ملاك الصاوي: الصورة قادرة على إحداث التغيير في المجتمع

من مصر أرض الحضارة والتاريخ التي شهدت الكثير من التغييرات في الآونة الأخيرة، تأتي المصورة ملاك الصاوي التي تتمتّع بأسلوب فريد يحاكي الحداثة ويحتفظ بلمسة من تلك الروح الفرعونية الكامنة في تفاصيلها. تشغلها قضايا الموضة والسياسة والمجتمع الذي نشأت فيه، وتحاول إحداث تغييرات تحاكي أفكارها الثورية ضمنه، فماذا تقول المبدعة ملاك الصاوي وصفحتها عبر إنستغرام malakelsawi@ عن بصمتها في مجال التصوير؟

لماذا اخترتِ التصوير لتعبّري من خلاله عن رؤيتكِ للعالم وللقضايا التي تحيط بكِ؟

أعتقد أنني لم أختر التصوير بالمعنى الحرفي للكلام، كما لو أنني جلست أفكّر بمستقبلي فقررت أن أكون مصورة، بل هو كان هواية رافقتني منذ أن كنت صغيرة، وحين قصدت لندن للدراسة نصحني من حولي بالتعمق فيه لأنّ صوري كانت مميزة. أذكر حين كنت في سن الـ15 حصلت على كاميرا ديجيتيل هدية في مناسبة عيد ميلادي، فكنت أصوّر رفاقي صوراً وفيديوهات وأجري لهم تغييراً في المظهر وأنشر الصور على الإنترنت، وبعدها استمَرّ اهتمامي بالكاميرات فكنت أجمعها وأجرّبها وأستمتع بما أقوم به كثيراً.

ما هي العناصر التي تجعل من صورة ما تحمل تأثير لدى المشاهد؟ وهل يحتاج من يلتقطها إلى دراسة وتخصص وأدوات وتقنيات، أم برأيكِ يمكن للموهبة والإحساس الصادق أن يكونا كفيلين بإخراج صورة قوية؟

أعتقد أنّ الصورة التي تخيفني وتجعلني أقف أمامها لأتساءل عما فعلته من خلالها هي التي ستؤثّر في المتلقّي، من غير الضروري أن تثير أمراً جدلياً أو تسبب بصدمة، ويمكن أن تكون مجرد بورتريه، إنما فيه من الغرابة والجديّة ما سيثير لديهم ردة فعل أو ربما يترك فيهم أثراً.

بالنسبة للجزء الثاني من السؤال، فأنا بدأت التصوير كهواية طفولة، ولم أكن مهتمة كثيراً بالتقنيات ما عدا القواعد الأساسية، فكنت أرى التصوير سهل جداً ومتاحاً للجميع، وقد التقطت صوراَ مؤثرة وطرحت مواضيعاً لافتة، اعتمدت فيها كما ذكرت على حدسي وموهبتي وإحساسي بما أراه، ولكن بعد أن نضجت وبدأت بالعمل كمحترفة، بدأت أرصد أهمية تعلّم التقنيات من الظلال والتفاصيل والمشاعر والإضاءة، واهتممت كثيراً باكتسابها ولا زلت أشعر أنني في رحلة مستمرة من التعلّم. أعتقد أنّ النجاح الحقيقي يكمن في امتلاك الموهبة مع التقنية، إنّما في النهاية كل مصوّر حرّ في اختيار الطريق الذي يفضّله.

ألا تحمّلكِ معرفة أنّكِ صرتِ محترفة، مسؤولية أكبر تجاه محتوى الصور التي تقدمينها؟

بالتأكيد إنّ حيز الحرية يكون أكبر لدى الهاوي الذي لا يهتم كثيراً بالتقنيات ولا يعنيه الكمال من الناحية الاحترافية، وبنظري فإنّ التركيز بشدة على التقنية يفقد الصورة شيئاً من روحها، فأحياناً يلفتنا أمر ونحتاج إلى تصويره بسرعة، وتكون النتيجة صورة مبهرة، بينما في حال قرر المصوّر التركيز أولاً على التقنيات، سيأخذ وقتاً طويلاً وسيفوّته تسجيل جمال اللحظة التي أعجبته. لذا أرى أنّه من الضروري خلق توازن، فنعرف القوانين في مجال التصوير وندرك أهميتها، لنكون قادرين على الخروج عنها، تماماً كما فعل بيكاسو الذي عرف جيداً قواعد الرسم وانطلق منها نحو فكر جديد وهو التكعيبية.

