إيمان بطيخة: أقدّم الدعم العاطفي والمعرفي وأشجع النساء على التفكير بأنفسهنّ أولاً

باتت وسائل التواصل بمثابة الخبز اليومي لغالبية المجتمعات، فتصفّحها شئنا ام أبينا يأخذ حيزاً كبيراً من الحياة المعاصرة، ومهما حاول الإنسان أن يبتعد عنها ليقوم بأمور مفيدة وذات عوائد إلى حياته ويومه ونفسيته، فإنّه يجد نفسه منشدّاً من جديد إلى محتواها، ولا سيما الجيل الجديد الذي نشأ مع بدء غزوتها، وبات يقدّم أيضاً محتوى لا يتماشى مع التربية والعادات التي يحاول الأهل إبقاءها صامدة لتكون أسلحة أخلاقية وتربوية يواجه بها الأبناء ما يحمله لهم المستقبل.

وفي ظلّ كثرة المحتوى غير المفيد والمفسد في بعض الأحيان، برزت أصوات نسائية عربية قدّمت محتوى مختلف، مفيد وتثقيفي وتعليمي وتوجيهي، مؤثر بعمق لأنّه يصل إلى أعماقنا، يخاطب الروح والعقل والفكر والعاطفة الصادقة، ليحدث في من يتلقاه أثراً أيجابياً ومشجعاً.

نتعرف على إيمان بطيخة التي تستفيد من خبراتها التربوية والتعليمية لتساعد الأمهات الجدد والنساء الباحثات عن معانٍ أوسع لحياتهنّ، فبسبب صدفة تغيرت حياة الدكتورة إيمان، فالحمل بتوأم تطلب منها راحة قسرية، مما أجبرها على التوقف عن العمل الذي أحبته كصيدلانية في إحدى أكبر الشركات الدوائية في السعودية، ليكون هذا القرار بمثابة الإنعطافة الحقيقية في حياتها. تقول "ما دفعني لاختيار مجال التربية لاحقاً هو الممارسات اللاواعية التي كانت أمهاتنا تتبعها، والتي تسببت في ضغط على الأم بسبب معتقدات غير حقيقية، مثل الاعتقاد بأنّ المربّي يجب أن يسيطر على كل شيء، وأنّ المربّي الجيد موهوب بالفطرة. رأيت الأمهات يعانين من إنكار ما بعد الولادة، ما خلق شعوراً بالتملّك وتوقعات عالية تضع ضغطاً على الجميع". واليوم، تعد إيمان من أهم المختصين بمنهج مونتسوري والتربية الإيجابية، ومؤسسة شركة Baby Melons التعليمية في كندا، بودكاستر وصانعة محتوى تربوي، يتابع صفحتها على إنستغرام أكثر من 430 ألف شخص، معظمهم من النساء. فاكتشفي المزيد عن هذه الشابة التي تأقلمت مع كل التغييرات في حياتها، ووجّهت نفسها ومشاعرها وأحاسيسها نحو المجال الذي أرضى شغفها، لتحقق النجاح الكبير فيه.

كيف عزّزتِ معارفكِ في مجال التربية، وسبل التواصل السليم والإيجابي بين الأهل ولا سيما الأمهات وأطفالهم؟

لا شك في أنّ خبرتي في مجال الصحة الطبية ودرجة الماجستير في ريادة الأعمال أثّرتا في تجربتي في مجال التربية. وإيماني العميق بأهمية العلم في تطوير مهارات الأطفال دفعني للتخصص في هذا المجال. بدأت رحلتي بدبلوم مونتيسوري Montessori Teaching Diploma، ثم تخصصت كمدربة في الانضباط الإيجابي من الجمعية الأمريكية للانضباط الإيجابي American Association of Positive Discipline، والتربية الواعية من معهد تدريب التربية الواعية في أمريكا Conscious Parenting Method Institute، بالإضافة لدراسة مهارات التدريب الحياتية مع الاتحاد الدولي للتدريب ICF.

