لانا مدوّر: ترك أثر لدى الجمهور هو هدف محتواي على وسائل التواصل

باتت وسائل التواصل بمثابة الخبز اليومي لغالبية المجتمعات، فتصفّحها شئنا ام أبينا يأخذ حيزاً كبيراً من الحياة المعاصرة، ومهما حاول الإنسان أن يبتعد عنها ليقوم بأمور مفيدة وذات عوائد إلى حياته ويومه ونفسيته، فإنّه يجد نفسه منشدّاً من جديد إلى محتواها، ولا سيما الجيل الجديد الذي نشأ مع بدء غزوتها، وبات يقدّم أيضاً محتوى لا يتماشى مع التربية والعادات التي يحاول الأهل إبقاءها صامدة لتكون أسلحة أخلاقية وتربوية يواجه بها الأبناء ما يحمله لهم المستقبل.

وفي ظلّ كثرة المحتوى غير المفيد والمفسد في بعض الأحيان، برزت أصوات نسائية عربية قدّمت محتوى مختلف، مفيد وتثقيفي وتعليمي وتوجيهي، مؤثر بعمق لأنّه يصل إلى أعماقنا، يخاطب الروح والعقل والفكر والعاطفة الصادقة، ليحدث في من يتلقاه أثراً أيجابياً ومشجعاً.

من لانا مدوّر التي تشجّع بأسلوب رائع على القراءة وإعادة دور الكتاب إلى حياتنا ويومياتنا، سننطلق، فلانا وهي إسم معروف في عالم الإعلام السياسي والاجتماعي، تملك خبرة طويلة في مجال العمل التلفزيوني وقد اختارت مؤخراً أن تنقل اهتمامها إلى وسائل التواصل لتقدّم محتوى تحفيزي وتثقيفي وصل تأثيره إلى ملايين المتابعين، وقد التقيناها لنتعرّف أكثر على أفكارها وعلى المفاتيح التي امتلكتها لتحاكي جمهور الجيل الجديد.

من الإعلام السياسي إلى البرنامج الاجتماعي وتالياً نحو وسائل التواصل مع محتوى تحفيزي وتثقيفي وتوعوي وصل تأثيره إلى الملايين. كيف حصلت هذه التغييرات في حياتكِ؟

تطوّر عملي ترافق مع تطوّر الوعي الذاتي لديّ... مررت منذ أربع سنوات بمرحلة إعادة إكتشاف الذات، وتراجعتُ خطوات الى الوراء لأهدأ بعد عمل متواصل استمر لخمسة عشر عاماً أي منذ ما قبل تخرجي من الجامعة. مرت أحداث كثيرة مهمة في حياتي، منها أنني أصبحت أمّاً وحققت حلمي بالعمل الإعلامي على الشاشة. تعبت كثيراً لأصل الى المكان الذي وصلت إليه كمقدمة أخبار وبرامج سياسية. هذا الهدف الذي رسمته لنفسي منذ طفولتي، حققته، ولكن بقي ما هو ناقص.

فتراجعت خطوات إلى الوراء، وتأملت بماهية عملي وما أريده حقاً في المهنة والحياة، وبقيت عاماً كاملاً في البيت من دون عمل، أستثمرته لأقرأ أكثر، وأجرّب في صناعة المحتوى. أستطيع أن أقول إنّ حياتي تغيرت تماماً بعدما انسحبت من الصخب وسيطر الهدوء على يومياتي. بدأت أرى الأمور بطريقة مختلفة تماماً عن السابق، وأدركت أنّ أكثر ما أحتاجه هو التغيير المهني.

هل من حدث معين دفعكِ لتغيير مساركِ بهذا الاتجاه؟

أظن أنّ فترة الأزمة الاقتصادية في لبنان بعد الثورة دفعتني إلى إعادة طرح الكثير من الأسئلة عن السياسة والمهنة والعمل الإعلامي. هذه الفترة كانت مصيرية بالنسبة لي لأنني كنت فاعلة ومشاركة فيها بالرأي بقوّة، وعلى إثرها قررت أنني لم أعد أرغب في العمل الإعلامي السياسي. أدركت حينها الكثير من الحقائق، وتوصّلت إلى قناعة أنني من خلال عملي عاجزة عن إحداث أي تغيير أو تأثير، لذا قادني بحثي إلى مكان أشعر فيه حقاً أنني أؤثر وأغيّر، خصوصاً مع الشباب والنساء، لأنّ تجربتي الانسانية غنية، فأنا عشت في ظل الاحتلال السنوات الأربعة عشر الأولى من حياتي، وعشت بمفردي خلال دراستي الجامعية وأصبحت أماً في سنّ مبكرة، وفي وقتٍ كنت أبني فيه حياتي المهنية. واجهت الكثير من التحديات والعراقيل، ما أغنى تجربتي وأثقل رؤيتي للحياة. لذا أشعر اليوم أنّ كل هذا المسار، سمح لي أن أفهم عمق الصراعات التي يخوضها كل واحد منا، ومكّنني من معرفة كيفية التعامل معها، ودفعني لأنفتح على الآخر وأفهم وأناقش وأتقبل التنوع والاختلاف.

