تاليدا تامر: أنتِ جميلة بطريقتكِ الخاصة
كما اجتمعت في شكلها الملامح العربية التي أخذتها عن والدها السعودي، والملامح الأجنبية التي ورثتها عن والدتها الإيطالية، فإن في شخصية تاليدا تامر الكثير من الصفات التي تجمع بين هذين العالمين المتباعدين. هي شابة ذكية وواثقة ومتفانية في عمل اختارته قبل سنوات عن حب وشغف ورغبة في إحداث تغيير لتثبت أنّ لا شيء صعب أمام شابة موهوبة، وأنّ الحياة تفتح ذراعيها بالفرص أمام كل إنسان مميز ومختلف ومصرّ على تحقيق أهدافه. وفي عدد نوفمبر الذي خصصناه لشابات أحدثن ويحدثن الأثر الإيجابي الضروري للتغيير في مجتمعاتهنّ، اخترنا أن تكون عارضة الأزياء السعودية تاليدا تامر، والتي كانت أول شابة سعودية تشارك في أسبوع الموضة الراقية في باريس، نجمة الغلاف، ورافقتنا علامة Bottega Veneta مع إكسسوارات رائعة. فاكتشفي معنا المزيد عن هذه الشابة واستلهمي منها معاني الإرادة والشجاعة ليكونا سلاحكِ الأقوى في أيامكِ المقبلة.
رئيسة التحرير: Sima Maalouf، تصوير: Federico Barbieri، إدارة فنيّة: Lana Qatramiz، شعر ومكياج: Daniela، إنتاج: Kristine Dolor
الإطلالات كلّها من Bottega Veneta
اخترتِ عرض الأزياء في سن صغيرة، هل كان الأمر عن قناعة وحب لهذه المهنة أم أنّكِ تأثرتِ بمهنة والدتكِ وأحببتِ أن تسيري على خطاها؟
في الواقع، حين أفكر بهذا الموضوع اليوم، أعتقد أنّ السبب كان على الأرجح مزيجاً من الأمرين. فأنا أحببت الحيز الفني والإبداعي من هذا المجال الواسع، وكنت أرى صور والدتي التي كان يتم تصويرها بحس عالٍ، وكانت صور جميلة جداً لا نراها كل يوم، وأردت أن أرى نفسي بهذا الشكل. فأنا بالتأكيد كنت متأثّرة بوالدتي ولكن مع الوقت اقتنعت أنني أحب فعلياً القيام بهذا العمل، فهو ليس سهلاً أبداً، بل على الشابة التمتع بحالة ذهنية ونفسية وجسدية مستعدّة للقيام به. وفهمي لكل ما يتطلبه عرض الأزياء وإعجابي بهذا العالم كانا السبب في دخولي وفي استمراري حتى اليوم.
كيف كانت طفولتكِ في المملكة وما هي أجمل الذكريات التي عشتها فيها؟
ولدت في جدة وتعلمت في مدرسة جدة الخاصة حتى الصف الأول ثانوي، وحظيت بطفولة جميلة جداً حيث نشأت بين شابات سعوديات لكل واحدة منهنّ قصتها وظروفها وشخصيتها، وعشت معهنّ لحظات جميلة. أما في البيت، فكان الأمر مختلفاً حيث أنّ والدتي إيطالية، ووالدي سعودي مع جذور يونانية، وبالتالي كان لدينا طريقة عيش خاصة كعائلة، وهذا الأمر أعطاني توازناً جميلاً بين ما أعيشه في المدرسة وما أكتسبه في المنزل. وحين أنظر إلى الخلف، أشعر أنني كنت سعيدة وحظيت بذكريات رائعة، ولا سيما حين كنّا نسافر كأسرة ونستمتع بوقتنا. وفي الواقع، قد بدأت في مجال عرض الأزياء في آخر سنوات المراهقة، ويمكن القول إنّ دخولي في هذا المجال أكسبني أيضاً ذكريات رائعة وأعطاني خبرات متنوعة وزاد من قدرتي في التعامل مع ناس من مجالات مختلفة.
كيف كوّنتِ شخصيتكِ بين أم إيطالية وأب سعودي؟ ما الذي أخذته من صفات وخصال من جهة كل منهما؟
كان والديّ على يقين بهويتهما كشخصين مستقلين، وعرفا ماذا يريدان أن يعلّما أولادهما. فكانا على توافق حول كيفية تربيتنا وما هي القيم التي يريدان نقلها لنا. وقد كنت سعيدة لأنني تربيت في جدة، وبعدها تسنى لي زيارة أقاربي في إيطاليا، فأخذت القليل من العالمين. وصحيح أنّ الثقافتين مختلفتان تماماً، ولكن هناك الكثير من القيم المتشابهة بينهما، ولا سيما الحب الكبير الذي يوليه الشعبين الايطالي والسعودي للعائلة، بالإضافة إلى الطاقة والنشاط وحتى الصوت العالي الذي يميز العرب من جهة والإيطاليين من جهة ثانية.