هذه الرحلة التعليمية التي استمرت سبع سنوات تضمنت تواصلاً مباشراً يومياً مع مشاكل ومعاناة الآباء والأمهات، ما أثّر على تطوير تجربتي واختيار الدورات المناسبة والتخصّصات التربوية المناسبة لتقديم أفضل خدمة ووعي. وخلال هذه السنوات، بنينا مجتمعاً يضم مليون مربّي ومربية على منصات التواصل الاجتماعي، وتجاوز عدد المشتركين في أكاديمية Baby Melons التعليمية الـ 25 ألف مشترك من 35 دولة. قدّمنا أكثر من 33 دورة تدريبية وبرنامج تربوي، وقدمت دعماً مباشراً لحوالي 1500 أم في جلسات أسبوعية، بالإضافة إلى اللقاءات الحضورية في دول مثل ألمانيا، الإمارات، كندا، الأردن، وسوريا.

كيف ترين اليوم الأم العربية؟ هل هي قادرة على مواكبة التغييرات الكبيرة التي ينشأ في كنفها هذا الجيل؟ (ألعاب إلكترونية، محتوى غزير ومتفلت نوعاً ما عبر وسائل التواصل،...)

أنا مندهشة لوعي الأم العربية في عصرنا الحالي. إنّها أم متميزة، ذكية، طموحة، محبة، متعاطفة، مجتهدة، داعمة، محاورة، مثقفة، منفتحة للعلم بشكل مبهر. لاحظت الفارق الكبير في الوعي المعرفي بين الأمهات في الجيل السابق والأمهات في عصرنا الحالي. ومع كل تقدّم، تأتي التحديات. والتحدي الأكبر في رأيي في هذا العصر هو مواكبة كمية البيانات الهائلة والتي قد تؤدي إلى حالة من عجز الأمهات، حيث إنّها تعرف الكثير بدون نظرة واقعية مرنة تجعلها تشكك بقدراتها وتقف غالباً عاجزة أمام التحديات.

أرى أنّ الأم قادرة على مواكبة التغيّرات التي يشهدها الجيل، ولكنها تحتاج فقط إلى توحيد المصادر التربوية والاعتماد على التجارب والدعم من مجتمع أمهات يتشابه معها بالرؤية. وهذا ما نحاول تقديمه في اكاديميتنا: محتوى شامل وكامل مع الدعم أثناء التدريب، ورحلة ضمن مجتمع يشاركها نفس التحديات بإشراف المختصّين.

كيف تأتيكِ الأفكار لصناعة المحتوى الذي تقدّمينه على وسائل التواصل؟

تجربتي الشخصية كأم وعاملة تمنحني فهماً عميقاً للتحديات التي يواجهها الأهالي والعاملين، وهذا يلهمني لابتكار محتوى يلبّي احتياجاتهم. بالإضافة إلى ذلك، تجارب الأمهات في أكاديميتنا حيث يوجد لدينا بنك تحديات تشاركه الأمهات معنا. أيضاً النقاشات التي تجري في جلسات الدعم الأسبوعية تمثل مصدراً قيماً للفهم العميق لتجاربهنّ واحتياجاتهنّ. كما أنّ مشاركات الأمهات من مواقع التواصل الاجتماعي وعبر البريد الإلكتروني تعزز من تفاعلي معهنّ وتوجيهي لاستجابة أفضل لمتطلباتهنّ. وليس هذا فحسب، بل أقوم أيضاً بقراءة الرسائل الخاصة والتعليقات بشكل شخصي والتفاعل المباشر معها، ما يساعدني على فهم الاحتياجات الفردية وتشكيل محتوى عملي ومفيد يلبّي توقّعات الجمهور ويقدّم الدعم اللازم.

إلى أي مدى وجدتِ بعد انطلاقكِ في Baby Melons أنّ المتابع العربي بحاجة إلى محتوى تثقيفي وتوعوي مفيد، بعيد عن الاتجاهات السائدة على وسائل التواصل والتي يكثر فيها مؤثرو الموضة والجمال؟

منذ انطلاق Baby Melons، لاحظت بوضوح حاجة المتابع العربي إلى محتوى تثقيفي وتوعوي مفيد يتجاوز التركيز السائد على الموضة والجمال على مواقع وسائل التواصل الاجتماعي. التربية تشكّل ما يقارب 90٪ من حياتنا، ومع ذلك لا نأخذها بالجدية التي تستحقها بسبب قوالب مجتمعية تقلل من أهميتها.

