون الأبيض مع زخارف متعدّدة الألوان

هل يحتاج الرقص إلى موهبة أم يمكن من خلال الالتزام والتركيز وحفظ الحركات تعلم تقنياته والنجاح فيه؟

الرقص يحتاج إلى الالتزام والجدية والرغبة بالتعلم. يمكن لأي شخص أن يرقص، فإن امتلك الموهبة يكون شيئاً إضافياً جيداً، ولكن الرغبة هي الأساس كما وجود مدرب متفاني ومهني قادر على التدريب بشكل احترافي.

ماذا تقولين لكل فتاة تحب الرقص ولكنّها تخشى من نظرة المجتمع السيئة لهذا الفن؟

أقول لها: إذا رغبت بذلك بالدرجة التي رغبت أنا بها، فستجدين طريقك، ولكن احصلي بداية على دعم والديك، اقنعيهم بموهبتك وليكونوا هم سلاحك الخفي للانطلاق، فوجودهم خلفك أساسي لكي تقومي بما تحبين وتتحملي وجود أي اعتراضات أو تحديات مجتمعية.

هل ترين أن نظرة المجتمع للراقصة اختلفت؟ بمعنى أنّه بات هناك وعي لوجود أنواع مختلفة من الرقص وليس فقط ما اعتاد عليه الجيل القديم؟

بالطبع اختلفت النظرة للرقص وبات هناك معرفة أكبر بمختلف أنواعه، وقد ساعد الانفتاح الكبير الناتج بسبب انتشار وسائل التواصل في اكتشاف هذا الفن الجميل والاستمتاع بمشاهدته واكتشاف الأحاسيس الجميلة التي يولدها لدى الراقصين والجمهور.

حدّثينا عن أجواء مشاركتكِ في "موسم الرياض" وعما عناه لكِ أن تقدّمي الفن الذي لطالما أحببته على أرض بلادك؟

كان العرض الأول لي أمام الجمهور، وكان الأمر رائعاً بشكل يفوق الوصف. وأكثر ما أثّر بي هو حضور والدي، فقد كانت المرة الأولى التي يشاهدني أرقص. لقد بدأت من عمر الـ4 سنوات، وتطلب الأمر بلوغي لسن الـ23 حتى شاهد والدي أدائي وعرف بقدراتي. أحسست أنني ملكة العالم لأن والدي معي وإلى جانبي، فوجوده مدّني بالشجاعة والقوة والسعادة. لم أكن خائفة وأنا أعرف أنّ لا شيء يمكن أن يوقفني، وحتى إذا فشلت؟ ما الذي سيحصل حينها؟ ببساطة لا شيء لأنني سأستمر بكل ثقة وأجد طريقاً جديداً.

"راقصة الباليه السعودية": ما الذي عناه لكِ هذا اللقب وأن تكوني مثالاً أعلى لبنات كثيرات؟

لست أول راقصة باليه في السعودية، بل يوجد راقصات غيري ولكنهنّ لا يظهرن كثيراً على الإعلام، بالتأكيد أشعر بفخر كبير وبحجم المسؤولية لأنني عُرفت بأنني "راقصة الباليه السعودية". أسعى لكي أكون دائماً مثالاً أعلى بالتصرفات والمواقف لبنات جيلي، ولا أتوقف عن التعلم والتطور وتحسين قدراتي والحصول على شهادات جديدة، لكي أظل عند حسن ظن تلميذاتي والنساء اللواتي وثقن بي واعتبرنني شابة مميزة بموهبتها وقدراتها وإرادتها.

أقراط، سوار، شال متعدّد الألوان، تونيك أبيض

كيف ترين التغييرات الحاصلة في المملكة ولاسيما فيما يتعلق بتمكين النساء؟

المرأة السعودية اليوم تحقق النجاح في مختلف المجالات التي تخوضها، وهي تحصل على الدعم اللازم من القيادة التي آمنت بها وبقدراتها، وهي مميزة في المجالات الفنية والثقافية لأنّها عملت بجهد لكي توصل صوتها إلى أعلى المحافل.

ما هي رسالتكِ لكل شابة ترغب بالبدء بتحقيق أحلامها ولكنها تخشى القيام بالخطوة الأولى؟

أقول لها: حاولي وانطلقي وقومي بالخطوة الأولى فهي الأصعب، ولا داعي لأن تشعري بالخوف. ولكن في حال كان حاضراً، اجعلي من الخوف صديقكِ، واعتادي على وجوده والتعايش معه، لأنّه أحياناً ضروري لتعرفي أهمية ما تقومين به. لا تخافي من الفشل فهو ليس نهاية العالم، بل ابدأي من مكان ما وستتفاجئين أين يمكن أن تصلي في رحلتك.

ما هي مشاريعكِ وأهدافكِ للفترة المقبلة؟

أكثر ما أركّز عليه في الفترة الحالية هو تطوير الاستديو الخاص بي، فأنا لديّ مشاريع للتوسّع حتى يتسنّى لعدد أكبر من الشابات الاستفادة من تعلم الرقص، وهدفي الواضح أمامي هو الاستمرار بتطوير قدراتي ومساعدة غيري من الشابات في اكتشاف مكامن قوتهنّ والاستفادة منها. 

اقرئي أيضاً: ما هو مفتاح النجاح بالنسبة لسميرة الخميس؟

 
العلامات: سميرة الخميس
شارك