سجى كيلاني: لحظة أدركتُ أنّ آراء الناس لا تعنيني هي اللحظة التي حرّرت عقلي وأفكاري
هل أنتِ حرة؟ الإجابة البديهية على هذا السؤال هي نعم، فأنتِ لست في السجن ولا أغلال تكبّل يديكِ، أنتِ قادرة على اختيار مكان سكنكِ، اختصاصكِ الجامعي، صداقاتكِ، مواقفكِ، هواياتكِ، حتى إطلالاتكِ ومظهركِ الخارجي.
ولكن إذا تعمّقنا قليلاً في حياتنا، سنجد حتماً مواقف مررنا بها لم نكن في خلالها أحراراً بالمعنى الحقيقي للكلمة، أحسسنا أنّ قيوداً خفية توقفنا، ربما هي قيود الأهل أو المجتمع أو الرجل الشريك أو العادات والتقاليد، أو حتى قيود الذات التي لم تتخلص بعد من صدمات ومواقف عاشتها وتركت فيها الحذر والخشية من تبعات العيش بحرية حقيقية.
ولكن حين تختارين الفن ليكون طريقكِ، فأنتِ تعبرين من خلاله إلى حريتكِ بمعناها الأوسع، فالفن لا يمكن مصادرته ومنعه ومعاقبته، فهو عابر للأزمنة والأمكنة، يسمح لكِ أن تعبّري عن أكثر الأفكار جرأةً وقوةً وعمقاً، والجرأة هنا ليست بمعناها السلبي، بل تعني تجريد الروح من كل الطبقات التي أعاقت انطلاقها ووضع اليد على الجراح التي خدشتها وتسببت لها بالأذى، لكي تتحرر وتسمح لمن حولها أن يصل أيضاً إلى جوهره.
ولأنّ محور العدد هو حريّة التعبير عن الذات، فقد اخترنا خمس فنّانات موهوبات ولامعات كلّ واحدة في مجالها، استطعن أن يعشن معاني الحرية من خلال أعمالهنّ الفنية المختلفة، ويوصلن رؤيتهنّ الخاصة إلى الجمهور.
هل تتحدث العيون؟ نعم بكل تأكيد، أو على الأقل فإنّ عيون سجى كيلاني ناطقة بالكثير من المعاني والمشاعر والتعابير. أمّا من خلال صوت هذه الشابة الأردنية وأشعارها وكلماتها المنتقاة بعناية، فينكشف عالمنا العربي بكل جماليته للآخَر الذي ما زال يجهل عنه الكثير. سجى الشابة الجريئة والموهوبة ذات الكاريزما الطاغية، تقسم وقتها بين بلدين، الأردن وكندا، وقدراتها بين الكتابة والتأليف والتمثيل، لتصل إلى الآخر وتبلغه رسائلها، فما هي هذه الرسائل يا ترى؟
لماذا اخترتِ التعبير عن نفسكِ من خلال الفن ومشاركة أفكاركِ عبر إنستغرام على صفحتكِ sajakilani@؟
الفن شفاء، ليس فقط للنفس، بل أيضاً لأولئك الذين يتفاعلون معه. لقد أدركت أنّ عملية الشفاء الخاصة بي تتضاعف عندما يقدّم فني الدعم والمساعدة لشخص آخر. هناك مسؤولية تتمثل في معرفة أنّ تعبيركِ الإبداعي يمكن أن يؤثّر بشكل إيجابي على الآخرين، ما يخلق تواصلاً جميلاً يتجاوز الكلمات.