ومن الخطأ ربط جودة التربية بالأخلاق فقط، حيث أن كونك شخصاً جيداً لا يعني بالضرورة أنّك تستطيع تربية طفل بشكل جيد. كذلك، تجارب الطفولة السابقة ليست كافية لفهم طفلكِ بشكل صحيح. التربية علم يتطلب معرفة وممارسة وجهداً ووقتاً مثل أي مجال طبي أو حياتي آخر. فنحن لا نتوقّع من جرّاح آداء عملية بناءً على ذكرياته أو أخلاقه، فلماذا نعتقد أنّ المربّي يستطيع تربية أطفال أصحّاء من دون مهارات وتعليم؟

بالنسبة لي، التربية ليست مقتصرة على الأطفال فقط، بل هي أيضاً فرصة للتطور والنمو للآباء والأمهات. إنّها عملية عقلية تتوارثها الأجيال، وتحدد جودة حياتهم، سواء اختاروا إنجاب أطفال أم لا. نجاح المجتمع يعتمد بشكل كبير على جودة التربية التي يتلقّاها أفراده، والتي تنبع من عقلية وممارسة المربّين.

خضتِ تجربة البودكاست في بودكاست Mama Melons. حدّثينا عنها وعن الصفات التي يحتاجها البودكاستر للنجاح كمحاور ومتلقّي للمعلومة من أشخاص من مختلف أنواع الخلفيات والثقافات وأنماط التفكير؟

تجربة البودكاست Mama Melons كانت ممتعة ومفيدة للغاية. ,لتحقيق النجاح في البودكاست، يجب أن يتحلى المحاور بصفات معينة، منها الواقعية والأصالة في الطرح، حيث يجب أن يكون المحاور صادقاً مع نفسه ولا يحاول تقليد أحد آخر. كما يجب أن يكون قادراً على صياغة النصوص بشكل جيد، لأنّ كل كلمة لها تأثير كبير على المستمعين.

التركيز على تقديم معلومات مفيدة وعملية للمستمعين هو أمر ضروري، مع تجنب التجميع الزائد للمعلومات والحشو. وبالنسبة للمستمعين، ينبغي أن يكونوا واعين بأهمية التعلم العملي وتطبيق المعرفة Knowledge Application بدلاً من مجرد اكتسابها Knowledge Acquisition. يجب عليهم التفكير في الأفكار المستفادة وتحديد كيفية تطبيقها في حياتهم اليومية، وتلخيصها مثل كتابة مذكرة صغيرة تحتوي على فكرة عملية واحدة على الأقل بعد كل حلقة.

هذه الطريقة تساعد المستمعين على التعلم بشكل عملي وفعّال، بدلاً من مجرد تجميع المعلومات، ما يجعل تجربة التعلّم ممتعة ومثمرة.

هل تعتبرين أنّ نجاح البودكاست في عالمنا العربي يؤكّد على أهمية المحتوى الصوتي وتأثيره البنّاء على جمهور غارق في عصر الصور؟ كيف يمكن جذب المتلقّي من خلال المعلومات المفيدة، والضيف المناسب، والمحاور المثقف، إلى موضوعات تثري ثقافته وتساعده على فهم نفسه ومحيطه؟

أعتقد بقوة أنّ نجاح البودكاست في عالمنا العربي يؤكّد على أهمية المحتوى الصوتي وتأثيره في جذب جمهور غارق في عصر الصور. لكن كيف يمكن جذب المستمع وإثراء ثقافته ومساعدته على فهم نفسه ومحيطه؟ يكمن السر في تقديم محتوى مفيد يستند إلى الواقعية والعفوية، بالإضافة إلى اختيار الضيوف المناسبين والمحاور المثقف.

يجب علينا أن ندرك أنّ المستمع اليوم يمتلك مستوى ثقافي عالي ويبحث عن محتوى يتماشى مع هذا المستوى. شخصياً، أنصح بالسرد القصصي الذي يسمح للمحاور مشاركة قصته بأصالة، وللمستمع بالمشاركة في بناء القصة في عقله بشكل بعيد عن التلقين حيث يمنحه مساحة للتحليل والتفكير العميق ذاتياً وبالتالي المساهمة في وعيه، على عكس ما تقدّمه الصور والفيديوهات المشتتة للانتباه والوعي أحياناً.

في عالمنا اليوم، يتطلب جذب المستمعين القدرة على إيصال المعلومات بشكل قصصي مثير وممتع، وتشجيعهم على المشاركة والتفاعل وإعطاء الكثير من الأدلة والشروحات لأفكارنا المطروحة في المحتوى لأنّ هذه الطريقة ستساعد المستمع على إعادة بناء معتقدات واعية.