كيف طورتِ معرفتكِ بمفاتيح النجاح على وسائل التواصل لتصنعي محتوى جديد بكل المقاييس على الجمهور العربي؟

بالتجربة والعمل المستمر، بدأت على مواقع التواصل أنتج المحتوى منذ عام 2015، كنت حينها قررت أن أنتج محتوى سياحي، وأسميته "خطى لانا". لم أنجح في هذه التجربة لعدة أسباب، أهمّها أنني لم أعرف كيف أقدّم نفسي كصانعة محتوى، فكنت أتخبط بين هويتي كإعلامية وككاتبة. أظن أنني حينها لم أكن جديّة في مسألة صناعة المحتوى، دخلت إلى هذا المشروع من باب التسلية، فانتهت التجربة بعد عامين حيث وجدت أنّ هناك خللاً ما وطريقة إدارتي للمشروع لم تكن مناسبة. بعدها حاولت أيضاً في صناعة المحتوى لعام قبل ثلاث سنوات، ولم تكن تجربة ناجحة كما أرغب، لكنها علمتني الكثير.

وكل مرة كنت أخفق، كنت أتعلم من الإخفاق، فتراكم الإخفاقات سمح لي أن أختبر كل الطرق غير الناجحة لصناعة المحتوى إلى أن وصلت لعام 2023 حيث أتى النجاح حينها دفعة واحدة! قد يبدو الأمر سريعاً لكنه ليس كذلك ابداً، فتراكم التجارب أزهر أخيراً حصاداً خيّراً.

أكثر ما أفخر به بتجربتي تلك، هو أنني لم أساوم على مبادئي ورؤيتي في نوعية المحتوى الذي أقدمه، وهذا ما أحب أن أقوله لصناع المحتوى المبتدئين. لم أسمح للتريند أن يقود مسيرتي وأخسر هويتي لأجل الانتشار، لا بل تمسكت بإنتاج محتوى ثقافي إنساني بالمعايير التي أريدها، ولكن غيّرت طريقة تقديمي وطرحي.

لماذا برأيكِ ازداد اهتمام الجمهور العربي بالمحتوى التثقيفي والتحفيزي؟

لم يزداد أو ينقص، المشكلة ليست في الجمهور إنّما بما يُقدَّم له، فلماذا نفترض أنّ الجمهور يرغب في نوع معين من المحتوى ولا يرغب فينوع آخر...الجمهور يستهلك كل ما يُقدَّم له بطريقة ممتعة! أضِف سحراً ومتعة على أي محتوى مهما كان نوعه: طبي، علمي، ثقافي، نفسي… فيستهلكه الجمهور ويتفاعل معه.

المشكلة هي أننا نضع أفكاراً معلّبة عن رغبات الجمهور بينما في الحقيقة هذه الرغبات تعكس مصالح أولئك الذين يسيطرون على سوق الإعلام والإعلان. إنما اليوم مع انفتاح وانتشار مواقع التواصل، لم تعد مؤسسات الاعلام التقليدي تتحكم بأجندة العرض والمحتوى، لذا تحررنا من الكثير من "الاعتقادات الخاطئة عن رغبات الجماهير" وتبيّن أنّ الناس ترغب في الاستماع لمن يحاكي عقلها وروحها ومشاعرها وليس غرائزها!

تحدثين تغييراً في نمط الخبر السياسي الجامد، من خلال تقديمكِ لمجريات الأحداث في فلسطين بشكل مبسّط ومفهوم ومباشر عبر إنستغرام، كيف فكرتِ بهذا المحتوى بالتحديد؟

لم أفكّر ولم أخطط لهذا المحتوى، حتى أنني اتخذت قراراً بالّا تضمّ صفحتي أي مواقف سياسية أو أخبار من هذا النوع، إنّما بعد 7 أكتوبر، وكداعمة ومؤيدة للقضية الفلسطينية، كنت أتابع الأحداث بدقّة، وأذكر أنني صوّرت تحليلاً يتوقع الأحداث بشكل عفوي في سيارتي على الستوري، وكان تحليلاً صائباً، وبدأ المتابعون يطالبونني بمزيد من التحليلات.

أثبتُّ مع الوقت أنّ رؤيتي لمسار الأحداث السياسية واستشرافي للآتي صائباً. وقد كان الأمر طبيعياً، فعملي في المجال السياسي العربي والدولي لأكثر من 16 عاماً جعل قراءتي للأحداث سهلة والتوقع صحيحاً. خبرتي أعطتني المرونة للفصل بين التمنيات والعواطف من جهة، والمنطق السياسي من جهة أخرى.