متى اكتشفتِ أنّكِ مختلفة عمّن حولكِ؟ ألأنّكِ قادرة على التعبير عن مشاعركِ من خلال الشعر والفن والتمثيل؟
أعتقد حقاً أنّ لدينا جميعاً موهبة أو مهارة يجب اكتشافها، والمفتاح يكمن في الشجاعة للاستكشاف. برزت رحلتي إلى النور من خلال مشاركتي في المسرحية الفلسطينية "حكايات مدينة على البحر" في تورنتو، وهي من تأليف الموهوبة سماح سبعاوي. لم يكشف تمثيلي في هذا الإنتاج الرائع عن مهارة مخفية بداخلي فحسب، بل غيّر وجهة نظري حول قوة التعبير الفني أيضاً. لم يكن الأمر يتعلق باكتشاف نفسي كممثلة فحسب، بل بأن أدرك تأثير ما أقوم به على الآخر أيضاً. رأيت قوة هذا الأمر بنفسي، ورصدت الصدى لدى الجمهور وكيف أثّرت فيهم. كان إدراك أنّ قدراتي يمكن أن تجعل الناس يشعرون بالقدرة على تحسين أنفسهم وعالمهم هو اللحظة الحاسمة التي أكدّت لي أنّ هذا هو طريقي.
حدّثينا عن الحالة التي تمرّين بها عندما تعملين على عمل إبداعي جديد سواء كتابة أو فكرة فيلم أو أي حالة إبداعية تريدين إيصالها للآخرين؟
كل شيء يبدأ بشعور أو ينطلق من تجربة شخصية، وهدفي ليس إنشاء محتوى للجمهور، بل أن أكون صادقة مع نفسي، لأن هذا ما يترك الصدى الحقيقي والعميق. مع الشعر، غالباً ألجأ إلى كتابة مشاعري عند تجليها لكي أتذكرها حين أرغب بصوغ قصيدة، كما أنني أستمد الإلهام من الشعراء الذين أتابعهم وأعجب بهم على وسائل التواصل الاجتماعي. على سبيل المثال، قصيدتي My Love Story مستوحاة من تعابير أحد الشعراء عن المشاعر، وبينما كانت تعابيري من خلالها تستكشف فكرتي الخاصة عن الحب، فقد دفعتني إلى التفكير بشكل أكبر بعلاقتي بأسلافي.
أما بالنسبة لصناعة الأفلام، فأفكاري عادةً ما تنطلق من المحادثات مع العائلة أو الأصدقاء. ألاحظ المخاوف المشتركة وأطوّر قصصاً واقعية من حولنا. أنا لا أخطط لهذه الأفكار بالضبط، ولكن بمجرد ظهورها، أنغمس في العملية الفنية مع الحفاظ على الفكرة الأساسية التي أريد إيصالها.
هل يهمّكِ الوصول إلى الآخرين من خلال فنكِ أم أنّكِ مهتمّة فقط بالتعبير عما تشعرين به وترغبين في مشاركته؟
فني هو انعكاس لمشاعري الخاصة، إلا أنّ لديّ رغبة عميقة في التواصل مع الآخرين من خلاله. إنّ مشاركة أعمالي علناً هي بالنسبة لي وسيلة لإنشاء مساحة حقيقية حيث يمكن لشخص ما التواصل أو الشعور بأنّه مسموع أو مرئي. لكن عمليتي الإبداعية لا تقتصر على مجرّد عرض وجهة نظري الخاصة، فأنا أجد الإلهام في أعمال الآخرين، وهي ما تحفّزني غالباً لاستكشاف روايات مختلفة. أنا متحمّسة لبث الحياة في القصص التي قد تمر من دون أن يلاحظها أحد أو الأصوات التي غالباً ما تخضع للرقابة.
ماذا تعني الحريه لكِ؟ هل تعتبرين نفسكِ اليوم شابة حرة؟
الحرية بالنسبة لي هي حرية التعبير عن الذات، وأن يكون لي دور بالمساهمة في محيطي من خلال مهنتي ومعتقداتي وأفكاري، واستناداً على ذلك، فإنني أعتبر نفسي امرأة شابة حرّة اليوم. وأي شخص يعيش تحت سقف آمن ويحصل على الغذاء والماء والكهرباء هو شخص حر. أنا ممتنة لإتاحة الفرصة لي للعمل وحتى استخدام الكمبيوتر المحمول الخاص بي للإجابة على أسئلة هذه المقابلة. لذا فأنا أدرك جيداً أن هذه البيئة تسمح لي بالتعبير عن نفسي، وبالمساهمة في التطرق إلى القضايا التي أؤمن بها من دون أي قيود.
