ريما فقيه صليبي: القلب يرى أحياناً ما لا تراه العين
عندما نتكلّم عن الجمال يأتي إلى ذهننا صفات عنها. منها تدلّ على الشكل الخارجي وأخرى تعكس المضمون أو الأسلوب أو الستايل، ولكن ماذا لو كان في الجمال مبالغة معيّنة؟ هل في ذلك أمر غير ملفت أو أنّه يجعل من هذا الجمال تميّزاً لا مثيل له؟ أسئلة كثيرة تدور في رأسنا حين نتكلّم عن نجمة غلاف عددنا... لعلّ أوّل ما نقول ريما فقيه، نقول ملكة الجمال إنّما نردّد من بعدها كلمات عدّة ليترافق اسمها مع الصفات التالية: جميلة، فريدة، مميّزة، إنسانيّة، أمّ، امرأة ناجحة... وغيرها الكثير، ممّا يجعل في جمال ريما مبالغة واضحة، مبالغة في الجمال، ليس في الشكل الخارجيّ فحسب، إنّما في المضمون أيضاً. أحياناً، إنّ أكثر النساء جمالاً في العالم هنّ أكثر مَن يحملنَ جمالاً في قلوبهنّ وأكثرهنّ سعياً لجعل حياة الآخرين مفعمة بالجمال أيضاً. هكذا هي ريما فقيه، هكذا هو جمالها! إنّها ريما فقيه صليبي التي تجعل جمالها نابضاً بالحبّ والسعادة والأمان والمساعدة.
حوار: طونينا فرنجيّة، تصوير: Mohamad Seif، إدارة فنيّة: Farah Kreidieh، تنسيق: Amanda Massi، شعر: Assaad Hair Design - مكياج: Elizabeth Seropian، مستشارة إعلامية لنجمة الغلاف: إيليان الحاج, Medium Mena
يرتبط اسم ريما فقيه صليبي دائماً بالجمال ولكنّ النشاطات الإنسانيّة والأعمال والمشاريع الهادفة نحو تمكين دور المرأة هي أيضاً من الأمور التي ترافق اسم ريما فقيه. مع ذلك، لنبدأ أوّلاً بالجمال وتعريفه، ما هو الجمال بالنسبة إلى ريما فقيه؟ وما الذي يجعل الإنسان جميلاً؟
أنا فخورة لكوني فزت بمسابقة على المستوى الجماليّ مثل ملكة جمال ميشيغان ومن ثمّ ملكة جمال الولايات المتّحدة الأميركيّة، لا سيّما في ذلك الوقت حين كان من الصعب جدّاً تقبّل مهاجرة عربيّة في الولايات المتّحدة الأميركيّة. لطالما شعرت بالثقة والجمال في تلك الفترة أيّ أثناء مشاركتي في المنافسة في تلك المرحلة، لكنّني كنت على يقين دائماً أنّني أريد أن أكون أكثر من ذلك. لذا وإن أردت الإجابة عن تعريف الجمال وما الذي يجعل الإنسان جميلاً، فلا بدّ من العودة إلى نشأتي وطريقة تربيتي إذ ومنذ صغري اعتاد والدي أن يقول لي: "يظهر الجمال الحقيقي للإنسان بعد أن يتكلّم"، وهذه المقولة رافقتني دائماً كنوع من التذكير لي حول ما يعنيه الجمال تحديداً. لذلك ، بالنسبة إليّ، إنّ الجمال يأتي من الثقة وتحمّل المسؤوليات.
ما الذي حثّك كامرأة برزت في المجال الجمالي على الاهتمام بالقضايا والنشاطات الإنسانيّة؟ من أين تستمدّين شجاعتك للقيام بذلك؟ وما الذي تشعرين به جرّاء الانخراط بهذه الأعمال؟
في الحقيقة، بدأ العمل في الميدان الإنساني أوّلاً ومن ثمّ انخرطت في عالم الجمال. ففي عمر الـ18 سنة أي قبل 6 سنوات من تتويجي ملكة جمال الولايات المتحدة الأميركية، بدأت العمل كمتطوّعة في جمعيّة AmeriCorps حيث حضرت لمدّة 5 أيّام أسبوعيّاً وعملت تحديداً على ملف المهاجرين العرب. في الحقيقة، لطالما وجدت رسالتي الحقيقيّة في مساعدة الآخرين والتطوّع بوقتي وتوظيفه لإحداث فرق. إنّ تتويجي ملكة ومنصبي كملكة ساعدني في العمل على مستوى عالميّ إنّما لطالما لفتني العمل الإنسانيّ وشدّني إليه منذ البداية.
