لا تنسون الكتاب!

أجلس في مكتبة الملك عبدالعزيز... أدري رايحة تسألين: «مكتبة؟ كتب؟!» وتتعجّبين عشان أقرأ كتب في عصر التواصل الاجتماعي. وكمان رايحة تقولين لي: «ليه تعذّبين روحك؟ تقدرين تشوفين أيّ معلومة في الإنترنت». كل الحاجات ديه أعرفها، أحفظها.

بس أقول لك في وسائل التواصل ما تتنشّقين رائحة الورق. دحين أتنشّقها وأنا أجلس وقدّامي كل رفوف الكتب في المكتبة النسائيّة. أجلس وأحسّ نفسي في مكان دافئ. الرائحة ديّة تحمل روائح كثيرة، رائحة طفولتي وأيام الدراسة، رائحة الأقلام، الممحاة، وحتى الحقيبة والزيّ... تتذكّرين؟ حتى مشهد الطابور الصباحي تشوفينه في ورق الكتب. قدّامي الرفوف كأنّها وجبات شهيّة. أحسّ بجوع غريب. جوع للمعرفة. أريد أقرأ كل حاجة، أعرف كل حاجة.

اقرئي: لمى يونس صوت الذين لا صوت لهم في المنطقـة

الكتب أشكال ألوان. إيش أختار؟ ده أو ده؟ في جدّ ما أدري ليش يقولون إنّه الزمان ده مو زمن الكتاب. ليش؟ نقدر نشوف كل حاجة في الإنترنت. بس معلومات مختصرة، مبتورة، مثل وجبة سريعة ناكلها وبعدين نحسّ بالجوع. يعني ضروري نرجع للكتاب. هوّ الوجبة اللي بيها مكوّنات طبيعيّة مغذّية. رايحة أقرأ الكتاب ده. في المكتبة هنا يسوّون نظام للإعارة الخارجيّة. بيه ناس يقرؤون. أحسّ نفسي في منتجع. فعلاً الكتاب منتجع للعقل. يخلّيك تسترخين، تطردين كل الأفكار الزائدة والمو مفيدة اللي تنقلها وسائل التواصل. حين تقرئين تعيشين ويّا أفكارك من غير ضجيح الوسائل ديه. أتذكّر أخلّي جوالي صامت. هنا الناس يهمسون ويعيشون بين دفّات الكتب كأنّهم في شرانق. 3 بنات يجلسون جنبي يتكلّمون. يسوّون بحث جامعي. أصواتهم ترتفع. الموظّفة تقول لهم: «لو سمحتم» وهم يفهمون. هدوء تام. أبتدي أقرأ. أحسّ بفرح مو طبيعي. أتنقّل بين السطور. أروّح لعالم مختلف. في كل كلمة فائدة، متعة... وبعدين القراءة تحتاج لوقت، لجهد، يعني تقلب أفكارنا تخلّي أدمغتنا وذاكرتنا حيويّة أكثر.

اقرئي: 6 نساء عربيات سيحدثن تغييراً في العام 2018

وكده تصير منتجع ونادي رياضي كمان. في جدّ أحسّ بفرح مو عادي. أتذكّر زمان كنت أقرأ كثير كتب عن الصحّة. وزميلاتي كانوا دوم يسألوني عن نباتات مفيدة أو مو مفيدة. كانوا يقولون إنّي «موسوعة». كانوا يبالغون شويّة. بس فعلاً حين تقرئين تتحوّلين لموسوعة بيها معلومات عن حاجات مختلفة. ومو بس كده، كمان الكتاب ما يأسرك. تقدرين تبتدين القراءة وتنهينها حين تريدين. وتدرين. وسائل التواصل تقتحم حياتك في كل وقت وفي كل دقيقة. هيّ مفيدة طبعاً بس بيها سلبيّات. البنات اللي كانوا يتكلّمون بصوت مرتفع روّحوا. أتابع القراءة. حتى عيوني أحسّ إنّها أقلّ توتّر. ما بيه إضاءة زرقاء ولا شاشة صغيرة. يعني أشوف كل حاجة من غير جهد. الكلمات أحسّ إنّها حكايات حلوة، أحلام تتحقّق. كل حاجة في مكانها. اللغة  مو ركيكة، الجمل قويّة، العبارات فصيحة وصحيحة. أنصحك تخلّين جوّالك صامت وتجلسين دحين في غرفتك... وحيدة مع كتاب.

DRAWING BY FASHION ILLUSTRATOR ©SHAMEKH BLUWI

 
شارك