متى تحررتِ من كل المعتقدات والأفكار التي تقيّد الشابات في عصرنا الحالي؟
اللحظة التي أدركت فيها أنّ آراء الناس لا علاقة لها بي، هي اللحظة التي شعرت فيها بتحرر عقلي وأفكاري بشكل تام. تقول الفنانة العالمية بيونسيه، التي تلهمني كثيرًا: "لا تدع سلبية الأشخاص الذين يُسقطون شكوكهم الشخصية عليك تمنعك من التركيز على أهدافك". لذا طالما أنا سعيدة بما أفعله من خلال فني، فإنّ الآراء الخارجية ليس لها أي تأثير عليّ، لأنّ الناس سيجدون دائماً ما يقولونه، لذا وببساطة أقوم بتقديم الفن لإلهامهم بدلاً من إرضائهم.
لقد تعاملتِ مع مشكلة جلدية أصابتكِ منذ الطفولة. كيف وصلتِ لهذه المرحلة من التصالح مع نفسكِ؟ ما الذي كنتِ بحاجة إليه للتحرر من صور الجمال المسبقة التي أرهقتكِ وأرهقت الكثير من الشابات أيضاً؟
الجمال هو أكثر بكثير مما تراه العين. هو ما تشعر به الروح. لقد سمحت لحالة جلدية أن تحدد ما أشعر به تجاه نفسي لسنوات. وفقط عندما بدأ المؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي في رفع الوعي حول نفس الحالة، بدأت في التأقلم معها وتقبلها. وبدلاً من النظر إلى الأمر كما فعلت، بدأت أقدّر كيف تكمّلني هذه الحالة، وقد دفعني هذا الشعور إلى كتابة قصيدتي "بهاقي" ومشاركتها لكي أساعد من عاش معاناتي بنفس الطريقة التي تمت مساعدتي بها، وهي نشر الوعي عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
نصيحتي للنساء اللواتي يعانين من عدم الأمان بشأن سماتهنّ الجسدية هي: كوني أقوى من تلك الحالة التي تزعجكِ واسمحي لها بجعلكِ تشعرين بالكمال وليس بالنقص.
كيف يمكن للفن أن يساهم في رفع صوتنا عالياً في وجه الظلم وفي مساعدة الناس على تحقيق حريّتهم؟
قبل أن أصبح فنانة، أردت دائماً أن أكون محامية وذلك لمحاربة الظلم على مستوى العالم. ولكن مع كل عمل فني قمت به، لاحظت مدى قوة فني. عندما قررت أن أخصص وقتي للإبداع الفني، أذهلتني ردود الفعل الأيجابية التي تلقيتها. كان عدد الأشخاص الذين ارتبطوا بعملي وشعروا أنّه يمثلهم أو يؤثر بهم بطريقة ما، محفزاً ومشجعاً. بدأ فني كعلاج ذاتي، لكنه انتهى بي بأن أتمكّن من مساعدة الآخرين. لذا فإنّه كلما كنتِ أكثر أصالة مع فنكِ، كلما زاد عدد الأشخاص الذين يتواصلون معكِ. نحن جميعاً بشر، لدينا عواطف ومشاعر تحركنا، ونتعامل جميعاً مع مشاكلنا الخاصة. وكبشر أيضاً، نحن نبحث دائماً عن الهروب، لنشعر بشيء يمكّننا ويقوينا. أحب استخدام فني لتثقيف هؤلاء حول الظلم الذي نواجهه حالياً مع تمكينهم أيضاً من فعل الشيء نفسه في مجال عملهم.
ماذا نحتاج في مجتمعاتنا العربية لنتصالح أكثر مع هويتنا وفردانيتنا ونتحرر من أيّة قيود وأفكار مسبقة لا تزال تكبّلنا وتمنعنا من الانطلاق لتحقيق ذواتنا؟
هويتنا جميلة في حد ذاتها، وما نحتاجه للسماح لفرديتنا بالازدهار هو المساحة التي تمكننا من القيام بذلك. مجتمعنا هو مجتمع يحتاج إلى التحرر من الأفكار المسبقة، وعندها فقط يمكننا التعبير عن أنفسنا بشكل إبداعي بطرقنا الأصيلة. ولا يمكن القيام بذلك إلا عندما نتصالح داخلياً مع فكرة أن الأحكام المسبقة تكبّلنا وأنّها امتدادات لعدم إحساسنا بالأمان.