أنت ناشطة في العمل الإنساني على مختلف القضايا الإنسانيّة، إنما لا بدّ من السؤال ما إذا كان هناك من قضيّة تعنيك أكثر من غيرها؟
في الحقيقة، وبعدما أصبحت أمّاً، باتت المؤسّسات التي تُعنى بفئة الشباب هي التي تلفتني وتشدّني نحوها أكثر من غيرها.
تعملين عن كثب مع مركز سرطان الأطفال CCCL، كسفيرة لهذا المركز وأنت أمّ لثلاثة أولاد. أخبرينا قليلاً عن الأمومة، متى يمكن لأيّ أمّ أن تشعر بحاجة ماسّة إلى دعم الأمّهمات الأخريات لها؟ وكيف غيّر العمل مع مركز سرطان الأطفال نظرتك إلى الأمومة؟
أوّلاً، لا بدّ من القول أنّ قصّتي مع مركز CCCL بدأت لدى زيارتي الأولى لى لبنان عندما قصدت المركز لأوّل مرّة وقضيت يومي برفقة الأطفال.وأعتبر جميع القيّمين والعاملين والأطفال في المركز بمثابة عائلة لي. ويشرّفني أن أكون سفيرة لمركز سرطان الأطفال في لبنان CCCL للعام الثاني على التوالي. بالنسبة إليّ، السرطان لا ينتظر! فكيف يمكن إذاً لأمّ أن تشاهد ولدها يفقد طفولته بسبب السرطان؟ ذاك المرض الذي يعتبر من أصعب الأمراض التي يتعذّر التغلّب عليها بسهولة. لا يمكنني إلّا أن أتخيل آلام هؤلاء الأمّهات، وكأمّ أدعو الله أن يقدّرني كي أقوم بتقديم الكثير من المساعدة إلى هذا المركز لجلب المزيد من الأمل والدعم للمرضى الصغار وأمّهاتهم.
بالحديث عن الأمومة، ما الذي غيّرته فيك كامرأة، وكامرأة عاملة وكامرأة تعيش تحت الأضواء؟ وكيف توفّقين بين هذه الأدوار جميعها؟ وما هو برأيك سرّ الأمومة السعيدة؟
أعشق حقيقة أنّني أمّ! وأحبّ أيضاً وكثيراً حقيقة أنّني زوجة! وأحبّ كثيراً ما يتوجّب عن ذلك من الاستيقاظ باكراً، البقع التي أراها بشكل فوضويّ وعشوائيّ على ملابسي وتلك الهتافات لي. كذلك، أحبّ كثيراً هذه المرأة التي أنا عليها اليوم. أشكر ربّي أنّه كان بمقدرتي السفر في سنّ مبكرة وتأسيس عملي وتثبيت صورتي المهنيّة. فاليوم، ينصبّ تركيزي أكثر على العائلة وزوجي وأولادي وعلى كيفيّة تطوير عمل العائلة. في المقابل، يأتي العمل الإنساني ليشكّل هذا الحبّ اليومي الذي أحبّ القيام به ومنحه وقتي والذي يمدّني بالفرح ويملأ قلبي.
هل شعرت يوماً بالتعب أو الإرهاق؟ أو بلحظات يائسة؟ وما الذي يرفع معنويّاتك؟
ممّا لا شكّ فيه أنّ لكلّ منا أيّامه السيئة ولكنّني مؤمنة بأنّه باستطاعة الإنسان تغيير مسار يومه.علينا أن نؤمن بأنّ غداً يوم أجمل. لذلك، أحرص كثيراً أن آخذ الوقت الكافي من أجل الصلاة والتأمّل وأن أرى دائماً الجانب الإيجابيّ دائماً في كلّ ما ومن يحيطني. عندما أشعر بالإرهاق، أحاول فوراً اللجوء إلى ما يريحني فأستمتع بيوم عطلة مثلاً، أو بقيلولة طويلة أو بمشاهدة برنامجي المفضّل. أشعر أنّ القيام بذلك يعيد إليّ الحماس ويمدّني بالطاقة من جديد.