هل ترين أنّ امتلاك الناس لكاميرات هواتف احترافية تخولهم التقاط صور جميلة، فيه ظلم لدور المصوّر المحترف الذي درس سنوات ليتمرس في هذه المهنة؟

مجال التصوير بات أكثر أهمية عالمياً في وقتنا الحالي، وهو أمر سيسعد أيّ مصور محترف يحرص على مهنته، فأنا أرى مثلاً في القضايا السياسية والاجتماعية أهمية الدور الذي يلعبه الرأي العام من خلال الصور التي ينشرها، للفت الأنظار نحو الظلم الحاصل كما هو حال الحروب والصراعات، فتظهر الحقيقة بكل تجلّي ووضوح، لأنّ الصورة لا تكذب. بالنسبة لي لا أستسيغ تصوير الهاتف، فهو عشوائي وخالٍ من الحس إن استطعت قول ذلك، بمعنى أنّ التقاط لحظة مميزة لن يحصل حين نسهى أصلاً عن ماهية ما نصوره، لذا فأنا أركّز في لحظة معينة لفتتني وبهذه الطريقة أستطيع أن أميّز صورتي. برأيي لا يهم كثيراً سعر الكاميرا أو خصائصها التقنية، بقدر ما يعني وجود إحساس صادق نريد إيصاله من الصورة التي نلتقطها.

هل يمكن أن تلغي الصورة أهمية الكلمة أو الخبر ولاسيما كما ذكرتِ في المواضيع ذات الأبعاد السياسية؟

برأيي الصورة يجب أن تكمّل الكلمة أو الخبر، وصحيحٌ أنّ وسائل التواصل كرّست أهمية الصورة أو الفيديو، وهذا ما يسبب للأسف إهمال لأهمية القراءة ويتطلب رعاية فورية من الجهات المختصة كوزارات التعليم وغيرها لأنّ الجيل الجديد يبتعد كثيراً عن الثقافة والمعرفة والمعلومات. أما بالنسبة لدور الصور المتزايد، فهو أمر جميل من الناحية الإبداعية والفنية ويزيد من التفاعل والتعارف والتواصل.

ما هي أهمية التفاصيل في تقديم صورة فوتوغرافية مؤثرة وصادقة؟

أركّز كثيراً على التفاصيل في صوري، سواء حين أصوّر أمراً عابراً أو حين أخترع صورة وأريد لفكرتها أن تصل فأقرر أن أخرج في السادسة صباحاً لألتقط أشعة الشمس التي أبحث عنها، وأختار الملابس التي تحاكي المكان والألوان والجو العام. التفاصيل مهمة وعلاقتها ببعضها البعض أساسية، وتعطي فرقاً في النتيجة النهائية، ولكن الصورة العفوية أيضاً مهمة، لذا هنا أيضاً مطلوب إعطاء الذات القليل من الحرية لتُظهر العمل الإبداعي كما تريد.

ما الذي يميّز أسلوبكِ في التصوير وما هي المواضيع التي تحرّككِ وتفضلين تصويرها؟

في الماضي كنت مهتمة بالموضة وأردت أن أكون مصممة أزياء، وكنت أصوّر أزياء زميلاتي من منطلق حبي لهذا المجال، ولكن الجميع نصحوني بالتركيز على التصوير، وهذا ما حصل فبدأت الدراسة، واهتممت بعلاقة السياسة بالموضة ولا سيما بعد الثورة في مصر، لذا ركّزت على المشاريع التي تعكس صورة المجتمع من خلال شكل الموضة السائدة في هذا الوقت بالتحديد، وتمحور مشروع تخرّجي حول صورة الموضة في المشهد الاجتماعي والسياسي. حين عدت إلى مصر أردت أن أعكس أهمية الموضة والأفكار التي تنقلها عن شعب معين وثقافة محددة إلى الرأي العام الواسع، وما زلت مستمرة بالاهتمام بهذا الموضوع، كما تعنيني مواضيع الطبقية والطبقات وعلاقتهم ببعضهم، ومواضيع النساء، وقوة الصورة في إحداث فرق، لعله يبدأ بسيطاً ولكنه سيؤثر في الاتجاه الذي ننادي به، وسيجس نبض المجتمع فنرى إلى أي مدى بات متقبلاً للتغيير.

هل ترين أن الصورة يمكن أن تُحدث تأثيراً وتغييراً في المجتمع؟

بكل تأكيد، الصورة تحدث تغييراً في مجتمعنا وسآخذ مثال الحملات التي قامت بها علامة بينيتون، والتغييرات الكبيرة التي أحدثتها صورها في الأفكار عالمياً حول الألوان والجنسيات وكسر نمطية الجمال لدى النساء. في بدايتي ركّزت كثيراً على الصور ذات المعنى التي تخص قضايا تعنيني، وأريد أن أرى تغييرات بنّاءة فيها، ولكنني اليوم أركّز على المواضيع الإبداعية أكثر.

ما هي مشاريعكِ للفترة المقبلة وأي مجالات ستغطّي كاميرتكِ؟

أعمل على مشروع جديد في نادي الصيد الذي كنت أقصده حين كنت صغيرة، وأصوّر فيه الباليرينات والأمهات والمعلمات في النادي، حيث أركّز على فكرة الجمال خارج نطاق تفكير أو اختيارات الرجل، وسأستمر في تصوير الأفكار التي تدهشني وتحركني وتدفعني لتقديم المزيد.

اقرئي المزيد: أمينة زاهر: صُوري في الموضة تعكس الروح والحركة والحياة

 

 
شارك