هل افتقدتِ بعض الخصوصية في مراهقتكِ بسبب اتجاهكِ نحو عرض الأزياء، أم أنّكِ أحببت الشهرة والتواجد تحت الأضواء؟
لم يؤثر عملي إطلاقاً على حياتي الخاصة، فأنا لطالما كنت قادرة على أن أفصل بين دراستي وعلاقاتي وشخصيتي خارج إطار ساعات العمل، أو فلنقل ساعات التصوير. وصحيح أنّه مجال مغرٍ وواسع وأعطاني الفرصة لمقابلة أشخاص من مختلف الجنسيات والخلفيات والتعلم منهم والتواصل بأشكال مختلفة معهم، ولكنني لم أشعر أبداً بأنني صرت مشهورة أو تحت الأضواء. أحب حين يأتي إليّ الناس ليبدوا إعجابهم بعملي ويتبادلوا الأحاديث معي، ولكنني لا أبحث عن الشهرة، بل أترك الأمور تسير بسلاسة. فببساطة أحب ما أقوم به وأريد القيام بمشاريع مهمة ومؤثرة، وإذا وصلت للعالمية أو فلنقل لأعداد أكبر من الناس سأكون سعيدة لأنني سأعرف أنني أؤثر بشكل ما بمن حولي. أحب عملي كثيراً، فهو يحمسني ويجعلني أشعر بالقوة والثقة ويساعدني لمعرفة قدراتي الكامنة.
من أنتِ اليوم وكيف تعرّفين عن نفسكِ وما هي الصفات التي تجعلكِ فريدة، قوية، لا تشبهين غيركِ؟
أنا أمثل السعودية بالتنوع الكبير الذي يعيشه شعبها اليوم، ولكنني أملك أيضاً جينات أوروبية انتقلت إليّ من والدتي، لذا أشعر أنني مختلفة. فقد سافرت كثيراً وتعرّفت على الكثير من الناس من مختلف الخلفيات، وهذا الأمر جميل لأنني وجدت هويتي عبر كل الأماكن والأشخاص والتجارب التي مررت بها. لديّ أفكاري ومعتقداتي وآرائي الخاصة التي تجمع هذين العالمين المختلفين، وهذا ما يجعلني فريدة.
ما الذي يعنيه لكِ عرض الأزياء وما هي الأحاسيس التي تعتريكِ عند العمل على مشروع جديد؟
إنّه عمل يرفع نسبة الأدرينالين لديّ! نسبة حماس كبيرة جداً تعتريني حين أبدأ بمشروع جديد، فمؤخراً شاركت في عرض أزياء في قطر حضره آلاف الأشخاص وأحسست بشعور لا يصدّق من الترقب والقلق الممزوجان بالسعادة والشوق لخوض المغامرة. ودائماً ما أقول لنفسي: هيا سيري بثبات وكل شيء سيكون على ما يرام، وهذا ما يحصل بالفعل، فإنّه عالم جميل جداً يجعلني أشعر بكامل حضوري وطاقتي. وصحيح أنّ هناك معايير يجب الالتزام بها، ولكنني أكون أنا بشخصيتي الحقيقية. وما أحبه كثيراً هو جلسات التصوير، فأنا أحب خلق حالات تمثيلية معينة وهذا ما يتسنى لي القيام به في خلالها، وهذا الأمر ينبع أيضاً من حبي الكبير للتمثيل، فأنا أعشق تقمّص الشخصيات وقد قمت بتجربة أداء قبل فترة ولكن المشروع لم يكتمل، إلّا أنني أنتظر فرصاً أكبر في المستقبل، وحتى ذلك الوقت أريد أن أزيد تواجدي في مجال الإعلانات.
كيف تصفين أسلوبكِ في الموضة، وما هي دور الأزياء التي تحاكيكِ كشابة عصرية؟
تغيّر أسلوبي في الآونة الأخيرة فبت أكثر توجهاً نحو الأزياء المريحة والفضفاضة، كما أحب الملابس ذات الطابع الذكوري. يعجبني أن أرتدي الملابس المعقدة بطريقة ما، العصرية إنّما التي لديها نمط خاص بحيث لا أشبه غيري، وأنا أبحث عن الأناقة ولكن تعنيني أيضاً كثيراً راحتي وحبي لما أرتديه.
تحافظين على ملامح طبيعية. ألا يغريكِ إجراء بعض التغييرات في مظهركِ الخارجي؟
المظهر الخارجي هو خيار شخصي، فإن كنتِ سعيدة بشكلكِ، فحافظي عليه. أمّا إذا كنتِ غير راضية، فلديكِ كل الحرية لتغيير ما يزعجكِ. ففي خلال نشأتي، لم تعجبني بعض ملامحي، ولكن مع تقدمي في السن بت أقتنع أكثر بمظهري. فلا يمكن لأي أحد أن يبدو رائعاً في كل الصور، فسأبدو أجمل في بعضها وفي البعض الآخر لن يعجبني، ولكنني أتقبّل هذه العيوب، ولا أرغب في أن يكون تركيزي منصباً على الشكل، فهذا سيعني انزلاقي نحو طريق يضعف ثقتي بنفسي ويزيد من شكوكي حول هويتي وحقيقتي.