كيف أثّر عملك الإنسانيّ على طريقة تربيتك لأولادك؟ وهل من قيم أو مبادئ معيّنة تحرصين على تمريرها لهم؟
برأي، إنّ أهمّ جزء في تربية الأولاد يكمن في تربيتهم على الحبّ وبأسلوب ينبع منه الحبّ. كذلك، من المهمّ جداً، تعليمهم مبادئ معيّنة وأهميّة الصلاة. فأولادنا هم المستقبل وعلينا أن نحصّنهم كي يواجهوا صعاب الحياة من جوع ومرض، وفقر...أحرص مع زوجي على أن نربّيهم كي يكونوا ممتنّين وشاكرين الله على كلّ ما تقدّمه لهم الحياة، فالأهمّ أن يبتعدوا عن الأنانيّة وأن يقدّروا الأشياء.
نعلم أنّك تعملين مع جمعية "School on Wheels" التي تركّز أيضاً على الأطفال وتحديداً على مساعدة الأطفال المشرّدين منهم في العثور على سقف أو مكان يأويهم، هل يمكنك إخبارنا عن الجمعيّة أكثر؟
أعيش في لوس أنجلوس ومؤخراً عانت هذه الولاية أزمة تشرّد بارزة. فمعدّل الأطفال المشرّدين ارتفع كثيراً حتّى أنّه قفز من 70 ألف إلى 120 ألف. إنّ هؤلاء الأولاد المشردون يعيشون في الشوارع من دون مأوى أو ملجأ لهم أو طعام أو حتّى أهل. استفزّني هذا الأمر فعلاً وشعرت بحاجة ماسة كي أحدث تغيير معيّن وأساعدهم. انطلاقاً من ذلك وبعد قيامي بالبحث أونلاين عن هذا الموضوع، وجدت أنّ جمعيّة Schools on Wheels هي أكثر الجمعيّات نشاطاً ومساعدة في هذه القضيّة. فما كان عليّ سوى التواصل معهم، حيث قضيت فترة تدريب أوّلاً ومن ثمّ عملت كمتطوّعة، اليوم أنا فخورة بكوني سفيرة لهذه الجمعيّة. فمن المهمّ بالنسبة إليّ أن أعمل بشكل يومي مع هؤلاء الأطفال وأن أسعى إلى مساعدتهم كما أنّني أعتبر أنّ وجود أولادي إلى جانبي واستماعهم إلى محادثاتي والنقاش الذي يدور حول الطرق الفعالة لمساعدة هؤلاء الأطفال أمر مميّز ومهمّ لهم إذ يختبرون كيفيّة مساعدة الأولاد الآخرين.
كمغتربة لبنانيّة ومعنيّة في حملات GofundMe، ما الذي يعنيه لك أن تكوني بعيدة عن الوطن الأمّ ولكن في قلب مساعدة اللبنانيّين المحتاجين؟
أنا أميركيّة أجل ولكنّني لبنانيّة أوّلاً. بغضّ النظر أنّنا مهاجرون ولا نعيش في لبنان، إلا أنّني وزوجي سنكون دائماً حاضرين دائماً لدعم بلدنا لبنان ولكن الأهمّ لمساعدة أهلنا وشعبنا.
في ظلّ الظروف الناتجة عن جائحة كورونا التي نعيشها عالميّاً وفي لبنان تحديداً، ما هو أصعب ما شعرت به ولمسك شخصياً وأثّر ربّما على صحّتك النفسيّة؟ وما الذي تفعلينه لتتغلّبي على مثل هذه اللحظات؟
لا يمكن وصف كم هو مؤلم أن نرى المعاناة التي سبّبتها جائحة كورونا على العالم أجمع، وما يحصل في لبنان جراء حادثة انفجار مرفأ بيروت أمر محزن للغاية. فبعد هذه الحادئة المؤلمة، لم نستطع زوجي وأنا النوم لأسابيع عدّة. ولم أتمكّن لغاية اليوم من تخطّي شعور الحزن والألم تجاه المعاناة التي يعيشها اللبنانيون. إنّما لا بدّ من القول أنّنا نشعر بالامتنان لإطلاقنا وبسرعة حملة Global Aid for Lebanon التي استطعنا من خلالها أن نجمع 1.3 مليون دولار أميركي في 10 أيّام فقط وذلك من أجل مساعدة اللبنانيّين.
أين تجد ريما الأمل والسعادة وراحة البال؟
أجد الثلاثة في عائلتي الصغيرة: زوجي وأولادي. في المقابل، يشعرني النادي الريّاضي بالراحة أيضاً وهو مكان التزمت به وتحديداً خلال فترات حملي الثلاثة. فأنا أحرص دائماً أن أجد الوقت المناسب من أجل التمرين والحفاظ على جسم سليم كما أنتبه بنوع خاص لصحّة أولادي.
