شما البستكي: هدفي نشر النقاش الثقافي بمختلف أنواع الكتابات والإبداع مع جيلنا وليستمر مع أجيال المستقبل
كل واحدة منهنّ في مجالها، تسعى 4 شابات إماراتيات إلى إحداث تأثير إيجابي في المجتمع الذي يتواجدن فيه، وهنّ غير معترفات بالصعوبات أو القيود الاجتماعية التي تمكنت في السابق من حصرهنّ في مجالات معينة. اليوم، ينجحن في مجالات متنوعة مثل الفضاء والطيران والرياضة وريادة الأعمال والكتابة والإبداع، فكيف يصفن رحلاتهنّ، وأين يرين شابات جيلهنّ مستقبلاً؟
يتمحور عالم الشابة الإماراتية شما البستكي حول الإبداع، فهي تأسست في بيت يعشق الفن ويحتفي بالعلم والثقافة العامة بكل أشكالها، ومن هناك كوّنت شخصية فريدة، فبدأت بالكتابة التي رافقتها طوال فترة طفولتها ومراهقتها، وعمّقت معرفتها بأساليبها من خلال الدراسة والقراءة وتوسيع علاقاتها وخبراتها الحياتية، كما عشقت الفن وعبّرت عن نفسها من خلاله، وهي اليوم تبدع في المجالات الأدبية والثقافية في الإمارات. تعرّفي عليها بشكل أفضل واكتشفي التأثير الذي ترغب بإحداثه في مجتمعها من خلال هذا اللقاء.
متى اكتشفتِ في داخلكِ موهبة الكتابة، وما هي أول المواضيع التي لفتت انتباهكِ ودفعتكِ للتعبير عنها من خلال القلم؟
طفولتي كانت جميلة جداً ومليئة بالفن والابتكار وامتلكت مساحة كبيرة للاكتشاف واللعب. واعتادت والدتي أن تقرأ لي القصص المغناة، فنشأت على حب الموسيقى والأوزان، بينما كان أبي يرسم بعد يوم عمله الطويل وكنت أراقبه يرسم وأعجب بالعالم الذي يبتكره. وبالتالي، تأثرت بكل هذه الصور والأفكار التي ترسخت داخلي، لتكون بدايتي مع الكتابة في سن صغيرة جداً وهي سن السابعة، حين قام زميل لي بكتابة شعر مع أخيه وقدّمه للمعلمة، فحينها عدت للبيت وأخبرت أمي بما حصل، فأخبرتي أنّ بإمكاني أيضاً أن أفعل مثله، وهذا ما دفعني إلى تأليف أول قصيدة لي بعنوان Sunshine وعرضتها على المعلمة وأعجبتها وتم نشرها في جريدة المدرسة وقام زملائي بغناءها في صف الموسيقى. كانت سعادتي لا توصف حين غنّى كل الأطفال كلماتي، فقد لحنت المدرسة الكلمات وحولتها إلى أغنية، وبعدها تشجعت أكثر واستمريت بالكتابة عن الطبيعة والإنسان، وكنت أكتب بلسان الوحوش والأشجار والحيوانات، فقد كانت مخيلتي واسعة جداً وخصبة وقد قدمت العالم كما رأته عينا فتاة صغيرة وبريئة.
هل كان يعنيكِ من الكتابة مشاركة أفكاركِ مع الآخرين، أم رغبتِ فقط بتفريغ طاقة تشعرين بها على الورق؟
الكتابة لطالما كانت وسيلتي للتعبير عن مشاعري. ففي بداياتي كتبت لمجرد أن أستمتع وأفهم ذاتي وأفرغ أحاسيسي ولا سيما في سنوات مراهقتي حيث كنت خجولة جداً وساعدتني الكتابة للتواصل مع العالم حتى لو لم يصل إليه ما أكتبه. فكنت أتواصل بطريقتي الخاصة، وكان من حولي يعتبرونني في عالم آخر، إذ كنت قليلة الكلام والتعبير، لكنني كنت أشارك قصائدي مع والدتي وأقاربي ومدرساتي. وفي وقت ما كنت أكتب في صف الرياضيات تحت الطاولة، أو خلال وقت الاستراحة، وكان جميع من حولي يتساءل عما أقوم به. بعد ذلك بمراحل، وحين شعرت بالتشبع مما أقوم به، صرت أفكر بمشاركة كتاباتي، وذلك في سن الـ15 تقريباً، وحينها تعرّفت على مجموعة Untitled Chapters التي تضم كاتبات إماراتيات وتحمست وأردت التعرف عليهنّ، وكنت أصغر عضوة، ولكنهنّ تقبلنني وتفهمنني ودعمنني وهذا الأمر جعلني أشعر بالانتماء وزاد من ثقتي بنفسي، وكانت انطلاقتي نحو المشاركة، فتطور نمط قصائدي وباتت صوتية أكثر وبت أقرؤها أمام الجمهور.
كيف تغيّرت شخصيتكِ وتحولتِ إلى إمرأة واثقة وقادرة على التأثير بصوتها وأفكارها وإلقاءها وفنها؟
جاء التحول بشكل طبيعي مع تقدمي في السن، كما أنّ دراستي الجامعية في جامعة نيويورك وهارفرد ساعدتني لكي أصير أكثر ثقة، حيث تعرفت على أشخاص من جنسيات مختلفة وتغيرت أفكاري وبت أكثر رغبة بالخروج من منطقة الراحة الخاصة بي. فبت أكثر قدرة على توضيح آرائي والتحدث وتبادل المعارف مع من حولي. أحببت النواحي الأكاديمية من الكتابة، وهذا الأمر ساعدني في إجادة الكتابات الإبداعية إذ رغبت بشرحها وإيصالها للآخر، ما نمى لديّ القدرة على الوصول له بأفكاري. اليوم أنهيت ديواني الثاني وهو الأصعب لغوياً وإبداعياً واسمه: المجاز، وأجبت عن هذه الأسئلة: لماذا يهتم الشخص بعمل لا يفهمه؟ وقد عملت مع مرشد هو دكتور في علم الإنسان، ولطالما طلب مني أن أتعاطف مع القارئ، وأقدّم له مادة مفهومة ومبسطة، فالصعب لن يجذب الكثير من الناس، بينما المحتوى القريب سيجذب القراء بشكل أكبر، وهذا ما أسعى إلى تقديمه اليوم، أي مادة مؤثرة ومفهومة.