ما رأيكِ بمعايير الجمال الموحّدة التي نراها حالياً، وماذا تقولين لكل شابة تتعرض للتنمر بسبب عيب بسيط في شكلها، وكيف يتوجب عليها زيادة ثقتها بنفسها؟
كما قلت، فإنّ كل شابة لديها الحرية المطلقة في اختيار المظهر الذي يعجبها، ولكن برأيي فإنّ كل امرأة لديها جمالها الخاص، وسحرها وجاذبيتها التي تتطور وتزداد مع نضوجها واكتشافها المستمر لذاتها. أقول لكل شابة: أنتِ جميلة بطريقتكِ الخاصة، ولكن عليكِ أولاً أن تقتنعي بمظهركِ وتحبيه وتركّزي أكثر على تطوير نفسكِ وتحسين علاقتكِ بذاتكِ.
ما هو التأثير الذي تحبين إحداثه في مجتمعكِ وبين بنات جيلكِ؟
أريد أن أقول للشابات أنكنّ قادرات على الوصول لكل ما ترغبن به، فلا شيء مستحيل أمام الحلم والرغبة الحقيقية، وأطمح بأن ألهم من حولي لكي يجدن مساحة لهنّ، وهذه المساحة ستكون المكان الذي يشعرن بالانتماء إليه وبأنهنّ قادرات على التطور فيه.
ما الذي عناه لكِ أن تكوني أول شابة سعودية تشارك في أسبوع الموضة الراقية في باريس؟
في الحقيقة، لم يكن في نيتي أن أكون الأولى، ولكنني كنت أتبع حلماً راودني حين كنت صغيرة. وبالاعتماد على دعم والديّ، اغتنمت الفرصة واستفدت منها وعشتها بكل تفاصيلها. الحدث كان رائع، وهو مصدر فخر كبير لأنني من خلاله فتحت الطريق أمام الشابات العربيات والسعوديات لكي يطمحن بتحقيق إنجازات مماثلة، لأؤكد لهنّ من دون قصد أنّ كل شيء ممكن، وأنّ لا شيء صعب أو غير قابل للتحقق، فأنا كنت واحدة منهنّ ولكن بمجهودي وشغفي الكبير، تمكنت من تحقيق ما بدا لسنوات طويلة أمراً مستحيلاً.
من هم ملهموكِ في مجال الموضة؟
أحب الكثير من المصممين الراحلين والموجودين حالياً على الساحة، منهم إيف سان لوران، فالرجل كان مبدعاً بكل المقاييس والدار التي أسسها لعبت وما زالت تلعب دوراً محورياً في مجال الموضة. كما أنّ الكثير من العارضات والدور الأخرى تلهمني، فأنا أريد أن أستفيد من تجاربهم لأطوّر شخصيتي الخاصة في هذا العالم ويكون لي بصمتي الاستثنائية.
تم تنظيم أسبوع الموضة في المملكة مؤخراً. كيف رأيتِ هذا الحدث، وكيف تجدين الاهتمام بمجال الموضة بعد التغييرات في السعودية؟
للأسف لم أستطع المشاركة فيه ولكنني سعدت برؤية الكثير من العارضات ومصممي الأزياء المعروفين الذين شاركوا فيه على مدى أيام. إنّه لأمرٌ رائع أن نرى هذا الحدث الكبير ينظّم بطريقة احترافية في المملكة، فنحن نقوم بتقديم مساحة خاصة وجديدة لمواهبنا في مجال صناعة الموضة، ونسمح للعالم بالتعرف على رؤيتنا الخاصة في الأزياء والصيحات، فهي طريقة رائعة للتعبير، لذا أهنئ جميع المنظمين والمشاركين على هذا الإنجاز الواعد.
كيف ترين أسلوب الشابة السعودية في الأزياء؟
أحب أسلوب الشابة السعودية فهي تبحث عن الأزياء المريحة والتي تحاكي أيضاً العصر الحالي والبيئة التي تتواجد فيها. فالشابة اليوم تبحث عن خيارها الخاص بعد أن باتت قادرة على التخلي بعض الشيء عن العباءة، لذا فإنّها صارت تتابع صيحات الموضة لتختار منها ما يناسب شخصيتها ونمط حياتها.
ما هي مشاريعكِ المقبلة؟
قمت بجلسات تصوير في اليابان وكنت سعيدة جداً بالنتيجة إذ تمّ التقاط صور رائعة في هذا البلد المليء بالتاريخ والحضارة، كما لديّ العديد من المشاريع القادمة في المستقبل القريب.