نجود العتيبي: أحاول أن أعكس أجمل صورة عن السعودية من خلال عملي الفني

ترى الفنانة السعودية الشابة نجود العتيبي أو الوعي بأهمية الفنون ازداد كثيراً في المملكة والفضل في ذلك يعود للجهود المبذولة من الفنانين والجهات الرسمية لدعم القطاعات الثقافية والفنية. الشابة التي واجهت في طفولتها ضعف السمع ومشاكل في الاندماج، فتحت الباب لتدفق مشاعرها من خلال الرسم، فكانت النتيجة لوحات رائعة تحكي فكراً استثنائياً لشابة تحاول تضمين فنها رسائل تخدم مجتمعها والعالم بأسره.

هل تذكرين متى حملت الريشة للمرة للاولى وما كان دافعك للرسم وكيف تجلى على الورق؟

والدي رسّام ولطالما كنت أراقبه وهو يرسم البحر بأمواجه الزرقاء وتفاصيلها فتبدو وكأنها حقيقية، اعتدت الجلوس بجانبه والتعلم منه لدرجة أني أمسكت الريشة في سن الثالثة وبدأت برسم أولى محاولاتي وكان يساعدني ويوجهني، ويعود حبي الشديد للون الأزرق إلى هذه المرحلة البعيدة من حياتي وإلى البحر بكل حالاته، فأنا أعشق هذا اللون بكل تدرجاته لأنه يعيدني إلى أجمل السنين وأكثرها صفاء وبراءة.

بدأت الرسم بعد أزمة صحية أثرت عليك وحاولت التعبير عن أحاسيسك باتجاهها من خلال الفن، إلى أي مدى يحتاج الفنان الى جرعة من الألم والمعاناة أو فلنقل أحاسيس قوية ومضاعفة حتى تختلف رؤيته للعالم والأمور فيعكس ما بداخله من خلال أي شكل من أشكال الإبداع؟

صحيح فأنا واجهت في طفولتي مشكلة في السمع فكان الرسم وسيلتي للتعبير عن أحاسيسي بشكل أفضل وأوضح، وأنا أرى أن الفن أفضل طريقة أو أداة لمشاركة مشاعرنا والتنفيس من خلالها بطريقة صحية، والتقرب من الآخرين وفهمهم، وأنصح كل فرد أن يمارس أي شكل من أشكال الفنون فهي علاج نافع لمشاكلنا النفسية وحتى الجسدية، كما يساعدنا في تطوير النفس وتحسين نوعية المشاعر وفهم الذات وتحقيق السلام معها، فلنستخدم أي أداة ونعبّر من خلالها عما يعترينا، الفن بات أوسع اليوم وبإمكاننا استخدام أي وسيلة لإيصال صوتنا الداخلي وهذا ما أطمح إليه: أن أطور أدواتي ولا أتقيد بشكل فني معين لكي أصل إلى أكبر عدد من الجماهير.

يوجد نظرة مفادها أن عمل الفنان غير متعب لهذا لا نجد الكثير من التقدير لعمله، فهل تلاحظين اختلاف هذه الفكرة اليوم؟

بكل تأكيد ولا سيما في السعودية فقد ازداد الوعي بأهمية وجمال الفنون بمختلف أنواعها ولا سيما مع انتشار وسائل التواصل، فالفن هو مساحة الراحة والهدوء والتواصل التي نحتاجها لنتخلص من عبء المشاغل والمسؤوليات والوظيفة والروتين، عملنا كفنانين فيه الكثير من التركيز والجهد لنتوصل إلى فهم كامل لمشاعرنا ومعرفة معمقة لحقيقتنا حتى نوصل أفكارنا بشكل مفهوم للآخر ونمس مشاعره وأعماقه، فالفن عمل إنساني راقي وتأثيره ينعكس على تفاصيل حياتنا اليومية، ويزيد التواصل الروحي بين البشر.

من هم الفنانين الذين أثروا أسلوبك، وما هي الرسائل التي تضمنينها لوحاتك؟

تأثرت في سنوات مراهقتي بالفنان الإيطالي ليوناردو دافنشي وهو ألهمني بقدرته على تطوير موهبته وتحسين تقنياته للوصول إلى أفضل النتائج، ولا زلت حتى اليوم أتبع هذا النهج، كما أحببت أعمال بيكاسو وكيف حسّن أسلوبه مع تغير مراحل حياته، من خلال Cubism وAbstract Art وأنا اليوم أرى نفسي خاضعة لهذه التغييرات فقد بدأت بنسخ الصور وبعدها تغيّر أسلوبي ولا يزال يتطور. أما فيما يتعلق بالرسائل فأنا أتمنى أن تصل أفكاري من لوحاتي إلى الجمهور فنتناقش ونتبادل وجهات النظر وأنشر الوعي ببعض القضايا التي نعيشها في عالمنا المعاصر.

هل هناك قضايا اجتماعية ترغبين بالتطرق اليها من خلال الرسم: عنف، انفصال، تاريخ، حضارة؟

خلال العام الماضي ركزت على مشكلتي الصحية وقد شكل انفتاحي في الحديث عن أزمة واجهتها صدمة لدى البعض، فقد اعتدنا على قول "عيب" أو لا يجوز التطرق إلى مواضيع خاصة ونشر أحاسيسنا خلال فترة المرور بأزمة ومشاركتها، ولكني أردت أن أتخلص من ثقل هذه الأحاسيس، كما أني ربما أخدم أحداً ما يمر بأزمة ولا يجد يداً تمد له المساعدة. هنا ألفت إلى أن كل شخص يتلقى الفن بطريقته وبحسب خلفيته وطريقة تفكيره وتجاربه، فأنا أرسم لوحة بفكرة يمكن أن تصل كما أردتها أو كما استقبلها وعي شخص غيري، لذا أحب تبادل الأحاديث مع الجمهور في المعارض لأنهم يفتحون عيني على آفاق مختلفة فنستفيد من خبرات بعضنا ونتعلم ونتطور.