كيف تسعين إلى زيادة تمكين الأم والمرأة العربية ومساعدتها في فهم نفسها وإدراك مشاعرها والتعبير عنها بالشكل الأمثل من خلال المحتوى الذي تقدّمينه؟

أقدّم الدعم العاطفي والمعرفي في Baby Melons، حيث نعرض تجارب مجتمعية مع كل برنامج، تتضمن اجتماعات نقاشية تحليلية أسبوعية مباشرة مع الأمهات، حيث نحظى بتميّز بتقديم الدعم العاطفي والمعرفي الذي لا يتوفّر في البرامج الأخرى، سواء كانت عربية أو أجنبية. أشجع النساء أيضاً على التفكير بأنفسهنّ، وتطوير مهارات الحلول الذاتية واتّخاذ القرارات المستقلة عبر إعطائهنّ أفكاراً للتحليل وفتح غرف نقاشية بينهنّ، بدلاً من تلقينهنّ حلولاً سريعة، وأشجعهنّ على الحوار والتواصل الفعّال حول القضايا المهمة والتحديات اليومية.

تقدّمين نموذجاً ناجحاً عن أم عاملة قادرة على تقسيم وقتها بشكل سليم، ما هي المعادلة المطلوبة للنجاح في هذا الأمر؟

لقد تعلّمت الموازنة بالطريقة الصعبة بعد إصابتي بمرض مناعي سببه الاحتراق الناتج عن السترس والتوتر. أدركت أنّ الأم، سواء كانت عاملة أم غير عاملة، يجب أن تكون على اطّلاع بحالتها النفسية والبدنية. يتطلب ذلك الاهتمام بالنفس من خلال أعمال روتينية يومية، مثل مكالمة هاتفية مرحة، كوب قهوة، استراحة غداء صحي، قسط من النوم، وممارسة الرياضة بانتظام. بالإضافة إلى ذلك، الوعي الذاتي مهم. فعندما فهمت أنّ "الإبداع" هو ما يحفّزني، وحدّدت القيم المهمة لي مثل المسؤولية والهدوء، ساعدني ذلك في صياغة رؤية واضحة للمستقبل. هدفي هو بناء مجتمع من المربّين الواعين القادرين على تنظيم انفعالاتهم وتحمّل مسؤولياتهم مع الاهتمام بالنفس.

ما هي نصيحتكِ لكل أم أو شابة تشعر بأنّها مغلوبة أو غير قادرة على مواكبة كل ما يحدث في حياتها من تغيرات؟

أقول لها: لا داعي لأن تحاولي السيطرة على كل شيء. في هذه الحياة، هناك فرص لا حصر لها تنتظركِ، فرص لتفهمي نفسكِ وتتعرفي على أفكاركِ ومشاعركِ بشكل أفضل. الفهم الذاتي يُعد أهم بكثير من محاولة مواكبة مجتمع يبدو غالباً غير واعٍ. نحن لسنا هنا لمجرد مواكبة التقدّم التكنولوجي، نحن بشر ولسنا روبوتات. نحن هنا لنفهم أثرنا وأسباب وجودنا على هذه الأرض، ولنعيش بتعاطف وترابط مع بعضنا البعض. التركيز على أهدافنا والالتزام بتحقيقها بانضباط، سيساعدنا في تحقيق النجاح والراحة في حياتنا القصيرة على هذا الكوكب.

حدّثينا عن نشاطاتكِ في الفترة المقبلة؟

أكمّل تخصصي في علوم الأعصاب والعلوم النفسية، فهذا الأمر يثير فضولي وأرغب في معرفة المزيد لكي أتمكّن من تحقيق رؤيتي بشكل أفضل.

بالإضافة إلى ذلك، أنا ملتزمة ببناء مجتمع للمربين واعي يتمتّع بنقاشات عميقة وثرية، مع تشجيع التقبّل والتبادل والتعاطف والانضباط، لإعادة بناء معتقدات مجتمعية واعية بدلاً من القوالب اللاواعية التي تعد السبب بنسبة تسعين في المئة من إرهاقنا. وقد بدأنا هذا المسعى من خلال مجتمع أمهات Baby Melons، الذي يُعتبر أكبر مجتمع داعم للأمهات في الوطن العربي، حيث يمكن للأمهات اللقاء وتبادل الأفكار والتجارب بانتظام وبإشراف مختصين.

اقرئي المزيد: لانا مدوّر: ترك أثر لدى الجمهور هو هدف محتواي على وسائل التواصل

 

 
شارك