وهذا تحديداً ما جذب المتابعين، لأنّ تحليلي كان منطقياً هادئاً سهل الفهم، غير معقد، مع القضية بذكاء، غير منحاز بغباء وغير مؤدلج! فقلت إنني سأستمر بالتحليل السياسي لحين انتهاء الحرب. لم اشأ أن أصدّق أنّ الحرب فعلاً ستمتد طيلة تلك الأشهر رغم أنّ التصريحات والمعطيات كانت تؤكّد ذلك منذ اليوم الأول.

وعموماً، المحتوى السياسي الذي أقدّمه سينتهي فور انتهاء الحرب، ولا أخطط للعودة إلى السياسة في الوقت الراهن، لكن قد أعود لاحقاً بشكل مختلف إنّما الآن لديّ أهداف وأولويات أخرى.

ما رأيكِ بالتغييرات الحاصلة في مجال الإعلام؟

بطبيعتي، أنظر إلى كل شيء بإيجابية، والتغيرات الحاصلة راهناً في عالم الإعلام لا تدعم بقاء التلفزيون وسيلة إعلام كما عرفناه في السابق. التطور المهني راهناً لنا كإعلاميين يحتم علينا التفكير الإبداعي خارج صندوق التلفزيون، وأظن صراحةً أنّ تنوع الوسائط الإعلامية خاصة مع يوتيوب ووسائل التواصل يسمح للفرد بالتعبير عن موهبته وتنفيذ أفكاره أكثر من السابق.

هل غابت أهمية العمل التلفزيوني مقابل سيطرة وسائل التواصل؟

نعم إلى حدّ كبير، وأظن المرحلة المقبلة سترسم الكثير من التحديات للتلفزيون وإدارات المؤسسات الإعلامية. وما سيبقى ثابتاً هي غرف الأخبار وكل برامج البث المباشر للأحداث من سياسة ورياضة وغيرها. إنّما كل الأنواع الأخرى من برامج تحديداً، تواجه تحديات كبرى في تحديث آلاتها الإبداعية نظراً للمنافسة الكبرى من صنّاع المحتوى على مواقع التواصل.

هل يمكن أن نقول إنّكِ تركتِ الشاشة وذهبتِ إلى أماكن أبعد في عملكِ الإعلامي؟

لم أترك الشاشة بعد ولكنه ليس امراً مستبعداً. أرى تطوري المهني والإنساني بدأ يكتمل اليوم مع الرؤية التي وضعتها لنفسي أواخر عام 2020 وعملت عليها بجهد وإيمان لليوم. قطعت وعداً على نفسي ألّا أصبح أسيرة الشاشة، وألّا أدع الظهور عليها يحدد قيمتي لنفسي وتقديري لذاتي وحبي لعملي. فأنا استمتع بالإنتاج والعمل الإبداعي بحدّ ذاته، وهذا ما أريد الاستمرار بعمله على الشاشة أو خارجها. لا يهم أين أكون، المهم أن أصحو يومياً لأمارس شغفي لأنّه يعطيني الكثير من السعادة والتوازن والثقة بالنفس.

هل أنتِ مع وضع رقابة على وسائل التواصل (مع ازدياد الحديث عن حجب تيك توك في لبنان)؟

أقدّر وأتفهّم من يطالب بالرقابة على وسائل التواصل كتيك توك بعد الإجرام الذي شهدناه، ولكن نحن نعيش في عصر الإنترنت، عالم مفتوح على مصراعيه، فهل تعتقدين أنّ الرقابة ستمنع حقاً هذا الإجرام؟ أظن أنه ينبغي محاسبة المجرمين وعدم السماح لهم بالإفلات من العقاب وأن نتحدث أكثر علناً عن تلك المواضيع الحساسة على الإعلام ومع أولادنا لأنّ هذا هو الرادع الوحيد للحد من تلك الجرائم.

إلى أي مدى تتابعين ردود أفعال الجمهور وتلقّيه لمحتواكِ؟ وهل يسعدكِ إحداث تأثير إيجابي في حياة شابات كثيرات يرونكِ مثالاً أعلى ويتابعن منشوراتكِ بشغف؟

ربما أكثر ما أحرص عليه هو أن أردّ على تعليقات المتابعين ورسائلهم. يعني لي الكثير رأيهم وردود أفعالهم، فالجزء الأكبر من نجاحي المهني يعود للمتابعين، إذ أصنع محتوى لهم! وصانع المحتوى الذكي يعرف كيف يحوّل أسئلة جمهوره وحاجاتهم إلى محتوى مفيد لهم. أكثر ما يسعدني عندما أقرأ رسالة من سيدة تقول لي:"ألهمتني لأغير حياتي أو لأتخذ قراراً صعباً"، ويفرحني جداً عندما يكتب لي أحدهم:"هذا الفيديو أتى في وقته وكأنه رسالة لي". أحب المساهمة إيجابياً في يوميات متابعيني، وبناء علاقة صداقة معهم، وقد أصبح عدد كبير منهم من أصدقائي.