متى ترسمين،هل تحتاجين الى حالة معينة ام يمكن ان تستوحي من أي مشهد أو شكل أو فكرة؟

أحتاج أن أكون منعزلة عن كل شيء حتى أرسم، فحين أختفي عن الوجود يعرف أصدقائي وأهلي أني بدأت بعمل جديد، هذا يتعارض مع شخصيتي فأنا اجتماعية وأحب التواصل مع الناس، لذا فإن من يتعرف عليّ قد يصدم من طريقة تصرفي فيفكر أني انطوائية، ولكن بعد تعمق معرفتي به سيفهم أن اختفائي يرجع إلى أني في عالمي الخاص أرسم.

مع دخولنا عصر ميتافيرس ما رأيك بأهمية الفن الرقمي وهل تؤمنين بضرورة هذا التطور في العالم التكنولوجيا وتأثيره على مختلف الفنون؟

من الضروري أن يواكب الفن التطور التكنولوجي فهذا الأمر يسهل عملنا كفنانين لإيصال أفكارنا، وقد أدخلت العام الماضي الأصوات إلى أعمالي لأتواصل بطريقة جديدة وغير تقليدية، فالفن يجب أن يحرك حواسنا كاملة، والجمهور سيتقبل مع الوقت هذا التغيير. أنا لا أقول أن نتخلى عن أدواتنا التقليدية ولكن يجب أن نتعلم أكثر ونفهم التغيير الحاصل حولنا ونستفيد منه، ففي الفن لا يوجد قواعد ثابتة، من الجميل مشاهدة معرض عبر الشاشة والتمتع بالمؤثرات الصوتية والتقنية، بشرط أن لا يحرمنا هذا التجديد من حماس النهوض عن الأريكة وارتداء الملابس الأنيقة لحضور معرض فني جديد، حيث نرى اللوحات بأم العين وبحجمها الحقيقي ونستشعر الحالة العامة في المكان، وندرك جمال الألوان مع الإضاءة ونتواصل مع الجمهور الموجود ومع الفنان. بالتالي لكل عالم جماليته، وتكاملهما ضروري شرط أن لا يلغي أحدهما الآخر.

كيف أثرت نشأتك في المملكة على أسلوبك الفني، وما الذي تحاولين إبرازه عن تاريخ وحضارة وتراث بلادك من خلال فنك؟

تأثرت كثيراً بوالديّ الذين عاشا في المملكة في السنوات الماضية قبل هذا الانفتاح وتمكنا ببساطة وسهولة أن يتأقلما ويتكيفا مع التغييرات الحاصلة ويعيا أهميتها في حياة الأجيال الجديدة، فنحن شعب يحمل تراثاً عريقاً وتاريخاً كبيراً وهو قادر على الحفاظ على ثرواته الفكرية والحضارية مع مواكبة التطور وتقبله. أنا اختبرت الحياة في السعودية والولايات المتحدة، وأجد في نفسي خليط من عدة ثقافات ولكني أفتخر كثيراً بأصولي وبتربيتي وبقيمي التي لا يمكن أن تتغير، وأحاول أن أعكس أجمل صورة عن بلدي من خلال عملي الفني.

ما رأيك بالتواجد النسائي في المجالات الثقافية والفنية وما الذي ينقص لتعزيز تواجد المرأة في هذه المجالات وتشجيعها على القطاعات الابداعية؟

عدت من الولايات المتحدة إلى المملكة سنة 2017 وكانت تلك الفترة بمثابة نهاية الوضع القديم وبداية التطور، والتغيير حصل بشكل سريع جداً فباتت النساء أكثر راحة في التعبير عن الذات والتنقل، كما حصلنا على استقلاليتنا وحريتنا، ما سهّل علينا تحقيق الطموحات لا سيما أننا نحظى بدعم القيادة وبفرص واسعة لكي نبرز ونتبوأ أهم المراكز في كل المجالات. بالنسبة للمجالات الإبداعية فنحن نرى بروز مواهب جديدة وواعدة ويبقى الاستمرار للأفضل ولمن يتمكن من مواكبة التغييرات السريعة والتأقلم مع مختلف البيئات.

ما هي رسالتك لمناسبة اليوم الوطني السعودي؟

المملكة ساعدتني وتساعدني لكي أطور نفسي وأحقق طموحي، هي جذوري التي لا تتزحزح فمهما ابتعدت سأعود بشوق إليها، وأشعر بالامتنان لأني ابنة هذه الأرض المباركة، وأتمنى أن نتكاتف كفنانين لكي نساعد هذا الوطن ونطوره ونقدم أبهى صورة عنه.

ما هي أعمالك المقبلة؟

أحضر لمعرضي المنفرد الذي تم تأجيله لأكثر من مرة بسبب كورونا، كما أني غيّرت اتجاه أفكاريالفنية في الفترة الماضية وأريد أن أركز بشكل أكبر على مشاكل اجتماعية تؤثر سلباً على حياتنا لنشر الوعي حولها، أهمها الصراعات الطبقية في المجتمعات العربية.

اقرئي المزيد: ديالا نسيبة: الاستثمار في الثقافة أساسي لازدهار الإمارات وهو في قلب رسالتي الفنية

 
شارك