حدّثينا عن عملكِ House to House الذي لاقى شهرة كبيرة، وما هي الرسائل التي ضمنتها من خلاله؟
ساهم تخصصي في الآداب في الجامعة حيث تعمدت دراسة تخصصين هما الأبحاث والسياسات المجتمعية إضافة إلى الأدب والكتابة، وبعدها تمكنت من الالتحاق لدراسة الماجستير في جامعة هارفرد كلية الأداب وبتخصص دراسات الشرق الأوسط. ساهم كل ذلك في جعلي أرى الكتابة من منظور تقني وعلمي، وازدادت قراءاتي في الشعر ولاسيما الحديث، فكتبت أول ديوان لي وهو: بيت لبيت أو House to House، حيث قضيت سنة ونصف حتى أنهيته، وكان عن خور دبي والعائلات التي سكنت هناك، وقدمته باللغتين الإنكليزية والعربية، وتضمّن أشعاراً بصرية وعناصر فنية مختلفة، وحقق انتشاراً كبيراً وساهم بترسيخ اسمي ككاتبة شابة. من بعدها شجعتني المشرفة على الديوان على الدخول في مشروع Jara Collective مع الفنانة سارة المهيري لنكون نحن الثلاثة معاً نصنع الكتب باليد، محبات للشعر والفنون التشكيلية والكتابة، ساعيات نحو نشر الشعر بعيداً عن الأساليب التقليدية. أردنا أن يكون الأدب سهل الوصول للعامة وقريب من الجمهور ومحبي الثقافة والفنون.
كيف ترين إقبال الجيل العربي الشاب على المجالات الأدبية والقراءة والكتابة بشكل عام؟
أرى أنّ الجيل الجديد يملك الرغبة بالمعرفة والتعلم، فهذا المجال خصب للتجربة والاختبار وهناك فرص كثيرة للنشر ومشاركة الأفكار. أنا أفهم التركيز على المجالات العلمية فهي مهمة ويجب أن يتجه لها الجيل الجديد، ولكن المجالات الإبداعية يجب أن تأخذ حيزاً كبيراً من اهتمامنا، فهي أساسية في حياة الإنسان لأنّها تمنحنا القدرة على التعبير وتعيد إلينا الأمل وتريحنا وتنقلنا إلى عالم أكثر هدوءاً واتزاناً. فالفنانون والكتّاب هم القادرون على تحريك مشاعرنا وجعلنا نشعر بإنسانيتنا وعواطفنا ومشاعرنا.
ما هو التأثير الذي تهدفين إلى إحداثه في مجتمعكِ وبيئتكِ وبين شابات بلدكِ؟
أحب أن أساهم في نمو الساحة الثقافية والأدبية والفنية في الإمارات وحث الجيل الجديد على تذوق مختلف أنواع الكتابة والإبداع، وأن يكون جزءاَ من صناعة أفكار جديدة وخلاقة، فالمجالات الفكرية والثقافية هي حجر الأساس لاستمرار المجتمعات وتطورها.
ما هي المواضيع التي ترغبين بالتركيز عليها مستقبلاً من خلال فنكِ وكتاباتكِ؟
لا تحرّكني مواضيع محددة بل الفكرة تأتي إليّ مثل صورة أو رؤية فأجلس وأكتب. اللغة تقرر عنّي ويأتي الكلام بعدها ليتبلور الموضوع، فالقصيدة تبني نفسها وأنا أكون مجرد أداة لتركيب القطع والعناصر والكلمات. أحب أن أتفاجأ بالقصيدة لتخرج بصورة غامضة ومميزة ولها بصمتها الخاصة.
هل أنتِ راضية عن مسار حياتكِ لليوم، وما هو الهدف المستقبلي الذي تضعينه نصب عينيكِ؟
أعتبر نفسي محظوظة لأنني امتلكت علاقة خاصة بالكتابة منذ صغري فهذا ما أعطاني شخصية خاصة وجعلني أفهم نفسي كإنسانة فريدة. كل كتاباتي جعلتني أتواصل مع الأشياء بطريقة مختلفة، وأعرف نفسي وأفهم محيطي وأدرك مشاعري وأفكاري وأعبّر من خلال الكلمات عن الحياة وأتعامل معها بطريقتي الخاصة. وأنا مستمتعة جداً برحلتي ومسيرتي وكل المراحل التي مررت بها، وكنت راضية عن كل ما مررت به وسعيدة بما وصلت إليه لليوم وأحب أن أكون جزءاً من عملية بناء مجتمع أكثر إقبالاً على الفنون والآداب والمجالات الإبداعية. أنوي الاستمرار بطريق الكتابة والفن الابتكار وحالياً أتطلع إلى نشر ديواني الثاني وأقوم حالياً بكتابة ديواني الثالث ولديّ مشاركات أدبية مختلفة في الإمارات والعالم.
اقرئي المزيد: تاليدا تامر: أنتِ جميلة بطريقتكِ الخاصة