كيف تختارين الكتب التي تقرأينها وتقدّمينها لجمهوركِ بطريقة جاذبة تحثهم على القراءة؟

لديّ حاسة سادسة في اختيار الكتب، لا أستطيع أن أفسّرها بكلمات، فأنا أشعر أنّ الكتب تناديني وقلّما أختار كتباً غير جيدة. معظم الوقت اختياراتي تكون صائبة... أعشق الروايات لأنّها كانت دائماً نافذتي على اكتشاف العالم والناس. وقد لا أكون بارعة في تنمية شبكة علاقات اجتماعية إلا أنّ الكتب علّمتني الكثير عن الناس، خاصةً أنّ كتب التنمية الذاتية وعلم النفس استحوذت على اهتماماتي مؤخراً وساعدتني لأفهم الكثير عن نفسي، كما أنني أعشق كتب التاريخ والسياسة ولكن لا أنشر عنها على صفحتي.

إلى أي مدى وجدتِ أنّ المتابع العربي بحاجة إلى محتوى تثقيفي وتوعوي مفيد، بعيد عن الاتجاهات السائدة على وسائل التواصل والتي يكثر فيها مؤثرو الموضة والجمال؟

حسابي الذي يُعني بالثقافة والكتب والإنسان وصل إلى مليون ومئة ألف متابع خلال عام، هذا الرقم لوحده يدلّ كم أنّ المتابع متعطش لما يثري عقله ويحاكي روحه، وبرأيي إنّ المتابع العربي ذكي، مجتهد، ناقد، ويحب أن ينمّي حياته وفكره.

هل تعتبرين أنّ نجاحكِ كمتحدثة تحفيزية يؤكّد على أهمية المحتوى الصوتي وتأثيره البنّاء على جمهور غارق في عصرالصور؟ كيف يمكن جذب المتلقي من خلال المعلومات المفيدةإلى موضوعات تثري ثقافته وتساعده على فهم نفسه ومحيطه؟

المحتوى بكل أشكاله يمكن أن يكون مؤثراً إذا تم تقديمه بشكل صحيح، وهنا ما أقصده بالصحيح هو أن يُقدَّم بعمق وعفوية، وهذا ما أعلّمه لطلّابي ولصنّاع المحتوى الذين يطلبون التعاون معي لتنمية حساباتهم ومحتواهم ضمن أكاديمية سرد القصص التي أسستها. لا أؤمن بمحتوى ليس له جمهور، وبأنّ الجمهور يريد نوعاً معيناً من المحتوى محصوراً بالترفيه والطعام والموضة والسفر، ولا أؤمن أنّ أي شيء يمكن أن يحدّ من إبداعك كصانع محتوى، فإذا عملت بشكل صحيح على تقديم محتواك، ستصل إلى جمهورك المستهدف.

كيف يمكن الحفاظ على ثبات نفسي وانفعالي في ظل كم ما نتلقاه من صور ومعلومات وأنماط عيش عبر وسائل التواصل؟

التحديات النفسية التي ظهرت مع وسائل التواصل لا يمكن الاستهانة بها، فسابقاً كنّا نمتنع عن مشاهدة التلفزيون أو قراءة مجلة إذا كانت تؤثر على ثقتنا بأنفسنا، إنّما اليوم لا يمكننا ذلك... بعض الخطوات التي أتبعها هي مثلاً أن أبتعد عن الهاتف، وأن أذكّر نفسي دائماً أنّ هذا العالم غير حقيقي.

كيف تسعين إلى زيادة تمكين الشابة العربية من خلال المحتوى الذي تقدّمينه؟

تمكين المرأة لا يتم بالكلام، فمسؤوليتي كإمرأة فاعلة على مواقع التواصل هي أن أحمل مسؤولية وأقدّم نموذجاً يلهم الجيل الجديد من الشباب والنساء. أحب التطرق للقضايا الشائكة للنساء على صفحتي وتقوية ثقتهنّ بأنفسهنّ، لتقبّل الصعوبات والتحديات وعدم الخوف من التغيير. أرى أنّ قصتي الشخصية حيث بدأت أبني مهنتي وحياتي من الصفر على كل المستويات قد تساعد النساء على التفكير البنّاء والإيجابي بأنّ الأمل موجود إذا آمنا
بأنفسنا ورؤيتنا.

اقري المزيد: شهد النخلاوي: أرغب في إحداث تأثير يتردد صداه بعيداً

 

 
شارك