عنوان جلستنا التصويريّة هو "The Exaggerated Beauty" حيث نسلّط الضوء تحديداً على المعنى الحقيقيّ للجمال وكيف أنّه انعكاساً للمضمون وهو صفة النساء اللواتي يوظّفن جمالهنّ خدمة لجعل حياة الآخرين جميلة. هل توافقين بأنّنا نجد الجمال حين نفعل ذلك؟
طبعاً.فبالنسبة لي، إن استطعت ونجحت في أن يذكرني العالم أو يصفني بالجمال الحقيقيّ، فحينها أكون على يقين من أنّ مهمّتي قد تحقّقت. فأنا منذ طفولتي، كنت أجد جمالاً في مساعدة الآخرين وجعل حياتهم أجمل. اليوم، أملك صوتاً أقوى وبإمكاني توظيف مكانتي الاجتماعيّة وصوتي هذا لإعادة الأمل والجمال إلى العالم. وآمل فعلاً أن أكون مثالاً إيجابيّاً للكثير من الشابّات.
ما في قلبنا غير مرئي، وما في روحنا مخبّأ...أخبرينا أكثر عن ريما التي لا نعرفها؟ ما الذي يحثّك ويدفعك؟ وما الذي يلهمك؟ وما الذي تحلمين به؟
أعتقد أنّ القلب يرى أحياناً ما لا تراه العين، وأنا أثق بالله أوّلاً في قلبي. وما يجهله الكثيرون أو لا يدركونه هو أنّني اتّهمت كثيراً بأمور خاطئة واجهتها وغير صحيحة وقد واجهت هذه الاتّهامات بصمت ومن دون تعليق وسبب ذلك هو أنّني لطالما آمنت بأنّه لا يصحّ إلّا الصحيح والحقّ هو الذيسيسود ويظهر في النهاية. أعتقد أنه علينا أحياناً أن ننظر إلى الأمور بطريقة أخرى أو مختلفة حين نواجه شخصاً لا يقبل رؤية الأمور كما هي.
تعتبرك الكثيرات مثالاً أعلى لها ويرونَك على أنّك امرأة كاملة الأوصاف، ما هي رسالتك لهنّ؟ وكيف تدعمين النساء؟
لا بدّ من القول أنّني أشعر بالإطراء والسعادة لنظرتهنّ هذه تجاهي. ولكن ما أقوله لهنّ هو أنّني لست مثاليّة أبداً فأنا أيضاً واجهت مطبّات عدّة وعشت الكثير من اللحظات الحلوة والمرّة. ولكن علينا ألا نستسلم أبداً، بل أن نقف مجدداً عند كلّ مطبّ وألا نسمح لأيّ شيء أن يحبط من عزيمتنا ويجعلنا نفقد الأمل. آمني دائماً بنفسك، فإيماني بنفسي هو ما أوصلني وجعلني ما أنا عليه اليوم.
ممّا لا شكّ فيه أنّ عام 2020 كان أسوأ الأعوام علينا جميعنا وها هي بداية 2021 غير واعدة أيضاً، ما هو أفضل ما تعلّمته أو اختبرته خلال تلك الجائحة التي لا تزال تعصف بنا؟
تعلّمت أنّ التفكير الإيجابي يجد دائماً وسيلة أو طريقة يمكن من خلالها إتمام الأمور ولكن العقل السلبي هو ما يحول دون إنجاز ما يجب القيام به أو هو ما يمنعنا من القيام بما نريده. فبعد كلّ ما عانى منه العالم وما يمرّ عليه جرّاء هذه الجائحة، أعتقد أنّنا بتنا ندرك فعلاً ما هو الأهمّ في الحياة: العائلة والصحّة! كذلك، حالة ذهنيّة سليمة وقويّة وأيّ شيء آخر هو ثانوي.
أخيراً، ما هي أهداف ريما فقيه المقبلة؟ هل من خطط معيّنة؟
أشعر بفخر كوني سفيرة لمركز سرطان الأطفال في لبنان CCCL للعام الثاني على التوالي وسفيرة School On Wheels للمرّة الأولى. في عام 2020، انضمّيت إلى مجلس Best Buddies International، هذه الجمعيّة التي كنت عضواً فيها منذ عام 2010. أخيراً، لا بدّ من القول أنّني في صدد العمل على مشروع مميّز سيبصر النور قريباً وسأعلن عنه لاحقاً على مواقع التواصل الاجتماعي.