حدّثينا عن أعمالكِ الفنية والسينمائية؟ ما هي الأفكار والمواضيع التي طرحتها سابقاً، وتلك التي تفكرين في تقديمها مستقبلاً عن المجتمع الأردني تحديداً والمجتمع العربي بشكل عام؟
أنا أنجذب بشكل كبير إلى الأعمال التي تعرض قصصاً حقيقية أو مستوحاة من أحداث فعلية. أجد أنّ مثل هذه الأفلام تقدم ما هو أكثر من مجرد ترفيه، فهي تعليمية بطبيعتها. لقد عكست مشاركاتي السابقة في المسرحيات والأفلام القصيرة هذه الأيديولوجية باستمرار، وهو ما أطمح إلى الاستمرار به في عملي. هناك ثروة مخبئة في القصص غير المروية داخل المجتمع الأردني والعربي والتي أهدف إلى إظهارها من خلال صناعة الأفلام في المستقبل.
كما أنني متحمسة جداً لتبديل الصور النمطية المحيطة بالعرب في الأفلام، حيث يميل اختيار الممثلين إلى اختزال العرب في سمات جسدية محددة أو شكل أزياء معين يمثل "الأقليات"، ولكن حان الوقت لتجاوز هذه الصور النمطية والبحث عن صور ونماذج حقيقية تعكس حقاً التنوع داخل مجتمعاتنا.
كيف تقسّمين وقتكِ بين كندا والأردن؟ ما هي مساحة الحرية التي منحها لكِ كلا البلدين؟
لقد بدأت مؤخراً فقط في تقسيم وقتي بين البلدين. الفرق بين الغرب والشرق هو مساحة التعبير عن الذات. توفّر كندا حرية إبداعية لا حدود لها، لكن الأردن تقدّم ثروة من الثقافة والقصص والتقاليد التي لا أجد لها مثيل، فحتى الفن الذي أبدعته في كندا كان يعود دائماً إلى جذوري العربية.
وفي الآونة الأخيرة، كان من الرائع أن نشهد ازدهار صناعة الترفيه والسينما في الدول العربية، والأردن تمتلئ بالفنانين الموهوبين في مختلف المجالات من ممثلين ومطربين ومصورين ومصممين وفناني مكياج ورسامين. إنّ رؤية هؤلاء الأفراد الموهوبين بشكل استثنائي يحصلون أخيراً على التقدير الذي يستحقونه هو مصدر إلهام لي، وهو يزيد من التزامي بسد الفجوات الفنية والثقافية بين العالمين.
حين تنظرين إلى إنجازاتكِ حتى هذه السن، ما هو العمل الذي تهنئين نفسكِ عليه أكثر من غيره؟
أنا فخورة بالجهد الذي أبذله للاستمرار في كل ما أقوم به، وهذا بالنسبة لي هو الجانب الأكثر تحدياً في هذا العمل، وعلى الرغم من أنني لم أقترب من تحقيق كل ما أريد، إلا أنني أعلم أنني فخورة بالتزامي بمواصلة المحاولة لإحداث تغيير أو أثر ما.
ما هي المجالات التي تهتمين بتوسيع تواجدكِ بها في المستقبل: التمثيل، الكتابة، أو عرض الأزياء؟
أعمل على توسيع تواجدي في التمثيل، فهو المجال الأول الذي عرّفني على الجانب الإبداعي. أعلم أن لديّ الكثير لأقدمه في صناعة السينما، وآمل أن يرافقني الحظ لأبيّن كل مهاراتي ومواهبي. حالياً، أعمل على إعداد بعض القصائد، وأقوم بتجارب أداء، لذا فإنّ أي مخرج يقرأ كلماتي اليوم، أتمنى أن أكون في المستقبل القريب جزءاً من مشروع فني وإبداعي يفكر بتقديمه.
اقرئي المزيد: نور الخضراء : في داخلي ممثلة وكاتبة ورسامة ومصممة ألعاب إلكترونية ولاعبة...وأكثر